اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• مناورة أميركية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

مناورة أميركية

 

عبَّر الرئيس أوباما أكثر من مرة عن إحباطه تجاه عملية التسوية السياسية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويبدو أنه حان الوقت ليشعر المبعوث الأميركي بما كان قد شعر به رئيسه، لكن ميتشل قد خص هذه المرة بنيامين نتنياهو كمصدر للإحباط وخيبة الأمل، كونه لم يقدم إجابات واضحة حول الأسئلة الفلسطينية بما يتعلق بملفي الأمن والحدود.

وربما توقع المراقبون بناء على ما سبق أن تلتفت الإدارة الأميركية نحو الجانب الإسرائيلي وتضعه أمام ضرورة البحث الجدي في جدول أعمال المفاوضات غير المباشرة، وخاصة أنه سبق لميتشل أن أكد بأن دوره لن يكون ناقلا «ساعي بريد» بين الطرفين، وبأن واشنطن معنية بجسر المواقف بينهما.

لكن ما تستعد الإدارة الأميركية لإخراجه من جعبتها يختلف تماما مع هذه التوقعات، فهي بصدد عرض مقايضة على الجانب الفلسطيني يوافق بموجبها على الدخول في المفاوضات المباشرة مقابل تراجع حكومة نتنياهو عن إلغاء التجميد الجزئي للاستيطان!

عندما طرحت إدارة أوباما ضرورة استئناف عملية التسوية السياسية المعطلة، طلب الجانب الفلسطيني الوقف التام والشامل للاستيطان كمقدمة لازمة لاستئناف المفاوضات، وتطور هذا الموقف بعد فشل لقاء نيويورك الثلاثي في أيلول (سبتمبر) 2009، فأضاف مطلب تحديد مرجعية المفاوضات واعتماد خطوط 4 حزيران (يونيو) 1967، أساسا لحدود الدولة الفلسطينية المنشودة.

الموقف الأميركي بدأ قويا من خلال خطاب أوباما في القاهرة (4/6/2009)، عندما تحدث عن الفلسطينيين كشعب واقع تحت الاحتلال ودعا إلى تجميد الاستيطان وإطلاق عملية تسوية سياسية وصولا إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. لكن بنيامين نتنياهو لم يتأخر في الرد، فأكد في خطاب له في جامعة «بار إيلان» (14/6/2009)، على أن الاستيطان سيتواصل وبأن البناء في المستوطنات في الضفة والقدس مماثل للبناء في تل أبيب وكلاهما شأن إسرائيلي داخلي.

وفي الوقت الذي توقع فيه البعض أن تمارس الإدارة الأميركية ضغوطها على حكومة نتنياهو أثبتت التطورات اللاحقة انزياح الموقف الأميركي باتجاه موقف تل أبيب بشكل تدريجي، لتتوجه لاحقا بضغوطها نحو الجانب الفلسطيني، واعتبرت مطالبه المحقة من أجل بدء المفاوضات شروطا معطلة لعملية التسوية السياسية. والمؤسف أن هذه الضغوط نجحت في استجرار موافقة لجنة المتابعة العربية على بدء المفاوضات غير المباشرة (2/3/2010)، وتلتها موافقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (7/3/2010)، في تراجع سافر عن المطالب الفلسطينية، وفي ظل استمرار الاستيطان تحت مسميات مختلفة.

وذهبت حكومة نتنياهو إلى أبعد من ذلك، فأعلنت خطة استيطانية واسعة في القدس خلال وجود نائب الرئيس الأميركي، مما أثار حفيظة واشنطن التي اعتبرت أن هذه الخطوة تمثل إجهاضا للجهود الأميركية التي نجحت في نيل الموافقتين العربية والفلسطينية على بدء المفاوضات، وحمَّلت حكومة نتنياهو مسؤولية تراجع الجانب الفلسطيني والجامعة العربية عن هذه الموافقة بعد طرح الخطة الاستيطانية في القدس.

وعلى الرغم من حدة التجاذبات التي نشأت بين واشنطن وتل أبيب على خلفية هذه القضية، إلا أن العاصمتين نجحتا في احتواء الموضوع لتطرح الإدارة الأميركية مجددا ضرورة البدء في المفاوضات على أرضية خطة من إحدى عشرة نقطة، من بينها وقف التوسع الاستيطاني في مستوطنة «رامات شلومو» إلى جانب مجموعة من النقاط وضعها المراقبون تحت خانة بوادر زرع الثقة مثل إزالة حواجز وإطلاق أسرى وغير ذلك. وعندما طالب الجانب الفلسطيني بأن تكون موضوعة الحدود هي النقطة الأساسية في جدول أعمال المفاوضات غير المباشرة استطاعت حكومة نتنياهو أن تفرض إلى جانبها مسألتي الأمن والمياه، وبذلك استطاع نتنياهو أن يضع هذه المفاوضات في دوامة المواقف المتقابلة قبل بدئها.

ومرة أخرى تستعيد واشنطن زمام المبادرة (أيضا على حساب الفلسطينيين)، فتستحصل مجددا على موافقة لجنة المتابعة العربية، وبالتالي على موافقة الفريق الفلسطيني المفاوض على بدء المفاوضات التي شهدنا منها حتى الآن أربع جولات خلال نحو شهرين.

