كـتـاب ألموقع

• لماذا تراجعت القضية الفلسطينية في اهتمام العرب والأميركيين والإسرائيليين؟

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

مقالات اخرى للكاتب

لماذا تراجعت القضية الفلسطينية

 في اهتمام العرب والأميركيين والإسرائيليين؟

 

ثلاث محطات تؤكد تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية: اجتماع وزراء الخارجية العرب، خطاب أوباما في مؤتمر إيباك، جدول أعمال أوباما ـ نتنياهو في اجتماعهما الأخير..!

لوحظ في ثلاث محطات مهمة تراجع موقع القضية الفلسطينية.

     المحطة الأولى اجتماع وزراء الخارجية العرب، بحضور الرئيس محمود عباس، حيث قدم تقريراً حول نتائج الاجتماعات «الاستكشافية» في عمان وحول توجهات العمل الفلسطينية في المرحلة القادمة.

     المحطة الثانية خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر إيباك السنوي، والذي اعتاد أن يتناول فيه الموقف الأميركي من المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية ومجمل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

     المحطة الثالثة كانت اللقاء بين أوباما ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. حيث تداول الجانبان بآخر تطورات الوضع في المنطقة، وبكيفية التنسيق سياسيا وعسكريا، بين واشنطن وتل أبيب، بحيث يبقى العزف بين الجانبين موحدا، ولا يخرج أي من الطرفين عن اللحن العام.

***

اعتاد الفريق الفلسطيني المفاوض أن يكون هو النجم المميز في اجتماعات وزراء الخارجية العرب، طوال العام الماضي. وقد تعزز موقعه السياسي في هذا المحفل العربي مع وقوع «استحقاق أيلول» الذي جرى التحضير له طويلا، وشكلت لأجله لجان، من بينها لجنة المتابعة العربية. ومع ما يسمى بـ «الهجوم الدبلوماسي» الفلسطيني، أصبح الحضور الفلسطيني القضية الأبرز على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب،الذين انتقل عدد كبير منهم إلى نيويورك لمواكبة التحرك السياسي الفلسطيني في المنظمة الدولية.

وعندما تعثرت المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وتصاعدت حدة التوتر السياسي، خاصة مع الإصرار الفلسطيني على رفض العودة إلى المفاوضات إلا بتوقف الاستيطان وقفا كاملا ازداد ثقل الموقع الفلسطيني في ميزان الحالة العربية، وصار الالتزام العربي بالموضوع الفلسطيني مسألة مؤثرة في العلاقات العربية ـ الدولية.

الانعطافة الفلسطينية بمنحاها السلبي، تمثلت بالتنازل الفلسطيني والقبول بحضور ما يسمى بالاجتماعات الاستكشافية في عمان، والتي شكلت باعتراف الجميع شكلا آخر من أشكال المفاوضات دون الالتزام بشرط وقف الاستيطان.

أسهم في تعميق أثر هذه الانعطافة التطورات في الحالة السورية، ما برر للجنة المتابعة العربية، ولمجلس وزراء الخارجية العرب، تقديم الملف السوري على غيره من الملفات، بما فيها الملف الفلسطيني. وليست صدفة أن يشكك الرئيس عباس، عشية الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، بجدوى ذهابه إلى القاهرة، لإدراكه أن الملف السوري أصبح هو محور الاهتمام السياسي العربي. ولقد كان على الرئيس عباس عندها أن يتوقف ويتساءل لماذا حصل الانقلاب العربي هذا، وتقدم ملف على ملف آخر. قد يقول البعض إن السبب يتمثل في «سخونة الملف السوري». لكن الوجه الآخر للجواب هو أن السبب يتمثل في «برودة الملف الفلسطيني».

فما دام المفاوض الفلسطيني اختار أن «ينعطف» لصالح اجتماعات عمان، بات عليه أن يختار بنفسه طريقه لما بعد عمان. لقد أفسح المفاوض الفلسطيني، بسياسته التنازلية، أمام بعض العرب للادعاء بأنهم ليسوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ومادام الفلسطينيون قد اختاروا طريقهم، فما عليهم سوى أن يواصلوا هذه الطريق.

باعتقادنا، لو كان الملف الفلسطيني ساخنا بما فيه الكفاية، سياسيا وميدانيا، لاقتحم أسوار جامعة الدول العربية، وفرض نفسه بقوة على جدول أعمال وزراء خارجية العرب ، بللفرض نفسه على الجامعة بحيث تعقد جلسات استثنائية لبحث الملف الفلسطيني وسخونته. الكرة إذن في الملعب الفلسطيني، دون أن نسقط من حساباتنا أن لدى البعض من العرب اهتمامات تجاوزت الملف الفلسطيني، ودفعت به إلى الوراء لحساب ملفات أخرى.

