اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

«الاستتابة»!// محمد السهلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

«الاستتابة»!

محمد السهلي

فلسطين

 

من يحتاج إلى «التتويب» هم الذين يمعنون في سياسة الانقسام وخلق الأزمات والتهرب من حلها

أثار مشهد «تتويب» التلاميذ في إحدى مدارس غزة استنكارا شديدا مصحوبا بتساؤل عمن أعطى «المتوبين» الحق في إقامة هذا «الطقس» الغريب؛ الذي يتوجه معده إلى الأطفال باعتبارهم مذنبين من الدرجة الأولى ويجب عليهم العودة إلى جادة الحق والصواب!

 

ولا يجدي في هذا المجال الحديث عن تصرف فردي أو محدود من قبل مجموعة من الأفراد (الدعاة) لأن الذي حصل تم في مؤسسة تربوية المفترض أنها تلتزم المناهج التربوية والتعليمية المحددة من قبل الجهات الرسمية المعنية.

ومجرد دخولهم إلى المدرسة وإقامة مثل هذه «الحفلات» يعني أن إدارة المدرسة مهدت لهم الطريق لفعل ذلك؛ وأن ما جرى كان بعلمها.. وربما بتخطيط منها.

المشهد كان مؤسفا، ومن المفترض أن يقرع ناقوس الخطر لأن «التتويب» هذا يبدأ قبل ممارسته بالـ«التكفير»، ولا نعلم إلى أين يمكن أن تصل الأمور إذا استشرت هذه الظاهرة.. وعممت.

ما سبق ذكره، لا يمكن أن يحصل دون أن يتوافر له المناخ الذي يشجعه؛ وهو يأتي في سياق تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها قطاع غزة منذ وقوع الانقسام قبل نحو عشرة أعوام. وهذه الأزمات مرشحة للتفاقم أكثر مع استمرار تعطيل القرارات التي صدرت عن الحوارات الفلسطينية الشاملة بخصوص إنهاء الانقسام.

وقلنا في مرات عدة أن قطاع غزة ضمن هذا الوضع يقع تحت تأثير سياستين خاطئتين، تبدأ الأولى بتجاهل القطاع ومشاكله وتختم الثانية باستعمال القطاع ورقة في وجه جهات متعددة. وكلا السياستين ساهمتا في تردي أوضاع سكان القطاع وزيادة مصائبهم التي ولدتها الاعتداءات الإسرائيلية المتعاقبة.

وفوق كل ذلك تتعرض الحريات العامة والشخصية إلى تعديات كبيرة وعلى نطاق واسع وفرضت على الناس قوانين وأعراف تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان؛ وكل ذلك يتعارض مع الثقافة الفلسطينية في عمقها الاجتماعي والمعرفي.

وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تقوم المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية بدورها في تعميق الثقافة الوطنية ورفع سوية التعليم وتوسعة المدارك وآفاق التفكير نجد، بعضها يشد الحالة الفلسطينية إلى الوراء باتجاه خلق المزيد من مساحات التوتر والاحتقان.

وإذا كان هناك من أحد يحتاج إلى «التتويب» فعلا، فهم أولئك الذين يمعنون في سياسة الانقسام وخلق الأزمات والتهرب من حلها. والذين يديرون الظهر لقرارات الإجماع الوطني التي وفرت أسسا صالحة وحلولا ناجعة للعديد من الأزمات الفلسطينية المركبة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنظيمية، ربطا باعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري. ربما هذا هو «مربط الفرس» الذي يجب أن تتوجه نحوه الجهود الوطنية وهو الذي يوفر الإمكانية لتبديد كل هذه المناخات المريضة التي تولد المزيد من الظواهر المفجعة.ولو تركت دون معالجة فإنها ستتعاظم وستصبح لها بنى اجتماعية وتنظيمية يصبح من الصعب تفكيكها مع مرور الوقت، وأول ضحاياهم سيكون الشعب الفلسطيني الذي يسعى إلى مراكمة ما تبقى له من عناصر القوة كي يقوى على مواجهة كل هذا التصعيد العدواني والتوسعي الذي تتغول به دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وكلما بقيت مشاكل القطاع وأهله خارج سكة الحلول الناجزة، فإن مثل هذه المناخات ستتسع وستجد لها مسوغات كثيرة للتمدد في عقول الناس وتصرفاتهم. ما سبق يفرض على الحالة الفلسطينية بكافة مكوناتها وخاصة الماسكين في السلطة في كل من غزة ورام الله، القيام بواجبهم في وضع حد لمثل هذه الظواهر. ويقع في أساس المعالجة تصويب السياسات القائمة لدى كل من الجهتين.

