كـتـاب ألموقع

• لعبة «الاستحقاقات» الوهمية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

مقالات اخرى للكاتب

لعبة «الاستحقاقات» الوهمية

 

الاستحقاق الحقيقي هو أن يقلع المفاوض الفلسطيني عن لعبة «الاستحقاقات الوهمية»، وأن يتبنى إستراتيجية جديدة، يكون استحقاقها الخلاص من الاحتلال والاستيطان، وهذا لا يتطلب «عبقرية سياسية». إنه يتطلب «إرادة سياسية».

يبدو لي أن لعبة «الاستحقاقات» باتت ظاهرة جديدة ابتدعها الفريق الفلسطيني المفاوض، وحولها إلى جزء من الحياة السياسية الفلسطينية وسخرها في خدمة سياسته التفاوضية، التي مازال مصراً على تبنيها، والتمسك بأهدابها، حتى ولو كانت جثة هامدة، رغم أن الدوائر الفلسطينية (بل والعربية) على اختلاف اتجاهاتها، بدأت تقتنع، وتعلن، أن هذه المفاوضات عقيمة، وبائسة، ومذلة، ومهينة، ولن تنتج ما يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.

لعبة الاستحقاقات صارت هواية جديدة، يلجأ إليها المفاوض الفلسطيني ليملأ الفراغ السياسي الذي تعيشه العملية التفاوضية، وليوحي للمواطن الفلسطيني أن ثمة أملاً أو منعطفاً جديداً، في المسار التفاوضي، يستحق أن نراهن عليه، وما علينا سوى المزيد من الصبر إلى أن نصل سالمين إلى هذا المنعطف ـ المسمى استحقاقا ـ. وعلينا، قبل الوصول إليه أن نوفر له متطلباته، وضرورات تحقيقه، حتى ولو قادنا ذلك ـ تكتيكياً ـ إلى تقديم تنازلات شكلية، وبهدف تحقيق مكاسب حقيقية. ويتضح، في النهاية، أن المفاوض الفلسطيني، وفي إطار لعبة «الاستحقاقات» هذه، يقدم التنازل المطلوب، لكنه لا يجني المكاسب الموعودة، بما يضعنا في مسار تنازلي، يتلوه مسار تنازلي إضافي. والهدف الحقيقي من وراء لعبة «الاستحقاقات» هذه، تحذير المواطن الفلسطيني، والإيحاء له بأن العملية التفاوضية تسير بشكل جيد، وأن علينا الانتظار. كما أن الأهداف الحقيقية للعبة «الاستحقاقات» هذه هو أن لا نحشر المفاوض الفلسطيني، إذا ما اعترف بجمود وتوقف العملية التفاوضية وأن نسأله، في هذا السياق، السؤال الذي بات «تاريخيا» ومازال المفاوض الفلسطيني يرفض الإجابة عنه ألا وهو: ما البديل لهذه العملية التفاوضية؟. وما العمل في ظل رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة النزول عند متطلبات التسوية التي تضمن لنا حقوقنا. وإلى متى سوف تستمر هذه المفاوضات العقيمة، أو إلى متى سوف تبقى مجمدة، بينما الاستيطان لا يتوقف كما لا تتوقف عمليات هدم البيوت العربية، ومصادرة الأراضي في القدس وفي أنحاء الضفة الفلسطينية.

وإذا ما عدنا بالذاكرة قليلا إلى العام الماضي، للاحظنا أن المفاوض وعدنا بالاستحقاقات التالية:

·       «استحقاق» رئيس الحكومة سلام فياض بإعلان الدولة الفلسطينية في آب الماضي (أغسطس) في إطار خطته لبناء البنية التحتية لهذه الدولة وخلال عام، ابتدأ في أب (أغسطس) 2010.

 

 

* «استحقاق فياض»، إذا جاز التعبير، مر موعده بصمت عميق، دون أن يلقى من يضع على ضريحه وردة، خاصة وأن الرئيس محمود عباس كان قد نعاه مسبقاً، حين أكد أن لا نية لديه لإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، والتزامه بأن تكون طاولة المفاوضات هي المكان الذي تولد عليه، وفيه، هذه الدولة. أدلى فياض بعشرات التصريحات وأطلق عشرات المواقف، وجال في أنحاء الضفة يبشر بمشروعه القائم على ثلاث قوائم: تشييد البنية التحية للدولة، المقاومة الشعبية، والمفاوضات. حتى الآن، لا ندري ما الذي تم تشييده من بنى تحتية للدولة في ظل الاحتلال والانقسام، وما هو مصير هذه «البنية» حين يغادر فياض ديوان رئيس الحكومة. ولا ندري ما هو مصير «المقاومة الشعبية» التي بشر بها فياض، ومدحها طويلاً في شباط (فبراير) من العام الماضي في احتفال شعبي في بلعين. أما المفاوضات فلا نسأله عنها، لأن السؤال موجه على الدوام إلى الفريق المفاوض. انقضى آب (أغسطس) وانقضى استحقاق فياض، وتبين أنه كان محطة وهمية، تماماً، كالمحطة التي بقيت المطربة فيروز تقيم فيها دون أن يصل القطار. السبب أنه ليست هناك محطة وليس هناك قطار، وليست هناك خطوط حديدية يسير عليها القطار. فقط هناك أوهام سرعان ما تبخرت.