***

في العام الماضي، ألقى الرئيس أوباما خطاباً في مؤتمر إيباك. جاء هذا الخطاب بعد ساعات على خطاب له في وزارة الخارجية الأميركية. لوحظ أن الخطابين تمحورا حول قضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وحول العملية التفاوضية، مؤكداً على ضرورة وقف الاستيطان، لإفساح المجال أمام استئناف المفاوضات، معلناً موقفاً أميركياً واضحاً بالاعتراف بخطوط الرابع من حزيران أساساً للمفاوضات ورسم الحدود بين دولة فلسطين وبين إسرائيل.

هذه المرة، في خطابه أمام إيباك (كما أيضا في خطاب رئيس إسرائيل شمعون بيريس) غابت القضية الفلسطينية واحتلت محلها قضية إقليمية أخرى، هي إيران وقنبلتها النووية التي يتنبأ الأميركيون والإسرائيليون بموعد ولادتها في السنوات القادمة.

الموضوع نفسه حضر بقوة في جدول أعمال أوباما ـ نتنياهو. وعلينا هنا أن نتذكر أن الأجواء الأميركية ـ الإسرائيلية، كانت في العام الماضي، عاصفة، يعكر صفوها رياح وغبار وضباب واستياء أميركي من تعنت نتنياهو ورفضه قبول اقتراحات المبعوث الأميركي جورج ميتشل وقف الاستيطان. حتى أن أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون. حاولا أن يظهرا غيرتهما على «يهودية إسرائيل» بالتأكيد أن الانسحاب من الضفة هو لمصلحة هذه «اليهودية» وإلا أصبحت إسرائيل دولة ثنائية القومية.

هذه السنة لا ذكر للموضوع الفلسطيني. وإن أتى البعض على ذكره فبعبارات قليلة تؤكد أنه أصبح أمراً ثانوياً.

لماذا يغيب الموضوع الفلسطيني لصالح مواضيع أخرى. إن الرؤساء حين يلتقون لا يملكون ترف ابتداع عناوين وموضوعات من خلف الغيم يتلهون بها، بل يطرحون على جدول أعمالهم تلك القضايا التي تشغل بال مؤسساتهم السياسية والأمنية وغيرها. والتي تضغط على مصالحهم بحيث لا يستطيعون أن يتجاهلوها، ولا يستطيعون، في الوقت نفسه، أن يضيعوا وقتهم في بحث قضايا «ثانوية» يمكن إحالة ملفاتها إلى المساعدين، من صغار الموظفين. ولأن نتنياهو «مرتاح» من الجو الفلسطيني، ولا يشعر بأي قلق، خاصة على الصعيد الأمني. ولأن نتنياهو هو قلق من الجو الإيراني، والأجواء العربية، كان على جدول أعماله مع أوباما هذان الملفان.

كان يمكن أن يكون الأمر مختلفاً، لو أن الفلسطينيين واصلوا هجومهم السياسي، بحيث تبدأ تل أبيب بالصراخ متخوفة مما تسميه الصحافة العبرية «نزع الشرعية الدولية عنها» أي اقتحام الفلسطينيين للأمم المتحدة وباقي المحافل الدولية وعزل تل أبيب وحليفتها واشنطن.

كان يمكن أن يكون الأمر مختلفا لو أن الفلسطينيين مارسوا حقيقة مقاطعة اقتصادية لإسرائيل تلحق بها خسائر فادحة تقلق الدوائر الاقتصادية في تل أبيب بحيث يضطر نتنياهو، رغماً عنه، أن يشكو الأمر لحليفه أوباما.

وكان يمكن أن يكون الأمر مختلفاً لو أن الفلسطينيين وضعوا حداً لحالة الاستقرار والهدوء التي ينعم بها جنود الاحتلال والمستوطنون في القدس وفي الضفة الفلسطينية، وحولوا إقامة هؤلاء إلى حالة خوف وقلق وذعر دائمة. عندها سيحمل نتنياهو (ومعه وزير حربه إيهود باراك) ملفاته الأمنية إلى واشنطن، ليطالبها بالضغط على الفلسطينيين، كما سبق لباراك أن طالب كلينتون، في الانتفاضة الثانية، بالضغط على الفلسطينيين لوقف انتفاضتهم.

أخيراً.. نتساءل ترى كيف يمكن للحالة الفلسطينية أن تفرض حالها مرة أخرى على جدول أعمال العرب، والأمم المتحدة، وواشنطن، وإيباك، وحكومة نتنياهو، في الوقت الذي مازال فيه البعض يتلهى بالقشور، متناسياً حقيقة القضية، وجوهرها، بأنها قضية حرب استقلال وليست مجرد حكومة نختلف على هويتها، وكأننا تجاوزنا مرحلة الاحتلال، وصرنا دولة مستقلة لا هم لها سوى الاختلاف على تشكيل الحكومات؟!