اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الخشبة الإيرانية بين صدام حسين وأياد علاوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

إبراهيم الزبيدي

الخشبة الإيرانية بين صدام حسين وأياد علاوي

 

كنا ثلاثة في دار الضيافة في الرياض في أوائل عام 1990، السيد صلاح عمر العلي عضو مجلس قيادة الثورة وعضو القيادة القطرية لحزب البعث (سابقا) والدكتور أياد علاوي وأنا. سألت صلاح عن مسيرة صعود صدام العجيب من موقعه العادي في الحزب في تموز/يوليو 1968، إلى مركز أمين سر القيادة القطرية في أقل من عام. فالمعروف أنه لم يكن عضوا في القيادة القطرية ولا في مجلس قيادة الثورة عند حدوث اتقلاب 1968، ثم أصبح نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ونائبا لأمين سر القيادة القطرية في عام 1970، مختزلا بهذه السرعة الصاروخية سنوات من عرق الجبين ومن الخدمات المتميزة التي قدمها غيره لكي يصعد من مرتبة إلى أخرى.

فقال دون تردد، إن السر في ذلك يكمن في جهاز (حـُنيـْن) الذي كان قبل الانقلاب جهاز مخابرات الحزب الذي كانت مهمته أن يزيح عن الطريق أي حزب أو أي شخص يعيق مسيرة الحزب نحو الهيمنة على السلطة في العراق. وكان صدام هو العماد الأهم في ذلك الجهاز. وحين نجحنا في السيطرة على الحكم، تولى هو مهمة الإشراف على ذلك الجهاز. ففي أول اجتماع تعقده القيادة بعد نجاح خطة التخلص من الشريكين الطموحين إبراهيم الداود وعبد الرزاق النايف واعتقال أنصارهما والانفراد بالسلطة طرح أحمد حسن البكر فكرة تعزيز جهاز ( ُحنيـْن) الذي أصبح اسمه جهاز الاستعلامات التابع للحزب، والذي سمي فيما بعد بـ (جهاز المخابرات العامة) وتزويده بكفاءات استخباراتية جيدة، وإمداده بكل أنواع الأجهزة والمعدات والأموال، ليكون قادرا على حماية الحزب والثورة من أعدائهما الكثيرين، وخاصة إيران وأتباعها. واقترح أن يتولى أحد أعضاء القيادة القطرية إدارة الجهاز الجديد والإشراف على تطويره وتوسيع نشاطاته. فلم يستجب أي منا لدعوة البكر، ترفعا عن قبول مهمة قذرة من هذا النوع. وساد صمت طويل. هنا نطق صدام الذي لم يكن عضوا في القيادة يومها، والذي كان يحضر الاجتماع بصفة مرافقَ الرئيس البكر ومُدبــرَ شؤونه، فتطوع لتسلم هذه المسؤولية وحَمـْـل أعبائها، تخفيفا عن كاهل أعضاء القيادة. ومرة أخرى ساد صمت طويل قطعه البكر مخاطبا أعضاء القيادة القطرية: إذا لم يكن أي منكم راغبا في تسلم هذه المسؤولية فأنا أقترح الموافقة على تكليف الرفيق صدام بهذه المهمة. وهكذا كان.

يقول صلاح، وعلى الفور استدعى صدام أخوته الصغار، برزان ووطبان وسبعاوي، ورفاقـَه المقربين ممن جربهم في عملهم معه في جهاز حنين، وعَرف فيهم الجرأة والإقدام والخبرة في الاغتيال والاقتحام. وفي مقدمتهم سعدون شاكر وناظم كزار ومحمد فاضل.

كان أذكى منا جميعا، حيث وظف قوة ذلك الجهاز الهائلة لتنفيذ مهمة تصفية أعداء الحزب، أولا، ثم خصومَه هو شخصيا داخل الحزب والحكومة، حتى لو كانوا بعثيين، بتهم مختلفة، أقلـُها التهاون في حماية الحزب، والتفريط ُ بأسراره.

ولم يكن لأي منا الحق ولا القدرة على التدخل لوقف صدام حسين، ومنعه من تحويل أجهزة المخابرات والأمن إلى مملكة مغلقة له، وله وحده، يستخدمها لتحقيق طموحه الجامح، خصوصا وأنه كان يقوم بتصفية خصومه البعثيين ضمن ضجيج حروبه الشرسة التي كان يفتعلها لتصفية أعداء الحزب من القوى والأحزاب السياسية الأخرى المعادية، أو التي يتوقع لها أن تكون معادية.

