اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

المحامي يعقوب عبد العزيز.. رجلٌ تسامى في عالمٍ متهالك// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

المحامي يعقوب عبد العزيز.. رجلٌ تسامى في عالمٍ متهالك

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

      ولد عام 1910 في الأعظمية, تعلم في حلقة دينية اللغة العبرية ثم التحق بالمدارس الحكومية, درس المحاماة وتخرج في منتصف الثلاثينيات, وفي هذا الأثناء كان يعمل نهاراً مدرساً للغة العربية في مدرسة منشي صالح ويدرس المحاماة مساءً. تزوج عام 1949م من إيلين إبراهام شماشا أنجبا ولدين وبنتين ليندا – كمال – فؤاد – وفيفيان, عام 1965م قتل ابنهُ كمال وهو في الخامس عشر من عمره في حادث باص مدرسة فرنك عيني. زاول المحاماة ومن الشخصيات البغدادية التي كان موكلاً عنها كل من : شركة سيارات شفروليت، سارة خاتون الأرمنية، ماري قنواتي مديرة مدرسة مناحيم دانيال.

 

      كان مستشارا مدة زمنية قصيرة للطائفة الموسوية برئاسة الحاخام ساسون خضوري, وعشية عيد راس السنة العبرية عام 1969م تكفل عددا كبيرا من اليهود الذين تم إلقاء القبض عليهم وهم يحاولون الهروب من العراق عن طريق الشمال بمساعدة عدد من المحامين المسلمين.

 

      في نهاية شهر كانون الأول من عام 1970م تم استدعاؤه من قبل مديرية الأمن العامة, بسبب هروب ابنته ليندا وابنهُ فؤاد إلى إيران للتحقيق معهُ عن تفاصيل الهروب التي كان يجهلها. تم اعتقاله في مطلع عام 1971م لمدة شهرين ونصف الشهر مع عدد من اليهود, ثم أفرج عنه بمساعدة رئيس محكمة التمييز آنذاك الذي كانت تربطهُ صداقة به(1).

 

      عشيَة عيد الغفران من عام 1972م تمَّ اختطافه وهو ذاهب للصلاة كعادته في الكنيس, وحاول رئيس الطائفة آنذاك مير بصري الاستفسار عنهُ في وزارة الداخلية فجاء الرد أنه غادر العراق, فغابت أخباره ولم تعرف عائلته لحد الآن مصير جثمانه(2).

 

      ستةٌ وأربعون عاماً خَلَت على اختفاء المحامي يعقوب عبد العزيز, وبعد هذه الفترة الطويلة لاختفائه ورحيل سلطة الدولة السرية وأزلامها لم يندمل جرحُ اختفائه, ولكنَ الجرح ما يزال مفتوحاً بسبب متابعة عائلته وأبنته لندا لأخباره وأسباب تغييبه في زنازين أنظمة البعث, وأكد الظن أن سبب اختفائه هو ديانته اليهودية و كونه مستشاراً لفترةٍ زمنية قصيرة للطائفة الموسوية برئاسة الحاخام ساسون خضوري.

 

    أختفى المحامي يعقوب عبد العزيز أسوةً ببقية من اختفوا من أبناء الديانة اليهودية مطلع سبعينات القرن الماضي, أو من اعدموا شنقاً على أعواد المشانق من الأبرياء من أبناء هذه الديانة وعلقت اجسادُهم في ساحة التحرير وإعلان الحكومة في ذلك الوقت يوم عطلة رسمية ليشارك رعاع الشعب بهذا الكرنفال والتشفي بقتل أبناء العراق من الوطنيين, وكانت التهمة جاهزة هي مؤامرة التجسس لصالح إسرائيل, فأيَّ كراهية يحملها هذا النظام اتجاه أبناء العراق, الذي أمتَدّ على وجودهم في بلاد الرافدين زهاء أكثر من 2500 عاماً.

