كـتـاب ألموقع

ذكريات أنصارية: الذكرى الثلاثين لمأساة الأنفال (1)// د. يوسف شيت

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 د. يوسف شيت

 

عرض صفحة الكاتب

ذكريات أنصارية: الذكرى الثلاثين لمأساة الأنفال

الجزء الأول

 د. يوسف شيت

 

مرتّ ثلاثون عاما على تلك الأيام الدامية, أيّام الأنفال السيئة الصيت, التي نفّذها نظام البعث الفاشي في كردستان بين شهري شباط وأيلول 1988, قتل فيها أكثر من 200000 (مائتي ألف) مواطن عراقي, أغلبيتهم الساحقة من الأكراد الآمنين, ودمّرت ألاف القرى ومزارعها وينابيع مياها وكلّ ما له صلة بالحياة.

في الجزء الأخير من هذه الذكريات سأخصّ منطقة بهدنان, وحصرا الفوج الأول للأنصار, التي كنت نصيرا فيها لمدة ثمان سنوات (تمّوز 1980 – آب 1988, ثمّ سنتان في منطقة سوران- ناوزنك بعد الأنفال، حتى كانون ثان 1990), وتحديدا، الأيّام الأخيرة من الأنفال من 8 آب إلى 10 تشرين أوّل 1988.

 

قبل البدء بذكر الأحداث, لابدّ للقارئ الكريم أن يتعرّف بشكل أكثر على فصائل الأنصار الشيوعيين التي أضافت سطورا مجيدة وجريئة, سواء إلى تأريخ الحزب الشيوعي العراقي الذي يمتّد نضاله لثمانية عقود ونصف بشكل خاص, أو إلى تاريخ العراق المعاصر بشكل عام. كما نريد إلفات أنظار القرّاء إلى صدور الكثير, وستصدر مستقبلا مذكرات وكراسات وكتب, وبشكل أساسي على الكثير من المواقع الإلكترونية, توثّق حركة الأنصار التاريخية (وآمل أن تتحول إلى مسلسلات تلفزيونية تحكي قصة بطولات عراقيات وعراقيين أفنوا حياتهم وشبابهم من أجل عراق ديمقراطي حرّ، وهناك محاولات ناجحة بهذا الاتجاه، لا قصص مختلقة لبطولات فارغة لحكام لوثّوا سمعة العراق داخليا ودوليا).  وأصبح للأنصار منظمة واسعة لها فروع في أوروبا وأميركا وأستراليا وبغداد وأربيل وموقع إلكتروني.

 

- بدأت حركة الأنصار الشيوعيين كقوة مقاتلة لأوّل مرّ بعد الانقلاب الفاشي في 8 شباط 1963 بعد انسحاب أعداد من أعضاء الحزب وأصدقاءه من مختلف محافظات العراق إلى كردستان, وأصبحت فصائلها صرحا مهمّا للكفاح المسلّح إلى جانب قوّات البيشمةركة بقيادة المرحوم الملاّ مصطفى البارزاني. خاض الأنصار الشيوعيون معارك بطولية سواء على إنفراد أو بالتنسيق مع فصائل البيشمةركة، (كانت فصائل الأنصار حينها منضوية تحت قيادة الثورة الكردية), ويشهد على ذلك مأثرة معركة هندرين التي خطط لها وقادها ونفذها الأنصار الشيوعيون وبدعم من البيشمةركة في 7 أيار 1966, ومنهم, نعمان علوان (ملازم خضر- أبو عائد) والشهيد خضر كاكيل والمرحوم الملازم أحمد الجبوري (أبو ازدهار), وأرغمت هذه المعركة نظام عارف للدخول في مفاوضات مع قيادة الثورة الكردية وتوقيع اتفاق هدنة في 29 حزيران 1966 والتي خرقها نظام البعث بعد مجيئه الثاني عام 1968 ليزرع من جديد الخراب والدمار في كردستان حتى أرغمته قوّات الثورة الكردية لتوقيع اتفاقية آذار 1970. وبعد هذه الاتفاقية حلّ الحزب الشيوعي أعدادا من فصائل الأنصار.