لقد أتقن اللعبة، وصار هو العصا الغليظة المرفوعة فوق رؤوس الجميع في الحزب والحكومة، وأصبح الرفاق، جميعا ودون استثناء، لا يجرؤون على انتقاد الأسرة الحاكمة، إلا بهمس شديد، ولا يشتمون العوجا وأهلها إلا وأيدهم على أفواههم، خوفا من جواسيس البعبع المخيف صدام حسين.

قفزت إلى ذهني هذه الحكاية القديمة التي رواها صلاح عمر العلي أمس وأنا أتأمل رسالة الدكتور أياد علاوي الموجهة لأمريكا والغرب وإسرائيل، والمنشورة عمدا في صحيفة (واشنطن بوست  كيف يمكن للعراق حماية ديمقراطيته الهشة )، وليس في أية صحيفة عربية أو أوربية، في غمرة الإنشغال الدولي الغربي بعقوبات مجلس الأمن المشددة ضد إيران. وأعادت رواية صلاح إلى ذاكرتي قصة أخرى مشابهة. عند أول اجتماع لمجلس الحكم الذي شكله بريمر تطوع الدكتور أياد علاوي باقتراح أن بتحمل مسؤولية رئاسة اللجنة الأمنية في المجلس، على أن تخضع له وزارات الداخلية والدفاع وأجهزتهما المختلفة لتسهيل عمله.

وليس من قبيل الصدف أن يطلب الدكتور أياد توزير صهره نوري البدران، ومنحه وزارة الداخلية بالذات، دون ان تكون لديه أية خبرة أو معرفة سابقة بشؤون الأمن والإدارة. فالرجل كان ملحقا ثقافيا في سفارة نظام صدام في موسكو. كما طلب تعيين قريبه الدكتور علي علاوي وزيرا للدفاع، الأمر الذي أثار مخاوف إيران من خلال وكلائها العراقيين، بسبب جذور الدكتور أياد البعثية القديمة، وتحسبا لتكرار حكاية صدام القديمة مع جهاز حنين، فعملت على عرقلة عمل لجنة الأمن والدفاع التابعة لمجلس الحكم، وتخريبها.

يقول الدكتور أياد في رسالته:

" كتلة (العراقية) قلقة أيضاُ من التهديد الذي تشكله إيران، التي دعت حكومتها الكتل الاخرى الى طهران للوساطة بينهم لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وقد أقصت هذه الخطة عن عمد الشيعة غير الطائفيين والسنة وغير المسلمين من أي تمثيل، وهو ما سيوقع بالعراق في مدار الهيمنة الإيرانية. باختصار، سيضمن هذا عودة إلى السياسيات القديمة القائمة على الطائفية والعنف. فتدخل قوة أجنبية بهذه الطريقة التي تفتقر إلى الشفافية أمر غير مقبول، إذ يجب أن يكون للعراق فرصة تشكيل حكومة مستقرة وفعالة، تخدم شعبه وتتمتع بعلاقات جيدة مع جيرانه – دون تدخل أجنبي. "

بعبارة أخرى، إن الخشبة الإيرانية في بحر الصراع الدامي على الكراسي في العراق قد تصبح السفينة المذهبة التي توصل راكبها إلى بر الأمان، وتضع بين يديه مفاتيح المنطقة الخضراء وتسكنه في قصورها العامرة.

ومثلما ركبها صدام حسين أمس، واستحق بها خزائن الأمريكان، وبعض ٍ من الأوربيين، وكثيرين من العرب الحانقين على إيران والمتطيرين من مدها العقائدي والطائفي المخيف، فقد يكون صديقنا الدكتور أياد، أيضا، توهم بأن رسالته المحزنة تلك ربما تمكنه من ركوب خشبة إيران، ليعيد التاريخ نفسه من جديد، ويشتعل العراق والمنطقة بنيران حرب جديدة لن تبقي ولن تذر، على أعتاب البوابة الشرقية، نيابة عن الآخرين.

ولكن الدلائل كلها تقول إن الزمن قد تغير كثيرا، وأن النهر لا يعود إلى الوراء، وبالتالي فإن الفشل الذي أنهى مهمة لجنة الأمن والدفاع في مجلس الحكم سينهي أيضا مهمة الكتلة العراقية التي يريد الدكتور أياد أن يجعلها، بالقوة، جبهة علمانية ديمقراطية غير طائفية تقف وحدها وبشجاعة في مواجهة الخطر الإيراني على أمن العراق والخليج، وعلى المصالح الدول الكبرى في المنطقة.

