اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• كتاب / باب الانتهازية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد الحنفي

            كتاب / باب الانتهازية

 المدخل :

 في مسيرتي الاجتماعية، و المهنية، و النضالية : الجمعوية، و النقابية، و الحزبية، صادفت أشكالا، لا حدود لها، من الممارسات الانتهازية، التي آذتني كثيرا، كما تؤذي أي  إنسان في المجتمع. و لتجنب الاصطدام بالانتهازيين، الذين يتخذون، غالبا، مواقع تفرض عدم الدخول معهم في صراع معين، فهم إما أقارب، أو منظمون معي في النقابة، أو في الحزب، أو في الجمعية  الثقافية، أو في الجمعية الحقوقية.

 و من خلال تمعني، وجدت أن الممارسين للانتهازية، غالبا ما يكونون مصنفين اجتماعيا في الطبقة البورجوازية الصغرى، الحاملة للكثير من الأمراض الاجتماعية، و الممارسة لها، و في واضحة النهار، و تعتبر ذلك ذكاء، و حنكة، و قدرة على النجاح في الحياة.

 و هذه البورجوازية الصغرى، تعتبر نفسها غبية في حالة عدم قيامها بالممارسة الانتهازية، التي تقودها إلى القيام باستغلال مختلف الأحزاب،  مهما كانت موغلة في الرجعية، و التخلف، بالإضافة إلى استغلال الأحزاب العمالية، و اليسارية، و الديمقراطية، و المتياسرة، إلى جانب استغلال النقابات، و الجمعيات، و كل العلاقات الممكنة، و غير الممكنة، من اجل تحقيق، و لو، جزء بسيط من التطلعات الطبقية.

 و لذلك، ففتحنا لباب الانتهازية، يهدف إلى فتح نقاش واسع بين المثقفين الثوريين، و العضويين، و المتنورين، من أجل الانخراط في عملية تشريح هذه الممارسة، التي صارت مفتوحة على جميع شرائح المجتمع، و شائعة في سلوك جميع أفراده، و في جميع مناحي الحياة، و على جميع المستويات، مما يجعل الفساد، و الخراب، يدب في جميع أوصال المجتمع، و من أجل المساهمة في إعادة الاعتبار للقيم التقدمية، و الديمقراطية، التي تجعل المتحلي بها في صراع مستمر ضد الممارسة الانتهازية، لإقتناعنا العميق بالدور الإيجابي للمثقفين الثوريين، و العضويين، و الديمقراطيين، في المساهمة  في محاربة قيم الانتهازية، التي أفسدت الحياة السياسية، و الحياة النقابية، و الحياة الجمعوية، بالإضافة إلى الحياة العامة.

 و للإجابة على السؤال الذي يساورنا دائما طرحه، و الإجابة عنه، نرى  ضرورة  طرحة، و صيغته هي : " من هو الانتهازي ؟" مادامت هناك ممارسات كثيرة، و متعددة، و ساعية إلى استغلال الفرص ما أمكن، و اعتبار ذلك الاستغلال الذي يلحق الكثير من الأضرار بالمجتمع، ممارسة طبيعية ذكية.

 و لذلك نرى أن الانتهازي: هو الذي  يرسم هدفا محددا، يخدم مصالحه الطبقية، و يسعى إلى تحقيقه، مستعملا كافة الوسائل المشروعة، و غير المشروعة؟، و المنحطة، و دون اعتبار للأضرار  التي تلحق غيره من البشر، و مهما كان حجم الأضرار، مادام ذلك يقربه من هدفه، المتمثل في تموقعه إلى جانب البورجوازية الكبرى، التي تسعى إلى تحقيق استغلال الطبقة العاملة، و سائر الكادحين، و كيفما كانت بشاعة هذا الاستغلال. لأن الذي يهم الانتهازي هو تحقيق تطلعاته الطبقية.

 و ينتمي الانتهازي، غالبا، إلى الشرائح البورجوازية الصغرى، المريضة بالتطلعات  الطبقية، و التي يمكن اعتبارها مصدرا لجميع الأمراض الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية، و المدنية، بسبب انتهازيتها، و تلونها، و حرصها،  على خدمة مصالحها  الانتهازية.

 و الانتهازي، لا يترك فرصة، إلا و يستغلها، حتى يسرع بعملية تسلقه الطبقي، و يشد الرحال في اتجاه الأعلى، حتى لا يستمر  ملتصقا بأرض الكادحين.

 و انطلاقا من تضخم الانتهازية،  في شخص البورجوازي الصغير، فإننا نجده يهرول، في اتجاه التموقع، في الإطارات الحزبية البورجوازية الصغرى، و البورجوازية التابعة، و البورجوازية الإقطاعية، و العمالية، و المؤدلجة للدين الإسلامي، و المتياسرة. إذا كان الانتماء إلى تلك الأحزاب، يقود إلى الوصول إلى المسؤوليات الجماعية، و إلى البرلمان، و إلى الحكومة، من أجل  استغلال تلك المسؤوليات، في إحداث تراكم رأسمالي، بطرق غير مشروعة، حتى يتموقع، و بسرعة، إلى جانب البورجوازية الكبرى، و يضمن لنفسه الاستمرار في رفع قيمة ذلك التراكم الرأسمالي، الذي يمكنه من الارتباط بالمؤسسات المالية الدولية، و من الشركات العابرة  للقارات.

 الفصل الأول : الانتهازية المهنية :

 و الانتهازي، يعلن عن نفسه مباشرة، و لا ينتظر أن يتعرف عليه الناس، و يكشفوا أمره، و ينكشف، هو  بدوره، بممارسته الملتوية، التي لا يمكن أن تبقى غير مفهومة ابد الدهر، و عند جميع الناس. فالمعاملة اليومية كافية  للكشف عن ممارسة الانتهازي في أوساط المجتمع، لأنه من خلال التعامل معهم، يستبلدهم، و يعتبرهم، مجرد مجال، لتحقيق تطلعاته الطبقية.

 و أهم ما يتميز به الانتهازي في معاملته اليومية، هو استبلاد الغير، من غير المؤسسة المخزنية، و من غير الطبقة الحاكمة، و سائر المستفيدين من الاستغلال، الذين يتخذهم مثالا له. و هذا الاستبلاد، و الاستغلال، الذي يمارسه الانتهازي على الجماهير الشعبية الكادحة، هو الذي يجعله في محترفه، أو في متجره، أو في وظيفته، أو قسمه الدراسي، أو في مدرج الكلية، يستغل نفوذه، و يخضع كل  المتعاملين معه، بحكم الضرورة، إلى الابتزاز الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي. فهو يرتشي، كموظف، و يبتز تلامذته كمعلم، و كأستاذ جامعي، و يغش كتاجر، و كحرفي، من أجل تحقيق المزيد من التراكم الرأسمالي، الذي  ينقله إلى مستوى البورجوازية المتوسطة، في الحدود الدنيا، أو إلى مستوى البورجوازية الكبرى. لأن الانتهازي ليس لديه شيء اسمه الأخلاق، و لو كان كذلك، لما لجأ المدرس إلى ابتزاز تلاميذه، و تلميذاته، عن طريق الدروس الإضافية، المؤدى عنها، و لما لجأ الصحفي إلى الكتابة، في مواضيع محددة، لإرضاء الطبقة الحاكمة، أو لإرضاء جهة حزبية، أو شخص معين، أو مسؤول معين، مقابل ما يتلقاه من عطاءات، لا حدود لها، من اجل تحقيق تطلعاته الطبقية.

