كـتـاب ألموقع

• من ذاكرة الديوانية.... الختًان سعادة عكرم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

مقالات اخرى للكاتب

من ذاكرة الديوانية.... الختًان سعادة عكرم

 

لذاكرة أيام زمان نكهتها الخاصة في مدينة الديوانية ,في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي وفي الصيف القائض,كنا نركض عبر الأزقة عند سماعنا صوت الطبل والدفوف والموسيقى, لتوقعنا وجود الأفراح أما الأعراس أو لختان أحد الأطفال من أقراننا,وخاصة في العطل المدرسية الصيفية, إذ لا يتجاوز أعمارنا السادسة , مرتدين ثياباً مقلمة ( الدشاديش),دخلنا كلنا إلى دار الجيران,وكانت تصدر من داخل الدار أصوات الموسيقى وزغاريد النسوة والصلوات على الرسول من قبل الرجال,فرشت الدار بالأفرشة المغطاة بالشراشف البيضاء ,وفي جانب آخر من الدار صفت الكراسي و(التخوت) جلس عليها كبار السن من أهل الدار والأصدقاء كلهم فرح وسرور , كان من ضمن الحضور(الزعرتي)يدعى سعادة عكرم(أبو نجاح) شخص طويل القامة ضخم الجثة ذو عينان واسعتان , بجانبه حقيبة سوداء , وقد أحضر صاحب الدار الحلويات البسيطة من(الشكرات واللهوم والحلقوم والحامض حلو وأصابع العروس)وهذه كلها صناعة محلية.

كان الشخص الذي يقوم بعملية الختان يدعى من أهل المدينة بالمطهرجي أو الزعرتي, وكلا الكلمتين(المطهرجي)من طهارة الأبدان بعد إزالة قلفة العضو الذكري وهذه سنة ابراهيم(ع), والزعرتي أو (السعرتي)و هي كلمة تركية مصدرها لقرية تقع جنوب تركيا تسمى( سعرًت) ,إذ كان أغلب سكانها من التركمان والأكراد,عملهم كان ختًان الأطفال, إذ يجوبون المدن والأرياف لهذا العمل ,ومنها العراق بسبب امتداد حدود البلدين واحتلال الدولة العثمانية للعراق,ولهذا انتشرت تسمية الختًان( بالسعرتي )ثم تحول السين إلى الزاي فأصبح يدعى( بالزعرتي).

لقد اشتهر في هذا المجال كل من الحاج حسون طيارة من أهالي المدينة,والحاج سعادة عكرم النازح من الديار الفلسطينية بعد حرب عام1948 فقد استقر في المدينة ,لأن أهل المدينة يتصفون بالطيبة , وكل الغرباء ينسجمون مع أهلها وهذه الميزة التي يتمسك بها الديوانيون,استقر في حي الجديدة في شارع يدعى شارع بيت الشيخ حسين الأسدي العالم ورجل الدين الذي يزورهُ كل محتاج ولهُ مسأله دينية أو عشائرية, و(لي مقاله في الحوار المتمدن عن دور الشيخ حسين في ساعة القبض علي الجاسوس لجمن في مدينة الديوانية أيام العهد العثماني).لقد انسجمت عائلة الحاج سعادة مع أهالي المدينة ذو الطيف الاجتماعي المتنوع,فقد عمل في مجال صحة المدينة للتضميد , وبعد الدوام يذهب لزيارة العوائل للتضميد وزرق الأبر , وختان الأطفال يوم الجمعة.

يتصف الحاج سعادة بالأخلاق العالية والروح الطيبة,يحب مساعدة الآخرين وتحديد بعض العلاجات البسيطة لأبناء المدينة.فقد خلف ثلاث أولاد أكبرهم نجاح كان زميلنا في الدراسة والأصغر خالد قد قتل بأحداث 1991 لأسباب غامضة.

كانت تعقد حفلات الختان صباح يوم الجمعة في أيام الصيف والعطل المدرسية ,إذ تتهيأ العائلة قبل يوم من خياطة الملابس(الدشاديش البيضاء) وفرش الدار وتحضير الحلويات والعصير إذ اشتهر بتلك الفترة(عصير علامة الجمل) و(القند ) السكر المتماسك على شكل هرم مخروطي الشكل, وتحضير الحلاق لحلاقة الطفل أو الذهاب لدكان الحلاق وكان المشهور من الحلاقين(علي البرطلي)و(علي دوحي)و(محمد دوحي)(عبد علي الحلاق)و(حسن كسكين), ثم الاستحمام والتحضير ليوم الجمعة, إذ صباحاً يأتي الزعرتي وقبلها الجوقة الموسيقية من العبيد وأولادهم وكان المشهور في تلك الفترة(عنبر أبو خضير) وبعض العوائل الميسورة الحال تأتي بالعبيد من محافظات مجاورة ومعها الشعارين(الراقصين وذو الشعر الطويل, ومعهم الجنبارت واضعيها بأيديهم)ويبدأ الرقص وتهنئة عائلة الطفل , وتبدأ طقوس الختان بوضع الطفل على الفراش ومسكه من قبل أحد اخوته الكبار أو أقرباءه وبمواجهة الزعرتي,ويقف أحد الكبار واضعاً اللهوم(وهو مسحوق من السكر والسمسم) أو الحلقوم بفم الطفل,ويبدأ الزعرتي بفتح حقيبته الصغيرة واخراج منها الموسى وآله أخرى تشبة (الكلابتين أو الماشة) وكذلك قطناً وقطعة من الشاش , ثم يبدأ بتنظيف عضو الطفل الخائف وساحباً اللحمة الزائدة عند رأس العضو ووضع الماشة عند نهايتها, لازالة اللحمة الزائدة بالموسى المعقمة , وفي هذا الأثناء يبدأ (عنبر)وابنه خضير بالضرب على الطبل والموسيقى تعزف لتقليل خوف أب وأم الطفل وقد يهربون من المكان لعدم مشاهدة ما يحدث لابنهم(من المواقف المحزنة المضحكة إن عنبر عن قرب ساعة وفاته أوصى ولدة خضير بعدم ترك مهنة والده ولكن خضير ترك المهنة والله وفقه وعمل بمجال بيع الآثاث) , ثم يلف الزعرتي عضو الطفل بالشاش لقطع نزيف الدم ويوصيه بسحب دشداشته إلى الأمام كي لا تحتك بالجرح,وهذه العملية تحدث لصغار الأطفال, ولكن بعض العوائل تهمل ختان أبنائهم حتى يكبروا فتكون عملية ختانًهم صعبة بعد التخدير, وبعض العوائل إذا كانوا موسوري الحال يختن مع ابنهُ عدداً من الأطفال الفقراء , حيث يتحمل مصاريف الختان وعمل وليمة الغداء للحاضرين.بعض العوائل تقوم بعملية الختان لأطفالهم في اليوم السابع من الولادة وذلك أسوة ببعض الطوائف ومنها الطائفة الموسوية , وقد تعايشنا معهم في فترة الستينات قبل الهجرة والتهجير إلى إسرائيل

وقد أصبح الختان الجماعي في عهد الجمهورية وثورة الرابع عشر من تموز, وسط احتفالات يوم الثورة للعوائل الفقيرة ومتوسطة الحال , واليوم ينتهج هذا الدور بعض الأحزاب اليسارية في مقرات أحزابهم بالدعوة إلى الختان الجماعي وتحمل مصاريف حفلة الختًان.