 

      اختفى يعقوب عبد العزيز وترك زوجة وولداً وابنتين, وبعد هجرة عائلته عبرَ الطرق السرية من العراق جُمدَت اموالهم المنقولة وغير المنقولة, إذ تتذكر ابنته الإعلامية والناشطة المدنية (لندا) قائلة(3) :"بعد أقل من عامين على هروبي أنا وأخي أولاً ومن ثم والدتي وأختي الصغيرة إلى إسرائيل عن طريق إيران فُقدَت آثار والدي, ولم نتمكن من الاستفسار عن مصيره ونحن في إسرائيل (دولة العدو), إنّ عدم محاولتي أن اتعامل مع الخسارة نظراً لوجودي في بلدٍ جديد يطرح تحديات لا حصرَ لها أمامي في تلك الفترة. لكن لم اسلم ابداً بحقيقةٍ القضاء على والدي فقط لكونه يهودي... في الأسبوع الأخير دق بابي أمرٌ مهيب : مؤتمر يدعو للاعتراف باليهود الذين هجرًوا أو اسقطت عنهم الجنسية كلاجئين, أي رسوم معادلة متساوية في التعويضات اسوة باللاجئين الفلسطينيين... اليهود والفلسطينيين كانوا ضحايا المعاناة, نحن يهود الدول العربية دفعنا ايضاً ثمناً باهظاً, لكن نشأنا على الكتمان, وقد أفاجيء البعض عندما اقول إننا نتعاطف ايضاً مع مقولة الشاعر الفلسطيني محمود درويش (وطني ليس بحقيبة وأنا لستُ بمسافر).

 

    حكومة المنظمات السرية سعت آنذاك إلى إخفاء مكان والدي وجسده, ورفضت الكشف عن مصيره في حينها أو مكان احتجازه, وعائلته يعانون أقسى المعاناة لأنها لا تعرف مصيره, ويتساءلون هل سيفرج عنهُ في ظل الظروف والملابسات الغامضة؟ كانت عائلته تتطلع إلى عودته ورؤيته سالماً, لكن قلقهم كان يكبر خصوصاً زوجته واطفاله.

 

     اختفى المحامي يعقوب عبد العزيز في دوائر الأمن ودهاليز السجون السرية بعد دفاعه عن مجموعة من ابناء جلدته كونه محامياً قديراً, كان على رأس دوائر الأمن, أزلام ذلك النظام المرعب المدعو ناظم كزار المعروف بساديته في التعذيب واخفاء جثثهم في أحواض التيزاب, وجراء ذلك اختفى الكثير من المعارضين للنظام في هذه الأحواض, كان ازلام السلطة واجهزتها الأمنية والمخابراتية التنفيذية يراهنون على النسيان, نسيان عائلة المغيّب يعقوب عبد العزيز تدريجياً, بل قد تصبح مجرد ذكرى, ولذلك نراهم يعمدون إلى التعتيم, لكن صدى الذاكرة لا يصدأ, إلا أن الفاعل والجاني يعتقد بعدم الاستدلال عليه في مقابرهم الجماعية خلف سجن أبي غريب أو قرية السكران, ولكن الاستدلال على رئيسهم ورئيس نظامهم المرعب وشيطانهم وراعي جرائمهم جرائم القتل والتغييب استدل عليه الأمريكان في حفرةٍ عفنة في تكريت, وأخرجوه كالجرذ الخائف المرعوب, ووضع أحدهم حذاءه العسكري على رأسه الكثيف الشعر, هذا الجبان الذي أرعب أبناء العراق, وجد مخذولاً خائفاً في حفرةٍ قذرةٍ, صاحب القلب الغليظ ومن مؤسسي دولة المنظمات السرية في العراق.

 

    كان ازلامه من يترصدون ضحاياهم ومراقبتهم ليتم معرفة تحركاتهم والتخطيط لعملية الاختفاء دون ترك أي دليل يثبت إن الاختفاء كان على يد الأجهزة الأمنية العراقية.

 

    المحامي يعقوب عبد العزيز كانَ شاهداً على التاريخ, تاريخ الاعدامات والعذاب والضحايا وقرابين ابناء الديانة اليهودية المسالمة التي رفضها وابادها التيار القومي العروبي البعثي, بسبب وطنيتها والتصاقها  بأرض الرافدين.