 فالانتهازية، إذن، هي مصدر كل المصائب، و الكوارث، التي يعرفها المجتمع المغربي، و تعرفها الإدارة المغربية، و هي التي تقف وراء الإرشاء، و الارتشاء، و هي التي تدفع إلى ابتزاز المدرسين لتلاميذهم، وهي التي تنتج الدعارة، وبيع الضمائر، وتزوير إرادة المواطنين، في مختلف المحطات الانتخابية، وهي التي تقف وراء ممارسة التهريب، وانتشار الاتجار في المخدرات، وهي التي تدعو إلى ممارسة النفاق الاجتماعي، المنحط، بين الطبقات المتناقضة، وهي التي تدعو إلى  استغلال النفوذ، وإرشاء المسؤولين من أجل التمتع بحق العمل، و هي التي وقفت وراء ما صار يعرف عندنا هنا في المغرب بالمغادرة الطوعية، و هي التي وقفت وراء أخذ الثمن عن أيام " النضال"، و تقف وراء دفع الملفات المفبركة، إلى هيأة "المصالحة و الإنصاف"، من أجل جني المزيد من ثمار "أيام النضال"، و "السجون"، و "التعذيب".

 فكل صاحب مهنة، أو حرفة، أو وظيفة، إلا و نجده ينتهز الفرص، من أجل تنمية ثرواته، وبطرق غير مشروعة، لا على المستوى الأخلاقي، و لا على المستوى القانوني، و لا على المستوى  الديني. فكل شيء بالنسبة للانتهازيين، قابل للبيع، من أجل ممارسة التسلق الطبقي، الذي يرفع الانتهازيين إلى مستوى  الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي، و المعنوي، بمن فيهم الانتهازيون النقابيون، الذين يتاجرون بالنضال  النقابي، و يستفيدون المزيد من العطاءات، على حساب السكوت عن تعميق استغلال الكادحين، بالموافقة على ما صار يعرف بالسلم الاجتماعي.

 الفصل الثاني : الانتهازية النقابية :

 و تزداد الانتهازية استفحال،ا بتسرب الانتهازيين إلى الجسم النقابي، و من خلال الجسم، إلى القيادة النقابية، حيث نجد أن الانتهازيين يعملون على استغلال تواجدهم بالقيادة استغلالا بشعا، انطلاقا من :

 أ‌- الحرص على خدمة المصلحة الفردية عن طريق "

 ب - التصرف في مالية المنظمة، على  المستوى المحلي، و على المستوى الوطني، و الجهوي، و الإقليمي، و في وقت المحاسبة، نجد أن هؤلاء الانتهازيين يختلقون المبررات، التي تلعب دورا كبيرا في إقناع النقابيين بتصرفهم في أموال المنظمة.

 ج - ابتزاز أفراد الشغيلة، من ذوي المشاكل الفردية، التي تقتضي تدخل النقابيين لحل تلك المشاكل، و خاصة إذا كانت ذات طابع مادي.

 د- ابتزاز الباطرونا، التي تجدها فرصة لتكريس استغلالها، عندما تعمل على تحويل القياديين النقابيين إلى عملاء لها، على حساب مصالح الطبقة العاملة.

 ه- ممارسة الابتزاز على إدارات الدولة المحلية، و الإقليمية، و الجهوية، و الوطنية، التي تحول القيادات النقابية إلى عملاء لها أيضا، سعيا إلى  تحقيق مكتسبات للقيادات النقابية، و خدمة لمصالح الإدارة، على حساب العاملين في مختلف الإدارات.

 و- ممارسة الابتزاز على المؤسسة المخزنية، التي يمكن أن تلبي جميع مطالب القيادات النقابية، الشخصية، في مقابل قيامهم بتضليل الشغيلة.

 و الحرص على خدمة المصالح الخاصة، يدخل في صلب مسلكية القيادات النقابية، الانتهازية، التي تصطاد كل ما يخدم تحقيق تطلعاتها الطبقية، الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.

 و للتغطية على انتهازية القيادات النقابية، نجد أنها تعمل على تحريف النقابة، و العمل النقابي، و الممارسة النقابية.

 و القيادات النقابية الممارسة الانتهازية تسعى إلى :

 1) تكريس الممارسة البيروقراطية، التي ترهن مصير النقابة، و العمل النقابي، بيد الجهاز البيروقراطي، الذي يسير وفق ما تقتضيه أوامر، و تعليمات القيادة النقابية الانتهازية، التي تعتبر نفسها هي وحدها العارفة بالواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. و هي وحدها القادرة على الضغط على الطبقة الحاكمة. و هي وحدها التي تعرف: ماذا تعمل؟ من أجل الشغيلة حتى تتمتع بحقوقها الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و هي وحدها التي تعرف ما هو البرنامج النضالي؟ و ما هي الأهداف التي يجب أن يصب في أفق تحقيقها ذلك البرنامج؟ لأنها هي التي تجلس على مكاتبها، و تتفرغ لتحديد ما هي الملفات المطلبية؟ و ماذا يجب أن يتوفر لخوض النضال؟ و من يعمل على توقيفه، إذا اقتضت الضرورة ذلك؟

 فالقيادة النقابية، الممارسة للانتهازية، تعلم السر، و أخفى، في العمل النقابي عندما تفرضه الممارسة البيروقراطية، لأنها تعرف ماذا تريد؟ و ماذا ستحقق مما تريد؟ أما الشغيلة، فتذهب إلى الجحيم.

 و انطلاقا من هذه الممارسة البيروقراطية، تكون القيادة النقابية الانتهازية قد حققت الكثير. و من أجل ذلك تكون قد قدمت خدمات كبرى للطبقة الحاكمة، خلال عقود الاستقلال في المغرب. و في نفس الوقت تكون قد حرمت الطبقة العاملة، من تحقيق الكثير من المكاسب المادية، و المعنوية.

