اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

التاسع من نيسان.. فشل مدوّي للبعث وورثته ومعارضيه// زكي رضا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

التاسع من نيسان.. فشل مدوّي للبعث وورثته ومعارضيه

زكي رضا

الدنمارك

10/4/2017

 

التاسع من نيسان 2003 ليس تأريخا كبقية التواريخ التي مرّت بالعراق، فهو ليس إحتلال كما إحتلاله قبلها ولا كالذي مرّت به بلدان غيره. فالتاسع من نيسان ذلك العام كان أيذانا ببدء مرحلة أنهيار شعب ودولة، وبداية غيبوبة الوعي عند شعب مزّقته الولاءات الطائفية والقومية التي ستؤدي الى تمزيق وطنه لا محالة إن لم يستعِد ذاكرته وهويته الوطنية. واليوم ونحن على أعتاب العام الرابع عشر للتيه العراقي علينا أن نعود الى ذلك التاريخ لننطلق منه في أن نضع الأوراق كلها على طاولة البحث، دون أن نسمح لعواطفنا أن تتغلب على الحقائق التي حصلت قبل ذلك التأريخ المشؤوم ولا تلك التي حصلت بعده. علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع التأريخ الذي سيسجل يوما مواقف الجميع ويضعها في كفّة ميزانه، ليحمّل كل سيئات هذه المرحلة ولا أقول إيجابياتها، كون الإيجابية الوحيدة التي حدثت لم تكن سوى "إنهيار" البعث الرسمي وليس الشعبي. لأن البعث بعد أن عاد الى حواضنه "الطائفية" أصبح أكثر خطرا على العراق الجديد، كونه أصبح جزء ممّا يسمى بالعملية السياسية وله نوابه بالبرلمان "العراقي" ووزراء وقادة عسكريين وأمنيين في الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية من جهة، ومساهما كبيرا في تنظيم العمليات الأرهابية من جهة ثانية، وجهة فاعلة مع غيره ممّن هم بالسلطة في أندلاع حرب طائفية لازالت مستمرة بشكل أو بآخر.

 

أرى ونحن نتناول هذا التأريخ بكل تناقضاته ونتائجه الكارثية لليوم، أن نحدد القوى التي لعبت دورا في كل ما جرى ويجري وسيجري. ومن خلال تحديدنا لهذه القوى علينا أن نقوم ووفق أدوارها وحجم هذه الأدوار في تحديد مسؤولياتها عن الدمار الحاصل اليوم، فمن هي هذه القوى؟ عدا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، والدول الأقليمية وفي مقدمتها إيران والسعودية وتركيا وحلفائهما، علينا أن نحدد القوى السياسية العراقية أيضا، وهي البعث وورثته "غالبية الأحزاب والتنظيمات التي تدّعي تمثيلها لسنّة العراق". والقوى التي كانت تعارضه لعقود وهذه نستطيع تقسيمها الى ثلاثة أقسام هي أولا، الأحزاب الشيعية التقليدية كحزب الدعوة أو تلك التي تأسست في إيران وقوى وتنظيمات شيعية تأسست بعد الأحتلال وفي مقدمتها التيار الصدري وكذلك المرجعية الدينية بالنجف. والثانية هي أحزاب الحركة الكوردية بجميع فصائلها، والثالثة هي الأحزاب الوطنية والديموقراطية والتي يقف الحزب الشيوعي العراقي في مقدمتها. أمّا بعض التنظيمات التي لعبت دورا في معارضة النظام وساهمت لعلاقاتها مع الأدارة الأمريكية في أحتلال البلد كالمؤتمر الوطني العراقي، فأننا نستطيع أن نضعها بيسر في خانة الأحزاب الشيعية بعد أن ساهم مؤسسها "الراحل أحمد الجلبي" في تأسيس البيت الشيعي الموالي لأيران أثر تعرّض حظوظه كسياسي ليبرالي الى الخطر نتيجة المدّ الديني.

