كـتـاب ألموقع

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني (قراءة نقدية)// معتصم حمادة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

 

عرض صفحة الكاتب

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني (قراءة نقدية)

معتصم حمادة

كاتب فلسطيني

 

يشكل صدور كتاب يحمل توقيع نايف حواتمة، حدثاً سياسياً وفكرياً مميزاً. هذا ما أكدته الوقائع والتجارب، مع إصداراته السابقة، وهذا ما يعيد تأكيده الكتاب الماثل الآن بين أيدينا.

فعدا عن كون حواتمة، أميناً عاماً، لفصيل مميز من فصائل العمل الوطني، يحتفل هذه الأيام بالعيد الخمسين لانطلاقته المجيدة [اليوبيل الذهبي]، فهو في الوقت نفسه أحد الكبار التاريخيين الذين ولدت على أيديهم منظمة التحرير الفلسطينية ولادتها الثانية، لتشق طريقها، على طريق صعب وشاق إلى أن احتلت موقعها، ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب فلسطين.

فضلاً عن هذا، وأهميته التاريخية، يسجل لحواتمة أنه أخرج العمل الوطني الفلسطيني من حالته الرومانسية والعفوية، إلى حالته الواقعية الثورية، حين أطلق، مع رفاقه، في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، البرنامج المرحلي، برنامج العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني المحتل بعدوان 5 حزيران (يونيو) 67، وما أحدثه هذا من زلزال في الحالة الفلسطينية، وضعها على مفترق طرق، في ظل وضع إقليمي مضطرب، متماوج، تحت وطأة مشاريع تصفية القضية والحقوق الوطنية، في الإلحاق والضم وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل عدوان 67، وشطب شعب فلسطين من على الخارطة الإقليمية، وذبح الحركة الوطنية الفلسطينية على مذبح الرومانسية السياسية، والعدمية البرنامجية. وقد جاءت نتائج حرب أكتوبر(73) لتؤكد واقعية البرنامج المرحلي، وضرورته التاريخية، ودوره في إنقاذ القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، وبناء الانطلاقة الثانية لحركة المقاومة الوطنية المعاصرة، بعد ما رسم 1/1/1965 تاريخ انطلاقتها الأولى.

ولم يكتفِ حواتمة بجرأة وشجاعة تاريخية، ورؤية ثاقبة، بإطلاق البرنامج المرحلي، بل عمل على تطويره، وهو الذي أصبح البرنامج الوطني الجامع والشامل، والذي تحت رايته احتلت م.ت.ف، موقعها ممثلاً شرعياً وحيداً لشعب فلسطين، ودخلت إلى الأمم المتحدة، رافعة بيد، البندقية، وباليد الأخرى، غصن الزيتون، كما حصلت، مؤخراً، على مقعدها المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة. مروراً بإعلان الاستقلال في 15/11/1988، وتداعياته السياسية الكبرى، التي مازالت الحالة الوطنية تعيش مخاضها السياسي.

       

يتميز فكر حواتمة وأدبه السياسي بواقعيته الثورية، التي تصطدم الكثيرين، لكنها صدمة نحو الحقيقة والمواجهة الميدانية بالروح العملية.

فهو أول من أطلق، في الحالة الوطنية الفلسطينية، المبدأ الذي يقي يشكل أحد المرتكزات الكبرى لرؤياه السياسية والفكرية «التحليل الملموس للواقع الملموس»، والخروج، على الدوام، من التحليل بخطوات عملية. فهو، كزعيم وطني يتحمل مسؤولية مميزة عن القضية والحقوق الوطنية، لا يملك الوقت للتلهي بترف التفكير المجرد، بل يهدف تفكيره، على الدوام، إلى خدمة العملية النضالية والمسيرة الكفاحية، لشعب فلسطين، ولباقي الشعوب العربية.

وحتى عندما يدخل غمار نقاش الإيديولوجيات، ينتقد بشدة من يعملون على لي عنق الحقيقة، لإخضاع الواقع للإيديولوجيات، بدلاً من تطويع الإيديولوجيات لصالح الواقع، والخروج منه بما يقود إلى تغييره في إطاره الثوري الواقعي.

من هنا، يتميز حواتمة في حرصه على دقة التعبير، ولا يرى في الأمر مسألة لغوية، بل دقة في بناء الموقف.

فعلى سبيل المثال، لا يتحدث حواتمة عن القضية الوطنية الفلسطينية، دون أن يربط بينها وبين «الحقوق الوطنية». فهو يؤكد على «القضية والحقوق الوطنية» معاً، فبالنسبة له، تأخذ القضية الوطنية جوهرها ومضمونها من الإلتزام بالحقوق الوطنية لشعب فلسطين. إذ ليست هناك قضية وطنية معزولة عن حقوق أصحابها. وهو بذلك ينتقد (بلغة غير مباشرة) كل الذين يتغنون بالقضية الوطنية في صراعاتهم الجانبية، وهم في الوقت ذاته يلحقون أفدح الضرر بالحقوق والمصالح الوطنية الكبرى لأبناء شعبهم.

ولا يتوقف حواتمة، في هذا السياق، عن صياغة المفاهيم السياسية وإكسابها مضمونها الفعلي والعملي، بعيداً عن الفكر المجرد، الذي لا يوفر الحصانة الضرورية لصون هذه المفاهيم ومعانيها.