 و هذه الامتيازات، التي صارت تتمتع بها الطبقة الحاكمة، صارت أيضا من نصيب القيادة الانتهازية البيروقراطية، مما جعل القيادات النقابية، في جميع النقابات التي تعتبر نفسها مبدئية، أو تابعة لحزب معين، أو منظمة حزبية، أو منظمة حزبية، أو مجالا للإعداد، و الاستعداد لتأسيس حزب معين، التي  تدب في عروقها، الممارسة الانتهازية تجنح، هي بدورها، إلى أن تصير بيروقراطية بمركزة كل شيء بين يديها. و مع ذلك نجد أنها :

 2) تعمل، أيضا، على جعل النقابة تابعة لحزب معين، حتى تستغل النقابة، و العمل النقابي، لممارسة الابتزاز، على قيادة حزب معين، و حتى توظف النقابة و العمل النقابي، لتوسيع قاعدة ذلك الحزب، حتى يسلم بالأمر الواقع، و يفسح المجال أمام القيادة النقابية الانتهازية من أجل :

 أ‌- الوصول إلى القيادة  الحزبية: المحلية، و الإقليمية، والوطنية، واستغلال مركز القيادة، لممارسة الابتزاز على الحزبيين، والراغبين في الانتماء إلى الحزب، من جهة، و على الطبقة الحاكمة، والإدارة المخزنية، من جهة أخرى، سعيا إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية.

 ب- دعم الحزب للقيادة النقابية، من أجل الوصول إلى عضوية الجماعات المحلية، و استغلال تلك العضوية، من أجل الوصول إلى المكاتب الجماعية، ومنها إلى رئاسة المجالس المحلية، حتى يصير ذلك وسيلة  للتسلق الطبقي السريع،  على حساب  العمل النقابي، و العمل الحزبي النظيف، و العمل الجماعي السليم، و على حساب مصلحة الجماهير الشعبية الكادحة.

 ج- دعم الحزب للقيادة النقابية، من أجل الوصول إلى البرلمان، الذي يعتبر بوابة الأمان، و مكان التموقع الفعلي، إلى جانب الطبقة الحاكمة، و سائر الطبقات المستفيدة من الاستغلال، و الوسيلة المثلى، للوصول إلى تحقيق  سيولة الامتيازات التي لا حدود لها.

 د- دعم الحزب للقيادة النقابية، من أجل تحمل مسؤولية الحكومة، التي تعمل على  تأطير البورجوازية الكبرى، و حماية مصالحها، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، باعتبارها طبقة حاكمة، وذات مصلحة، في الارتباط بالمؤسسات المالية الدولية، وتجعل البلاد في خدمة المصالح الرأسمالية العالمية، والشركات العابرة للقارات، وهي علاقات، يمكن أن تستفيد منها القيادة النقابية الانتهازية، في حال دعم حزب معين لها، من أجل تحمل المسؤوليات الحكومية.

 فتبعية النقابة لحزب معين، تكون بالنسبة للقيادة النقابية الانتهازية، خير سلم للتسلق الطبقي، الصاروخي، الذي ينقل الانتهازيين من واقع، إلى واقع آخر. لأن القيادة النقابية، تمارس الانتهازية في مستويين :

 مستوى  استغلال النقابة، و من خلالها، استغلال العلاقة مع الشغيلة، و مع الإدارة، في القطاعين: العام، والخاص.

 و مستوى استغلال الحزب، و تأثيره في الحياة، وما يمكن أن يصل إليه الانتهازيون في القيادات النقابية عن طريقه. و بقدر ما تتعدد أوجه الانتهازية، و مضامينها، بقدر ما تزداد استفادة الانتهازيين النقابيين.

 3) تعمل على جعل النقابة مجرد منظمة حزبية، حتى يتأتى لها إثبات جدارتها، في احتلال مراكز القيادات الحزبية، التي تفرض ما تريد في النقابة، وعلى الشغيلة، و على الحزبيين، حتى تظهر  أمام الطبقة الحاكمة، على أنها هي كل شيء، و حتى تستطيع انتزاع المزيد من المكاسب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، سعيا إلى احتلال الصفوف المتقدمة من الطبقات المستفيدة من الاستغلال.

 فالحزب الذي يبني تنظيما نقابيا موازيا له،  يتحكم  فيه، و يوجهه، يستطيع أن يضلل الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، كما يستطيع أن يبرهن للطبقة الحاكمة، أنه بذلك التضليل، يستطيع أن يكون أكثر خدمة لها، من غيره، كما يستطيع أن يمارس ما يمارسه، من أجل تحقيق  اندماج القيادة النقابية الحزبية، في المنظومة العمالية الحزبية، للطبقة الحاكمة.

 فجعل النقابة مجرد تنظيم حزبي، ينقل الممارسة الانتهازية من مستواها الفردي، إلى المستوى الحزبي،  الذي يتحول إلى منظم للنقابة، والعمل النقابي، مما يحول القيادة الحزبية، و جميع الحزبيين، إلى ممارسين للانتهازية، من جعل الحزب يصل إلى السيادة، في وسط الشغيلة، التي تقف بسبب تضليلها وراء وصول الحزبيين إلى المسؤوليات الجماعية، و إلى البرلمان، ثم إلى الحكومة، من أجل ممارسة التسلق الطبقي، وبالسرعة الفائقة، التي تجعل الحزبيين يحققون تطلعاتهم الطبقية المطلوبة، من أجل التموقع إلى جانب البورجوازيين الكبار، و السيادة بينهم.

 4) تعمل على جعل النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، حتى يتم العمل على إضافة القيمة الحزبية، إلى  القيمة النقابية، في الممارسة الانتهازية، للقيادة النقابية، التي تتزلف، وبكافة الوسائل الممكنة، وغير الممكنة، من أجل الاستفادة أكثر، من العمالة الطبقية، لصالح البورجوازية التابعة، و من أجل جعل العمل النقابي، و العمل الحزبي، يخدمان نفس الأهداف الانتهازية، للقيادة النقابية.

 و إذا كان لابد من العمل على الدفع في اتجاه تحقيق التطلعات الطبقية، و بالسرعة المطلوبة، في اتجاه التموقع إلى جانب البورجوازية، المستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي، فإن القيادة النقابية الانتهازية، تعمل كل ما في وسعها، لجعل التنظيم النقابي فارزا للتنظيم الحزبي، الذي يمكن اعتباره قناة أخرى تضاف إلى القناة النقابية، و من أجل العمل على قيام عمالة سياسية، وطيدة، للطبقة الحاكمة، تمكن القيادة النقابية، التي تصير قيادة حزبية، انتهازية، من أجل الوصول إلى تحقيق التطلعات الطبقية، وبالسرعة الفائقة.

 فانتهازية القيادة النقابية، لا تتورع عن أن تركب جميع المراكب البئيسة، و المنحطة، من أجل قيام شروط مناسبة، تنقلها إلى التموقع، الذي تحلم  بالوصول إليه، غير عابئة بما تؤول إليه أحوال الطبقة العاملة، وحلفاؤها الطبقيون.

 الفصل الثالث : الانتهازية الجمعوية :

 و ما قلناه عن الانتهازية النقابية المتعددة، والمختلفة، في نفس الوقت، والتي لا تخدم إلا مصالح القيادات النقابية الانتهازية، و الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي، للشغيلة المغربية، يمكن أن نقوله أيضا في القيادة الجمعوية الانتهازية. فهذه القيادة، غالبا ما تدوس مبادئ العمل الجمعوي، التي، هي نفسها، تعتمد في سيرها العادي، على  مبادئ العمل الجماهيري، التي تعتبر شرطا لقيام أي تنظيم، على العمل الجمعوي الصحيح، الذي لابد فيه أن يكون ديمقراطيا، وتقدميا، وجماهيريا، ومستقلا.

