كـتـاب ألموقع

• ملاحظات على هامش الاجتماع الفلسطيني الموسع 15 و 16/9/2012 -//- بقلم: معتصم حمادة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ملاحظات على هامش الاجتماع الفلسطيني الموسع 15 و 16/9/2012

معتصم حمادة

انعقد الاجتماع تحت ضغط الأزمات المستفحلة في أوضاع السلطة لذلك ساده التوتر من قبل أصحاب الدعوة

لعب استقبال رئيس الوزراء المصري لـ «نظيره» هنية دورا إضافيا في توتير الأجواء

من المسؤول عن الحراك الشعبي في الضفة، من دعا له، أم من تسبب به عبر قراراته وسياساته الاقتصادية الجائرة؟

اتفاق أوسلو لا يشكل أساسا للشراكة السياسية، أساس الشراكة بيان 2005 ووثيقة الوفاق الوطني

الشراكة السياسية لا تقوم على الاستفراد بالقرار وتوزيع مسؤوليات فشله على الآخرين..

لا يقاس الربح والخسارة في اتفاق أوسلو بمعايير فصائلية ضيقة بقدر ما يقاس الأمر بالمعايير الوطنية العامة. فماذا حقق الاتفاق من مكاسب لشعب فلسطين وقضيته الوطنية؟

ما تسمى «مكاسب» حققتها الفصائل من اتفاق أوسلو هي في الحقيقة تعبير عن قدرة هذه الفصائل على التفاعل مع المستجدات السياسية وتطوير أساليب المواجهة

تناولت الصحف ووسائل الإعلام في الأسبوعين الماضيين، الاجتماع الموسع الذي شهدته رام الله، يومي 15 و 16/9/2012، والذي دعا له الرئيس محمود عباس فور عودته من الخارج، ليبحث تطور الأوضاع العامة خاصة الحراك الشعبي احتجاجا على السياسة الاقتصادية لحكومة فياض، وقراراتها الأخيرة الجائرة، وكذلك انسداد العملية التفاوضية، وانكفاء عملية «المصالحة» إلى الوراء والعودة بين رام الله وغزة إلى الإحتراب الإعلامي، بعدما جمدت قيادة حماس في القطاع أعمال لجنة الانتخابات المركزية التي تم الاتفاق على نشاطها في القطاع، ببروتوكول تنفيذ اتفاق الدوحة، كما توصل إليه موسى أبو مرزوق (حماس) وعزام الأحمد (فتح).

ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر موثوقة أن الاجتماع ساده التوتر الشديد، خاصة وأن بعض الشعارات والهتافات في الحراك الشعبي في الضفة طالبت برحيل الرئيس عباس وسلام فياض. ورأت وسائل الإعلام أن هذا الاجتماع كان مفصليا وذهبت في خلاصاتها مذاهب مختلفة. بعضها رأى فيه محطة مفصلية للانتقال إلى سياسة جديدة تتحضر السلطة الفلسطينية والقيادة السياسية لتبينها في المرحلة القادمة. والبعض الآخر رأى فيه مجرد مراجعة لم تصل إلى أية نتائج، حيث من المتوقع أن تستأنف الاجتماعات في رام الله بعد عودة الرئيس عباس من نيويورك حيث يلقي خطاب فلسطين في افتتاح أعمال الجمعية العامة الدوري للأمم المتحدة.

ما هي حقيقة القضايا التي نوقشت في الاجتماع، وما هي المواقف التي تداولها المجتمعون، وما هي النتائج التي تم التوصل إليها. فيما يلي محاولة لقراءة الاجتماع، سياقه السياسي، وقائعه ونتائجه.

السياق المأزوم

يلفت مصدر رفيع النظر، بداية، إلى أن الاجتماع ضم إلى جانب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح وممثلي الفصائل في رام الله، وبعض الشخصيات الأخرى، وقد بات هذا الاجتماع يعرف مجازا بـ «القيادة الفلسطينية» علما أنه صيغة مركبة ابتدعها مكتب الرئيس لم يتم اعتمادها على الصعيد الوطني، ولا تدخل في أي من الهياكل السياسية الفلسطينية. وبالتالي فإن قرارات هذا اللقاء لا يمكن اعتبارها ذات صفة رسمية، بقدر ما هي، في كل مرة، تتخذ طابعا تشاوريا غير ملزم للرئيس عباس.

