كـتـاب ألموقع

• عنصرية انتحارية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

مقالات اخرى للكاتب

عنصرية انتحارية

 

تبدو السياسة العنصرية لدى بعض التيارات في إسرائيل وكأنها انتقام من التاريخ يأخذ مظهر الحقد على الآخرين وتحميلهم مسؤولية الأزمة التاريخية للمشروع الصهيوني

تدهورت الأوضاع داخل إسرائيل بصورة متسارعة. وجاءت خلافاً لتوقعات القيادتين السياسية والعسكرية في دولة العدو.

لقد بنت حكومة نتنياهو وقيادات جيش العدو وباقي الأجهزة الأمنية في إسرائيل تحضيراتها العسكرية والأمنية على احتمال انفجار الأوضاع في المناطق الفلسطينية المحتلة، في مواكبة شعبية للوفد الفلسطيني للأمم المتحدة.

صحيح أنه حدثت بعض المصادمات في أنحاء مختلفة من الضفة الفلسطينية، كلها كانت، وفقاً لمقاييس أخرى، محددة، خمدت نارها سريعاً، ولم تترك آثاراً فادحة في الوضع العام. ولهذا أسبابه التي لا مجال الآن في للدخول في تفاصيلها.

المفاجأة أن أحداثاً في مناطق 48 تطورت بأسرع مما كانت تتوقع دوائر العدو، وأنها أخذت طابعاً «محلياً». أي أنها لم تكن على صلة مباشرة بالأوضاع في الضفة بل جاءت نتاجاً لعوامل وظروف تعيشها إسرائيل، بشقيها، يهوداً وفلسطينيين. وجاءت الأحداث في خطوة تستكمل أحداث سابقة كانت قد شهدتها المدن والأحياء المسماة مختلطة، حيث هناك إسرائيليون يهوداً، وفلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية.

الحوادث، كما هي معروفة، اعتداء من شبان يهود على سيارة يقودها فلسطيني «بتهمة» كسر حرمة السبت. وإحراق مسجد قرية طوبا زنغريا، ثم اعتقال عدد من شبان القرية ورجالها، أثناء تحركاتهم احتجاجاً على تدنيس المسجد وإحراقه. اقتحام منزل عائلة فلسطينية في يافا، وإجلاؤها منه بالقوة تحت أنظار وسمع الآخرين، بذريعة الإقامة «غير المشروعة» في المكان، مما اضطر العائلة للجوء إلى إحدى الخيم في إحدى الباحات، مما أضاف إلى إعداد اللاجئين الفلسطينيين مجموعة إضافية من المهجرين في ديارهم، ينظرون إلى الآخرين يتمتعون بالسكن في منازل مريحة وهم لا يجدون سقفاً يأويهم. اقتحام مقابر إسلامية ومسيحية وتدنيسها، وتدمير الأضرحة فيها، وكتابة شعارات على الجدران وعلى الأضرحة «الموت للعرب». وتدعو إلى تهجيرهم من «أرض إسرائيل» باعتبارهم أغياراً ودخلاء وخونة ولا ينتمون إلى «الدولة».

يضاف إلى هذه الحوادث ما ولدّته من أجواء توتر، وشحن عاطفي وسياسي، وما جيشته في نفوس مجموعات يهودية تحضرت لتشن هي الأخرى موجات جديدة من الاعتداءات على العائلات والأحياء الفلسطينية [المسماة عربية لنفي الصفة الفلسطينية عنها]، لولا تدارك الشرطة الأمر، وتدخلها قبل فوات الأوان. دون أن يعني هذا أن توقف الهجمات والأعمال العدوانية، قد وضع حداً نهائياً لمثل هذه السياسات أو احتمالات تجددها.

لا يمكن وصف هذه الحوادث في مجموعها إلا أنها ممارسات عنصرية تقوم بها مجموعات لا تخفي رغبتها في طرد الفلسطينيين، لتكون إسرائيل دولة يهودية «نقية» دينياً، باعتبارها الوطن القومي لليهود. وهي ممارسات تخفي وراءها سلسلة نظريات وأفكار، أهمها أن مثل هذه الممارسات إنما تشكل انتقاماً من التاريخ الذي، بموجب الأساطير اليهودية، شرد «شعب إسرائيل» خارج الأرض المسماة بأرض الميعاد. هذا الانتقام يأخذ أشكالاً من الحقد على الآخر، وتحقيره، ليتمثل ذلك في إرغامه على الخضوع لسطوة الدين اليهودي (حرمة السبت)، وإبقائه دون مستوى اليهود (طرد العائلات الفلسطينية من الأحياء اليهودية) أو طرده من دياره (الموت للعرب أو أن يهاجروا مرغمين). ومثل هذه السياسات شهدتها جنوب أفريقيا، في العهد العنصري البائد، كما شهدتها الأرض المسماة أميركا عندما غزاها المستعمر الأوروبي، كذلك شهدتها بعض المستعمرات الأفريقية والآسيوية على يد الرجل الأبيض، وصاحب النزعة والفلسفة العنصرية، التي تعتقد بتفوقه على باقي الأعراق.