 

- بدأ الحزب الشيوعي بإعادة تشكيل قوّات الأنصار بداية عام 1979, رغم غياب القرار بذلك من قيادة الحزب, أي قبل بدأ الحرب العراقية الإيرانية بأكثر من سنة ونصف السنة وبعد الانهيار الرسمي للجبهة بين الحزب الشيوعي وحزب البعث منتصف عام 1978 (كانت بوادر هذا الانهيار ظاهرة للعيان منذ أواخر عام 1976وعلى صفحات جريدة الرّاصد لصاحبها المقبور طلفاح- خال البعث) . إلاّ أن بعض رفاق الحزب وأصدقائه بادروا بتشكيل فرق مسلحة منذ خريف 1978 في مناطق أربيل وكركوك والسليمانية (منطقة سوران) ثمّ امتدت إلى محافظة دهوك وأجزاء من سهل نينوى (منطقة بهدنان- وليس المقصود هنا إداريا) . في هذا العام بالذات,1979, دخل ما يقارب 700000 (سبعمائة ألف) عراقي أقبية أمن ومخابرات ومقرّات حزب البعث الفاشي من رجال ونساء ومن مختلف القوميات والأديان والطوائف والمهن بتهمة واحدة وحيدة وهي الانتماء أو مناصرة الحزب الشيوعي العراقي, وتعرضوا إلى شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي والاغتصاب واستخدام واستخدام السموم لقتلهم، مثل الثاليوم, واختفى الكثير منهم حتى يومنا هذا , بينما عثر على رفات آخرين في المقابر الجماعية التي اكتشفت وتكتشف لحدّ الآن منذ 2003 . لم تقرّ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أسلوب الكفاح المسلح كأسلوب رئيسي في النضال إلاّ في اجتماعها الموسع المنعقد في تشرن الثاني 1981، حينها كانت قوّات الأنصار وبيشمةركة الأحزاب الكردية تنزل خسائر كبيرة بقوات النظام وأزلامه. وجاء تأخير هذا الإقرار لعدم تمكن اللجنة المركزية للحزب من الالتئام بسبب الخلافات وعدم قناعة البعض من أعضائها, أصلا, بالكفاح المسلّح (1).

 

- تشير الإحصائيات الموثقة إلى استشهاد ما يقارب  1000 (ألف) نصير دفن معظمهم في مقابر شيدت لهم في محافظات كردستان وفاء لهم من حزب الشهداء, ولم يتمّ العثور على رفات آخرين. وما هذه المقابر إلاّ وثيقة أخرى لمن يحاول تهميش شهداء الحزب أو ترحيلهم قسرا من قبل بعض أحزاب الإسلام السياسي إلى مقبرة المحاصصة الطائفية المحتقرة من قبل الشعب, فنحن لا نفرّق بين شهداء وطننا مهما كان معتقده وانتماءه السياسي والديني والطائفي والقومي, فالشمس لا تحجب بغربال.

 

- كان الأنصار الشيوعيين خير من يمثّل أطياف المجتمع العراقي, الذي سادته طيلة عشرات القرون أواصر الإلفة والمحبة, من نساء ورجال, عرب وأكراد, كلدان وآشوريين وسريان, تركمان وأكراد فيليين وأرمن, مسلمين سنّة وشيعة, مسيحيين وصابئة وإزديين وشبك, عمّال وفلاّحين وكسبة, وطلبة من مختلف المراحل الدراسية, عسكريين جنود وضبّاط من مختلف المراتب, أدباء وشعراء وصحفيين وفنّانين ورياضيين وحملة الشهادات العالية والجامعية والمهنية, إنّهم عكسوا بحق, وبوضوح, الرابطة التاريخية لتآخي الجماهير العراقية التي لم ولن يستطع لا الغزاة ولا المحتلون ولا الطامعون بالسلطة والمال من ثنيها. كان الأنصار الشيوعيين يربطهم بطيفهم هذا أفكار وأهداف واحدة: حب الوطن بلا حدود, إسقاط الدكتاتورية الفاشية وإقامة نظام حكم ديمقراطي عادل ينهي كلّ آثار الدكتاتورية ويمنح القوميات المتآخية كامل حقوقها القومية وينبذ كل ما يسيء إلى وحدة العراق أو مصادرة حريات المواطنين والمضي نحو مجتمع اشتراكي عادل.