ويلاحظ هذا المصدر أن الهيئات المعتمدة وطنيا، هي اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، والمجلس الوطني، وقد تم التوافق مؤخرا وبموجب اتفاق المصالحة، على تشكيل الهيئة الوطنية العليا التي تضم إلى جانب «التنفيذية» ورئيسها، رئيس المجلس الوطني والأمناء العامين وشخصيات متوافق عليها. ويفترض، وفقا لتفاهم وطني عام، أن تكون قرارات هذه الهيئة ملزمة، خاصة وأنها تبحث قضايا ذات طابع مصيري، كإنهاء الانقسام وآليات المصالحة، والإستراتيجيات والتكتيكات السياسية المعتمدة.

#كذلك يلفت المصدر النظر إلى أن الاجتماع انعقد في سياق مأزوم، وسيطر عليه جو من التوتر. فقد انعقد بعدما شهدت الضفة الفلسطينية تظاهرات واعتصامات صاخبة ضد السياسة الاقتصادية لحكومة فياض، تجاوز فيها البعض حدود التحرك نحو الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، وهو ما كان موضع انتقاد واستياء وشجب عام. كما تجاوز فيها البعض الشعارات التي انتظم الحراك تحت سقفها، فدعا إلى رحيل (أو إسقاط) الرئيس عباس وسلام فياض. وتحدثت أوساط السلطة الفلسطينية عن مندسين حاولوا تخريب التحرك واستغلاله لأهداف فئوية، وكان واضحا أن الاتهام توجه بشكل بارز نحو حركة حماس.

كما لوحظ أن الأجهزة الأمنية لم تتدخل ضد الحراك الشعبي بعدما تبين لها حجمه واتساعه وشموله فئات اجتماعية مختلفة إذ لم يقتصر على السائقين وأصحاب السيارات بل طال شرائح عديدة في المجتمع، متضررة إلى حد كبير من سياسة فياض الاقتصادية، زادها ضررا لجوءه إلى اتخاذ قرارات من شأنها أن ترهق كاهل الفقراء وساكني الريف وأصحاب الدخل المحدود بالمزيد من الأعباء الاقتصادية بحيث تسقط فئات جديدة تحت خط الفقر، وتهبط فئات جديدة اقتصاديا نحو الفئات المعوزة، ما يعني الغليان والغضب والاحتجاجات الصاخبة.

ويرى المصدر نفسه أن تجنب الأجهزة الأمنية الاحتكاك مع الحراك الشعبي، حكمته مخاوف من اتساع الغضب وانفجار الأوضاع بحيث يصعب السيطرة عليها. ولعل الأجهزة الأمنية في الضفة الفلسطينية استوعبت دروس مثيلاتها في بعض العواصم العربية، حين نزلت الجماهير إلى الشارع، وقد عزمت أن تقرر مصيرها بنفسها وألا تتركه لفئة من المسؤولين و«الخبراء الاقتصاديين» أن يقرروه نيابة عنها. مثل هذا الجو تسرب إلى داخل الاجتماع الموسع الذي دعا إليه الرئيس عباس وإن كانت دروسه، في جوهرها، بقيت غائبة عن صف من الذين شاركوا فيه.

