اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

«المطبخ الأمني» // محمد السهلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

«المطبخ الأمني»

محمد السهلي

فلسطين

 

التغول الأمني للسلطة وقمع الحريات العامة يزيدان الاحتقان في الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية

يزداد المشهد الفلسطيني تعقيدا بسبب الاتجاهات المتعاكسة التي تمضي وفقها التطورات في الميدان.. والسياسة. ويشتد هذا التعقيد مع حالة المراوحة التي تعيشها جهود «المصالحة» بين حركتي فتح وحماس، في ظل تطورات عاصفة تشهدها المنطقة وفي ظل استمرار السياسات التوسعية والعدوانية الإسرائيلية.

ولهذا السبب تتراكم الأزمات الفلسطينية وتتناسل وتصبح الاستحقاقات التي يفترضها اندلاع الانتفاضة محط تساؤل حول المدى الزمني المطلوب كي تتوصل الحالة الفلسطينية إلى إجماع سياسي وميداني بدعمها وحمايتها وتوفير العوامل التي تمكنها من التحول إلى انتفاضة شعبية شاملة.

ما يزيد الطين بلة تأزم الأوضاع الفلسطينية الداخلية مع لجوء السلطة إلى إشهار ذراعها الأمني وتغولها في قمع الحريات العامة والاعتداء المباشر على مظاهر التعبير عن الرأي في السياسة.. وفي العمل النقابي.

 

المؤشرات على التغول الأمني للسلطة مؤخرا كثيرة ومتعددة وقد أثبتتها الوقائع ورصدتها وسائل الإعلام المختلفة. وربما ما وقع ولا يزال في مسألة مطالب المعلمين وتحركاتهم المشروعة من أجل تحقيقها يشكل نموذجا عن اعتماد السلطة خيار الحلول الأمنية عبر قمع هذه التحركات وإدارة الظهر لمبدأ الحوار مع ممثلي المعلمين للتوصل إلى حلول تنصفهم بما ينعكس إيجابا على عموم العملية التعليمية.

ثمة مؤشرات أخرى على ذلك. منها القرار الذي صدر عن السلطة بحظر التظاهرات إحياءً لقانون صدر في العام 1982 وقصدت فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي شل النشاط السياسي للفلسطينيين الرازحين تحت نير الاحتلال. إلى جانب هذا، تقع اعتداءات مباشرة على ناشطي الرأي من قبل ما يسمى «مجهولون» في حين تزايدت الاستدعاءات إلى المراكز الأمنية على خلفية تصريح هنا.. وآخر هناك تحت دعاوى مختلفة لا تخفي ظاهرة التغول الأمني الذي بات يسم الكثير من سياسات السلطة في الشأن الفلسطيني الداخلي.

أخطر ما في المسألة أن ما يجري في هذا السياق يتعاكس مع الدعوات الكثيرة المخلصة التي طالبت السلطة بالالتفات نحو الوضع الداخلي من زاوية تعزيزه في مواجهة التغول الأمني الإسرائيلي وقد باتت عمليات الإعدام الميداني بشأن الانتفاضة مشهدا يوميا يمر سريعا على شاشات الإعلام دون صدى يذكر على صعيد الوقوف في مواجهة هذه الجرائم، والدفع باتجاه محاسبة إسرائيل عبر اللجوء الفوري إلى محكمة الجنايات الدولية.

السؤال الذي يدور في الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية هو، ما الذي تريده السلطة عبر هذه السياسة الأمنية تجاه فعاليات ونشاطات لا تخرج من حيث المبدأ عن القانون . وما الذي يدفع السلطة إلى تأكيد «سطوتها» بدلا من السعي الجدي إلى بحث موضوع «سلطتها» الفعلية القائمة على الأرض، والتي يهددها حصرا الاحتلال الإسرائيلي في خطة منهجية بدأت منذ تشكيل هذه السلطة وعملت من خلالها تل أبيب على حصر «فاعلية» السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية تحت سقف الوظيفة التي رسمها مهندسو اتفاق أوسلو، كما رسموا آفاق النشاط الاقتصادي الفلسطيني تحت سقف الحد الأدنى من توفير لقمة العيش للفلسطينيين وربط تأمينها باستمرار الالتزام الفلسطيني بقيود الاتفاق المذكور.

