اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

رهانات.. ومآلات// محمد السهلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

 

عرض صفحة الكاتب

رهانات.. ومآلات

محمد السهلي

 

نتنياهو للقيادة الرسمية الفلسطينية: لا تتأملوا «خيراً» بالـ«المفاجآت الأميركية السارة»

لم يأت بنيامين نتنياهو، بجديد عندما قال مؤخراً إن الحل الأمثل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي هو منح الفلسطينيين«أقل من دولة  وأكثر من حكم ذاتي». فمنذ انطلاق عملية التسوية عبر اتفاق أوسلو كانت الحكومات الإسرائيلية تقدم على الدوام «عروض مناقصة» تجاه المبادرات التي تطرح.

وجميع هذه العروض تبدأ وتنتهي باشتراط ألا يؤدي الحل إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، أو أي من علاماتها السيادية. ولذلك، اعتبرت هذه الحكومات أن اتفاق أوسلو قد أدى الغرض منه مع تولية السلطة شؤون الفلسطينيين في الضفة (عدا القدس) والقطاع على نفقة الدول المانحة، وترسيم الاتفاقات الأمنية والاقتصادية التي تحقق المصالح الإسرائيلية.

ولذلك أيضا، ترسم الحكومات الإسرائيلية بالوقائع العملية خريطة «إسرائيل الكبرى» الممتدة من البحر إلى النهر.

ثمة معادلة تشتغل الحكومات الاسرائيلية على تطبيقها منذ عدوان حزيران العام 1967، وهي إدامة الاحتلال وتخفيض أكلافه. ولتحقيق الشق الأول، بدأت بنشر الاستيطان في القدس وأنحاء الضفة بهدف بناء شبكة استيطانية قوية تمتلك مقومات الاستمرار والتطور. وسعت لأن تحشر بخريطة الاستيطان التجمعات الفلسطينينة في مناطق غير متصلة. واللافت أن وتيرة نشر الاستيطان وتمتينه تسارعت بشكل ملحوظ مع بدء الحديث عن «ملحق فلسطيني» في اتفاقيات كامب ديفد بين مصر واسرائيل أواسط سبعينيات القرن الماضي. وهذا يؤكد أن تل أبيب ترسم معالم حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على الأرض، وأن فتح ملف الحل السياسي يدفعها إلى التسابق مع الزمن من أجل فرض حلها الخاص.

وبخصوص الشق الثاني من معادلتها، تخفيض أكلاف الاحتلال، استخدمت إسرائيل ترسانتها العسكرية في محاولة لكسر شوكة الثورة الفلسطينية، وشنت اعتداءات همجية على المخيمات الفلسطينية في سورية ولبنان والأردن، وعلى ومواقع الثورة فيها،ومارست في الوقت نفسه جميع أساليب التنكيل ضد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة في محاولة لاخماد مقاومة الشعب الفلسطيني وتسليمه بواقع الاحتلال،ورافقت كل ذلك بمحاولة خلق قيادات بديلة عن منظمة التحرير وبرنامجها الوطني التحرري.

جميع هذه الأساليب فشلت في تحقيق أهدافها، ودفعت تل أبيب ثمناً غير قليل جراء ذلك، في الوقت الذي حصدت منظمة التحرير إنجازات مهمة على الصعيدين العربي والدولي من خلال الاعتراف الأممي بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه وحقه المشروع في مقاومة الاحتلال، والاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وترسَّم ذلك في القمم العربية المتتالية.

وتضاعفت خسائر الاحتلال مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية أواخر العام 1987. وعلى الرغم من بشاعة التنكيل الإسرائيلي بالمنتفضين، إلا أن اتساع الانتفاضة واستمرارها وضع المجتمع الدولي أمام الاعتراف بدولة فلسطين،على الرغم من محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل منع ذلك.

من هنا، اعتمدت واشنطن وتل أبيب سياسة الالتفاف على الانتفاضة وأهدافها،وأرسلت الولايات المتحدة إشارات تعلن استعدادها فتح حوار مع منظمة التحرير بعد أقل من عام على اندلاع الانتفاضة. ومنذ ذلك الوقت، بات الرهان على الدور الأميركي في حل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي في مقدمة خيارات القيادة الرسمية الفلسطينية(وأصبح لاحقا خيارها الوحيد) واستجابت تدريجياً لمساعي واشنطن، والتي أدت في النهاية إلى توقيع اتفاق أسلو، الذي شكل لإسرائيل فرصة على طريق التخلص من أكلاف الاحتلال، دون المس بسياساتها التوسعية، والمضي قدماً باتجاه تأسيس دولة «إسرائيل الكبرى».