انعقد الاجتماع، في ظل أزمة سياسية ملامحها معروفة للقاصي والداني. فالعملية التفاوضية معلقة إلى إشعار آخر، بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية، وفراغ الرئيس الأميركي الجديد من إعادة ترتيب إدارته، وتنظيم صفوفها، وإعادة دراسة ملفاته الداخلية والخارجية. خاصة وأن المعلومات ترجح فوز الرئيس أوباما. لكن وفقا لمصادر أميركية بات منتظرا أن تغادر هيلاري كلينتون وزارة الخارجية لتحل محلها شخصية أخرى. وهذا يعني أن هذه الشخصية سوف تأخذ وقتها لدراسة الملفات الساخنة دون أي ضمانة أن يكون الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي في مقدمتها. في ظل هذا الجمود يتوسع الاستيطان، ويتخذ نتنياهو المزيد من القرارات، في هذا المجال، بما في ذلك ضم كتل استيطانية كبرى [غوش عتصيون] إلى ما يسمى بـ «غلاف القدس الكبرى»، لتوسيع مساحة «القدس» بحيث تمتد إلى أبواب بيت لحم، وكذلك جرف قرى وأراض ومزارع، في محافظة الخليل لتوسيع المستوطنات، وضم الأراضي المجروفة إلى خارطة توسيع إسرائيل في أية مفاوضات لاحقة. مثل هذه التطورات تضغط على القيادة السياسية الفلسطينية، وتفضح أمام الشارع، عجزها وارتباكها، كما تفضح عقم السياسات المتبعة، وعقم تمسكها بالعملية التفاوضية الحالية.

انعقد الاجتماع في ظل أزمة اقتصادية ومالية فاقعة، انفجرت بعض نتائجها في الشارع قبل أيام، مما اضطر فياض إلى التراجع عن بعض قراراته الاقتصادية دون أن يشكل استجابة لمطالب الشارع وحراكه، وهو ما دعا قوى سياسية في م.ت.ف. ونقابات ومؤسسات اجتماعية مختلفة لمطالبة فياض بإتباع سياسة اقتصادية بديلة تقوم وفق مبدأ العدالة الاجتماعية، خاصة وأن الواضح مدى التفاوت بين الحد الأدنى للأجور والحد الأقصى، وأن التراجع عن امتيازات الكبار في السلطة وتخفيض مرتباتهم، من شأنه أن يوفر للخزينة مبالغ تكفي لمعالجة العديد من المتطلبات الاقتصادية والخدمية. وأن بناء نظام ضريبي «عادل»، يطال الأغنياء وأصحاب الامتيازات، قبل أن يطال الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، من شأنه هو الآخر أن ينشر بعضا من العدالة الاجتماعية في العلاقات المجتمعية في الضفة. لكن مثل هذه السياسة الجديدة، يفترض لأتباعها «الانقلاب على الذات» فالقرارات الاقتصادية يتخذها أصحاب الامتيازات أنفسهم، الذين تراكمت امتيازاتهم، وتحولت إلى «قوة مالية» مكنتهم من الدخول مع كبار رجال الأعمال في «زواج غير مقدس»، على حساب الفئات الوسطى والدنيا في المجتمع الفلسطيني.

يزيد من الأزمة المالية والاقتصادية، إدراك السلطة مسبقا أن الجهات المانحة لن يكون في حساباتها البحث عم مخارج لهذه الأزمة عبر زيادة التمويل، خاصة وأن معظم هذه الجهات أوروبية، تعاني هي الأخرى من أزمات مالية واقتصادية محلية، ومن رقابة شعبية تفرض عليها أن تستدير لمعالجة قضاياها المحلية قبل أن تعالج قضايا السلطة الفلسطينية. وهذا يعني، بالخلاصة أن احتمالات عودة الحراك ما زالت مفتوحة على مصراعيها، وإن احتمالات الصدام ما زالت هي الأخرى مفتوحة، ما يضع السلطة في دوامة مفرغة، إذا لم تبادر إلى مخارج جديدة بعيدا عن الإجراءات الآنية والمؤقتة.