* «استحقاق أيلول» جرى التحضير له مطولاً، سياسياً وإعلامياً. لكن الملاحظ أن الفريق المفاوض كان يضغط لإحباط أية محاولة للتحضير له جماهيرياً. وقد وضع هذا الاستحقاق الحالة الفلسطينية أمام مفترق طرق وأمام خيارين: الأول أن يكون الاستحقاق مجرد خطوة في العملية التفاوضية العقيمة، الثاني أن تكون هذه الخطوة بداية لإستراتيجية جديدة تفتح الباب أمام الميادين المختلفة: الدبلوماسية، والجماهيرية، والمقاومة، دون أن نسقط في السياق خيار المفاوضات المستندة إلى عناصر القوة التي سوف يستنهضها سلوك وتبني الإستراتيجية الجديدة. وأثير غبار كثيف حول هذا الاستحقاق، وكتب عنه الكثير، وقيل فيه الكثير، إلى أن انتهى إلى طلب إلى مجلس الأمن، توقف عند التهديد بالفيتو الأميركي، وعند مكسب يتيم هو دخول اليونيسكو، دون أي تقليل من أهمية هذا المكسب. غير أن الأمر الأكثر أهمية هو أن هذا الاستحقاق لم يشكل منعطفاً أو بداية أو مدخلاً لإستراتيجية جديدة، بل اندرج في سياق الإستراتيجية التفاوضية العاجزة التي يصر المفاوض الفلسطيني على التمسك بها. ولعل خير دليل على ذلك توقفه في منتصف الطريق، وعند حدود الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وهروبه بعد ذلك نحو لقاءات عمان التفاوضية المسماة «استكشافية» تمهيداً لاستحقاق جديد هو «استحقاق 26/1/2012».

* عشية هذا الاستحقاق الوهمي أطلق صائب عريقات تصريحات متشددة أكد فيها أن موعد 26/1/2012 سيكون الخط الأحمر الذي ليس بعده من مفاوضات، وأن الحالة الفلسطينية سوف تنتقل إلى سياسة جديدة. انعقدت لقاءات عمان، تحدث فيها المفاوض الفلسطيني كثيراً، وتحدث فيها المفاوض الإسرائيلي قليلاً. لكن الكلام الإسرائيلي، على قلته كان هو الحاسم، لأنه كان يملك «القوة» في الميدان. بينما الكلام الفلسطيني، وعلى كثرته، كان مجرداً من كل عناصر القوة. وبالتالي كانت النتائج معروفة. ليس فقط نتائج «اللقاءات الاستكشافية»، بل وكذلك «استحقاق 26/1» الذي لم يلتفت إليه أحد: لا الجانب الإسرائيلي، ولا اللجنة الرباعية. فقط كان الجانب الفلسطيني وحده يجتر الخيبة والانكسار، لأنه أوهم نفسه، وحاول أن يوهم الآخرين، بأن اللجنة الرباعية سوف تنحاز إلى برنامجها، متجاهلاً، أو ناسياً، أن «الرباعية» تنحاز إلى القوي وليس إلى الضعيف. وهكذا تبخر الاستحقاق الموعود.

الآن نحن أمام استحقاق «أم الرسائل» التي صاغها المفاوض الفلسطيني ليبعث بها إلى نتنياهو، وقبل أن يأتيه الرد نلفت نظر المفاوض الفلسطيني أن نتنياهو لا يعبأ الآن بالموضوع الفلسطيني، همه متوجه نحو إيران، ونحو سوريا. ليس لعدم أهمية الموضوع الفلسطيني بل لأنه يدري جيداً أن المفاوض الفلسطيني وضع نفسه أمام خيار وحيد هو أن يربط مصيره بالمفاوضات الحالية. وبالتالي هو «على استعداد» أن ينتظر إلى ما شاء له نتنياهو أن ينتظر. وبالتالي إذا كان الرهان هو على رد نتنياهو، فمن الآن نقول إنه رهان خاسر، وإننا لسنا أمام استحقاق حقيقي بل وهمي.

الاستحقاق الحقيقي هو أن يقلع المفاوض الفلسطيني عن لعبة «الاستحقاقات الوهمية»، وأن يقلع عن الإدمان على عملية تفاوضية عقيمة، وأن يتوجه، هو وباقي أطراف الحالة الفلسطينية، إلى بناء إستراتيجية جديدة، يكون فيها الاستحقاق الأكبر، الخلاص من الاحتلال والاستيطان. ولا نظن أن بناء هذه الإستراتيجية يتطلب عبقرية سياسية. إنه يتطلب إرادة سياسية.