ومع مجيء إدارة ترامب، وجدت تل أبيب نفسها في حل من مراعاة المواقف الأميركية السابقة التي كانت تحاول ضبط إيقاع الاستيطان على إيقاع شعاراتها السابقة بشأن الدولة الفلسطينية، وإن كانت طبيعة تلك الدولة محط اتفاق بين تل أبيب واوشنطن لناحية عدم تمتعها بالسيادة، لكن مسألة الحدود كانت تدرج في خانة تبادل الأراضي، مع قناعتنا بأن هذا المبدأ يتعارض مع الحق الفلسطيني بقيام الدولة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس.

لكن إسرائيل رأت في الانعطافة الأميركية عاملاً محفزاً كي تتغول في سياساتها التوسعية وخاصة في القدس بعد الاعتراف الأميركي بها كعاصمة للاحتلال.وباتت تشتغل بشكل معلن على تطبيق سياسة الاقتلاع والتطهير العرقي. ويشكل مايجري هذه الأيام لقرية الخان الأحمر عنواناً بارزاً لهذه السياسة، وهي نقلة على طريق فصل شمال الضفة عن جنوبها وفصل القدس عنهما.ومن هذه الزاوية، يعبر نتنياهو في خطابه الذي ألقاه مؤخراً أمام مؤتمر الجاليات اليهودية الأميركية عن امتداد تطبيقي للسياسات التي سارت عليها الحكومات الإسرائيلية السابقة.ويعبر في الوقت نفسه عن أن حكومة نتنياهو تجد نفسها في موقع يمكنها من رسم معالم حل الصراع.

 ومن الواضح أن الخطاب المذكور يتضمن رسالة إلى إدارة ترامب التي أعلنت أن «مفاجآت سارة تنتظر الفلسطينيين». ومع معرفتنا وإدراكنا أن مافي الجعبة الأميركية هو نفسه الذي تحول إجراءات بخصوص الاستيطان والقدس وقضية اللاجئين، لكن خطاب نتياهو يلمح إلى استعداده خوض تجاذبات مع إدارة ترامب في حال تم وعد الجانب الفلسطيني بشيء ما. وهنا، يشكل الخطاب من هذه الزاوية رسالة إلى الناخب الإسرائيلي تذكره بماحصل بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما في العام 2010 ،على خلفية الطلب الأميركي تجميد مؤقت للاستيطان، وكيف استطاع نتنياهو تجاوز ذلك بدون خسائر. وهو رسالة في الوقت نفسه إلى المعارضة الإسرائيلية بألا تحاول استثمار التصريحات الأميركية الأخيرة للدخول على خط المزايدة عليه حول استراتيجية العلاقة مع واشنطن وضرورة صيانتها، كما حدث إبان التجاذب مع إدارة أوباما.

الأهم مماسبق،أن الخطاب يوضح للقيادة الرسمية الفلسطينية بأنه لاداعي لأن تتأمل «خيراً» من تلميحات إدارة ترامب بخصوص «المفاجآت السارة»، وأن التطابق في المواقف بين واشنطن وتل أبيب تجاوز احتمال التراجع عن الإجراءات الأميركية بخصوص القضية الفلسطينية، لأن «صفقة العصر» الأميركية تنسجم تماماً مع المصالح المشتركة الأميركية ـ الإسرائيلية.

والأهم أيضاً، أن نتنياهو يعرف بأنه يعبر عن مصالح الاستيطان والمستوطنين الذين تحولوا بفعل السياسات الحكومية الإسرائيلية إلى قوة مقررة في رسم السياسة الرسمية، من زاوية معرفتهم وإدراكهم بأنهم هم أولاً من سيعين نتنياهو على تحقيق هدفه في قيام دولة «إسرائيل الكبرى».

خطاب نتنياهو الأخير ينسجم مع الإستراتيجية الإسرائيلية بخصوص مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولامكان في هذه الإستراتيجية لحقوق الشعب الفلسطيني. ولن يؤدي استمرار الرهان الرسمي الفلسطيني على واشنطن سوى إلى المزيد من الكوارث.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.