انعقد الاجتماع في ظل عودة الحالة الفلسطينية إلى المهاترات الإعلامية، خاصة في ظل انكفاء عملية المصالحة، بعد أن عطلت حركة حماس أعمال لجنة الانتخابات المركزية في القطاع. يزيد الأمور تعقيدا بعض المواقف العربية خاصة المصرية منها، والإيرانية، التي تحاول أن تضع السلطة و(م.ت.ف.) في رام الله، على ذات السوية مع حماس و«سلطتها» في القطاع. فقد سبق للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن دعا إسماعيل هنية إلى مؤتمر دول عدم الانحياز، بصفته رئيسا للحكومة الفلسطينية (بعد أن كانت طهران قد استقبلته في مرة سابقة بهذه الصفة وباعتباره «الزعيم الفلسطيني الأول».) ما أثار حفيظة رام الله، ودعاها للتهديد بمقاطعة المؤتمر إن لبى هنية الدعوة. علما أن الجانب الفلسطيني في رام الله كان يتعرض لضغوط أميركية كي يمتنع عن الحضور إلى طهران. وتحت الضغوط المختلفة تراجع الرئيس الإيراني عن موقفه، وحضر الوفد الفلسطيني «الشرعي» المؤتمر دون أن يعني ذلك أن صفحة «التلاعب» بالشرعية الفلسطينية قد طويت، يعزز هذا الاحتمال أن القاهرة هي أيضا في ظل القيادة السياسية الجديدة استقبلت هنية باعتباره رئيسا للوزراء حين أعلنت أن «رئيس الحكومة المصرية استقبل نظيره الفلسطيني إسماعيل هنية». وقد تسربت من القاهرة معلومات إضافية أثارت المزيد من القلق في صف القيادة الفلسطينية في رام الله حول آفاق التعاون الممكن بين مصر وغزة بمعزل عن التشاور مع رام الله وعن موقعها في الحسابات السياسية. وترى القيادة الفلسطينية في رام الله أن مثل هذه السياسات من شأنها أن تعزز لدى من هم في قطاع غزة تيار الانقسام، وأن تضعف إلى أبعد حد تيار المصالحة، خاصة وأن بقاء الانقسام من شأنه أن يوفر المزيد من المكاسب والامتيازات لصف واسع من القيادات ورجال الأعمال المقربين في قطاع غزة.

أخيرا، وليس آخرا، انعقد الاجتماع في ظل أوضاع فتحاوية يمكن وصفها بـ «القلقة» على ضوء التحضيرات للانتخابات المحلية، حيث التنافس في صياغة اللوائح، لم يقتصر على الأطراف السياسية بل امتد التنافس إلى داخل فتح نفسها، حيث تبلورت في أكثر من محافظة ومدينة وقرية أكثر من لائحة لفتح، سوف تتنافس فيما بينها، ما يعيد الحركة إلى أجواء الانتخابات التشريعية لعام 2006، حين دارت المعركة الرئيسية ليس مع لوائح حماس ومرشحيها، أو لوائح الفصائل الأخرى بل داخل فتح نفسها، ولعل الخليل تشكل نموذجا فاقعا لمثل هذا الأمر حين دارت معركة كسر عظم بين لوائح فتح المتنافسة مما فتح الباب لفوز باهر لحركة حماس في المحافظة. كذلك من أسباب قلق الوضع في فتح أن قواعد فتح وكوادرها شاركوا هم أيضا في الحراك الشعبي ضد قرارات فياض الاقتصادية، ليس من موقعهم في المجتمع الفلسطيني، وكمتضررين من هذه القرارات فحسب، بل من موقع الدعوة إلى إسقاط حكومة فياض أيضا، خاصة وأن صفا واسعا من قيادات فتح مازال يدعو إلى ترحيل هذه الحكومة، وتشكيل حكومة تكون عمادها حركة فتح ويبرر هؤلاء دعوتهم هذه بأن حكومة فياض تسمي نفسها حكومة الرئيس عباس، [أي أنها تنتحل صفة فتحاوية] دون أن تتبنى سياسة فتحاوية. وواضح أن الهدف الحقيقي من ترحيل حكومة فياض يدخل في باب الصراع على المكاسب والامتيازات، وليس على خلفية الحرص على مصالح الفئات المحرومة. خلاصة القول إن الاجتماع انعقد في ظل أوضاع فتحاوية تفتقر إلى الاستقرار الضروري، ما دعا الرئيس عباس كما أكد البعض، إلى الكشف عن رغبته في دعوة فتح إلى اجتماع تشريعي [كونفرنس مثلا] لبحث هذه الأوضاع، بما يتيح له كما فسر هذا البعض، أن يشدد قبضته على الحركة بعدما بدأ يساوره شعور بأنها بدأت ترتخي، في ظل الأوضاع السائدة.

