اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

المنتصرون على الموت: حليمة پـولا بطلة من أجل الحرية -//- جميل روفائيل

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

المنتصرون على الموت

حليمة موسى اسحق پـولا بطلة من أجل الحرية

جميل روفائيل

صورة المرحومة حليمة اثناء صراعها المرير مع السرطان

الكل يموت, وقليلون هم اولئك الذين ينقشون اسماءهم على قلوب الشعـراء ليغدو كل حرف قصيدة خالدة يرتلها القلب بنبضاته على مدى الايام والسنين . ومن اولئك الخالدين الراحلة المناضلة حليمة موسى اسحق پـولا التي حفرت اسمها في صميم قلب اخيها الشاعـر لطيف پـولا, وفي ذاكرة كل من عرفها عـن كثب, من اصدقاء واقارب وجيران ورفاق في الحزب الشيوعـي العـراقي وعبر مسيرة النضال الدموية والتي عانت من ماساتها الرفيقة حليمة, ودفعـت ثمن ذلك كل حياتها بتضحياتها اليومية في الكفاح والكدح من اجل سد رمق اولادها الذين تكفلت في معيشتهم ومعيشة زوجها الذي كان في غياهب السجون والاختفاء عبر ثلاثين عاما من زواجهما, وتحملها العذاب مع عـائلتها واخوتها منذ انتكاسة ثورة 14 / تموز 1958 الخالدة. تعرضت حليمة في مظاهرة سلمية قام بها الحزب الشيوعـي اوائل الستينات للمطالبة بالسلم في كردستان, وكانت المناضلة حليمة في مقدمة المظاهرة, تعرضت للضرب بهراوات قوات الامن فسقطت مضرجة بدمائها. حملها الرفاق الشيوعيون الى المستشفى, وبعـد ان تم خياطة الشدخ العميق في راسها تعـرضت للمحاكم العرفية وبدات تنتقل من معتقل الى معتقل. وفي 1963 وبعـد انقلاب 8 شباط الاسود بشهرين اعتقلت مع اخيها لطيف پـولا في ليلة واحدة بعد ان كان الحرس القومي الفاشي قد اعتقل اخيها الاخر فاضل پـولا. وكانت هي شاهدة على موقف اخيها الصغـير لطيف والذي كان يناهز 17 عـاما فقط حين اوصاها وهما في طريقهما الى غرفة التعذيب والتحقيق ان تصمد حتى الموت. وهكذا قطعا عهدا لبعضيهما بالصمود. ظلت تلك اللحظات النضالية الصعـبة قصة حزينة عـند حليمة وهي ترى بام عـينيها اخيها الصغـير وهو يساق للتعـذيب بل دخلت عليه لترى اخيها داميا وكانت تقول ,, تلك الصورة حين رايت لطيف وقد اجتمعت عليه الذئاب من كل صوب ينهالون عـليه بالصوندات والهراوات, لم انسَ ذلك المشهد ابدا ,, وكانت علاقة لطيف باخته اكثر من علاقة الاخوة والصداقة والقرابة فلم يلتق اخ باخته, واخت باخيها اكثر من حليمة ولطيف, جلسا اياما وشهورا وسنينا سوية, وبشكل خاص بعد أن القي القبض على زوجها متي كوريال برصوم (( حميد )) والذي كان شيوعـيا قديما, اصبح فيما بعـد من قيادات (( القيادة المركزية )) .

كانت اطلالة لطيف على اخته اطلالة فرج ,وهي في ضيق قاتل. كان بيتها معـرضا لمباغـتات ومداهمات الامن والمخابرات, كان عليها ان تذهب الى محل عملها كخياطة لتعيل اولادها قصي وتغريد وهما في مرحلة الابتدائية. كان اخوها لطيف سندها ومشجعها على مواصلة الصمود, وكان عليها ان تزور زوجها في سجن ابو غـريب كل اسبوع توفر له الطعام والدواء ولمدة خمسة عـشر عاما, تخرج ابنها من كلية الزراعة وتزوج بجهود امه البطلة, ثم اكملت تغريد السادس الثانوي وتزوجت, وبعـد ان انتظرت طويلا وهي في تلك المعناة خرج زوجها من السجن معتل الصحة جسديا ونفسيا.