لكننا هنا لسنا في معرض قراءة هذا الحدث، كنتاج لتاريخ فقط، أو في سياق المعالجة النفسية للحالة المرضية التي تلجأ إلى هذه السلوكيات العنصرية، أو في سياق المعالجة الفلسفية لسياسات التمييز العنصري، والاعتقاد بالتفوق على الآخرين. بل نحن في معرض قراءة هذه الحوادث في إطارها السياسي المحدد والملموس. إذ سبق هذه الممارسات مجموعة من الإجراءات والخطوات الرسمية التي فعلت في الوعي لدى بعض المجموعات اليهودية ما فعلته.

 

 

· وفي الكنيست أيضاً يعامل النواب الفلسطينيون (يسمونهم بالنواب العرب) على أنهم «خونة» و«طابور خامس»، تتلخص أهدافهم وأحلامهم بتدمير إسرائيل والقضاء عليها. وكثيراً ما طرد هؤلاء من قاعة الكنيست «عقاباً» لهم على رفضهم الممارسات والسياسات والقوانين العنصرية للحكومات والأجهزة والإدارات الإسرائيلية، وعدائها لغير اليهود. وكثيراً ما تعرض النواب محمد بركة، وأحمد الطيبي وحنين الزعبي إلى الضرب، بل إن حنين الزعبي حرمت من حق التصويت في الكنيست لفترة معينة «عقاباً» لها على المشاركة في إحدى السفن إلى غزة لكسر الحصار الجائر على القطاع.

 

 

لكن، وكما يبدو، فإن الصاعق الذي فجر القنابل العنصرية الموقوتة كان خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لقد قام هذا الخطاب على سلسة من الإدعاءات والأساطير والخرافات التي سبق لكثيرين أن فككوها وفندوها وسخروا منها، وأعادوها إلى جذورها باعتبارها تنتمي إلى أكثر أصناف السياسات العنصرية همجية وغوغائية وديماغوجية. تحاول أن تغلف نفسها بادعاءات سرعان ما تتحول إلى سلوكيات تحريضية يقطف الفلسطينيون في إسرائيل ثمارها المرة، ممارسات عدوانية ضد كل من هو «غير يهودي»، وكل من هو فلسطيني.

وواضح أن عدم اليقين بالانتماء إلى الأرض الفلسطينية، وعدم القدرة على تأكيد الهوية اليهودية لفلسطين، وعدم القدرة على حل مستقبل هذه «الدولة»، كلها عوامل تعبر عن نفسها بهذه السلوكيات.

ومما لا شك فيه أن أصواتاً غير قليلة انحازت إلى السياسات العنصرية لكن الوقائع تؤكد أن ثمة أصواتاً أخرى أدانت هذه السلوكيات والسياسات. بعضها من زاوية أخلاقية وبعضها الآخر من زاوية سياسية عقلانية، ترى في هذه السياسات مقدمة لانحراف يهدد مستقبل الوجود اليهودي نفسه، حين تتحول لغة العلاقات المجتمعية إلى ممارسات إجرامية تصل إلى حدود القتل أو التهديد به. وإن كانت هذه الأصوات، لم تدفع بالأمور نحو نهايتها، لتصل إلى الجذر الحقيقي الذي ينتج هذه السياسات، إلا أنها في الوقت نفسه توجست شراً، وبدت غير مطمئنة إلى مستقبل الوجود اليهودي في إسرائيل.

ربما لا تجرؤ مثل هذه الأقلام أن تدخل بوضوح في قراءة أزمة المشروع الصهيوني، وأزمة المجتمع الصهيوني، وأن تقرأ بوضوح وشجاعة ما يعتمل المجتمع الصهيوني من تطورات. إلا أن غياب هذه الجرأة، وهذا الوضوح، وهذه الشجاعة لا يلغي الواقع القائل أننا أمام مجتمع إسرائيلي يعيش هذه التفاعلات، وأن بعضا من هذا المجتمع، وتحت وطأة الأزمات المتلاحقة يفر يميناً، ليلتحق باليمين المتطرف، ظناً منه أن في ذلك خلاصه.

لعل هؤلاء لم يقرأوا التاريخ جيداً.