الحراك الشعبي.. والمسؤولية الحقيقية

في الاجتماع عندما طرح موضوع الحراك الشعبي احتجاجا على القرارات الاقتصادية لفياض، وضع الموضوع على رأسه وليس على قدميه من خلال تحميل الفصائل والقوى مسؤولية هذا الحراك. علما أن الوقائع تؤكد أن هذا الحراك ما كان له لأن يأخذ الطابع الذي أخذه لولا تلك السياسات الاقتصادية المتبعة والتي راكمت في أوضاع الفئات المتوسطة والفقيرة من العوامل المتفجرة ما دعاها للنزول إلى الشارع للدفاع عن لقمة خبزها وعن حياة أطفالها. فالمحرض الأول والحقيقي لهذا الحراك هي تلك السياسات الاقتصادية المنحازة في جوهرها لصالح الأغنياء وعلى حساب الفئات الدنيا.

ولم يكن بإمكان أي من الفصائل والقوى النجاح في تنظيم أي حراك في الشارع لا تتوفر دوافعه المقنعة لهذا الشارع. لذلك كانت محاولة في الاجتماع للتبرؤ من مسؤولية ما حصل، وإلقاء التهمة على القوى السياسية. وهي محاولة إن قرئت بشكل معمق كما يقول مراقبون فإنها تحمل في طياتها نية بالتمسك بالسياسات الاقتصادية الحالية، والتهرب من المسؤولية وإلقاء التبعية على الآخرين، علما أن المخرج الحقيقي هو في إتباع سياسات اقتصادية بديلة، قدمت من بعض القوى، ومنها الجبهة الديمقراطية أكثر من مرة إلى الحكومة لإتباعها، لكن دون جدوى.

وفي الاجتماع أيضا، جرى الخلط بين الشعارات المحقة التي رفعت في الحراك وبين الشعارات التي طالبت برحيل الرئيس عباس وسلام فياض. وواضح أن هذا الخلط يهدف لتركيز الأضواء على قضية «الرحيل» وكأن من رفعها اخترق الخط الأحمر، وتطاول على المقدسات. علما أننا في زمن عربي بات فيه من حق الشعوب أن تقول كلمتها دون خوف أو وجل. وفي المنطق الديمقراطي لا يفترض أن يكون الرئيس، أي رئيس، موضع إجماع من الشعب وبالتالي لا ضرر ولا تجاوز للأصول الديمقراطية إذا ما هتف الشارع يطالب برحيل رئيس الوزراء، أو يطالب برحيل رئيس السلطة. فكلاهما تم اختيارهما وفقا لأصول العمل في المؤسسة الفلسطينية دون أن يمس هذا كرامة أي من الاثنين، فالقضية سياسية أولا وآخرا، ومن حق المواطن أن يقول رأيه في رؤسائه، ومن حقه أن يؤكد على وجودهم، ومن حقه أيضا أن يطالب برحيلهم. وإذا كان اختيار الرؤساء يتم عبر صندوق الاقتراع فإن المطالبة برحيل الرؤساء في تظاهرات سلمية، هو شكل من أشكال الاقتراع المسبق، لكن بشكل معلن، وخارج «الغرفة السرية». لذلك ما كان مطلوبا أن تطرح قضية الهتافات الداعية إلى رحيل عباس أو فياض وكأنها جريمة ارتكبت بحق أي منهما بل يجب أن ينظر إليها على أنها تعبير ديمقراطي عن حرية الرأي، وما على المسؤول سوى أن يتفاعل مع هذه الشعارات وفقا لرؤيته ودائما تحت سقف الديمقراطية واحترام حرية الرأي.

