كـتـاب ألموقع

• الترجمة فى عصرالعولمة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جودت هوشيار

 

 الترجمة فى عصرالعولمة

 

لا جدال فى أن الترجمة او النقل من لغة الى اخرى ، ضرورة أنسانية لا يمكن لأى مجتمع أن يستغنى عنها ، مهما بلغ من من الرقى و التقدم . لأن الترجمة هى الأداة الرئيسة للأتصال و التفاهم و التقارب بين الأمم المختلفة و التفاعل الخصب بين ثقافاتها ، و هى الوسيلة الأساسية لنقل المعارف و العلوم و التكنولوجيا و تطويعها للأحتياجات المحلية ، بما يؤمن تحديث المجتمع بوتائر متسارعة .

 

ففى عصرنا الراهن ، عصر ثورة الأتصالات و المعلومات ، تزداد الحاجة الى الترجمة أكثر من أى وقت مضى و ذلك لمواجهة الكم الهائل من المعرفة العلمية – التكنولوجية و ألأنتاج الفكرى و الثقافى و الفنى التى تنشر و تذاع و تقدم بمختلف اللغات عبر شتى الوسائل البصرية و السمعية ، و جعلها متاحة للجميع عن طريق الترجمة المتبادلة ,

 

و تشهد الدول المتقدمة – او بتعبير أدق، الدول المتحضرة – تصاعدا مستمرا و نموا مضطردا فى حجم النشاط الترجمى و تنوعا فى حقوله و تعددا فى طرائقه وو سائله ، بحيث أصبح هذا النشاط  و مدى أتساعه و شموله لأهم حقول المعرفة مؤشرا مهما و أكيدا على مستوى التقدم الحضارى لهذه الدول و أسهامها فى تطور الحضارة الأنسانية .

 

و رغم شعار العولمة و ما يقال عن زوال الحدود و القيود بين دول العالم ، الا أن الشواهد العملية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، أن الفجوة العلمية – التكنولوجية تزداد عمقا و أتساعا يوما بعد يوم بين الدول المتقدمة و الدول النامية .

 

و فى الوقت الذى تنتقل فيه المعلومات فى شتى حقول المعرفة بسهولة ويسر بين الدول المختلفة فى العالم المتقدم عن طريق الترجمة المتبادلة بين لغاتها، نجد أن الدول النامية – التى هى أحوج ما تكون الى هذه المعلومات لتطوير و تحديث مجتمعاتها – تقف عاجزة عن ملاحقة و أستيعاب و لو جزء يسير من هذا الفيض الهائل من المعلومات ، لأفتقارها الى  خطط و برامج مدروسة لنقل أهم و أحدث ما توصل اليه الفكر الأنسانى الى لغاتها ،أضافة الى عدم توافر مقومات الترجمة و مستلزماتها من امكانات مادية و طباعية و كوادر ترجمية مؤهلة من حيث العدد و الأختصاص و الكفاءة ، ناهيك عن أفتقار لغاتها الى المصطلحات العلمية و التكنولوجية التى تغطى كافة أو فى الأقل أهم حقول المعرفة . ذلك لأن لغة أى أمة تتطور بتطورها و لا يمكن للغة ما – مهما بلغت من السعة و الثراء – ان تستوعب المصطلحات الجديدة ، الا أذا اصبحت هذه المصطلحات جزءا من اللغة العلمية المتداولة لتلك الأمة .

 

و بموازاة النشاط الترجمى المتعاظم المنظم فى الدول المتقدمة و المتمثل فى المؤسسات و المعاهد المتخصصة و جمهرة المترجمين المؤهلين فى كل أختصاص ، أخذت ( نظرية الترجمة )  تتطور و تتعمق و تتشعب بسرعة كبيرة على أيدى علماء الترجمة و منظريها ، انطلاقا من نتائج التطبيقات العملية الواسعة للترجمة بشتى فروعها ، بحيث أصبحت لنظرية الترجمة أصولها و مناهجها و مبادئها و مصطلحاتها التى تعقد من أجلها الندوات و المؤتمرات العلمية على الأصعدة الوطنية و الأقليمية و الدولية ، كما انها تدرس فى الكليات و المراكز المعنية , و ثمة عشرات المجلات المتخصصة بنظرية الترجمة و تطبيقاتها تصدر بشتى اللغات فى كثير من الدول المتقدمة و بخاصة فى أوروبا و الأميركيتين .

 

و نظرية الترجمة – كما يفهمها علماؤها و منظروها – تتجاوز تلك النظرة الساذجة الى الترجمة كنشاط ثانوى لقسم من الكتاب و المثقفين الذين يعرفون هذه اللغة الأجنبية أو تلك ، كما أنها تتناقض مع الأعتقاد السائد فى المجتمعات المتخلفة ، بأمكانية ممارسة هذا النشاط من دون الألمام بالمبادىء الأساسية لنظرية الترجمة (هذا اذا كان المترجمون المحترفون فى هذه المجتمعات قد سمعوا بهذه النظرية أو قرؤا عنها شيئا على الأطلاق ) .

 

ان الترجمة – لم تعد جهدا فرديا تطوعيا يترك للرواد و الهواة , ففى ضؤ الكم الهائل من المعلومات التى التى تتطلب تحويلا مستمرا من لغة الى أخرى لضرورتها للعمل و الحياة ، لا يمكن ترك عملية الترجمة للأفراد و أختياراتهم و قدراتهم فحسب ، كما لا يمكن أنجازها كنشاط تكميلى لنشاط أصلى ، و أنما ينبغى أن يعهد بها الى مؤسسات و معاهد و مراكز متخصصة متفرغة كلية لهذا النشاط ,

 

ان التخلف فى حقل الترجمة له نتائج سلبية عميقة فى حياة المجتمعات ، لعل أخطرها ، تكريس التخلف و التبعية العلمية – التكنولوجية و الثقافية  للدول الأكثر تقدما . لقد آن الأوان لبذل كل  جهد علمى ممكن  من أجل تجاوز كل ما يعرقل النشاط الترجمى المنظم فى بلادنا ، ليتسنى لنا مواكبة انجازات الحضارة الأنسانية المعاصرة .

 

جودت هوشيار

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.