ولعل أخطر ما سطره الدكتور أياد في مقاله الموجه أساسا لأمريكا وإسرائيل هو هذا:

" فهذه النتيجة (إبعاد الكتلة العراقية عن الحكومة القادمة) ستكون بمثابة إهانة لعشرات الآلاف من العراقيين الذين فقدوا أرواحهم في هجمات إرهابية، ولآلاف الجنود الأميركيين الذين ضحوا بحياتهم؛ كما أنها ستهدد أيضا أولويات السياسات الأميركية والدولية في المنطقة كافة – من الانسحاب المخطط للقوات، الى الاحتواء النووي، وضمان موارد مستقرة للطاقة، وحتى فرص تحقيق نجاحات في المسألة الفلسطينية-الإسرائيلية."

بصراحة، ليس لائقا ولا مقبولا أن يبلغ التعلق برئاسة الوزارة هذه الدرجة من الهوان الذي يلجيء صاحبه إلى استجداء العطف والمعونة الخارج، والاستقواء بأمريكا والغرب بل وحتى بإسرائيل في معارك داخلية عابرة. فليس تستحق كنوز الدنيا كلـُّها خسارة احترام ناخب واحد وثق بعلمانية الدكتور أياد علاوي ووطنيته.

بالمقابل ماذا نكون قد فعلنا، إذا كان كل فريق يهرع إلى الخارج لطلب النجدة والعون على وطنه وأهله؟؟ ولماذا نلوم إذن من استجار أمس، ويستجير اليوم، بهذه الدولة أو تلك، ليجعل من هذا الوطن المسكين ساحة مفتوحة للحروب الأهلية المدمرة بأموال الدول الغازية ومخابراتها؟؟ إنها غلطة الشاطر، وهي محسوبة عليه بألف.

 

توضيح بخصوص ما ورد في مقالة " الخشية الايرانية بين صدام حسين وأياد علاوي " للأستاذ ابراهيم الزبيدي

 

صلاح عمر العلي

 

قرأت على موقعكم يوم امس الثلاثاء 15 حزيران 2010 مقالا للكاتب والشاعر ابراهيم الزبيدي بعنوان (الخشية الايرانية بين صدام حسين وأياد علاوي)، ذكر فيه معلومات تتعلق بالرئيس الراحل صدام حسين على انها منقولة عن لساني في لقاء جرى معه. وليس بخاف عليكم أو على أيِ من قراء "كتابات" الاعزاء ولا على الملايين من ابناء الشعب العراقي بانني تحدثت في عدد من أجهزة الاعلام المختلفة قبل بداية الحرب الامريكية العدوانية على بلادنا وبعدها عن تفاصيل دقيقة حول ثورة 17 تموز عام 1968 وعن الاشخاص المخططين والمشاركين فيها، ودور كل واحد منهم في هذه الثورة. وتلك المعلومات موثقة ومتوفرة لمن يحاول الرجوع اليها بسهولة ويسر ومن مصادر مختلفة. فلم يرد على لساني في اي من تلك الاحاديث قولى بان صدام حسين كان مرافقا للرئيس البكر مطلقا، ولو حاولت قول ذلك فانه لم ينفعني في شيء، لان العديد من البعثيين القدامى الذين مازالوا على قيد الحياة يعرفون تماما ان صدام حسين كان عضوا نشطا في قيادة الحزب قبل وبعد الثورة. وتحدثت في اغلب لقاءاتي التلفزيونية والصحفية عن صدام حسين بصفته عضوا في قيادة الحزب قبل وبعد الثورة وبصفته احد المخططين والمنفذين الجريئين لعملية التغيير سواء يوم 17 تموز او يوم 30 تموز عام 1968 الذي تم التخلص فيه من الراحلين عبد الرزاق النايف وابراهيم عبد الرحمن الداوود. ولم يرد في ذهني ولو مرة واحدة ان اغمط حق واحد من رفاقي أعضاء قيادة الحزب او اتجنى عليه او ان اختلق امرا ليس فيه، لان ما اقوله امانة في عنقي ومسؤولية تاريخية كبيرة، والاستاذ ابراهيم يدرك بانني لست من ذلك النوع من الناس، فلا اخلاقي ولا تربيتي ولا عقيدتي الوطنية والقومية تسمح لي بالتجني على احد مهما كان موقعه او علاقته او دوره، فكيف بي وانا اتحدث عن رجل كانت لي معه علاقات نضالية طويلة بكل ما انطوت عليه من الاحداث بحلوها ومرها! ولو فرضنا بانني قلت ذلك بحضوره فان اول من سيشكك بمصداقيتي هو السيد الزبيدي نفسه قبل غيره من المتابعين للظروف التي عاشها العراق خلال تلك الحقبة من الزمن، ناهيك عن الآخرين.

