اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• موقع الفرد في المجتمع, بين الخديعة والحقيقة -//- د. يوسف شيت

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

موقع الفرد في المجتمع, بين الخديعة والحقيقة

العراق نموذجا

د. يوسف شيت

منذ بروز المجتمعات البشرية الأولى ولحدّ الآن يفكر الإنسان قبل كلّ شيئ بحاجاته المادية , كالأكل والشرب والملبس والمسكن . الى جانب ذلك للإنسان حاجاته الروحية ومعتقداته الدينية والمذهبية السماوية وغير السماوية . وهذه الحاجات لايمكن توفيرها بدون نشاط الإنسان نفسه. ومرّت المجتمعات البشرية الى جانب مراحل تطورها الهائل بإنتكاسات سببها الطبيعة أوالإنسان نفسه . وهذا التطور يعود الى دور العمل المجتمعي للإنسان . فالإنسان كفرد لايستطيع إيقاف أو تغيير مسيرة تطور المجتمع , ولكن يمكنه أن يسهم في تقدّم أو تأخر هذا التطورمن موقع مسؤوليته , والأمثلة كثيرة , تدلنا على ذلك من خلال التاريخ الطويل للمجتمعات البشرية .

جاء في مقدمة البيان الشيوعي 1848 "إنّ تأريخ أي مجتمع حتى الآن , ليس سوى تأريخ صراعات طبقية ...وفي العهود التأريخية الأولى نجد,في كلّ مكان تقريبا,تقسيما كاملا للمجتمع الى مراتب متمايزة,وتدرجا متفاوتا للمنزلة الإجتماعية . ففي روما القديمة , كان ثمة نبلاء وفرسان , عامة وعبيد , وفي القرون الوسطى , أسياد وإقطاعيون , معلمون وصنّاع , وفلاحون وأقنان ... والمجتمع البرجوازي العصري الذي قام على أنقاض المجتمع الإقطاعي , لم يلغ التناحرات الطبقية , بل أحلّ محل الطبقات القديمة طبقات جديدة وأساليب إضطهاد جديدة , وأشكالا جديدة للنضال" . وحتى يومنا هذا , نرى بشكل واضح تغيير أساليب الإضطهاد وتعددها ومنها الإجهاد العضلي والفكري والنفسي للشغيلة وتشويه حقوقها ومطاليبها عن طريق الإعلام والقمع بكلّ أشكاله , وهذا الإضطهاد لم ولن يميّز بين دين أو مذهب أو طائفة أو قومية المضطهد (بفتح الطاء). والإضطهاد لايمكن أن يزول ما دامت أدوات الإنتاج بيد حفنة من الأفراد يفرضون قوانين توزيع الثروة وطريقة العمل بحيث يستحوذون على الجزء الأكبر من قوة عمل الشغيلة , بغض النظر عن الهوية الدينية أو المذهبية والطائفية أو القومية لهذه الحفنة من الأفراد .

لم يشذّ المجتمع العراقي عن بقية المجتمعات في تشكيلاته الطبقية والصراع بينها . إلاّ أنّ للمجتمع العراقي خصوصياته كبقية المجتمعات , ومنها , التي تخفي هذا الصراع ليطفو الى السطح الصراع الديني والطائفي والقومي والتمسك بالتقاليد العشائرية . وهذا الصراع , جاء بالدرجة الأولى , نتيجة الغزوات الأجنبية , وخاصة , الصراع بين الإمبراطورية الفارسية والعثمانية . وحسب الدكتور علي الوردي ," إستبدلت أيران مذهب التسنن بمذهب التشيّع في زمن الشاه إسماعيل الصفوي, وقام الصفوي بتصفية علماء السنة وكل من لايعتنق المذهب الشيعي . أمّا الدولة العثمانية تحولت من مذهب البكتاشية والذي هو قريب من المذهب الشيعي الى المذهب السنّي وقضي على الكثير من علماء الشيعة والبكتاشيين , وخاصة , من الضباط في الجيش الإنكشاري ".

والصراع الطائفي هذا إنتقل الى المجتمع العراقي بسبب تبادل الغزو الفارسي والعثماني للعراق , بالإضافة الى التقاليد البدوية التي طغت على التقاليد الحضرية . بهذا , غابت الهوية الطبقية للفرد العراقي أي أصبح لايهتم بموقعه في عملية إنتاج الخيرات المادية وكونه القوة المنتجة لها, ولا بعائدية أدوات الإنتاج , ناهيك عن عدم معرفته بعلاقات الإنتاج وتوزيع الثروة التي ينتجها .

بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 وقيام نظام شبه إقطاعي , وبفضل نضال الطبقات الكادحة تشكّلت نقابات عمالية ومهنية وجمعيّات فلاحية ومنظمات طلابية وشبابية ونسائية وأحزاب ( ولكن معظمها سريّة ) التي أخذت تعبّر عن مصالح مختلف طبقات وفئات المجتمع العراقي وتدافع عن حقوقها , حدثت تغيّرات كبيرة داخل المجتمع العراقي , سواء بتركيبته الطبقية , وبروز الطبقة العاملة كقوة فاعلة في المجتمع الى جانب طبقة الفلاحين والإقطاعيين والكومبرادور , بسبب تطور الصناعة الوطنية الى جانب الصناعات الأجنبية , وتطور الطبقة البرجوازية أو الرأسمال الوطني وتغلغلها في السلطة وتبوء فئة المثقفين بكلّ تلاوينها مكانا مرموقا بين الجماهير العراقية . كل هذا جاء بسبب تطور الوعي الإجتماعي لدى الناس وتلمسّ الكثيرين منهم موقعهم الطبقي ودورهم في الإنتاج بغض النظر عن هويتهم الدينية أو الطائفية أو القومية . واكتسبت الهوية الوطنية أهمية كبيرة لدى الفرد العراقي وأصبح الدفاع عنها ضرورة . ولكن هذا لم يلغ التناحرات الدينية والطائفية والقومية والتقاليد العشائرية , لكون جذورها أصبحت عميقة داخل المجتمع , إلاّ أنّها تراجعت خلال الزمن , حتى قيام ثورة تمّوز الوطنية 1958 التي فرضتها الظروف الموضوعية , أي ضرورة إحلال علاقات إنتاج جديدة محل القديمة التي أصبحت عائقا أما تطور المجتمع . وجاءت أهداف ومبادئ الثورة منسجمة مع أهداف حركة الضبّاط الأحرار وجبهة الإتحاد الوطني التي تشكلّت عام 1957 من الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الإشتراكي وحزب الإستقلال , لذلك لاقت الثورة تأييدا واسعا من مختلف طبقات وفئات الشعب بغض النظر عن إنتمائهم الديني أو الطائفي أو القومي , بإستثناء المتضررين من الثورة كالإقطاعيين والفئات الطفيلية والذين أذاقوا الشعب مختلف أنواع الإضطهاد وشركات النفط الأجنبية العاملة في العراق .

بعد ظهور التناقضات داخل القوى المحركة للثورة أفرزت إصطفاف طبقي وفئوي جديد والتغيير في المواقف لبعض الأحزاب والشخصيات , حيث إنتقلت القوى القومية العربية المتطرفة (حزب البعث وجزء من القوميين العرب-المؤيدين ل عبدالناصر) والقوى القومية التركمانية المتطرفة الى المعسكر المعادي للثورة , أي الى جانب القوى المتضررة للثورة , وبدأ صراع جديد أدىّ الى قيام الإنقلاب الفاشي بقيادة حزب البعث في 8 شباط 1963 وفرض سلطة للقوى القومية العربية المتطرفة ذهب ضحيتها آلاف الوطنيين العراقيين المنتمين الى مختلف الأحزاب , وخاصة الحزب الشيوعي العراقي الذي أريد القضاء عليه . ورغم فقدان الحزب الكثير من أعضاءه ومؤازريه ألاّ أنّه بقي شامخا وزال المتآمرون , لأنّ جذور الحزب مترسخة في أعماق الجماهير العراقية من مختلف قومياتها وأديانها ومذاهبها وطوائفها , لأنه كان وسيبقى المدافع الأمين عن حقوقها. كما شنّ النظام البعثي الفاشي حرب إبادة ضدّ الشعب الكردي الذي ظلّ يدافع عن حقوقه حتى إندحار النظام .

بقيت سلطة الدولة بيد القوى القومية العربية , ولكن لم تتخلى عن كونها سلطة ديكتاتورية . إلاّ أنّها ظلّت تراوغ وتخادع الجماهير بشتى الوعود السياسية والإقتصادية , وخاصة في فترة البعث الثانية (1968 – 2003) ,حيث مارست سياسة التفريق بين الأديان والطوائف والقوميات الى جانب ممارسة أشدّ أنواع الإضطهاد بحق الأحزاب الوطنية والقومية , وشمل الإضطهاد كافة مكونات الشعب القومية والدينية والطائفية , والدخول في حروب عدوانية خارجية وحرب ظالمة ضدّ الشعب الكردي وفصائله من بيشمةركة الأحزاب الكردية وأنصار الحزب الشيوعي العراقي , ولم يكن للشعب العراقي مصلحة في هذه الحروب سوى إشباع رغبة الدكتاتور الفاشي المريضة الذي لم يكتف بسلطة الدولة القومية الفاشية , بل حوّلها الى سلطة العشيرة , ثمّ الى سلطة العائلة .

