اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حقائق حول الديانة الإيزيدية// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 نبيل عبد الأمير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب

حقائق حول الديانة الإيزيدية

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

الشعب الإيزيدي يستقر منذُ القِدم في مناطق كردستان العراق, مثل سنجار وشيخان وبعشيقة ودهوك وتلعفر وزاخوا, كما يتواجدون في سوريا وتركيا وإيران وفي بعض مناطق روسيا وعلى الحدود الروسية القفقاسية, ويتحدث الإيزيديون اللغة الكُردية, ولهم أبجديتهم القديمة الخاصة إلى جانب الأبجدية الكُردية, ويرتدون الزي الكُردي, وبعض الإيزيديين يرتدون الزي العربي المعروف مثل الكوفية والعقال والدشداشة أو الصاية (الزبون) والعباءة.

 

تعتبر الديانة الإيزيدية واحدة من تلك الديانات العريقة في القدم ذات النكهة الميسوبوتامية العراقية, مثلها مثل الديانة المانوية أو المندائية, إلى جانب حياة الجماعات الدينية الأخرى في المجتمع الكُردي, رغم التغيرات التي طرأت على حياة ومعيشة وتقاليد وعادات هذه الجماعات الدينية.

 

الرابطة العضوية القائمة بين الديانة الأيزيدية والمجتمع الإيزيدي الكُردي, بين الطقوس والتقاليد الدينية الإيزيدية وحياة وهموم ومشاكل وتطلّعات الإيزيدي اليومية, باتجاه تكثيف الجهود لنبش تأريخ هذه الديانة في العراق والمناطق المجاورة, وما عاناه ابناء هذه الديانة عبرّ الزمن من تنكيل وتقتيل وتهجير وإبادة جماعية على مر العصور.

 

لقد تعرضت مناطق الإيزيديين إلى الكثير من الحروب والكوارث والتدمير والحرق المتعمّد لتلك الآثار التي ربما كان في مقدورها أن تساعدنا كباحثين بشكل أدق وأقرب إلى الواقع حول أصل الديانة الأيزيدية وطقوسها الأولى, وتقاليد أهلها القدامى والتحولات التي طرأت على ديانتهم, وعليهم كأفراد وجماعات. ولكن نجد أن كثرة من الكتّاب المسلمين والمسيحيين والمستشرقين قد قاموا بتشويه حقيقة الديانة الإيزيدية وطقوسها.

 

من خلال الاطلاع على الديانات القديمة في بلاد الرافدين, وفي أعالي نهر الفرات, نجدها أكثر اعترافاً ببعضها, وأكثر تسامحاً فيما بينها, وأكثر قرباً, إلا أن ما تعرضت له الديانة الإيزيدية من تشويه لحقائق هذه الديانة, من خلال عدم كشفها عن أسرار الديانة الإيزيدية, وطقوسها ومدى تعارضها مع الأديان والطقوس الأخرى, بسبب الخشية من القمع والإرهاب الديني من قبل شيوخ الدين لبعض الجماعات الدينية, وحكام الدول التي حكمت المنطقة.

 

لكن استمرار وجود الديانة الإيزيدية لآلاف السنين وبكل ما تعرضت له من قهر ومصائب واضطهاد وإرهاب, لو كانت قد تعرضت له بقية الأديان لماتت واندثرت, لكن قناعة الإيزيدي بكونه مخلوقاً يختلف عن المخلوفات البشرية الأخرى من جهة, وكونه شعب الله المختار, أو الأمة المصطفاة, قد ساعدهم على الصمود في مواجهة الكثير من الصعاب.

 

ذكر الدكتور رشيد الخيون مشيراً لمعتقد الإيزيديين قائلاً: "يعتقد الإيزيديون – كغيرهم من أهل الأديان الأخرى – أنهم شعب الله المختار, أو الأمة المصطفاة, ولكنّ, بطريقة أخرى وفريدة من نوعها, وذلك باعتقادهم أنهم وُلدوا من آدم فقط دون حواء, فبعد الجدل بين الزوجين بأيّهما يلتحق النسل, قررا الاستمناء في جرّتين منفردتين, وبعد تسعة أشهر, تمخّضت جرة آدم عن (شيت وحورية), ومنهما تناسلت الأمة الإيزيدية, أما جرّة حواء: فتمخضت عن ديدان فقط, وهذا خلاف ما اعتقد الصابئة المندائيون في تقديم المرأة على الرجل, فطهارتها من طهرة النور الذي منه خُلقت".