فالوحدة الوطنية، وهي قضية من أولى القضايا التي يظل مهموماً بها، لا ينظر إليها حواتمة كمجرد تجميع عددي، بلا مضمون سياسي، بأخذ بالإعتبار موازين القوى، ويعطي المناضلين ما يستحقون، حتى لا تتحول «الوحدة الوطنية»، إلى حالة إلحاق، وتبعية، تفتح الباب لكل أشكال التفرد والإستفراد، وتهميش الآخرين وإقصائهم. فمنذ العام 1972، حين أديرت الحوارات الوطنية الداخلية لإعادة بناء وإصلاح مؤسسات م.ت.ف، كان أول من طرح مبدأ «التمثيل النسبي» في المؤسسات؛ في وقت كان فيه المحيط العربي يعتمد مبادئ إقصاء الأغلبية للأقلية، وإعتماد قوانين إنتخابية مشوهة، تشكل بيد الحاكم وسيلة لرسم المشهد الحزبي والسياسي وفق أهدافه. وحتى لا تتسرب هذه الأمراض إلى الحالة الفلسطينية (وقد تسرب بعضها بلا شك ومازلنا نعاني تداعياته حتى الآن) طرح حواتمة نظام «التمثيل النسبي» وفقاً لمعايير نضالية، تلبي الواقع الخاص للحالة الفلسطينية. وبقي هذا المبدأ يشق طريقه في مواجهة سياسات الهيمنة، إلى أن إنتصر أخيراً، وشكل قاعدة راسخة في الوعي السياسي التنظيمي الفلسطيني، حتى إن أكثر الناس تعطيلاً له، بدأت الوقائع تقنعهم أنه النظام الذي من شأنه أن يبني وحدة على أسس ديمقراطية، لا تصنعها صفقات عليا، ولا إتفاقات كوتا، بل يصنعها المواطن الفلسطيني، في صندوق الإقتراع، في إنتخابات حرة ونزيهة، ومتحررة من المال السياسي والانتخابي، الزبائنية والمصالح الفئوية وسياسة شراء  الذمم بالخدمات الفردية.

في السياق نفسه، ينظر حواتمة إلى م.ت.ف، بإعتبارها إطاراً إئتلافياً للشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعة والنقابية وغيرها. وإلى جانب الأساس التنظيمي للإطار الإئتلافي، وهو نظام التمثيل النسبي، هناك جانب البرنامج، وهو الأساس الرئيس، والذي بدونه، يضعف الإئتلاف ويتعرض لمخاطر عديدة، وتنشب النزاعات بين أطرافه. لذلك يصر حواتمة، على الدوام، على التأكيد على «منظمة التحرير الإئتلافية» وفقاً لبرنامجها الوطني، كما أقرته المجالس الوطنية وتوافقات الحوارات الوطنية، ومنها وثيقة الوفاق الوطني في غزة (26/6/2006) وحوار القاهرة في آذار (مارس) 2005.

 

     

يتفق المراقبون على أن حواتمة أسس تياراً واقعياً ثورياً، ومدرسة سياسية خاصة به (وبالجبهة الديمقراطية) في الحالة الوطنية الفلسطينية. مدرسة لها خطابها السياسي المستمد من برنامجها الوطني. مدرسة في البناء التنظيمي الداخلي. ومدرسة في نسج العلاقات الوطنية والحرص على الوحدة الوطنية، بما هي وحدة الشعب ووحدة قضيته ووحدة حقوقه. لذلك لم يتردد في أن يصرح يوم 13/9/1993 مؤكداً أن أوسلو يشكل إنقلاباً سياسياً على البرنامج الوطني، وعلى المؤسسة الوطنية الإئتلافية. وقد أسهب في شرح مخاطر أوسلو وتداعياته المرتقبة، حتى أن أحد كبار المسؤولين الفلسطينيين، لم يتردد في أن يعترف لي، حين إلتقينا في إحدى العواصم العربية، أنه لم يتعرف على المخاطر الحقيقية لإتفاق ومشروع أوسلو إلا من خلال ما كتبه نايف حواتمة (والجبهة الديمقراطية).

وكثيراً ما شكلت مؤلفات حواتمة مرجعاً رئيساً من مراجع العديد من الباحثين من أصحاب شهادات الماجستير والدكتوراه، وكثيراً ما استقبل مكتبه مئات الأسئلة من طلبة جامعيين يستعينون بأفكار وآراء ومواقف وسياسات حواتمة، في إنجاز رسالتهم الجامعية.

ولا يقف تأثير مدرسة حواتمة السياسية والفكرية على الحالة الفلسطينية. فهي ذات إمتداد عربي ودولي، يمكن تلمسه في العديد من مواقف القوى السياسية العربية، في بياناتها اليومية، ووثائق مؤتمراتها الدورية، وفي طبيعة علاقاتها مع حواتمة ومع الجبهة الديمقراطية. تتلمس ذلك في العراق واليمن، والمغرب، وتونس، ومصر، والكويت، الأردن، والجزائر، وامتداداً حتى البحرين. كما تتلمس ذلك من العديد العواصم الغربية، منها باريس، وموسكو، وأثينا، وغيرها، وفي أنحاء مختلفة من أميركيا اللاتينية، في كوبا، وفنزويلا، وبوليفيا، ونيكاراغوا، والبرازيل وغيرها، وحيث تتواجد جاليات فلسطينية وتيارات سياسية عربية يسارية وتقدمية وديمقراطية.

       

هذا الكتاب، إضافة جديدة، لمؤلفات حواتمة، من شأنه أن يزيد المكتبة الفلسطينية والعربية والعالمية، اليسارية والديمقراطية، غنى. وأن يشكل مرجعاً لكل من يتابع وقائع الحالة الفلسطينية والإقليمية وتطوراتها