 

- كانت مشاركتها في الكفاح المسلّح جنبا إلى جنب مع الرجل إحدى الملاحم البطولية للمرأة العراقية. لقد شاركت في مختلف نشاطات قوّات الأنصار, سواء في المعارك القاسية ضدّ قوات النظام ومرتزقته, واستشهاد الكثيرات منهن, لتعيد بذلك أمجاد المرأة العراقية التي ساهمت في وثبات وانتفاضات الشعب العراقي ,أو مزاولتها لمهنة التمريض والطبّ والاتّصالات وغيرها, واستطاعت بذلك فرض احترامها وهيبتها بين الجماهير وكافة الفصائل المسلحة في كردستان.

 

- خطط ونفذّ الأنصار مئات العمليات العسكرية وقاوموا وردوا كلّ أنواع الهجوم على مقراتهم وعلى القرى الآمنة التي يشهد لها الشعب الكردي وقادة الأحزاب الكردية . ومن أجل تصعيد وتيرة العمليات المسلحّة في عموم كردستان كان الأنصار ينسقون مع فصائل البيشمةركة التابعة للأحزاب الكردية للقيام بعمليات أخرى ضدّ قوات النظام وأزلامه من الاستخبارات والجحوش ( أطلق عليها النظام "الأفواج الخفيفة") وتدخل الرعب في صفوفهم. بهذه الجرأة والشجاعة استطاع الأنصار كسب ودّ واحترام الشعب الكردي, فانخرط الكثير من الشباب في فصائلهم ليتعزّز دورها أكثر فأكثر, رغم أنّ الحزب, وفي فترات سابقة, كان مغيّبا قسرا في بعض مناطق كردستان.

 

- من المهمّات الصعبة لحركة الأنصار, وخاصة في بداية إعادة تشكيلها, هو التسليح. كان بعض الأنصار, حتى نهاية عام 1979, بدون سلاح. في بداية عام 1980 تمّ تشكيل مفرزة الطريق بين قاطع بهدنان وسوريا والتي ابتدأت من النصير البطل أبو جهاد من مدينة السماوة (استشهد أثناء قيامه بمهام حزبية في المحافظات الجنوبية) , وبالتعاون مع الحزب الإشتراكي الكردي التركي "كوك", ثم تطورت المفرزة بعد استلام الفقيد توما توماس (أبو جميل) قيادة قاطع بهدنان, وأخذت تنقل السلاح الخفيف والمتوسط وأجهزة الاتصالات (إذاعة, لاسلكيات, نواظير, البريد الحزبي والبريد الشخصي للأنصار وغيرها) والملتحقين الجدد من سوريا إلى قاطع بهدنان وأربيل والسليمانية. وأبدع كلّ الأنصار الذين قاموا بهذه المهمة الشاقة والخطرة, ومنهم الشهيد أبو هديل والمرحوم أبو حربي (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني) وأبو هدى وأبو وسن وأبو شهاب وغيرهم, حيث التنقل بين ربايا الجاندرمة التركية وكمائنهم وجواسيس المخابرات العراقية, رغم قسوة المناخ , والتنقل على سفوح الجبال المغطّات بالثلوج.