لم تمض ِ الا فترة قصيرة حتى اجتمعت كل تلك الجروح والالام والمعـناة لتصبح داءا خبيثا (سرطانا) بدا ينهش بتلك اللبوة ,,, حليمة پـولا ,,, من تلك اللحظة ولمدة ست سنوات كانت حليمة تقاوم المرض بصلابة ورباط جاش, الا انه في النهاية تركها هيكلا عـظميا لتختم حياتها معذبة كما بداتها معذبة. (وهذه صورتها اعلاه والداء يأكل بها )

ان حياة حليمة پـولا ملحمة نضالية وكفاح مرير, بكاها بصدق وبدموع حارة ليس لطيف پولا اخوها وصديقها ورفيقها فقط ولكن جيرانها في نواب الضباط في بغداد وجيرانها في العمارات السكنية في زيونة وفي القوش واهلها واقاربها بل وحتى صخور الجبل كما يقول الشاعـر لطيف پـولا في قصيدته ((حليمة)):

فيا حليمة َ انني احمل ُ          الدموع َ في ذهابي وإيابي

من مُهـَج ٍ ضنيت لفقدك ِ        وبلـَّغـت ُ الجبل َ والروابي

ومكثت ُحينا حيث جلسنا       سوية على السفح ِ الخلاب ِ

كأني بالصخور ِ تسألني         والحمام ُ  يندبُ  جوابي

اجل هكذا عـاشت حليمة لاهلها لاطفالها لزوجها لشعـبها ولوطنها. كانت شمعـة اضاءت لغـيرها واحترقت , خـُلقت اشتراكية وعـاشت اشتراكية, وودعـت العـالم وهي تفكر بغـيرها قبل ان تفكر بنفسها .ما اعـظم الانسان ان يحيا ويموت اشتراكيا فكرا وسلوكا .ومثلما كان منشا حليمة ريفيا بقي حبها عـامرا بقلبها للناس البسطاء وطبقة العـمال والفلاحين , وكان محلها في منطقة نواب الضباط وشقتها في الزيـونة مزارات لصديقاتها الطيبات من الطبقات الشعـبية واللائي كـُن َّ تحت وطاة النظام الفاشي يعـانين من كابوس الاضطهاد والملاحقة . فهذه ثاكلة فقدت سبعـة افراد من عـائلتها وتلك ارملة واخرى اولادها سجناء ومنهن من وقعـن فريسة الاوباش ينهش بهن الفقر , واخرى مطلقة بسبب المشاكل التي افرزها النظام , وتلك زوجها او ابنها مفقود في الحرب او اسير ولم يعـد . كان قلب حليمة كبيرا ليضم كل هؤلاء النسوة في بيتها او في محلها لتشد من ازرهم وتزرع في قلوبهن الامل . وكنَّ بدورهن يجدن في كلام حليمة وابتساماتها المتفائلة دائما البلسم الشافي لعـلتهن .

الف تحية لروح حليمة المناضلة البطلة فهي بحق شهيدة الوطن .

وكنت قد تعرفتُ على (المرحومة) حليمة  للمرة الأولى، عام 1957 وأنا  طالب، حيث كنت ضيفـا في بيت أبـن عمي (المرحوم) أوراها رفـو  مرقس   في بغـداد، كنا جالسين ودخلت شابة بشوشة مملوءة حيوية ونشاطا، ورحب  بها الموجودون (أهلا أهلا حليمة) وسلمت على الموجودين،  وحين وصلت  عندي وهي تصافحني ( وكنت أصغر الموجودين عمرا) نظرت الى (المرحومة) مارية ( زوجة المرحوم أوراها) فقالت (المرحومة) مارية: عزيزنا جميل أبن أخونا روفائيل  . .