 و الانتهازية الجمعوية، التي غالبا ما تكون مريضة بالتطلعات البورجوازية، سرعان ما تلجأ إلى توظيف العمل الجمعوي، لتحقق أمور فردية، أو حزبية،  لا علاقة لها بالعمل الجمعوي الثقافي، أو التربوي، أو الترفيهي، أو الحقوقي، أو التنموي. لأن الانتهازية الجمعوية، لا تجد نفسها إلا  في استغلال كل  شيء، لتحقيق تطلعاتها الطبقية.

 ومظاهر استغلال الجمعيات، والعمل الجمعوي، تتمثل  في :

 1) التصرف في مداخيل الجمعيات لصالح القيادات الجمعوية، خاصة إذا كانت تتلقى دعما من الدولة، أو من جهات خارجية، مما يساعد على تحقيق التطلعات الطبقية، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. و كأن قيادة جمعية من الجمعيات، عمل مؤدى عنه، عن طريق ذلك التصرف، في أموال قد تعد بالملايين، إن لم نقل بالملايير، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الجمعيات "التنموية".

 2) استغلال التواجد في قيادات الجمعيات، لممارسة الابتزاز على منخرطي الجمعيات من جهة، و على الجماهير المستهدفة بالعمل الجمعوي من جهة ثانية. هذه الجماهير، و هؤلاء المنخرطين، الذين عليهم أن يكونوا رهن إشارة القيادات الجمعوية، سواء على مستوى تقديم الدعم، أو الموافقة على المشاريع الجمعوية، التي تجني من ورائها القيادات الجمعوية الكثير من العطاءات، التي لا تستفيد منها الجماهير الشعبية المعنية بالعمل الجمعوي أي شيء.

 3) استغلال هذا التواجد لقيام القيادات الجمعوية الانتهازية بممارسة الابتزاز على الإدارات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، وعلى إدارات الجماعات المحلية، من أجل تلقي الدعم المباشر، وغير المباشر، للجمعيات، حتى يصير في متناول القيادات الجمعوية الانتهازية، التي تتصرف فيه لتحقيق تطلعاتها الطبقية.

 4) العمل على جعل الجمعيات، التي يقودونها، تابعة لحزب معين، من أجل إبراز أهميتهم داخل الحزب، حتى تكون لهم الأولوية في التكليف بالمهام الحزبية، التي تلعب دورا أساسيا في الوصول إلى المؤسسات الجماعية، وإلى البرلمان، ومن خلالهما، إلى الحكومة، التي تمكن القياديين الجمعويين من التموقع إلى جانب البورجوازية الكبرى، التي يصيرون جزءا لا يتجزأ منها، حتى يتمكنوا من الوصول إلى تحقيق الارتباطات الدولية، وخاصة، مع الشركات العابرة للقارات، و مع المؤسسات المالية الدولية الأخرى، التي يصيرون في خدمتها. و بعد ذلك، فليذهب  العمل الجمعوي إلى الجحيم، و ليتخذ المنخرطون قيادات أخرى، بناء على التوجيه الحزبي، حتى تصير هي بدورها قيادات انتهازية، تسير على نفس النهج، لانتاج نفس الممارسة  العاملة على إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

   5) العمل على جعل الجمعيات التي يقودها الانتهازيون مجرد تنظيمات حزبية تهدف إلى تنفيذ القرارات الحزبية في المجال الجمعوي الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني، حتى تكتسب كل  قيادة جمعوية انتهازية مكانتها في الحزب الذي تنتمي إليه فتصير في صدارة المخاطبين الحزبيين و تكون لهم الأولوية في تلقي الامتيازات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية فيستفيدون من الوصول إلى الجماعات المحلية، و إلى قياداتها، و إلى البرلمان و من خلاله إلى الحكومة، ليصير بذلك العمل الجمعوي الحزبي مطية للوصول إلى تحقيق التسلق الطبقي السريع، و بطريقة انتهازية مفضوحة.

  6) العمل على جعل الجمعيات مجالا للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين، لأن فكرة تأسيس الكثير من الأحزاب و من التيارات السياسية تبلورت من خلال العمل في الجمعيات المختلفة التي يستغل قياديوها الانتهازيون الجمعيات المختلفة، و من اجل الإعداد لتأسيس حزب معين يكون وسيلة للتعامل مع الطبقة الحاكمة، و وسيلة للوصول إلى المؤسسات الجماعية و البرلمان و الحكومة لتحقيق تطلعات القيادات الانتهازية الطبقية التي تساعد على التموقع إلى جانب الطبقات المستفيدة من الاستغلال.

  و بذلك نجد أن النقابة و العمل النقابي يهدف إلى تحقيق التطلعات الطبقية، فكان بذلك قدوة للجمعيات التي يسلك قياديوها نفس الطريق بسبب غياب المبدئية في العمل النقابي و  في العمل الجمعوي على السواء.

 الفصل الرابع : الانتهازية الحقوقية :

  و ما قلناه عن انتهازية القيادات النقابية، و انتهازية القيادات الجمعوية، يسري على انتهازية قيادات الجمعيات الحقوقية.

  فما نعرفه أن حقوق الإنسان تحتاج إلى منظمات مبدئية، و أن هذه المنظمات يجب أن تحرص على احترام حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وأنها  لا يمكن أن تقوم بدورها كاملا، في تحقيق ذلك، إلا بوجود قيادات ملتزمة بتلك المبدئية، و ساعية، بإخلاصها لمبادئ حقوق الإنسان، إلى تحقيق المضامين الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، على أرض الواقع المغربي، عن طريق الحرص على المطالبة بأجرأة القوانين المحلية، و سائر القوانين الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يصير جميع الناس مستهدفين بجميع الحقوق.

  و القيادات الحقوقية، قد لا تختلف عن باقي القيادات الأخرى، وسوف لا تسعى إلى تحقيق تمتيع جميع الناس، بجميع الحقوق، كما هو مرفوع في جميع الشعارات، بقدر ما تسعى إلى :

  1) تحويل  قيادة الجمعية الحقوقية إلى قيادة فردية، و أن هذه القيادة سوف تسعى إلى أن تجعل القيادة الفردية: قيادة بيروقراطية، تسعى إلى تحقيق المصالح الفردية، عن طريق توظيف العمل الحقوقي لأجل ذلك، و أن هذه الحقوق لا تستطيع اخذ الطريق، إلى التحقيق الفعلي، على أرض الواقع كنتيجة لـ :

  أ- ممارسة الابتزاز على المنخرطين، الذين يتمرسون على استغلال العمل الحقوقي في المجالات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و أن هذه الحقوق، تصير خير وسيلة لتكريس الممارسة الانتهازية، على كل مهضومي الحقوق، حتى يتمكنوا من الوفاء  لابتزاز قيادات الجمعيات  الحقوقية، و الانتهازية.