الشراكة.. والمسؤولية المشتركة

كما طرح في الاجتماع موضوع «الشراكة» في تحمل المسؤولية. وهي محاولة لوضع القوى كافة في سلة واحدة، ووضعها جميعها على مستوى واحد من تحمل مسؤولية القرار. علما أن آلية القرار تؤكد بكل وضوح أنه ليس نتاجا لشراكة وطنية بل هو حكر على فئة صغيرة، تدير مطبخها وفقا لرؤيتها الخاصة، ولا تأخذ بالاعتبار آراء الآخرين ومواقفهم. ولعل اجتماعات اللجنة التنفيذية واجتماعات المجلس المركزي خير دليل على ذلك. فاجتماعات «التنفيذية» باتت حلقات تشاورية، لا يؤخذ برأيها، يتم مسبقا تحضير البيان الذي سيصدر عنها، وهو يعبر بشكل فاقع عن رأي رئيس اللجنة ويتجاهل أيضا، بشكل فاقع، آراء الآخرين ومواقفهم كذلك هو الأمر بالنسبة للمجلس المركزي، الذي يتخذ قرارات يتم انتهاكها من قبل المفاوض الفلسطيني، حتى البيان الذي تتوافق عليه لجنة الصياغة المسمى من قبل المجلس نفسه، يتم الاعتداء عليه، بتعديلات قسرية، لا تعكس موقف المجلس، بل تعكس موقف الفريق المفاوض، ما يدلل على انسداد آلية وأقنية عمل المؤسسة، ويدلل على أنها مجرد مؤسسة ذات طابع شكلي، لا قيمة لقراراتها، ولا تحترم هذه القرارات، وكثيرا ما يتم اختراقها وانتهاكها من قبل «فريق المطبخ السياسي» في السلطة. وكثيرا ما تدعى هذه المؤسسات للاجتماع، فقط «لتجديد شرعية» هذا الفريق. ما يحتم، والحال هكذا، إجراء تغييرات وإصلاحات جذرية في أوضاع المؤسسة، كي يستقيم الحديث عن الشراكة.

والشراكة لا تتجلى فقط في عقد الاجتماعات، واتخاذ القرارات [التي لا تنفذ] وتبادل الآراء والمشورات [التي لا يؤخذ بها]. إن للشراكة أساسها السياسي. ونعتقد أن الأساس السياسي الذي يشكل قاعدة للشراكة، هو ما تم التوصل إليه عبر الحوارات الوطنية من وثائق، وأهمها وثيقة المؤتمر الوطني في القاهرة في آذار/مارس 2005، ووثيقة الوفاق الوطني (27/6/2006) وهما الوثيقتان اللتان حملتا تواقيع مندوب رئيس السلطة ورئيس الحكومة، والمجلس الوطني، والتشريعي، واللجنة التنفيذية، والأمناء العامين، وفعاليات المجتمع المدني وغيرهم. إنها وثائق الإجماع الوطني وهي الأساس المتين لأية شراكة ملزمة بقراراتها ومسؤولياتها. لكن هاتين الوثيقتين ما، تم تجاهلهما من قبل حركتين، هما فتح وحماس، وتم انتهاك بنودهما في أكثر من موقع، من هنا لا يستقيم الحديث عن الشراكة دون العودة إلى وثائق الإجماع الوطني. ومن يرغب بتحميل الآخرين مسؤولية ما يجري، كان عليه أن يتخلى عن سياسة الاستفراد بالقرار. وما نشهده الآن من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية هي نتائج هذه السياسات وإفرازاتها. ومعالجة هذه الأزمات، يكون بالتراجع عن هذه السياسات، وتبني «إستراتيجية بديلة»، سبق لنا أن عرضنا عناوينها ومضامينها في أكثر من مكان.

