اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• مفاوضات .. وهراوات!

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

 

 مفاوضات .. وهراوات!

 

لم تنجح الابتسامات العريضة التي ارتسمت على وجوه المشاركين في «احتفالية» إطلاق المفاوضات في أن تبث ولو بعض الأمل في دواخل معظم أوساط الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، لأنهم يعرفون أن المفاوض الفلسطيني قبل على نفسه أن يذهب إلى واشنطن من أجل أن يكمل عقد المفاوضات التي يحتاج ترسيمها إلى تسجيله على قائمة الحضور.. ليس أكثر!

بهذه الصورة تكون إدارة أوباما قد نجحت أخيرا في تقديم مشهد المفاوضات كانجاز سياسي بالغ الأهمية على أبواب الانتخابات النصفية خريف العام الحالي، إلى جانب زيادة قدرتها على التحرك لمعالجة ملفات دولية ذات أولوية على أجندة اهتماماتها.

وبهذه الصورة أيضا، يندفع نتنياهو وحكومته خطوة واسعة إلى الأمام بعد أن تمكن من فرض شروطه على الجميع، وهو يرى في ذلك تعزيزا لقدرته على توجيه المفاوضات باتجاه الأهداف التي رسمتها حكومته.

تتفق الأوساط السياسية الإسرائيلية والأميركية ذات الصلة بالمفاوضات على وجود تصور مشترك بين واشنطن وتل أبيب يتحدث عن السعي للتوصل إلى اتفاق خلال سنة منذ بدء المفاوضات. وأبرز ما في هذا التصور أن تنفيذ هذا الاتفاق سيتم على مراحل زمنية متتالية ربما تستغرق عشر سنوات، على أن تخضع كل مرحلة من مراحل التنفيذ إلى تقييم مشترك (إسرائيلي ـ أميركي ـ فلسطيني) يخلص إلى أنه تم الإيفاء بكل الالتزامات التي تفترضها هذه المرحلة على الطرفين. ولن يتم الانتقال إلى المرحلة التالية إلا في حال توافر الإجماع على إيجابية التقييم.

هذا يذكرنا بما كان قد طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أريئيل شارون في العام 2005 في مرحلة تشكيل حزب كاديما، متحدثا عن خطة للوصول إلى اتفاق مع الجانب الفلسطيني بآليات تنفيذ مرحلية تمتد إلى سنوات وتضمنت آلية التنفيذ أيضا تقييم الانجاز لكل مرحلة حتى يتم الانتقال إلى التي تليها.

وقد كان واضحا أن شارون إنما كان يتحدث عن دولة فلسطينية بحدود مؤقتة. لكن التدقيق بآليات التنفيذ أكد لجميع المتابعين أن ما هو مؤقت في طرح شارون سيكون دائما في حقيقة خطته وأهدافها. وهو ما ينطبق إلى حد كبير مع ما يجري تداوله في الأوساط الأميركية والإسرائيلية.

في هذه الحلقة الأخطر من المفاوضات، يدخلها نتنياهو وقد وضع في جعبته محددات سيضعها على طاولة التفاوض كثوابت إسرائيلية لن يتراجع عنها تحت أي اعتبار. وقد ذكرنا في وقت سابق ما أعلنه عن لبنات ثلاث يجب أن تقوم عليها هذه المفاوضات وتشكل إطارا لها.

وقلنا بأنه سيرسم حدود الدولة الفلسطينية بقلمي الاستيطان والترتيبات الأمنية. وقد وضع فيتو متفق عليه مع واشنطن وغيرها تجاه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها خلال النكبة. أما موضوع القدس فقد كان إيهود باراك، وزير الحرب الذي يشتغل أيضا وزيرا للخارجية، أكثر وضوحا من نتنياهو تجاه مستقبل المدينة متحدثا عن ضم 12 حيا يهوديا يقطفها 200 ألف مستوطن إلى إسرائيل، و ما يخص حصة الفلسطينيين من المدينة، فيتعلق في الغالب بالأحياء الفلسطينية في ضواحي القدس.

وحول موضوعة الاستيطان، فقد وصل نتنياهو إلى واشنطن بعد أن اتخذ مجلسه الوزاري قرارا واضحا ليس فقط بإنهاء التجميد الشكلي للاستيطان، بل وتعزيز البناء الاستيطاني وتوسيعه حتى في المستوطنات التي قد ينظر الإسرائيليون إلى إخلاء الصغيرة منها وإعادة تجميع البنية الاستيطانية في الكتل الكبيرة. وبحسب السيناريو الإسرائيلي، فإن جعبة نتنياهو ستكون ملأى بالمغريات ضمن مسرحية «زرع بوادر الثقة». فهو مستعد لإطلاق سراح أسرى وإزالة حواجز وتخفيف قيود على حركة الناس والبضائع وربما يطرح إعادة بعض المؤسسات إلى سيطرة السلطة الفلسطينية إضافة إلى تسليمها ملف الأمن الجزئي في بعض مواقع ب , جـ بحسب تصنيفات أوسلو.