 ب- ممارسة الابتزاز على الجهات المرتكبة للخرق، و خاصة إذا تعلق الأمر بإدارات الدولة، و إدارات القطاع الخاص التي تعودنا منها ارتكاب مختلف الخروقات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، حتى يكون ذلك الابتزاز خير وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية.

 ج- ممارسة الابتزاز على القيادات الحزبية، من أجل أن تكون الصدارة،  في أي حزب، للعاملين في قيادات الجمعيات الحقوقية، حتى تكون تلك الصدارة، وسيلة للضغط، من أجل الوصول إلى تحقيق التطلعات الطبقية، عن طريق الوصول إلى عضوية الجماعات المحلية، و إلى المكاتب الجماعية، بل و إلى  رئاسة تلك الجماعات.

 2) جعل الجمعية الحقوقية تابعة لحزب معين، حتى تصير القيادة الحقوقية الانتهازية، متمكنة من التموقع داخل ذلك الحزب، و في إطاراته، و في قياداته، و في العمل على استغلال الحزب من أجل الوصول إلى المؤسسات المنتخبة، و التموقع  فيها، و إلى الحكومة. لأن كل ذلك يعتبر وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية.

 3) جعل الجمعية الحقوقية مجرد منظمة حزبية، تعمل القيادة الحقوقية-الحزبية الانتهازية، على  جعلها تقوم بتنفيذ قرارات الحزب، في المجال الحقوقي، و استغلال كل ذلك، من أجل التموقع داخل الحزب، و العمل على الاستفادة من علاقة الحزب بالطبقة الحاكمة، سعيا إلى تحقيق التطلعات الطبقية، من خلال قيام الحزب: بتمهيد الطريق أمام قيام القيادة الحقوقية الانتهازية، بالوصول إلى المؤسسات المختلفة، المساعدة على تحقيق تطلعات القيادة الحقوقية الانتهازية.

  4) العمل على جعل الجمعيات الحقوقية مجالا للإعداد، و الاستعداد، لتأسيس حزب معين، حتى يتأتى الإعداد لممارسة الضغط على الطبقة الحاكمة، حتى تنصاع لإرادة القيادة الحقوقية الحزبية، التي تعمل على تحقيق التطلعات الطبقية.

 و بذلك تكون القيادة الحقوقية الانتهازية، قد وظفت كافة الإمكانيات الممكنة، و غير الممكنة، للوصول إلى التموقع، إلى جانب البورجوازية الكبرى، الذي يعتبر هاجس البورجوازية الصغرى الطبقي.

  الفصل الخامس : الانتهازية السياسية :

 و يمكن أن نعتبر الانتهازية النقابية، و الجمعوية، و الحقوقية، مجرد تمظهرات للانتهازية السياسية، التي تقتضي، من الانتهازي، تبني مواقف سياسية، لا تتناسب مع مواقعها الطبقية. و هي تتبناها، فلأنها ترى أنها تساهم بشكل كبير في تحقيق تطلعاتها الطبقية.

 و تظهر الانتهازية، أن القيادات المختلفة، المنتمية واقعا، و ممارسة، إلى البورجوازية الصغرى، ولذلك نجد أن هذه الشرائح الانتهازية، تتلون حسب الزمان، و المكان، و حسب ميزان القوى، و حسب نفوذ الجهة التي تستند إليها في ممارستها السياسية.

 فهي تارة تتبنى مواقف الأحزاب الإقطاعية، و أخرى مواقف الأحزاب البورجوازية، و تارة تتبنى مواقف أحزاب الطبقة العاملة، و أخرى تصير متياسرة، و أخرى تصير يمينية متطرفة، حتى تقوم بتجريب كل التوجهات السياسية القائمة في البلاد، و حتى تستفيد من جميع التوجهات في تحقيق تطلعاتها الطبقية. و لذلك نجد أنها :

 1) تجد لذتها في تبني مواقف الحكم الإقطاعي السياسية، حتى تكسب ود الإقطاعيين، الذين ينجذبون للإعجاب بمواقف أحزاب البورجوازية الصغرى، بل و تلتحق بها، في بعض الأحيان، إلى جانب كونها تفسح المجال أمامها، من أجل الالتحاق بأحزاب الإقطاعيين، و الوصول إلى قيادة تلك الأحزاب، لإعطائها شأنا من بين الأحزاب المعاصرة لها، و تعمل على تطوير الإقطاعيين، لينتقلوا من الإقطاع القديم، إلى الإقطاع العصري الجديد.

 2) تعمل على تبني مواقف الحكم البورجوازي التابع، حتى يصير للأحزاب البورجوازي الصغرى شأن عند البورجوازية التابعة، التي تحتضن الأحزاب البورجوازية الصغرى، و تمكنها من الدعم المادي، و المعنوي، اللازم لها، لقبولها بالانخراط في المؤسسات المزورة، و القبول بالمشاركة في الحكومة، التي تخدم مصالح تلك البورجوازية، بل إن البورجوازية التابعة، تمكن البورجوازية الصغرى، من الالتحاق بأحزابها، بل و الوصول إلى قيادات تلك الأحزاب، لأن كل ذلك، يساهم في تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى.

 3) تتبنى مواقف البورجوازية الليبرالية، من أجل ممارسة التملق إليها، باعتبارها متحكمة في قطاعات اقتصادية، و خدماتية مهمة، حتى تستفيد من العلاقة مع الأحزاب، في تحقيق التطلعات الطبقية، للمنتمين إلى أحزاب البورجوازية الصغرى، و المتوسطة، و حتى تكون أحزاب البورجوازية الصغرى، في خدمة البورجوازية الليبرالية، في حالة وصولها إلى الحكم، كما أثبتت التجارب ذلك.

 4) تبني مواقف الأحزابوسلامية ، حتى يتبين أن أحزاب  البورجوازية الصغرى، لا تختلف عنها في التمسك بالدين الإسلامي الحنيف، و لا بأس أن تقبل هي بدورها بممارسة أدلجته، و الاعتراف بالأحزابوسلامية المؤدلجة للدين الإسلامي، و التنسيق معها، و دعمها، في تحقيق شعاراتها، حتى يكون ذلك خير وسيلة، لإقناع الأحزابوسلامية بالقبول بإشراك أحزاب البورجوازية الصغرى، في السلطة، في حالة وصول الأحزابوسلامية إليها، حتى يكون ذلك خير وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى، التي هي نفسها المتحملة للمسؤولية في أدلجة الدين الإسلامي، و في بناء تنظيمات على أساس تلك الأدلجة. و معلوم أن عملا كهذا، مخالف للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان من جهة، و ممارسة تحريفية للدين الإسلامي الحنيف الذي يجب أن يبقى بعيدا عن الاستغلال الإيديولوجي، و السياسي من جهة أخرى.