 

وقد حافظت الديانة الإيزيدية بشكل عام على مجموعة الأسس والقواعد المركزية للديانة بدلالة ما فعله الشيخ أدي بن مسافر من تجديد في بعض الجوانب, وتراجع في جوانب أخرى. فالدراسات الخاصة بالديانات والطقوس والاحتفالات والأعياد القديمة, والأساطير والملاحم والتراتيل والصلوات والتعاويذ والأحجيات, وبالأمثال والأقوال والرقى والتعاليم الدينية وأسماء الآلهة, وخاصة الديانات السومرية, تشير إلى وجود مثل هذه الصلة مع الديانة الإيزيدية في بعض طقوسها واحتفالاتها, وبعض أعيادها الإيزيدية, أو بعض مقاطع من تعاويذها وأعيادها.

 

تعتبر الديانة الإيزيدية من الديانات القديمة في العهود السومرية والأكدية والبابلية والآشورية والكلدانية, ويؤكد الدكتور خليل جندي أن كلمة إيزيدي "هي تعني الروح الخيّرة, وغير المتلّوثين, والذين يمشون على الطريق الصحيح, فإن تاريخ إيزيدية يرجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد, وهم من بقايا أقدم ديانة كُردية, من منطقة الحضارات العظمى في الشرق, أي المعتقدات السومرية- البابلية القديمة", ويشير الجندي إلى ثلاثة من أكبر آلهة الإيزيدية, بل الأركان الأساسية في هذا الدين, جاء ذكرهم في تاريخ تلك الحضارات القديمة.

 

الأول: هو (الشيخ شمس) إله الشمس, ويكتب بالسومرية (دنكر أوتو) ويًدعى باللغة البابلية (شماس).

والثاني هو (الشيخ سن) إله القمر, وهو إله ميسوبوتامي يسمى (نانا) بالسومري, و(سين) بالبابلي, وهو إله الخصوبة عند النساء.

والثالث: هو (الشيخ آدي) إله المطر والخير والبركة, ويُكتب (إيم) باللغة السومرية, ويُلفظ بصورة مختلفة في الشرق الأوسط مث (آدد, آدي, اودنوخ, حدد, حداد).

وكون الآشوريين كانت لهم محبة خاصة لـ(الشيخ آدي), فإنهم لم يصوّروه في نقوشهم الحجرية, وحسب, بل ورد عنه الكثير في كتاباتهم أيضاً. ولهذا بالذات تواجد معبده في قلب آشور في لالش".

وطاؤوس ملك الإله الواحد ذو الثنائية في الواحد, وهو الرمز الأعلى المقدّس لدى الإيزيديين أينما وجدوا, كما أن الإيزيديين بأول يوم الأربعاء من شهر نيسان من كل عام على وفق التقويم الشرقي, باعتباره عيد رأس السنة الإيزيدية, وهو اليوم المقدس مثلما الحال عند البابليين, ويُحرم الإيزيديين على أنفسهم الزواج والنكاح في يوم الأربعاء, كما هو الحال عند البابليين, باعتباره يوم زواج الأنبياء والأولياء عند الإيزيديين حالياً, وربما عند آلهتهم القديمة أيضاً.

 

وفق الميثولوجيا الإيزيدية حول قصة الطوفان, أن عين سفني الواقعة في الشيخان, حيث يقع معبد آدي بن مسافر في وادي لالش المقدّس عند الإيزيديين, والقريب من باعذرة في قضاء الشيخان التابع لمحافظة نينوى حالياً, هو نفس المكان الذي صُنعت فيه السفينة لمواجهة الطوفان, كما أنها ذات البقعة اليابسة التي ظهرت في أعقاب الطوفان, أو بعد انحسار الماء. ولا يبعد هذا المكان المقدس كثيراً عن موقع مدينة نمرود حيث أقيم فيها معبد الإله نابو, وأطلق على معبد نابو اسم (إيزيدي) أي (عباد الله).

 

كما تقترن الجماعات الإيزيدية مع الجماعات البابلية برمز القمر عند الإيزيديين بالشيخ سن, أو الشيخ حسن, كما يلتقي الإيزيديين بالبابليين في جانب الحفاظ وصيانة أسرار الديانة وطقوسها السرية التي يمارسها الإيزيديين من الشيوخ والبيرة والقوالون, والتي لا يجوز البوح بها لغير المعنيين بها مباشرة.