قبل أشهر، «فقعت» ظاهرة المطبخ السياسي الضيق في أوساط السلطة، وبدا كغرفة عمليات سرية تخطط لترتيب السياسات والأوضاع الداخلية وفق هواجس وسياسات وخيارات أركانه الثلاثة. وأشاع ذلك حالة من الاحتقان والتوتر في الأوساط السياسية الفلسطينية بما فيها داخل حزب السلطة نفسه، حركة فتح.

ويبدو اليوم أن المطبخ ذاته بات يشتغل بالاتجاه السابق ذاته ولكن مع وضع أجهزة الأمن الفلسطينية في صدارة المشهد. ومن العبث الحديث هنا عن محاولات فرض «النظام» والاستقرار والالتزام بالقانون، في سياق تخرق فيه القرارات الوطنية الحاسمة الصادرة عن المؤسسات التشريعية والتنفيذية الفلسطينية، في السياسة والاقتصاد وإدارة الشأن العام.

ما يطرحه المعلمون في تحركاتهم والتظاهرات ضد الفقر والفساد، تضع السلطة أمام استحقاقات كبرى على صعيد تصويب السياسات الاقتصادية ـ الاجتماعية الفاشلة التي دأبت على ممارستها وفاقمت الأزمة الاقتصادية وضيقت على حياة الناس. وتصويب هذه السياسات، استحقاق سياسي بالدرجة الأولى يمر بالضرورة بالانعتاق من بروتوكول باريس ولا ينتهي بذلك. وطالما المطبخ الذي ذكرناه بغير هذا الوارد، فإنه ينظر إلى كل هذه التحركات والمطالبات المحقة باعتبارها استهدافا مباشرا له. والرد على ذلك واضح عبر القمع والترهيب وكم الأفواه.

ولأن نظرة السلطة لهذه التحركات محكومة بالمعادلة التي ذكرنا، فإن مشاكل القطاعات المهنية والأزمات المتولدة عنها تتفاقم، مما يعني أن الاحتقان في الأوساط الفلسطينية سيبقى سيد الموقف، وهذا يدفع بالوضع الفلسطيني إلى المزيد من التردي.

ما يحصل مع المطالب النقابية ومظاهر التعبير عن الرأي من قبل أجهزة السلطة، لم تنج منه الانتفاضة الشبابية في ظل استمرار التعاون الأمني ما بين أجهزة السلطة والاحتلال. وأعلن مدير جهاز المخابرات الفلسطينية بنفسه أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلت نحو 100 فلسطيني كانوا يحضرون لعمليات ضد الاحتلال، وأن هذه الأجهزة منعت قيام 200 عملية. عندما أعلن فرج ذلك، كان السؤال المباشر يدور عن كم عملية قتل واعتقال واستباحة مناطق قام بها الاحتلال واستطاعت أو حاولت هذه الأجهزة منعها أو التصدي لها.. أو قامت السلطة برفع دعاوى بشأنها أمام المؤسسات الدولية ذات الاختصاص، على اعتبار أن فلسطين عضو في هذه المؤسسات؟ لا شيء.

في قرارات الحوارات الوطنية، وفي قرارات المؤسست الائتلافية الفلسطينية، وحتى في النظام الأساس للسلطة تم النص على وظيفة الأجهزة الأمنية الفلسطينية ودورها المفترض في السهر على أمن المواطن وحمايته!. وقرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورة آذار /مارس من العام الماضي كانت واضحة وقالت بوقف التنسيق الأمني، الذي لم يستمر فقط، وبل يبدو أنه يتتطور باتجاه التعاون الأمني.. وهذه مسألة خطيرة ينبغي تداركها، لأن الأهداف الإسرائيلية واضحة من هذه العلاقة ولا ينفع القول إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تستطيع تفادي تحقيق هذه الأهداف.

نعود للقول إن تعميق سياسة التغول الأمني الذي تشتغل فيها السلطة يزيد من تعقيدات الوضع الفلسطيني، ويزيد من الاحتقان في الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية، الذي من المفترض أن انفجاره يكون موجها حصرا باتجاه الاحتلال ومستوطنيه.

 يحتاج الأمر إلى مراجعة جادة، باتجاه الانفتاح على الحالة الفلسطينية من زاوية الانتماء العضوي لها، والاجتماع بين مكوناتها على رأي موحد يفتح على إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري، كما يفتح الآفاق أمام انتفاضة الشباب للانطلاق نحو انتفاضة شعبية شاملة تضع الاحتلال في الزاوية ..التي يستحقها.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.