 5) و لا بأس أن تدعي أحزاب البورجوازية الصغرى إيديولوجية الطبقة العاملة، و سائر الكادحين، الاشتراكية العلمية، حتى تظهر، و كأنها ترتبط بها ارتباطا عضويا، و تناضل من أجل انعتاقها، و وضع حد للاستغلال الهمجي الممارس عليها، حتى تعتقد الطبقة العاملة، و سائر الكادحين، ذلك، فينساقون جميعا وراء الأحزاب البورجوازية الصغرى، و تصوت عليها،  في مختلف المحطات الانتخابوية، و مهما كانت تلك الانتخابات غير حرة، و غير نزيهة، و من أجل الوصول إلى المؤسسات المحلية، و الوطنية، التي تعتبر وسيلة للتسريع بتحقيق التطلعات الطبقية للحزبيين، الذين يصلون إلى تلك المجالس. و بعد ذلك فلتذهب  الاشتراكية العلمية، و الطبقة العاملة، و سائر الكادحين، إلى الجحيم. لأن مهمة كل ذلك قد انتهت بالتصويت في الانتخابات.

 6) و لا بأس أن تتقمص أحزاب البورجوازية الصغرى، مواقف المتياسرين الذين ليسوا إلا بورجوازيين صغارا، يزايدون، بتمركسهم، على أحزاب البورجوازية الصغرى، و أحزاب الطبقة العاملة، في نفس الوقت.

 و تقمص أحزاب البورجوازية الصغرى لشعارات المتياسرين، يهدف إلى مغازلتهم ¨من جهة، و إلى جعل الجماهير الشعبية الكادحة، تعتقد أن أحزاب البورجوازية الصغرى ستقوم بثورة. و هي في الواقع، إنما تقطع الطريق أمام إمكانية قيام  أي  ثورة، من الثورات  المحتملة ضد الظلم، و القهر، و التخلف، و  الاستبداد، و من أجل التمتع بالحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية. لأن أحزاب البورجوازية الصغرى، إنما تتحايل على المتياسرين، من أجل أن توهمهم بأنها سترفع نفس شعاراتهم، حتى تسحب البساط من تحت أقدامهم، وصولا إلى جعلهم مهمشين، و غير قادرين على الارتباط بالجماهير الشعبية الكادحة، التي تنساق وراء الأحزاب البورجوازية الصغرى، في تحقيق تطلعاتها الطبقية.

 و بذلك نصل إلى  أن الانتهازية  السياسية، تجعل أحزاب البورجوازية الصغرى، قابلة لممارسة كافة أشكال الانتهازية السياسية، مادامت تؤدي إلى تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى.

 الفصل السادس : الانتهازية الاقتصادية :

 و إن جميع الفصول الانتهازية، التي أتينا عليها حتى الآن، لابد أن يكون العامل الاقتصادي هو الذي يقف وراء الممارسات الانتهازية فيها. و بما أن التسلق الطبقي لا يمكن أن يكون إلا اقتصاديا، ثم بعد ذلك يأتي التمظهر الاجتماعي المعبر عن ذلك التسلق، فإن الانتهازية الاقتصادية لا تكون دائما مهنية أو نقابية، أو جمعوية، أو حقوقية، أو سياسية، بل إنها تتخذ أشكالا أخرى من الانتهازية، التي يمكن الوقوف عليها، من خلال الممارسة اليومية للمواطنين، الذين  يفتقرون إلى الضمير الإنساني في ممارستهم الاقتصادية  اليومية. و من ذلك نجد:

 1) استغلال النفوذ على العمال، و المستخدمين، حتى تزداد بسبب ذلك الفوائد، التي يحصلون عليها، في عملية الإنتاج الصناعي، و الخدماتي. مما يؤدي إلى ارتفاع الفوارق بين الطبقات الاجتماعية. و معلوم أن استغلال النفوذ صار ممارسة  يومية في القطاعين العام، و الخاص، مما يؤدي بالضرورة إلى قيام علاقات الإنتاج على أساس الإرهاب النفسي، و الجسدي، و الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، إلى جانب الإرهاب السياسي، لضمان مضاعفة الإخلاص في خدمة البورجوازية،  التي تمارس الانتهازية في استغلالها للنفوذ.

 2) الإجهاز على حقوق العمال، و المستخدمين، في التمتع بالحد الأدنى من الأجور، و في الحق في التقاعد، و في الحق في الضمان الاجتماعي، و في الحق في الحماية الصحية، و الاجتماعية، و في أجور تتناسب مع متطلبات الحياة الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية. الأمر الذي يجعل أوضاع العمال، و المستخدمين، تزداد ترديا، و على جميع المستويات، في الوقت الذي تزداد فيه أنواع البورجوازية انتفاخا.

 3) التهرب من الضرائب، عن طريق عدم التصريح بحقيقة المداخيل، التي تحصل عليها البورجوازية من استغلالها للعمال،  مما يحرم صندوق الدولة من الواجبات الضريبية، التي تزيد من ثراء البورجوازية الهجينة، و المتخلفة، و التي لا تكتفي بالسطو على حقوق العمال، و المستخدمين، بل تضيف إليها أموال الشعب المغربي، و مستحقاته، التي يجب أن تذهب إلى الخزينة العامة، بدل أن تبقى في جيوب المتملصين من أداء الضرائب المباشرة وغير الماشرة.

 4) ممارسة الغش، في مختلف الصناعات التركيبية، عن طريق التلاعب في المقاييس المتبعة دوليا، مما يجعل الجودة غائبة، مما  يؤدي إلى مضاعفة أرباح البورجوازية الصناعية، التي تستطيع تمرير منتوجها الرديء، و العديم الجودة، إلى الأسواق المغربية، و دون رقيب، أو حسيب.

 5) إنزال تلك البضائع المغشوشة إلى الأسواق، بأثمان مرتفعة، و دون مراقبة من قبل المسؤولين عن مراقبة الغش، الذي قد يؤدي إلى إلحاق الضرر الواسع بصحة المستهلكين، نظرا  لسيادة علاقة الإرشاء، و الارتشاء، التي تسود في العلاقة بين أرباب العمل، و مالكي وسائل الإنتاج الصناعية، و بين الأجهزة المكلفة بمراقبة الجودة، التي لا يؤدي وجودها أبدا إلى احترام جودة الإنتاج الصناعي، و الخدماتي.

 6) احتكار البضائع من قبل التجار الكبار، حتى يزداد عليها الطلب، فينزلونها إلى الأسواق بأثمان مرتفعة، و على جميع المستويات المحلية، و الوطنية، مما يؤدي إلى زيادة دخل هذه الفئة من التجار، التي لا تتقي شر ما قد تؤدي إليه ممارستها على دخل المواطنين، و على مستوى عيشهم، خاصة، و أن البضائع المحتكرة، قد تتقلص مدة صلاحيتها، مما  يؤدي إلى فسادها، و  قد تنزل إلى الأسواق،  و هي فاسدة، الأمر الذي يترتب عنه الوقوف وراء  إلحاق الضرر بصحة المواطنين، و دون قيام جهاز المراقبة بدوره، في حماية المواطنين، من خطورة استهلاك البضائع،  التي قد تؤدي بهم إلى الموت، أو إلى انتشار الأمراض المؤدية إلى الموت؟، بسبب غياب مراقبة طبية، وصارمة، لصحة المواطنين.