ما سبق يجمل مواقف الأطراف المذكورة على النحو الآتي:

• توافق الموقف الأميركي مع الموقف الإسرائيلي بالتراجع عن مضمون خطاب أوباما في القاهرة وتوجيه سهام الضغط على الحالتين العربية والفلسطينية.

• تراجع فلسطيني غير مبرر عن المطالب التي أعلنت كمقدمة لازمة لبدء المفاوضات بما يتعلق بالوقف التام والشامل للاستيطان وتحديد مرجعية المفاوضات.

• تساوق عربي مع المطالب الأميركية وضغوطها على حساب الموقف الفلسطيني المعلن، وتحول لجنة المتابعة العربية إلى عامل ضغط «مساعد»، بدلا من أن تقف إلى جانب المطالب الفلسطينية وتدعمها «واستندت» في إعطاء موافقتها على بدء المفاوضات إلى استرخاء الفريق الفلسطيني المفاوض للوعود التي يسمعها من موظفي البيت الأبيض.

• تعنت إسرائيلي مستمر تجاوز موضوعة الاستيطان إلى أجندة المفاوضات، ولاحقا إلى إطارها من أجل الانتقال الفوري إلى المفاوضات المباشرة، وتمكنت حكومة نتنياهو من استحداث معارك سياسية على طريق المفاوضات وحولها، وضعت المفاوض الفلسطيني والأطراف الأخرى أمام اشتباكات دبلوماسية فرعية «أكلت» وقت المفاوضات واستحدثت الكثير من القضايا المستجدة التي شغلت المسرح السياسي في المنطقة والعالم.

يجري الحديث هذه الأيام عن جهود أميركية تبذل لإعطاء زخم لعملية التسوية السياسية (بحسب المصادر الأميركية والإسرائيلية)، وبأن اللقاء المفترض بين نتنياهو وأوباما بعد أيام في واشنطن سيبحث في «معادلة» جديدة فحواها أن تقدم حكومة نتنياهو «تنازلا» يتعلق بالتراجع عن الموقف الذي أبداه مركز الليكود وقيادة الائتلاف الحكومي في إسرائيل الذي أكد على أن البناء الاستيطاني سيستمر بنشاط بعد انتهاء فترة التجميد الجزئي الذي كان قد أعلن سابقا وتنتهي مدته في أيلول (سبتمبر) القادم، مقابل ذلك ستعرض الإدارة الأميركية على الفريق الفلسطيني المفاوض الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وربما تسعى واشنطن إلى عقد لقاء ثلاثي يجمع كلا من الرئيس عباس ونتنياهو وأوباما في سيناريو مكرر لما كان قد حدث في أيلول (سبتمبر) العام الماضي عندما التقى الثلاثة في نيويورك وفشلوا في الخروج بإعلان بدء المفاوضات كما كان مقررا.

قبيل ذلك اللقاء أعلن الجانب الفلسطيني موقفه بالتمسك بالمطالب المعروفة بخصوص الاستيطان، وخلال اللقاء حافظ على الموقف ذاته، ثم أضاف لاحقا ضرورة تحديد مرجعية المفاوضات. لكنه تراجع عن كل ذلك تحت الضغوط «المزدوجة»، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل سنكون أمام السيناريو نفسه؟ حيث يعلن الفريق الفلسطيني المفاوض أنه لن ينتقل إلى المفاوضات المباشرة إلا بحصول تقدم حقيقي بما يخص موضوعة الحدود وهو ما لم يحصل وليس هناك أي مؤشر إلى حدوثه ربطا بالموقف الإسرائيلي. فهل سيتسمر هذا الفريق في موقفه أم أنه سينظر إلى المقايضة المطروحة بخصوص تمديد التجميد الجزئي للاستيطان باعتبارها مقايضة صالحة؟

الإجابة حول صلاحية هذه المقايضة جاءت من حكومة نتنياهو التي لا تنفك تعلن عن عطاءات استيطانية متلاحقة وتتعمد أن تكون جغرافيتها أساسا في القدس وهي منتشية باستخلاصات التجربة الماضية متوقعة محافظة الفريق الفلسطيني على مسلسل التراجع في مواقفه تحت العنوان ذاته «نريد أن نعطي فرصة للجهود الأميركية». فيما تسعى تل أبيب إلى فتح ملف مستقل عنوانه «قطاع غزة» باعتباره مجالا موازيا يحتل موضعا في الاهتمام العالمي بشأن الحصار وغير ذلك من القضايا «الغزية»، ليكون إلى طاولة المفاوض الإسرائيلي ملفان فلسطينيان متوازيان ومستقلان عن بعضهما البعض.

القضية الجوهرية تكمن في السياق السياسي الفلسطيني الذي تجيء فيه المفاوضات في ظل الانقسام المتفاقم، والذي يبدو أن البعض بدأ يتعامل معه بسياسة الأمر الواقع. لذلك يجب أن يبدأ البحث في الوضع الفلسطيني الداخلي، وسبل إنقاذه وتمكينه من استعادة عناصر قوته، عندها يستطيع الفلسطينيون التعامل مع ملف المفاوضات كما يجب ربطا بالحقوق الوطنية وتجسيدها.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.