وفي فقرة اخرى يقول السيد الزبيدي ما نصه: (سألت صلاح عن مسيرة صعود صدام العجيب من موقعه العادي في الحزب في تموز/يوليو 1968، إلى مركز أمين سر القيادة القطرية في أقل من عام. فالمعروف أنه لم يكن عضوا في القيادة القطرية ولا في مجلس قيادة الثورة عند حدوث اتقلاب 1968، ثم أصبح نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ونائبا لأمين سر القيادة القطرية في عام 1970، مختزلا بهذه السرعة الصاروخية سنوات من عرق الجبين ومن الخدمات المتميزة التي قدمها غيره لكي يصعد من مرتبة إلى أخرى). وفي هذه الفقرة خلط وتناقض غريب لا يليق بالسيد الزبيدي، فمرة يقول بانني سالت صلاح عن مسيرة صعود صدام العجيب من موقعه العادي في الحزب في تموز- يوليو 1968 الى مركز أمين سر القيادة القطرية في أقل من عام. وهو ما لم يحصل الا في عام 1979 بعد استقالة الرئيس الاسبق احمد حسن البكر والاعلان عن كشف مؤامرة سورية ضد النظام العراقي. اما القول بان صدام لم يكن عضوا في قيادة الحزب عام 1968 فهذا غير صحيح قطعا. كما ان القول بان صدام لم يكون عضوا في مجلس قيادة الثورة بعد ثورة 1968 هو الاخر غير صحيح، الا اننا ارتاينا في وقتها عدم الكشف عن اسماء جميع اعضاء مجلس قيادة الثورة في المرحلة المبكرة من استلامنا للسلطة لاسباب تكتيكية، حيث اكتفينا باعلان كل من الرفيقين احمد حسن البكر والفريق صالح مهدي عماش فقط في المرحلة الاولى ثم وبعد يوم 30 تموز تم الاعلان عن أسماء كامل الاعضاء. أما كيف اصبح صدام حسين نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة فقد تحدثت عنه كثيرا ورددته في اكثر من مناسبة، وفي اعتقادي بان الامر لم يعد بحاجة لاعادته في هذا التوضيح وساكتفي بالقول بان صدام حسين لم يصبح نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة عام 1970 كما جاء في مقال السيد الزبيدي بل في اواخر عام 1968 ونائبا لأمين سر القيادة القطرية في عام 1970. وهنا لابد لي من القول بان صدام حسين لم يختزل في صعوده داخل الحزب على الاخص ايَ وقت "من عرق الجبين ومن الخدمات المتميزة لاي من رفاقه الاخرين"، هذا على صعيد العمل الحزبي، أما على صعيد المسؤولية الرسمية فهو شأن آخر. وقد اشبعته توضيحا في عديد من المناسبات ولا اريد ان اثقل عليكم في ذكرها، فحسبي ان رواد موقع كتابات كلهم مثقفين ووطنيين ومتابعين بدقة للشأن العراقي وهمومه.

 

اما عن ما سمي بجهاز حنين ودوره الوهمي فيما بعد ثورة عام 1968 واستغلال صدام لهذا الجهاز الامني الوهمي في عملية صعوده السريع، هو الاخر غير دقيق فقد كلفتُ من قبل قيادة الحزب قبل استلامنا للسلطة بتشكيل جهاز صدامي يضم عددا من اعضاء الحزب ممن يتصفون بالشجاعة والجرأة والاقدام والقيام بتدريبه على استعمال السلاح لكي يكون رديفا جاهزا لمساعدة رفاقنا في التنظيم العسكري اثناء تنفيذ عملية تغيير السلطة، وقد كلف العقيد داوود الجنابي الذي كان يشغل وظيفة مدير مزارع الدولة وكان مكتبه يقع في شارع ابي نؤاس بتدريبهم، وبعد مضي اسابيع قليلة تم اعتقالي واعتقال عدد كبير من الحزبيين وتعرض بعضنا الى تعذيب قاس جدا الامر الذي سبب بإنهيار احد رفاقنا من شدة التعذيب على هذا التنظيم، ومنذ ذلك الوقت إنتهى هذا الجهاز ولم تجر محاولة لاعادة بناءه من جديد. الا أن عددا من الكتاب المعادين للحزب تلقفوا هذا الموضوع وبدأوا ينسجون حوله القصص والاساطير بحيث اصبح هذا الجهاز جهازا أمنيا مرعبا، مكلف بمهمات خطيرة للغاية وفي ظني ان اول من تناول هذا الموضوع هو الكاتب الصحفي حسن العلوي، بل ربما كان أول من فبرك تلك الروايات والاساطير الوهمية حول جهاز حنين. ويتضح لكم من هذا العرض بان جهاز حنين لم يكن له اي دور فيما بعد استلامنا للسلطة. ويبدو لي أن السيد الزبيدي اختلط عليه الامر في تثبيت هذه الرواية.