 

      يعقوب عبد العزيز لم يكن متآمراً, ولا حاملاً للسلاح, ولم يكن صاحب عملٍ سري في منظمة سرية, بل اختفى في وضح النهار على أيدي جلاوزة النظام واجهزته الأمنية, كما لم يكن متستراً بسواد الليل, فلماذا غيب من قبل اسياد البعث, فهو أحد ضحايا البعث ولا نعلم هل تمت تصفيته وفي أي اسيد أذيب جسده, كما ذوبوا جسد أحد معارضي النظام من التيار اليساري, وأنا أتساءل هل قتل عبد العزيز كونهُ وطنياً ومحباً لشعبه وابناء بلده وطائفته, أم قتل لأنه يدافع عن حقوق الضعفاء, أم قتل بسبب انتمائه لأرض الرافدين من قبل أزلام دولة المنظمات السرية, أم قتل بسبب مزاحمتهم على كرسي السلطة؟ لم يكن يعقوب عبد العزيز يزاحمهم على كرسي الحكم.

 

     أبكيك يا أبن بلدي في هذا الوطن المخيف, أبكيك لإنسانيتك واخلاصك, أبكيك كونك إنساناً مثقفاً عزَّ علينا نظيره ونحن نعيش اليوم بين عراقيين يتباهون بالسلطة والوجاهة وحب الظهور, لكن التاريخ لم ولن يسجل عن هؤلاء الحكام وأولئك أي شيئاً, بل سيسجل لعبد العزيز وأمثاله الكثير.

 

     إن اختفاء المحامي يعقوب عبد العزيز يبقى وصمة عارٍ في جبين البعث وسلطته وزبانيته, فقد غيبت السلطة قانونياً لامعاً ومواطناً أبياً قاوم الظلم والطغيان, كما غيبت السلطة الكلمة الملتزمة والمواطنة الشريفة, رحل عبد العزيز يعتصرهُ الألم لضياع وطنه, واختفى إلى الأبد تاركاً الأقاويل عنه وعن مصيره الغامض إلى الأبد, كم كان مفرحاً عائلته وأصدقاءه والجميع حين يجدونه وهو عائد إليهم من بغداد.

 

     إنها حكاية احاول أن أنهي بها ورقتي هذه التي أراها شهادة وفاء لحامل ميزان العدالة المبكرة, إذ كان في وسط دور العدل معروفاً, ولكن الأضواء لم تسلط عليه عند غيابه خوفاً من ازلام النظام وعيون الأمن, فضلاً عن أنه كان يملأ الدنيا مواقفاً شجاعة مشهوده له في الدفاع عن الحق, وإذا النظام استطاع أن يغيّب جسده فهو لم يستطع أن يمحو ذكراه التي تعيش في الحنايا والضلوع.

 

     إن سلطة غاشمة تعمل على طمس رجل العدالة لم تتمكن من ذلك, لأن الأيام هي الدليل على سطوع اسم يعقوب عبد العزيز , فارتفاع اسمه على كل لسان, وفي كل ذاكرة خيرة, لكن ازلام السلطة بعد ثلاثة عقود من الحكم سقطوا في وحل الابتذال وشراء الذمم, ويعقوب عبد العزيز عاش لمبادئه وصدق موقفه, وهو حي بيننا بينما الأحياء الذين اماتوه هم الموتى حقاً.

 

     في يوم رحيلك أبى لندا دمعت العيون من قبل الأصدقاء, وبكتك القلوب, ومن تبكيه القلوب يظل حياً أبداً.

 

المصادر

 

1-   رسالة ابنتهً الصحفية لندا يعقوب عبد العزيز منوحين للكاتب نبيل الربيعي بتاريخ 30/5/2016.

 

2-   نبيل عبد الأمير الربيعي. معجم اعلام يهود العراق. الحلة. دار الفرات للطباعة والنشر والإعلام. ط1. 2016. ج2. ص32/33.

 

3-   لندا يعقوب عبد العزيز. مقال على موقع الحوار المتمدن بتاريخ  27/9/2012م.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.