 

- كان الحصول على المواد الغذائية, حتى عام 1982, أمرا صعبا في منطقة بهدنان بسبب بعد المقرّات عن المدن والقرى ووقوعها في "المنطقة المحرّمة" على الحدود التركية، خاصة في فصل الشتاء حيث تتساقط الثلوج بكثافة وتنقطع الطرق. وكان الاعتماد الرئيسي للتمويل من المهرّبين الأتراك وكذلك في سهولة التعامل مع حرس الحدود الأتراك, حيث كانوا يقتنعون ب"هديّة" (ربع أو نصف كيلو من الشاي وبعض علب السيكائر) مقابل السماح لنا بالدخول إلى القرى التركية لشراء المؤن. وبعد انتقالنا إلى العمق في الداخل, أصبح من السهل الحصول على المؤن من المدن والقرى العراقية.

 

- رغم الأعمال البطولية للأنصار الشيوعيين لكسر شوكة النظام الفاشي, اعترت الحركة أخطاء وصعوبات ليست بالقليلة, ولم تتم معالجة البعض منها في حينها, والسبب الأساسي في ذلك استمرار الخلافات داخل قيادة الحزب, ومنها الإخفاق في الإجابة على السؤال: من يقود العمل الأنصاري, التنظيم الحزبي أم مسئولي التشكيلات الأنصارية؟ وأدّى ذلك إلى الاختيار الخاطئ لبعض القيادات العسكرية والسياسية, وخاصة في تشكيلة المكتب العسكري (2) خلقت حواشي راخية في تنظيمات حركة الأنصار الحزبية والعسكرية، بما في ذلك تنظيمات الداخل، استغلها النظام البعثي لدسّ عملاءه أو شراء بعض ضعفاء النفوس من داخل التنظيم الحزبي ودسّهم في التنظيم وقوّات الأنصار.جاءت هذه الأخطاء كنتيجة حتمية لسياسات خاطئة سابقا، خاصة طريقة التعامل مع البعث طيلة مدة الجبهة معه. والأسباب الأخرى كانت نتيجةّ تقلب الظروف الموضوعية , ومنها حالات الإقتتال بين الفصائل المسلحة , وأخطرها الاعتداء الغادر لقوات الإتحاد الوطني الكردستاني (اوك) على مقرات الحزب الشيوعي ومقر الجبهة الوطنية الكردستانية في باشتاشان, يومها كان الأنصار يتهيئون للإحتفال بعيد العمّال العالمي في 1 أيار 1983, استشهد خلاله ما يقارب مائة (100) نصير, معظمهم عرب من بغداد ومحافظات الجنوب, وأطلق الجناة الرصاص على بعض أسرانا على هويتهم القومية . كان العدوان عربونا مفضوحا قدمه (أوك) لسلطة البعث مقابل قبول الأخيرة للدخول في مفاوضات معه وحصول على مكاسب حزبية تمكّنه من الانفراد بالساحة الكردستانية, إلاّ أنّ الراشي لم يحصل من المرتشي حتى على عقب سيكارة! أرهق هذا الاعتداء الحركة المسلحة في كردستان وزعزع ثقة أوساط واسعة من الجماهير الكردية بها ومهدّ الطريق أمام سلطة البعث لعقد صفقات مع بعض رؤساء العشائر الكردية التي كانت تهاب قوّات الأنصار والبيشمةركة, وتشكيل تنظيمات مسلحة معظمها من الهاربين من جبهات القتال, بعد إصدار عفو عنهم سميت بالأفواج الخفيفة, أوكلت إليها مهمة مقاتلة البيشمةركة والأنصار مقابل أموال استحوذ عليها رؤساء العشائر. وانحسر بذلك توافد الشباب للتطوع في صفوف البيشمةركة والأنصار. ومن العوائق التي صادفت الأنصار هو دخول مسلّحي حزب العمّال الكردي التركي (ب ك ك) منطقة بهدنان وفرضوا أنفسهم "كمحرري كردستان الكبرى". أخذ هؤلاء يستفزون مقاتلينا ويعتدون عليهم , ونتيجة أعمالهم العدائية استشهد ثلاثة من أنصارنا, ومنهم الشهيد أبو آذار من الناصرية. إلاّ أنّ الأنصار لم يسكتوا على هذه الاستفزازات بل ردوا عليها, والتحق البعض من هذه الجماعات بأنصارنا بسبب عدم قناعتهم بمثل هذه الأعمال الغادرة. وينطبق على هؤلاء المثل الشعبي العراقي " هم نزل وهم يدبّج عاسطح". ولكن, ومع الأسف, كان بيشمةركة حدك يحمون هؤلاء من ردّ الأنصار على أفعالهم.