وربطا بتجارب الماضي القريب، ليس بعيدا أن يقدم نتنياهو وحكومته على استخدام ميليشيا المستوطنين في حملة عدوانية على التجمعات السكنية للفلسطينيين بحيث يستفيد من هذه الاشتباكات بتحويل الأنظار عن مجرى المفاوضات وعناوينها الرئيسية باتجاه إشغال الرأي العام بأوساطه المختلفة بتطورات الأوضاع التي يعمل على توتيرها في الضفة الفلسطينية على خلفيات متعددة من بينها العملية التي وقعت مؤخرا في الخليل والتي تعبر بشكل جلي عن الأثر الخطير الذي يتركه إبقاء المستوطنين وميليشياتهم داخل النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني في ظل التسهيلات والحماية التي يؤمنها لهم جيش الاحتلال حتى وهم في ذروة اعتداءاتهم على الفلسطينيين وممتلكاتهم.

من هذه الزاوية، ودون الابتعاد عن ملف المفاوضات الذي نحن بصدده، نجد أنه من المهم جدا أن تبتعد السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية عن الانسياق لأية مطالب أمنية إسرائيلية على خلفية وقوع هذه العملية. فالمستوطنون هم من اقتحم حياة الفلسطينيين في أرضهم وممتلكاتهم.. وليس العكس.

نقول هذا من موقع إدراكنا لطبيعة الاحتلال الذي يسعى في حال وقوع اصطدام داخل الضفة على أية خلفية كانت إلى وضع ما يحدث في الضفة من تداعيات في سلة الخطاب الإسرائيلي والأميركي في توصيف قطاع غزة الذي اعتبر كيانا معاديا. وبالتالي فإن الشريك الفلسطيني الذي سجل حضوره في واشنطن سيتبخر إلى حين نزوله عند شروط أمنية جديدة.

إن أبرز ما حذرنا منه في حال الالتحاق بركب المفاوضات بشروطها وسياقها الذي جاءت فيه، هو ما يمكن أن تعكسه هذه المشاركة على الجبهة الفلسطينية الداخلية في ظل المعارضة الشعبية والسياسية الواسعة لهذه المفاوضات، وقد شمل طيف هذه المعارضة إضافة إلى القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية صفا واسعا من الشخصيات المؤثرة في المجتمع الفلسطيني من رجال اقتصاد وشخصيات وطنية هامة ومؤسسات ثقافية وفكرية ومنظمات المجتمع المدني، وهذه معارضة لا يمكن القفز عنها والاستهانة بقوة تأثيرها في صفوف المجتمع وصياغة رأيه العام.

وفي هذا السياق، تخطئ قيادة السلطة الفلسطينية إذا طالبت بممارسة ما أسمته «المعارضة الحضارية» التي ربما يقصد بها الاكتفاء بإبداء الرأي في الجلسات المغلقة وإعلانه لله والتاريخ. فمن حق القوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية وواجبها أن تحذر بشكل علني من مخاطر المشاركة في هذه المفاوضات على الحقوق الوطنية الفلسطينية وهذا أمر يتعلق بالمصلحة الوطنية العليا ولا ينفع فيه تحييد الشعب الذي هو صاحب هذه الحقوق.

ومن المؤسف أن نرى أن حكومة نتنياهو المتطرفة تشجع أي حراك اجتماعي أو سياسي في مجتمعها وتعمل على تأجيجه من أجل توظيفه في الخطاب الموجه إلى واشنطن والاتحاد الأوروبي وغيرهما من أجل تظهير حجم الممانعة الداخلية في مواجهة أي اقتراحات (مجرد اقتراحات) تتعلق بما تعتبره هذه الحكومة من «الثوابت الإسرائيلية».

في الوقت نفسه، تتصدى أجهزة السلطة بشكل قمعي لمؤتمر وطني يحضره قادة الحركة السياسية والمجتمع الفلسطيني وتقتحم مقر الاجتماع من أجل إفشاله ومنع المشاركين من التعبير عن رأيهم.

أخيرا.. نعتقد بأن واجب الذين يحرصون على ألا تمس الجهود الأميركية بأي خدش وهي التي خدعت المفاوض الفلسطيني بشكل مكشوف، أن يكونوا أكثر حرصا على ضمان حرية التعبير عن الرأي ومظاهر التعددية السياسية وخاصة بأن معظم من يطالب بعدم الدخول في هذه المفاوضات هم شركاء في إدارة الشأن الوطني.. إلا إذا كان من أوعز بما جرى في قاعة البروتستانت يرى غير ذلك!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.