كـتـاب ألموقع

• شعبنا وجزاء سنمار

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

زكي رضا

 شعبنا وجزاء سنمار

 

جزاء سنمار ، مثل عربي قديم يضرب لمقابلة الاحسان بالاساءة ، ومقابلة الخير بالشر . وسنمار كما جاء في كتب التراث ، بنّاء  رومي بنى للنعمان بن المنذر ، قصره المنيف في الحيرة والتي اسماه الخورنق ، وما ان انهى بناء القصر حتى بدأ يشرح للنعمان خفايا البناء الذي كان حينها آية من آيات العمارة ، واثناء تجواله والملك في القصر قال سنمار : اني اعرف موضع آجرة – يعني حجرة او طوبة – لو زالت انقض القصر من اساسه ! فقال له : ايعرفها احد غيرك ؟ قال : لا : قال : لأدعنها وما يعرفها احد فأمر به فقذف به من اعلى القصر فقضى .

 

يقول كارل ماركس ان التاريخ يعيد نفسه ، مرة على شكل مأساة ، ومرة على شكل مهزلة . ويبدو ان تاريخ ابناء الرافدين وعلاقتهم مع حكامهم على مر العصور ، دليل صادق على مقولة هذا الفيلسوف الالماني . ولم يشذ ساسة العراق اليوم وشعبنا عن هذا التطبيق الحقيقي لهذه المقولة ، بل جسّدوها بأدق ما يكون منذ نيسان 2003 ولليوم . عندما بدأوا ( الحكام ) ببناء قصورهم في المنطقة الخضراء ، عن طريق البنائين العراقين .

 

الذين ذهبوا الى صناديق الاقتراع ، مرتين ليومنا هذا ، ليبنوا لهؤلاء الحكام مجدهم الذي هم فيه الان . وبدلا من مكافأة  (النعمانيون) لهؤلاء البنائين ، الذين بنوا لهم آلاف القصور داخل وخارج الوطن ، نراهم يذيقونهم عذابا ومذلة واهانة  ، ورموا بالالاف منهم من شاهق كما فعل النعمان قبلهم . الا ان شاهقهم ليس كشاهق النعمان ، انما هو حرب طائفية تركت عشرات الالاف من الارامل ، ومئات الالاف من الايتام ، شاهقهم عبارة عن سيارات مفخخة تحصد ارواح الابرياء في الساحات والشوارع  والمدارس والمعامل ، شاهقهم هو مسدس كاتم للصوت قتل المئات من المبدعين من امثال سنمار ، شاهقهم جعل العراق ساحة مفتوحة امام أبالسة دول الجوار ليعيثوا عن طريق اجهزة استخباراتهم ومليشياتهم في ارض المقدسات قتلا وتشريدا ، شاهقهم هو سرقة المال العام بكل الطرق الممكنة ، شاهقهم هو المستوى التعليمي والعلمي الضحل والذي وصل الى مستويات مرعبة ومخيفة في بلد ظهرت فيه اولى الكلمات والقوانين والشرائع  ، شاهقهم هي المستشفيات التي يموت فيها المرضى حتى قبل الوصول اليها ، شاهقهم هو تسلسل العراق في احصائيات المنظمات الدولية للشفافية وهو يحتل فيها المراتب الاخيرة ، شاهقهم هو طمر الثقافة العراقية بكل تجلياتها في اوحال الجهل والتخلف الذي جاءوا به ( لا ادري ان كانوا كما غوبلز يتحسسون اماكن مسدساتهم كلما سمعوا بكلمة ثقافة ، ام تحول المسدس الى مدفع ) من عمق تاريخ لم ينقل لنا الا رائحة الموت تحت سنابك خيول همجية ،جاءت من عمق الصحراء لتنشر ثقافة البداوة البشعة ، والتي يقف ساسة اليوم امام مضارب عشائرها  بكل خنوع مستلهمين منها ثقافة الثأر وامتهان كرامة الانسان ، ثقافة تطلب من شعبنا ان  يتخندق للحفاظ على الدين ، ولكن اي دين هذا الذي يريدون منا الدفاع عنه ، هل هو الدين الاسلامي !؟ ام دينهم انفسهم ، دين الفرقة والمال السحت ، دين بيع الوطن والاتجار بتاريخه ، دين سرقة مال الايتام والارامل ، دين معاداة العلم الذي طلب محمد من المسلمين طلبه ولو كان في الصين ، دين تزوير الشهادات الدراسية وقد قال محمد " من غشنا ليس منا " اي دين بحق السماء تعنون الدين السني ، ام الدين الشيعي !؟  

 

نعم ، لقد كثرت الشواهق التي يُرمى من فوق سطوحها العراقيين اليوم  ، ولكن اكثر الشواهق خطورة ، هو الشاهق الذي سيرمى من فوق سطحه العراق كبلد ! فها هو العراق يخطو خطواته الاكثر حراجة طيلة تاريخه . يخطوها وهو مكبل بفرقة ابناءه ونهب ثرواته ، وسرقة تاريخه وجوع ابناءه وتخلفهم عن الحضارة والمدنية ، وفساد سياسييه وجرائمهم . هؤلاء السياسيين الصبيان الذي بدلا من ان يقابلوا احسان شعبنا لهم بانتخابهم مرتين ، نراهم لم يكتفوا بتركهم امام عاديات الزمان لسنوات تسع خلن ولليوم ، بل وصل بهم الامر بخلافاتهم الحمقاء  التي رأينا بداياتها دون ان نرى نهايتها لليوم ، يريدون قتل العراق بتقسيمه الى دويلات طائفية – قومية ، بحجة الخلاف السني – الشيعي ، وكأننا كنا طرفا في سقيفة بني ساعدة قبل ما يقارب الاربعة عشر قرنا ، او نحن الذين قتلنا الامام الحسين بقطع ماء الفرات عنه – المفارقة ان ماء الفرات سيجف بعد حين وتموت الارض ليموت بعدها الانسان – او نحن الذين نشتم صحابة محمد وزوجته ام المؤمنين ! ، ايها السادة صدقوني نحن لسنا جزءا من تاريخكم هذا ، نحن شعب يريد ان يعيش بسلام كما الشعوب الاخرى ، شعب يريد ان يلحق بركب الحضارة والمدنية ، دون النظر الى تاريخكم المليء بالظلم والموت والدسائس ، تاريخكم المليء بالجهل والتخلف والانحطاط .

 

مفارقة : كان للعراقيين ايام المنذر بن النعمان يومين في العام احدهما يسمى يوم السعد ، والاخر يسمى يوم الشقاء . وفي عهد ساسة المحاصصة اليوم اصبح لديهم 365 وست ساعات من ايام الشقاء !

 

زكي رضا

الدنمارك

19 / 1 / 2012