 

أن الموطن الأساسي للديانة الإيزيدية قد بدأ بمدينة يزد القريبة من منطقة خراسان في شرق إيران والقريبة من الحدود الأفغانية, علماً أن الإيزيدية تعتبر أكثر قدماً من الديانة الزرادشتية التي اعتنقها بعض الجماعات الكُردية أو الميثرائية, والعديد من المصادر تؤكد إلى أن الموطن الأصلي للإيزيدية هو منطقة كُردستان.

كما كتب الدكتور سامي سعيد الأحمد يقول :"بأن الإيزيدية في الواقع ما هي إلاّ استمرار للدين الميثروي الذي سادت عبادته في مدينة الحضر, وأن أهريمان كقوة شريرة قد نُظر إليه بقدسية تامة في المثروية أيضاً".

 

أما حول أصل الشيخ آدي بن مسافر الهكاري "فقد جمع الباحثون وخاصة الكورد والمستشرقون منهم على أن الشيخ آدي كان اوردياً في الأصل, وكان أجداده من جبال الهكاري (جبال داسن), وهذا ما يؤكده لنا أنور المائي حين يشير إلى أن الشيخ آدي وأخاه قد اضطُرا إلى ترك ومغادرة جبال الهكارية, واللجوء إلى الشام, ذلك لأن الخلافة العباسية كانت قد ضيّقت الخناق على إيزيديي جبال هكاري". وتشير الدراسات التي أُنجزت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى أنهم تعرّفوا على كُتُب من قِبل الشيخ أدي بن مسافر, ولكنها كانت قد زُرّت وسُجّلت باسم أحمد بن الرفاعي, إلاّ أن مواقع غير قليلة لم تشطب الاسم تماماً, أو نسي تبديله, يدلّل على أنه للشيخ أدي بن مسافر وليس لأحمد بن الرفاعي, وفي عام 1911م أعاد الدكتور رودولف فرانك نشر قصيدة وُجدت في الكتاب الذي وُضع اسم أحمد بن الرفاعي عليه وكما يرى الدكتور فرانك أنه يُعدّ من كتابات أدي بن مسافر.

 

لقد اتّهموا ابناء الديانة الإيزيدية بكونهم عَبَدَة إبليس, وهذا الملك لا يرتبط عند الإيزيدية بتلك السمات السلبية التي يحاول المسلمون أن ينعتوها به, أو يُضفونها عليه, باعتباره رفض السجود لله, في وقت كان الإله قد طلب من ملائكته عدم السجود إلاّ له. ولم يرد في كتاب نهج البلاغة لأمام علي أو في كتاب شرح البلاغة لأبن أبي الحديد المعتزلي ما يشير إلى وجود علاقة بين الإيزيديين وهذه المسألة, أو ما يظهر ما يوحي بعبادة الإيزيديين للشيطان.

 

وبعد ظهور الديانة الإسلامية وتوسعها بسبب الفتوحات حتى وصلت مناطق كُردستان العراق, فقد تعايش المسلمون والإيزيديين عبرَ القرون المنصرمة من العيش المشترك ونجد التقارب في جميع الأديان في المنطقة تقريباً, ولكن بسبب الضغط والخوف والاضطهاد من قبل ولاة المسلمين في المنطقة تبنى الإيزيدية بعض الطقوس الدينية الإسلامية ومنها يوم الجمعة باعتباره يوماً مقدساً لديهم.

 

ولكن في حقبة الاحتلال العثماني لمناطق تواجد الإيزيديين في كردستان العراق أجبروا على تأدية بعض الطقوس والتقاليد ومحاولات إعادة تشويه سمعة الإيزيديين والإساءة إلى ديانتهم وأتباعها, وتأجيج الغضب والحقد ضدهم باعتبارهم من أولئك الكفرة المرتدين الذين خرجوا عن الدين الإسلامي, أو باعتبارهم من أتباع يزيد بن معاوية الذي كان مسؤولاً عن المجزرة التي نُظمت لعائلة الحسين وصحبه, والتي أدت إلى استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب والكثير من أفراد عائلته وصحبه في كربلائ, وسبي النساء والأطفال, وبالتالي تحميل الإيزيديين مسؤولية تلك المجزرة, وكانت الفتاوى الدينية العثمانية الخاصة بتكفير الإيزيديين مستندة إلى الحجج الواهية والمخالفة للواقع, والمبنية على تمييز ديني متعصب اشتهر به الحكام العثمانيون على نحو حاص.