لكننا بعد استلامنا للسلطة وفي اجتماع مبكر للقيادة طرحنا فكرة انشاء دائرة بديلة عن دائرة الامن العامة سيئة الصيت لدى مختلف القوى السياسية العراقية تمهيدا لالغائها، فتم الاتفاق على تشكيل دائرة جديدة سميت مكتب العلاقات العامة وقد عرضت مسؤوليتها على عدد من اعضاء القيادة لكننا جميعا رفضنا ذلك، بينما وافق صدام على تحمل مسؤولية هذه الدائرة الجديدة. وهنا لابد أن اسجل بان هذه الدائرة لعبت دورا خطيرا في التاثير المباشر وغير المباشر على الكثير من الامور داخل الحزب والدولة ويتضح لي الان، وليس قبله، بان رفضنا كان خطأَ فادحا. وهذا الجهاز الذي سمي بمكتب العلاقات العامة تطور فيما بعد ليكون نواة لدائرة المخابرات العامة، وليس جهاز حنين الذي مات واندثر قبل عام 1968. ومما تقدم يتضح لكم ان القول بان جهاز حنين تحول بعد استلام السلطة الى ما سمي بجهاز الاستعلامات التابع للحزب لكي يكون قادرا على حماية الحزب والثورة من اعدائها الكثيرين، وخاصة ايران واتباعها فهو غير وارد وليس صحيحا، ففي تلك المرحلة المبكرة من عمر السلطة لم نشعر بأي تهديد من قبل إيران ولا من عملاء ايران كما ورد على لسان السيد الزبيدي.

 

نعم ان صدام حسين كان اذكى منا جميعا ليس في توظيف قوة جهاز المخابرات العامة فقط بل وفي العديد من المواقف الاخرى التي تمكن من توظيفها لتحقيق طموحاته الشخصية، الا ان تجربة الحكم في العراق قبل وبعد الاحتلال الامريكي اكدت بما لا يدع مجالا للشك بان الذكاء حينما يستخدم في غير محله يتحول الى قوة تدميرية كبرى وهو ما شاهدنا آثارها في الامس القريب كما نشاهدها اليوم.

وقبل ان اختم توضيحي هذا لابد لي من التاكيد بان ليس غرضي مما ذكرته اعلاه تكذيب الكاتب والشاعر ابراهيم الزبيدي أو التشكيك بمصداقيته، بقدر ما كان الغرض منه توضيح ما اشكل عليه في نقل تلك الرواية، بسبب كثرة المعلومات التي يختزنها في ذاكرته التي تتميز بالنشاط والحيوية، أو ربما تغلبت ليه شخصية الشاعر على شخصية الكاتب خلال كتابته لهذه المقالة فاباح لقلمه ان يقول ما لا يسمح للكاتب ان يقول.

 

 

تعليق عاجل على توضيح الأستاذ صلاح عمر العلي

 

إبراهيم الزبيدي

 

ترددت كثيرا في الرد على صديقي العزيز صلاح، تلافيا لما قد يعتبره القاريء مهاترات لا تليق بي ولا به كذلك. ولكن لأنه أنكر أحاديثه السابقة جملة وتفصيلا، أو نسيها، أو يريد أن ينساها، بعد تغير الظروف وتبدل الولاءات، فقد أصبح لزاما علي أن أبدأ المساجلة معه دون توقف.

فهو قال في توضيحه إن من غير الخافي على قراء كتابات الأعزاء والملايين من أبناء الشعب العراقي أحاديثه في عدد من أجهزة الإعلام المختلفة، قبل بداية الحرب وبعدها، عن تفاصيل دقيقة حول (ثورة) 17 تموز. ولكنه لم يقل إنه تحدث عنها في أعقاب غزو الكويت عام 1990 وما بعد ذلك، بفترة غير قصيرة.