 

- لم تثن الظروف القاسية عزيمة الأنصار في مواصلة القراءة والكتابة والنقاشات الساخنة والهادئة والاستماع إلى آخر أخبار العراق والعالم. فوضعوا القلم والكتاب والمسرح والراديو إلى جانب البندقية لمواصلة تطوير ثقافتهم وآرائهم. أبدع المسرحيون في كتابة النصوص المسرحية وإخراج المسرحيات والتمثيل, وأذكر منهم أبو داود- سلام الصكر وهادي الخزاعي-أبو أروى، وجذب هواة التمثيل من الأنصار إلى المسرح, وقدّموا عشرات المسرحيات في مقرّات القواطع والأفواج في الكثير من المناسبات, وأقام الفنانون التشكيليون– الشهيد أبو أيار وأبو فائز, والرسم الكاريكاتيري الفنّان أبو بسّام وغيرهم عدد من المعارض نالت إعجاب الأنصار وضيوفهم. كانت السرايا المتنقلة وسرايا حماية المقرّات, وكذلك بعض الفصائل, تصدر مجلّاتها الخاصة بها, يرفدها الأنصار بمقالات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وقصائد شعرية وخواطر وقصص قصيرة, كما لم تخلو من فكاهات وكاريكاتير. كانت تكتب وتستنسخ باليد ويتم تداولها بين مقاتلي السرية وبين السرايا الأخرى. وقد وصل عددها إلى حوالي ثلاثين مجلّة وبمئات الأعداد. المثال على ذلك, مجلة "النصير الثقافي" وهي أول مجلة تصدر للأنصار في تشرين أول 1980 وصدرت في قاعدة بهدنان , مجلّة "فجر النصير" صدرت في قاعدة هيركي – قاطع أربيل منذ كانون ثان 1981, مجلة "رينوين- الدليل" صدرت في قاطع السليمانية منذ آذار 1984. ولم تخلو أية من هذه السرايا والفصائل من الكتب في مختلف المواضيع , رغم أنها كانت تشكل ثقلا إضافيا قي حقائبهم التي تحوي حاجاتهم, وخاصة الأكل الذي كانت جماهير قرى كردستان تخصصه لفصائل البيشمةركة المقاتلة إلى جانب حملهم السلاح وعتاده (3).ومن رواد الثقافة الأنصارية, ومن ضمنهم إعلاميون, أتذكّر منهم, عوّاد ناصر, داود أمين, أبو دجلة, زهير الجزائري, أبو سهيل, كامل الركابي, أبو طالب, مفيد الجزائري, حيدر أبو حيدر, يوسف أبو الفوز, رياض محمد, قاسم الساعدي, وعشرات غيرهم. ولم يتخلى الأنصار عن تشكيل فرق رياضية, مثل كرة القدم والطائرة , وإقامة المباريات فيما بينها وبين فرق بيشمةركة الأحزاب الأخرى.