إن ما يجري في الضفة الفلسطينية على يد شبان الانتفاضة هو وليد الاحتقان من استمرار الاحتلال وغياب السياسات الكفيلة بمواجهته ميدانيا وسياسيا وقانونيا. وقد أدى استمرار هذه السياسات إلى تبديد الجهود النضالية التي تبذل في مقارعة الاحتلال على يد هؤلاء الشباب، ووضعهم منفردين أمام عسف آلة القتل الإسرائيلية التي تسعى بدموية ظاهرة إلى إخماد انتفاضتهم. وبرأينا، تبدأ إزالة هذا الاحتقان بتنفيذ قرارات المجلس المركزي الذي أكد على ضرورة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كما أكد على تصويب العملية السياسية والابتعاد عن المفاوضات دون استنادها إلى قرارات الشرعية.

وفي غزة، يقع على عاتق السلطة الحاكمة هناك واجب مواجهة مشاكل القطاع وتسهيل تنفيذ القرارات التي اتخذت في هذا الشأن. ومن الأكيد أن تنفيذ اتفاقات المصالحة فورا هو المدخل الصالح للبدء بحل مشاكل القطاع وأهله. وفي سياق ما يجري في القطاع ، ينبغي وضع حد للانتهاكات المتواصلة بحق الحريات العامة والخاصة وإعادة الاعتبار للتقاليد الديمقراطية التي تزخر بها الحياة الفلسطينية بمناحيها المختلفة. ومن المفترض أيضا الإقلاع عن التعامل مع قطاع غزة كحجر زاوية في تدوير المعادلات الإقليمية والداخلية الفلسطينية وكورقة «ضغط وجذب» في إطار هذه المعادلات.

كلا السياستين السابقتين تمنعان مع استمرارهما إمكانية التوصل إلى تطبيق القرارات الوطنية التي تكفل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. وكلا السياستين باتت لهما بنى وإطارات تزخر بالمصالح والمنافع التي تنشأ عادة مع الأزمات وتراكمها، وتصبح مع مرور الوقت مهمة استعادة الوحدة أكثر تعقيدا ودونها صعوبات وصعوبات.

من جهة متممة، أمام الحالة الفلسطينية، سياسيا وشعبيا الوقوف أمام استعصاء الأزمات الفلسطينية وفي المقدمة استمرار الانقسام، والضغط في الميدان والسياسة لوضع طرفي الانقسام أمام امتحان المصلحة الوطنية العليا، وتجاوز التصريحات الإعلامية التي تطلق من المنابر وتنشد العودة إلى رحاب الوحدة الوطنية.

ومن نافل القول، إن تراكم الأزمات الفلسطينية على هذا النحو الذي تمضي إليه، سيؤدي إلى انفجارات غير محسوبة، في ظل تردي الحالة المعيشية للفلسطينيين والأمر لا يتعلق بسكان قطاع غزة فقط، ففي الضفة تتفاقم المشكلات الاقتصادية، التي باتت تمس حياة معظم الشرائح والفئات. وربما تشكل إضرابات المعلمين وغيرها مجرد رأس جبل الجليد في هذه الاحتقانات.

 في الحياة السياسية الفلسطينية «التوبة» ضرورية وملحة، لكن ليس على طريقة «المتوبين» الذي تحدثنا عنهم، بل «توبة» سياسية يعلنها مرتكبو السياسات الخاطئة باتجاه تصويبها بما يكفل أن يستعيد العمل الوطني الفلسطيني فاعليته وفق برنامج وطني موحد يوظف الإمكانات المتوافرة في مقارعة الاحتلال.

هذا طريق «التوبة» السياسية الذي نحتاجه.. بعيدا عن المشاهد النافرة التي تبدت على يد «متوبي» غزة.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.