بعد إحتلال العراق في نيسان 2003 عيّن الأمريكان بول بريمر حاكما على العراق , وبدوره قام بتشكيل مجلس الحكم والإشراف عليه لإدارة شؤون البلد تحت حكم الإحتلال . وجاءت تشكيلة المجلس على أساس طائفي- أثني , ثمّ أصبحت مؤسسات الدولة تدار على هذا الأساس وتوزيعها بين السنة والشيعة والأكراد والتي أصبحت يطلق عليها "المكونات الأساسية للشعب العراقي", مهمشين بذلك الأديان والطوائف والقوميات الأخرى ,مثل الصابئة والإزديين والتركمان , والمسيحيين من القوميات السريانية والآشورية والكلدا نية والأرمنية, والشبك .

الغرض الأساسي لسياسة المحاصصة التي أرادها الأمريكان هو محاولة تقسيم العراق عن طريق زرع الخوف والشكوك بين القوميات والأديان والطوائف لتكون دائما في خلافات تنسيها الهوية الوطنية العراقية وماهية قيمة الفرد في المجتمع الذي ظلّ مهمشا ومظلوما طيلة خمسين عاما ,ثمّ فرض فكرة عدم إمكانية التعايش بين هذه القوميات والطوائف ليكون الحل هو تقسيم العراق على أساس مشروع نائب الرئيس الأميركي بايدن .

بعد سقوط النظام , وإلى جانب الأحزاب المعارضة للنظام السابق , بدأت تتشكل أحزاب وتكتلات . معظمها طائفية وقومية ومجهولة التمويل بسبب عدم وجود قانون للأحزاب يلزمها بذلك.وأخذت هذه الأحزاب تهتم بإظهار شعور العاطفة الدينية والطائفية والقومية بشكل أكبر لتغليبها على الشعور بالوعي الوطني والطبقي أي موقع الفرد من عملية الإنتاج أولماذا يهمّش الفرد العراقي من عملية إنتاج الخيرات المادية والروحية للمجتمع . وأخذت الدول الأجنبية , وخاصة دول الجوار العراقي , تتوغل أكثر فأكثر في الشأن العراقي مستندة بذلك الى فرقائها في الداخل لتنفيذ أجنداتها , ونخص بذلك أمريكا وإيران والمحور السعودي- القطري- التركي .

بالرغم من إفشال الشعب العراقي لمشروع التقسيم ونبذ سياسة المحاصصة الطائفية والاثنية , نرى بأنّ الأحزاب المهيمنة على السلطة ترفض هذه السياسة ظاهريا , ولكن عمليا تسير عليها وبخطا حثيثة , لأنّها تدّر عليها مغانما وأموالا كثيرة تودع قسما منها , اللّه وأعلم في أية بنوك , لتعيش مع عائلاتها في فردوس , والقسم الآخر لتمويل حملاتها الإنتخابية للفوز بكرسي السلطة والحفاظ على مكاسبها وترك الأوضاع المأساوية للجماهير كما هي وخلق أزمة تلوى الأزمة لتضطر الجماهير أخيرا للمطالبة بحقوقها وإجراء الإصلاحات عن طريق إعلان الإضرابات . إلاّ أنّ الحكومة , بتشكيلتها الأثنو- طائفية تتلكأ في تنفيذ مطاليب الجماهير , بل وإستغلال هذه الإضرابات للتنافس الإنتخابي القادم , عن طريق تبادل الإتهامات بين فرقاء المحاصصة .

لنسأل المواطن العراقي وبكلّ وضوح " أين موقعك في المجتمع الذي تطمح أن تقدّم له عملك النابع من قوتك البدنية وعصيرة عقلك من أجل تطوره وأن تعيش فيه , مع عائلتك , معافيا سعيدا مكرّما , عارفا بكلّ الأمور التي تدور حولك , محتفظا بحقك وتدافع عن غيرك بإقامة شعائركم وواجباتكم الدينية متخطّين خديعة الخوف من هذه الطائفة أو تلك , من هذه القومية أو تلك . وتفتخر في العيش على أرض الأجداد التي ظهرت فيها أولى الكتابات وكتبت فيها أولى القصص والأساطير وشرّعت فيها أولى القوانين البشرية , وتطفو على بحر هائل من الذهب الأسود . هل هناك من يجادلك على ذلك ؟ "

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.