والحقيقة أنني اعتمدت على كثير من معلومات الأستاذ صلاح عن (الرئيس الراحل) في كتابي (دولة الإذاعة)، التي نشرتها في الكتاب عام 2002، وفي صحيفة الشرق ألأوسط، على حلقات، ولم يرد الأستاذ صلاح، ولم يستنكر إدراج اسمه فيها، كل تلك السنين. فما سر انتفاضته الجديدة المفاجئة وغضبته الشديدة هذه المرة؟

ومن حسن حظي أنني أجريت مكالمة هاتفية من جدة مع الأستاذ صلاح وهو في لندن عام 1991 سألته فيها عن بعض التفاصيل المهمة عن صدام، ومسيرته قبل انقلاب 17 تموز، وبعده، وعن البيئة التي نشأ فيها، وعن عشائر تكريت، وخاصة البيكات من أهل العوجا. وحرصا مني على توثيق تلك المكالمة وخوفا من ضياع بعض ما سوف يرد فها من أسماء وأرقام وتفاصيل عمدت إلى تسجيلها، واحتفظت بها كوثيقة من وثائق كتاب دولة الإذاعة. في تلك المكالمة، ومن خلال سخرياته وضحكاته، لم يتحدث الأستاذ صلاح عن صدام بمثل ما يتحدث به عنه اليوم. وإذا يسمح الأستاذ صلاح، ولا يمانع في وضع الشريط على كتابات، فأنا لا أمانع أيضا.

ومنها – مثلا- أن البكر أصر على فرض صدام نائبا له وإبعاد حردان وصالح وعماش عن ذلك.

كما أنني لم أكن بعثيا ولا عضوا في القيادة. وعليه فأنا لم أحضر اجتماعها الذي طرح فيه البكر فكرة إشاء مكتب العلاقات العامة، والتي رفض أعضاء القيادة تسلمها، وتطوع صدام بقبولها، فهي من معلومات الأستاذ صلاح.

ومن الأدلة التي ساقها صلاح على همجية مكتب الاستعلامات (المخابرات لاحقا) أن رفيقه عضو القيادة القطرية عبد الله سلوم السامرائي أبلغه بان جماعة صدام عذبت وزير الصحة السابق الدكتور شامل السامرائي، إلى أن اصبح عاجزا عن الحركة. ولأن الاثنين، عبد الله وشامل، من سامراء، فهو يقترح أن يقوم صلاح بطرح الأمر على القيادة. ويقول صلاح إنه احتج على التعذيب، وضرب مثلا بتعذيب شامل السامرائي، فأنكر صدام ذلك. ولكي تتأكد القيادة من صحة الاتهام فقد طلبت إحضار السامرائي إلى القصر الجمهوري للكشف عليه في اجتماعها التالي. يقول صلاح، وفي الاجتماع التالي كلفتني القيادة، وكلفت معي طه الجزراوي، بالكشف على السامرائي الذي كان أحضر خصيصا ووضع في إحدى غرف القصر الجمهوري. يقول، وقد تأكدت من صحة واقعة التعذيب، وحين عدنا إلى القيادة أكدت حدوث ذلك، لكن طه الجزراوي كذبني، وأنكر واقعة التعذيب، فأخذت القيادة برأي الجزراوي، ولم تكلف طرفا آخر محايدا للتأكد من الحقيقة.

هذا واحد من المواضيع التي لم أكن أعرفها عن طبيعة عمل الاستعلامات (المخابرات) من أول أيامها، لولا معلومات الأستاذ صلاح.

أما أنني أخطأت بالقول إن صدام أصبح أمينا عاما للحزب في 1971 فأعتذر وساعتمد تصحيح الأستاذ صلاح بشأن ذلك الجزء من مقالي، وأعتبر أنه عين نائبا للأمين العام في العام 1970.

( دولة الإذاعة) لو لا شهادة الأستاذ صلاح الذي حضرها وكان شاهدا عليها.

إن من حق الأستاذ صلاح أن يغير قناعاته، ويبدل منطقه، وفق الظروف الجديدة التي تتعلق بحزب البعث، والجهود المبذولة لاستعادة وحدة الحزب، واسترضاء الرفاق القدامى، ولكن ليس من حقه أن يجعلني كبش فداء، و ثمنا لتلك العودة.

 

"كتابات"

 

رابط ذو علاقة

كيف يمكن للعراق حماية ديمقراطيته الهشة  د. أياد علاوي

 

 "كتابات"

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.