 7) التلاعب في الموازين المعتمدة دوليا، في تحديد نوع البضاعة، و وزنها، الأمر الذي يترتب  عنه الإجهاز على حقوق المستهلكين، الذين تدعوهم الحاجة إلى مضاعفة استهلاك مختلف البضائع، ذات القيمة المنخفضة، و الجودة الناقضة، و الثمن المرتفع، كما هو الشأن بالنسبة للكثير من المواد الغذائية  بالخصوص. و هو ما يترتب عنه ما يمكن تسميته بالسرقة الموصوفة، و لكن بطريقة غير مباشرة، لجيوب  المواطنين الذين  يقتنون بضائع بمواصفات، لا تتوفر فيها، سواء على مستوى الوزن، أو على مستوى الجودة.

  8) تهريب البضائع الأجنبية، من أجل الاتجار بها، في  مختلف  الأسواق المغربية،  بهدف الربح السريع. و البضائع المهربة  قد تكون عديمة  الجودة، و عديمة الصلاحية، في نفس الوقت، مما يؤدي إلى الإجهاز، وبواسطة تلك البضائع، على  صحة المواطنين، و على جيوبهم، في نفس الوقت، بالإضافة إلى أن تهريب  البضائع الأجنبية،  يؤدي إلى إغلاق المعامل المغربية، و تسريح اليد العاملة، أو تشغيلها لبضع ساعات،  وبأجور زهيدة.

 9) الاتجار في المخدرات، و على جميع المستويات المحلية، و الوطنية، و الدولية، مما يؤدي إلى جني أرباح لا حدود لها، من أجل خلق بورجوازية منتفخة، بواسطة الحصول على أرباح هائلة من الاتجار في المخدرات. و هذه البورجوازية تعمل على تبييض أموالها، في مختلف القطاعات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، من أجل التغطية المقصودة على ممارستها للاتجار في المخدرات المنتجة محليا، و  المستوردة من السوق العالمي. و معلوم ما لهذه الآفة من أثر على الأجيال الصاعدة، و التي لا تصير  قادرة على مواجهة متطلبات  الحياة.

 و بذلك نجد: أن الانتهازية الاقتصادية، يمكن أن تسلك جميع المسالك، التي تفتقر إلى الشرعية الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، نظرا  للهلاك الشرس الذي تلحقه بقطاعات عريضة  من المجتمع المغربي، من أجل أن تتجمع الثروات الهائلة، في يد قلة قليلة من البورجوازيين، و الرأسماليين المتخلفين، الذين يحتمون  بالطبقة الحاكمة، التي  تسلك اختيارات رأسمالية تبعية، لا ديمقراطية، و لا شعبية، التي لا  يمكن أن تؤدي  إلا إلى إشاعة، و تنشيط المظاهر الاقتصادية، التي تمكن الرأسمالية المتخلفة، من جني أرباح لا  حدود لها.

  الفصل السابع : نتائج الانتهازية :

 إن الانتهازية كيفما كانت، و مهما كان مستواها، ومهما كانت  الطبقة التي  تمارسها، فإن هذه الانتهازية، لابد أن يكون لها تأثير سلبي على الواقع الاقتصادي، و  الاجتماعي،  و  الثقافي، و المدني، و السياسي، للجماهير الشعبية الكادحة، و أن هذا التأثير لابد أن يخلف نتائج ملموسة على جميع  الطبقات الشعبية، و من تلك النتائج نجد :

 1) التفاوت الطبقي، الصارخ،  بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، و أن هذه الطبقات، لابد أن تكون في مستوى القبول بذلك التفاوت الناجم عن الاستغلال الهمجي للقدرات الشعبية المادية، و المعنوية، و بكافة الوسائل  المشروعة، و غير المشروعة، و الذي يراد له أن يصير قدرا،  من عند الله، لا  يناقش، و لا يواجه من قبل المعانيين من ذلك الاستغلال الهمجي، الواقف  باستمرار، وراء التفاوت  الطبقي المتفاحش.

 2) انتشار الأمراض  الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، على أنها هي الاقتصاد عينه. لأن تلك الأمراض صارت  جزءا من البنيات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية القائمة، بحيث يصعب  قيام حياة عادية، في المجتمع، دون ممارسة تلك الأمراض، التي صارت جزءا لا يتجزأ من الحياة العامة، و الخاصة، في نفس الوقت،  بحيث لا نتصور إمكانية استمرار  الإنسان، في الحياة، دون التعامل مع الواقع كما  هو، لا كما يجب أن يكون.

 3) استغراق الغالبية العظمى، من المواطنين، في المشاكل اليومية، التي تستغرق كل وقتهم، حتى يحصلوا على لقمة العيش، و من أجل حفظ كرامتهم. و مع  ذلك لا يستطيعون التغلب على المصاعب، بسبب شدة الفقر، و اتساع رقعة البطالة، و انتشار الأمية في أوساط قطاعات عريضة من المجتمع.

 4) انتشار الأمراض المترتبة عن استهلاك البضائع  المحتكرة، و المستوردة، بأثمان بخسة، و المنتهية الصلاحية، و عجز المرضى عن الحصول على الحاجيات الضرورية للعلاج، بسبب ارتفاع الأثمان، فيما يخص واجبات الأطباء، و وواجبات الدواء، مما يجعل حياة المرضى من المواطنين مهددة، و مما  يجعل الأمراض متفاقمة، و نظرا  لكون الضمير الإنساني، صار غائبا في صفوف المواطنين بصفة عامة، و في صفوف الأطباء، و المختصين منهم،  بصفة خاصة.

 5) استفحال الظواهر المرضية الاجتماعية، مثل السرقة، و الدعارة، و الإرشاء، و  الارتشاء، و ما يمكن أن يترتب عن ذلك من أمور، قد تجعل المجتمع غير  قادر على مواجهة  متطلبات الأسر، و الاستقرار، على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، مما يجعل المستقبل محفوفا بالكثير من المخاطر التي تهدد حياة الأفراد، و حياة الجماعات، بالكوارث العظيمة، التي لا يمكن التحكم فيها  بالسهولة المطلوبة.

 6) استمرار ظواهر التخلف الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، كإفراز للممارسات  الانتهازية، على جميع  المستويات المحلية، و الوطنية، لدرجة أن مظاهر التخلف،  تكاد تكون ملازمة لمسلكية الأفراد، و في جميع الطبقات الاجتماعية، سواء تعلق  الأمر بالتخلف العقلي، أو بالتخلف المسلكي. و هو ما  يعني أن التخلف صار ملازما للبنيات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و في إطار التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية، القائمة.