 

يؤكد الدكتور كاظم حبيب قائلاً :"وأميل في تقديري – القائم على مطالعاتي في هذا الصدد – إلى أن الديانة الإيزيدية تحمل في بنيتها بذرات وطقوس وتقاليد سومرية وبابلية, كما إنها – فيما بعد – على وفاق مع الشعوب الإيرانية في ديانتها, من حيث اعتماد مبدأ الثنائية (الاثنين) في الواحد, مبدأ تجسيد النور والظلام, الخير والشر في إله واحد, وجرى تحوّل متميّز وتدريجي في ديانة الفرس القدامى باتجاه الفصل الكامل بين إله الخير والنور (Ahura Mazda), وإله الشر والظلام (Ahriman), أن الفرس – من الناحية العملية – طوروا أو أقاموا ديانة جديدة, هي الديانة الزرادشتية التي لم تتخلّ عن بعض أصولها القديمة. في حين حافظت بعض القبائل الفارسية – إضافة إلى قسم من الكُرد – على المبدأ الأساسي السابق, مبدأ الثنائية في الواحد. وهذا المبدأ يفترض عبادة الإله الواح الذي يمثل الخير والشر, النور والظلام في أن واحد, بغضّ النظر عن التغيرات الأخرى التي لحقت بهذه الديانة, أو بالديانة الزرادشتية, التي رفضت الثنائية في الواحد, وفصلت بينهما في ثنائية مستقلة, ووضع زرادشت تعاليمه في (آفستا) التي تعتمد تقديم (القرابين وطقوس الطهرة وتقوية النار المقدسة, وما شابهها)".

 

تعرضت الديانة الإيزيدية عبرّ مئات من السنين إلى مجموعة من العوامل المؤثرة, فطرأ على ديانتهم بعض التغيّر والتطور الذي صاحبها بشكل محدوداً جداً, ومنها تأثير التقاليد والطقوس لديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية ذات الأساس التوحيدي المشترك.

كما تعرض الإيزيديون إلى الاضطهاد الديني من قبل قادة وأتباع الأديان الأخرى على امتداد العصور المنصرمة, من تعذيب ونهب وسلب واغتصاب وعبودية وبيع المختطفين بسوق النخاسة, والسعي لتحويل الإيزيديين عن دينهم, ونشر الحقائق والمعلومات غير الحقيقية عن أصل الديانة الإيزيدية. حدث كل ذلك بسبب التستر والاحتفاظ بالأسرار والأصول الدينية من قبل شيوخ الدين الإيزيديين لأن الديانة الإيزيدية غير تبشيرية فتتستر على ديانتهم وعقائدهم.

 

ومع مطلع القرن الحادي والعشرين تعرض الإيزيديون إلى الاضطهاد والقتل على يد تنظيم داعش الإسلامي, فقاموا بخطف وأسر النساء والأطفال وقتل والرجال والشيوخ, وتم تربية الأطفال على دين إسلامي دون أن يكونوا يعرفون ذلك, وبيعت النساء في سوق النخاسة داخل العراق وفي سوريا على اعضاء التنظيم.

 

المصادر

د. جورج حبيب. اليزيدية بقايا ديانة قديمة. بغداد 1977. (د.ن). ص19

د. سامي سعيد الأحمد. اليزيديون. أحوالهم ومعتقداتهم. في جزءين. مطبعة الجامعة. بغداد 1971. ط1. ص19.

د. عدنان زيدان فرحان. تاريخ الإمارة الكوردية الإيزيدية. موقع بحزاني الإلكتروني. 2010م.

Frank, Rudolf Dr. Scheich(Adis) der grosse Heilige der Jezidis. Mayer & Mueller. Berlin. 1911. S . 10-43.

د. كاظم حبيب. الإيزيدية ديانة عراقية. مصدر سابق. ص58.

أ سيرغي توكاريف. الأديان في تاريخ شعوب العالم. دار الأهالي. دمشق. 1998. ط1. ص362.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.