وجلست حليمة بجانب مارية، وزادت الجو مرحا وضحكا وأمورا  مثمرة، وكان الحديث متشعبا، سؤال عن أشخاص، نشاطات المناضلين  الشيوعيين وأحوال من هم منهـم في السجون. . وكنت معجبا بأسلوبها الرائع  في الكلام والأمور الوطنـة التي تتناولها (لم أكن منتميا الى الحزب الشيوعي  ولكنني كنت  متعاطفا  معه  بشكل  كامل)  . .

وبعد أكثر من ساعتين من أروع الأحاديث، أخرجت من حقيبتها رزمة  من الأوراق وسلمتها الى مارية. . وودعتنا بأبتسامات عذبة. . وذهـبت. . وصادف أن حضرت مرات عدة أخرى الى بيت أبن عمي أوراها، خلال  عام 1957 والنصف الأول من 1958 . . وبأجواء رائعة مماثلة ورزم آخر  منشورات الحزب الشيوعي  . .

والمرة الأخيرة التي رأيت فيها (المرحومـة) حليمة كانت، إما في  النصف الثـاني من 1958 أو في 1959 لا أتذكر  جيدا،  حيث كانت في  سيارة مع عدد من أقاربها (أعتقد أن شقيقيها: فاضل ولطيف كانا معها) في  طريقها الى ألقوش، وتوـفت بعض الوقت في تللسقف  للسلام على عمي (المرحـوم) ألطون نعمو، الذي كان مناضلا شيوعيا جليلا وتعرفه من بغـداد،  وكان ألطون أحد أبرز شخصيات تللسقف طيبة وخلقا وشهرة، وكان مختارا  لتللسقف بعدما أنتخبه أهالي القرية بما يشبه الأجماع. . وسلمت عليها  وعلى  من معها. . وكانت بالروعة نفسها التي عرفتها في بغداد مرحا ونشـاطا. .

ومرت سنوات،  وبالتحديد في 1973 إذ تعرفت في بغداد على  فاضل  شقيق حليمة، بعد تأسيس الجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية، حيث توطدت  صداقتنا ولقاءاتنا المتواصلة وأنسجامنا في أفكارنا، من خلال عملنا معا لأكثر  من سبع سنوات في هيئة تحرير مجلة الجمعية (قالا سريايا ـ الصوت  السرياني). . وقد  ألتقيت الأخ  فاضل لآخر مرة في  بلـراد عام 1992  عندما حل مع عائلته ضيفا كريما عزيزا عندي لأيام عدة  وهو في طريقه الى  ديار الغربة الولايات المتحدة، الديـر التي لم يخطر في باله أن يرحل أليها  يوما، فقد كان في أشد الألم والمرارة على فراق العراق حيث  وطنه وتاريخ  آبائه وأجداده  ونضاله وأقاربه وأصدقاؤه وآماله. .أما لطيف  شقيق حليمة،  فقد  تعرفت عليه أيضا في بغداد خلال عملي الصحفي، وأن لم  تكن علاقتي  معه  قوية كما كانت مع شقيقه فاضل، إلاّ أنني وجدته كامل المواهب نقي  الخصال،  فإضافة الى الأخلاق الحميدة وطيبة المعشر، فهو شاعـر وأديـب وصحفي  ومحلـل سياسي وأجتماعي وفنـن  قديـر. . وهـ  صفات، حقا،  قـلّـما  تتجمع في إنسـان واحد. . ولطيف  پولا هو أحد هذه القلة  النادرة . .

أما حليمة. . فستبقى خالدة في سجلات حزبها الخالد، لأنها في  الصف  الأول بيـن مناضليه. . وستبقى زهرة بهية زكية في ذهن كل من عرفها. . وهي جديرة بكل ذلك، لأنها كانت أكثر من أنسانة في التضحية مـن أجل  حرية وطنها وسعادة شعبها. . وفي الجلال والكرامة والصمود والشموخ  وترك  الأثر الطيب في كل مكان حلت به. .  فهنيئا  للعائلة  التي أنجبـتها  وللأسـرة  التي سعدت بها ولكل قريب لها. . بلقب إنه  من  عائلة  حليمة  پولا .

وهنيئا لي شخصيا من ذكرى . .  لأنني عرفت الأنسانة  حليـمة

جميل  روفائيـل

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.