 و معلوم، أن نتائج الانتهازية، لا يمكن أن تكون إلا سلبية، حتى و إن بدا أنها إيجابية، بالنسبة للانتهازيين، الذين يمارسونها، لتحقيق التسلق الطبقي، فإن ذلك التسلق، في حد ذاته، لا يمكن أن يكون إلا جريمة، ترتكب في حق الأبرياء من الكادحين، الذين يؤدون ضريبته، من قوتهم اليومي، و على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و إلا فماذا نقول  فيما  تمارسه شرائح عريضة من البورجوازية الصغرى، و المتوسطة، و في العديد من القطاعات الاجتماعية، و خاصة في قطاعات التعليم، و الصحة، و التجارة، و الخدمات، و غيرها من القطاعات ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى، و المتوسطة؟

  الفصل الثامن : خلاصة الانتهازية :

 و نحن بوقوفنا على مفهوم الانتهازية، و على تمظهراتها المختلفة، و  في مختلف المجالات المهنية، و النقابية، و الجمعوية، و الحقوقية، و السياسية، و الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، نصل إلى أن وجود الانتهازية، لا  يمكن أن يكون إلا تعبيرا عن شمولية الأزمة الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي يعرفها مجتمع معين، يعيش واقعا معينا، في ظل تحكم البورجوازية التابعة في مصير شعب معين، مما يجعله لا يستطيع إلا أن يرضخ لقبول الاستغلال الهمجي، الممارس على كادحيه، الذين تمتص دماؤهم، و يؤكل لحمهم، حتى العظم. فلا يمكن أن يفعلوا  أي  شيء، من اجل رفع  الضرر عنهم، و من أجل العمل على التمتع بحقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، إلى درجة العجز البنيوي، الذي يفرض الرضوخ المطلق لإرادة المستغل. و المجتمع الذي تسود فيه الممارسة الانتهازية هو مجتمع :

 1) يكون محكوما من قبل طبقة اجتماعية مستبدة، و على أساس اعتبارات لا ديمقراطية، و لا شعبية، لا تخدم، في نهاية المطاف، إلا مصالح الطبقة الحاكمة، و لا يمكن أبدا أن يعرف الكادحون في إطارها التمتع بحقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية و المدنية، و السياسية، و نسبيا يمكن أن تخدم مصالح الانتهازيين، الذين يلتقطون فتات الاستغلال.

  2) يكون محكوما بدستور غير ديمقراطي، في معظم الأحيان، و هو ما يعني: أن ذلك الدستور، غير متلائم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و أن سيادة الشعب من خلاله غائبة، و أنه لا يمكن أن يخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، و سائر المستغلين، و على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.

 3) أن الدولة التي تمسك بأجهزتها الطبقة الحاكمة، هي دولة غير ديمقرطية، و أجهزتها فاسدة، و مفرخة لممارسة كافة أشكال الانتهازية، و في جميع المجالات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و في جميع القطاعات، مما يجعل إمكانية قيام ديمقراطية حقيقية من باب المستحيلات.

 4) غياب احترام حقوق الإنسان الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و هذا الغياب يلحق ضررا كبيرا بالكثير من القطاعات الاجتماعية القائمة على أساس الكدح، و التي لا يمكن أن تكون إلا ممارسة للصدق في عملها اليومي، بعيدا عن الانتهازية، و الانتهازيين، بل إنها هي نفسها لا يمكن أن تكون إلا ضحية للممارسات الانتهازية المختلفة.

 5) غياب مؤسسات "تمثيلية" حقيقية، معبرة فعلا عن احترام إرادة الشعب. مما  يجعل تلك المؤسسات، وسيلة لتحقيق الممارسة الانتهازية الخبيثة، و باسم تمثيل الشعب من جهة، و أداة من أدوات القمع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي الذي لا يخدم  في نهاية  المطاف إلا مصالح الطبقة الحاكمة، و سائر الطبقات الممارسة للاستغلال المادي، و المعنوي. و المؤسسات "التمثيلية" ليست إلا مظهرا من مظاهر ديمقراطية الواجهة، كخطاب موجه إلى الخارج.

 6) غياب  قوانين مجرمة للانتهاكات الجسيمة في حق الإنسانية، مما يجعل تلك الانتهاكات حاضرة في ممارسة الأجهزة القمعية، و بشكل يومي، تقريبا، كمظهر من مظاهر عسكرة الحياة اليومية، التي تكون ملازمة للاستبداد القائم.

 7) غياب قوانين انتخابية ،ضامنة لاجراء انتخابات حرة، و نزيهة، مما يجعل الشعب فاقدا لامكانية إيجاد مؤسسات تمثيلية، حقيقية، تعكس احترام إرادته، و تكون في خدمة مصالحه الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، في أفق تمكينه من ممارسة سيادته على نفسه. و هذا الغياب، يجعل القوانين الانتخابية القائمة، لا تفرز إلا مجالس لا تعبر، لا  من  قريب، و  لا من بعيد، عن احترام إرادة الشعب، و لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، و مفرخة للانتهازيين في نفس الوقت.

 8) غياب حكومة منفرزة من صناديق الاقتراع، و من أغلبية البرلمان، حتى تكون مسؤولة أمام المؤسسة البرلمانية من جهة، و أمام الشعب من جهة أخرى. و لذلك، فالحكومة القائمة هي حكومة لم تنفرز من صناديق الاقتراع، و مسؤولياتها أمام البرلمان، هي  مسؤولية  شكلية فقط، و ليست مسؤولة أمام الشعب أبدا، و لا تخدم إلا مصلحة الطبقة الحاكمة، و الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي، و المعنوي.

 و بذلك يتبين: أن الانتهازية مرض عضال، ينخر كيان الشعب، و  يفسد عقلية و ممارسة أفراده، و ويقف وراء انتشار مظاهر الفساد الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. التي لا يمكن مواجهتها إلا بقيام حركة جماهيرية، و حزبية مناضلة، من اجل قيام مجتمع بديل، تتحقق في إطاره الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية.

 فهل تعمل الحركة الجماهيرية المناضلة، و الحركة الحزبية المناضلة، على محاربة مظاهر الانتهازية، و العمل على استئصال نتائجها ؟

 إن على الجماهير الشعبية الكادحة، أن تعمل على استعادة ثقتها في الحركة الجماهيرية المناضلة، و الحركة الحزبية المناضلة، كجزء من استعادة ثقتها  في المستقبل، حتى تشرع فعلا، في مقاومة الممارسات الانتهازية، كجزء من استعادة الثقة في المستقبل، الذي يفترض فيه أن يكون مستقبل الأمل، في فرض احترام إرادة الشعب،  الذي قدم، و لازال، يقدم الكثير من التضحيات من أجل ذلك.

 ابن جرير في

24 /10/2005 –

محمد الحنفي

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.