اتفاق أوسلو.. حساب الربح والخسارة

في هذا الاجتماع برز رأي يقول إن الجميع استفاد من اتفاق أوسلو، في محاولة للإشارة إلى أن الفصائل المعارضة للاتفاق، أدخلت كادراتها وقياداتها إلى المناطق المحتلة، ووظفت عناصرها في مؤسسات السلطة. واشتركت في الانتخابات التشريعية والبلدية، وحتى في حكومة السلطة. وقد اعتبر هذا كله مكسبا حتى للذين عارضوا الاتفاق. مثل هذا القول فيه محاولة للخلط بين الاتفاق والموقف منه، وبين الوقائع التي تولدت عن هذا الاتفاق وكيف تفاعلت معها القوى السياسية على اختلاف اتجاهاتها. كما أن مثل هذا القول يقيس الربح والخسارة، من اتفاق أوسلو، على المستوى الفصائلي الفئوي ولا يقيسها على المستوى الوطني العام.

إذا أخذنا القضية الثانية، أي ميزان الربح والخسارة على المستوى الوطني للاحظنا أن الخسارة على هذا المستوى تفوق الأرباح بأشواط، يكفي القول إن الاتفاق أجهض الانتفاضة الأولى، التي كانت على مشارف النصر لو تم السير على الطريق الذي شقته، ولم يلجأ الفريق المتنفذ إلى البحث عن تسويات مع الجانب الأميركي أوصلته إلى مدريد ثم إلى أوسلو، وها هو أوسلو تحول إلى قيد على الشعب الفلسطيني حجزه خلف قضبان العملية التفاوضية منذ حوالي عشرين عاما دون الوصول إلى حل، بينما الاستيطان يبتلع الأرض الفلسطينية والسجون تبتلع خيرة شباب الحركة الوطنية والموت يبتلع المناضلين الواحد تلو الآخر. وقد حول اتفاق أوسلو المناطق الفلسطينية إلى سجن، خلف طوق الاحتلال وأثقل على الشعب الفلسطيني باشتراطاته السياسية والاقتصادية ولا مبالغة في القول إن الأوضاع الاقتصادية تدهورت بأشواط مما كانت عليه في زمن الاحتلال، فضلا عن أن السلطة التي نشأت مع أوسلو كانت مغرقة في الفساد، وفرت الامتيازات للفئات العليا، والفقر والجوع والعوز، والقمع والاضطهاد، للفئات الدنيا، لذلك لا يجوز المقارنة بين خسارة وطنية فادحة، وبين مكاسب فئوية ضيقة.

أما بشأن مكاسب المعارضة من (أوسلو) فإن المعارضة سوف توصف بالغباء السياسي إن هي لم تحاول أن تتفاعل مع الواقع الجديد الذي صنعه هذا الاتفاق. فدخول القيادات إلى المناطق الفلسطينية جاء في سياق معارضة الاتفاق والعمل على إسقاطه، وليس من موقع الالتزام به. وجاء في سياق مواصلة النضال ضد الاحتلال بما في ذلك الكفاح المسلح. أما القول بتوظيف كوادر وعناصر الفصائل المعارضة في مؤسسات السلطة، فهذا قول فئوي يحاول أن يصور المؤسسات الرسمية وكأنها حكر على فصيل بعينه، وأن توظيف الآخرين فيه هو منة ومكرمة من هذا الفصيل.

ما شأن توظيف مدرس في وزارة التربية، أو طبيب في وزارة الصحة، أو أخصائي اجتماعي في وزارة العمل أو الشؤون الاجتماعية، أو حقوقي في وزارة العدل، بالسياسة. هذه وظائف يفترض أن تكون مفتوحة لجميع أبناء الشعب، دون أي تمييز سياسي، أو حزبي، ووفقا لأنظمة توظيف تعتمد الكفاءة وليس الموالاة أو المعارضة. من هنا التأكيد أن من يتحمل المآسي التي ولدها اتفاق أوسلو، هو من وقع الاتفاق، وحوله إلى اتفاق ملزم لشعب فلسطين ومؤسساته الرسمية. ولا يجوز في هذا السياق رمي المسؤولية على الآخرين، والتهرب من المسؤولية التاريخية وللحديث بقية.