- استطاعت السلطة الفاشية التعتيم على الكفاح المسلّح في كردستان بوحدانية إعلامها الغوبلزي "كذّب ثمّ كذّب ثمُ كذّب حتى يصدّق الناس", فكانت تهدر أموالا طائلة لتشتري ضمائر وشرف البعض وزجها في مجمعها الإعلامي المتكون من إذاعات ومحطات تلفزة وصحف ومجلاّت ومراسلين داخل وخارج العراق ومحطّات تشويش على كل إذاعة لا تتلاءم وسياسة النظام مستخدمة لذلك أحدث المعدات التكنولوجية, وحجبت عن الجماهير العراقية وسائل الاتصالات الحديثة مع العالم الخارجي, مثل الإنترنت والستلايت والهاتف النقّال, ومنعت الكتب التي لا تمجّد "القائد الضرورة" وحزبه الفاشي. وعبر هذا الإعلام المتهور فتحت سلطة البعث أبواقها لتشويه الحقائق , ومنها تأريخ العراق وحضاراته العريقة, ولم تنطق بكلمة حقّ واحدة ,لا أمام الرأي العام في الداخل ولا في الخارج. كلّ ذلك مقابل إعلام بسيط متواضع للحزب الشيوعي لم يكن بمقدوره إيصال صوته إلى أغلبية الشعب, لم يكن ليتعدى إذاعة متواضعة وصحيفة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة وكان توزيعها في الداخل محدودا. مع العلم كان للحزب رفاقا إعلاميين متمكنين وماهرين في مختلف المجالات, عملوا مع معدّات وأجهزة قديمة مضى زمنها ولا وجود لأدواتها الاحتياطية, وضمن ظروف في غاية الخطورة ولم يبخلوا براحتهم وصحتهم والعمل لساعات طويلة والسهر على حماية وصيانة هذه المعدّات من أجل إيصال كلمة الحق إلى المواطن العراقي.

- استخدمت سلطة البعث كافة أنواع الأسلحة المحرمّة دوليا, باستثناء السلاح النووي لأنه لم يكن بحوزتها, ضدّ الحركة المسلحة في كردستان. ففي أيار 1987 قام سرب من طائرات النظام بقصف مقر قاطع بهدنان للأنصار الشيوعيين في زيوة على نهر الزاب بالأسلحة الكيماوية , ولأول مرة, فاستشهد فيها النصيرين أبو فؤاد (فلاّح) وأبو رزكار (مهندس نفط - ماجستير) وجرح أكثر من 120 نصيرا توفي البعض منهم لحقا بعد تعرضهم إلى أمراض خطيرة بسبب الغازات السامّة. لم يتحرّك حينها الضمير العالمي بسبب "تعطيله" من قبل أميركا وأوروبا,وكان نظر وسمع الأمم المتحدة في "إجازة" , بينما كانت دول الخليج في "شهر عسل" مع النظام الفاشي والتي أغدقته بملياراتها ليقوم سليل الفاشية بتوزيعها يمينا وشمالا لإخماد الضمائر وشراء الذمم وتقوية قطعان حمايته وجواسيسه وتوديع القسم الآخر في البنوك الغربية, وإدخال العراق في حروب داخلية وخارجية ليدفع الشعب العراقي فاتورة بلطجته, مدعيا حمايته للبوابة الشرقية للأمة العربية, وأخيرا انقلب السحر على الساحر بعد احتلال الكويت.

- أصبحت حركة الأنصار جزءا مهما من تأريخ نضال الحزب الشيوعي العراقي ضدّ الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة ومن أجل نظام ديمقراطي برلماني عادل يقرّ حقوق الطبقات الكادحة ووضع حدّ لاستغلالها اللاإنساني من قبل طواغيت السلطة والمال. لذا يتوجّب توثيق تأريخ الحركة الأنصارية الحافل بالبطولات والتضحيات ليتسنى لجماهير شعبنا التعرف على أحد جوانب نضال الشيوعيين العراقيين لتقارن, وبشكل موضوعي, بين مختلف آراء وأفكار وتأريخ الحركات السياسية العراقية وعقلانية برامجها, وخاصة نحن نخوض حاليا معركة الديمقراطية في ظروف بالغة التعقيد يسودها الإرهاب والفساد والصراع أللامبدئي على السلطة. علينا جميعا طرح الحقيقة أمام الجماهير والتي غيبّت عنها لفترة خمسة عقود, لتتمكن بملء إرادتها اختيار من سيمثلها ويدافع عن حقوقها المستباحة.