 

بعد أن فشل البعث في تطبيق سياساته الكارثية التي بدأها بعد إنقلاب الثامن من شباط نتيجة إنقلاب عارف الأول عليه في تشرين الثاني 1963 ، عاد هذا الحزب الى السلطة من جديد في تموز 1968 بنهج "جديد" محاولا إستمالة قطبي المعارضة العراقية حينها أي الحزب الشيوعي والحركة الكوردية. وأستطاع البعث في الحادي عشر من آذار 1970 من توقيع أتفاقية مع القيادة الكوردية أنهت النزاع المسلح بين الطرفين وفق بنود كان أهمها عائدية كركوك الى إقليم الحكم الذاتي بعد فترة أنتقالية. كما قام البعث ولغرض مد الجسور مع الشيوعيين الذين كانت لهم تجربة مرّة معه سنة 1963 الى أصدار الميثاق الوطني في العام 1971 وبعد سنتين من الحوار، تم إعلان "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية". ومثلما تنكّر البعث لأتفاقية آذار سنة 1974 ما أدخل البلاد في صراع مسلح جديد، فأنه تنكر لأهم شروط الجبهة وهي أنهاء الفترة الأنتقالية والبدء بوضع دستور دائم للبلاد تلك التي طالب الشيوعيين بها في آذار 1978. وقد أدّى موقف الشيوعيين هذا الى أنهيار الجبهة الوطنية وبدء حملة شرسة ضدهم ما أدى الى أعدام الآلاف منهم، ولا يفوتنا هنا حملات الأعدامات الجماعية بحق أعضاء الحركة الأسلامية وغالبيتهم من حزب الدعوة حينها خصوصا بعد نجاح الثورة الأيرانية.

 

لقد ساهمت أتفاقية آذار والجبهة الوطنية في أرساء دعائم الأمن بالبلاد، ما سمح مع تزايد مداخيل العراق النفطية نتيجة زيادة أسعاره الى تقدم البلاد على مختلف الصعد. فتطورت نتيجة لبعض السياسات الأيجابية والعلمية للسلطة، الزراعة والصناعات الخفيفة والبتروكيمياويات والأسمنت والأسمدة والأدوية، علاوة على الصناعات "الثقيلة" التي كان عمادها مصانع التجميع التي أنتجت الجرارات الزراعية وبعض أنواع الشاحنات والباصات. ووصل دخل المواطن العراقي حينها الى ما يقارب دخل شعوب البلدان النفطية الأخرى كبلدان الخليج، مع فارق تقدم العراق عليها وعلى العديد من البلدان النامية حينها في المجالات الثقافية والأدبية والفنية والرياضية، وكانت قطّاعات مثل التعليم والصحّة في البلد في تقدم مضطرد إذ كانت الجامعات والمعاهد والمستشفيات العراقية في درجات متقدمة جدا مقارنة مع بلدان الجوار والكثير من البلدان الآسيوية والأفريقية . ولم تسجّل بالبلاد وقتها حالات فساد كبيرة كما وكانت الرشوة شبه معدومة في دوائر الدولة. الّا أن هذه الأنجازات توقفت وبدأت بالتراجع فالأنهيار نتيجة رعونة النظام السياسي، فالبعث وبدلا من تطوير أتفاقية آذار نراه يبدأ القتال من جديد ضد الكورد المدعومين حينها من أيران الشاه والولايات المتحدة الأمريكية. والذين أوقفوا دعمهم للحركة الكوردية بعد أتفاقية الجزائر التي تنازل بها البعث عن أراض ومياه أقليمية عراقية لصالح أيران. وقد توّج البعث خيانته بحق الوطن والشعب في حربه ضد إيران التي خرج منها منهكا إقتصاديا ولأن الحرب تلد أخرى خصوصا مع تسريح مئات آلاف الجنود وتوقف الأقتصاد عن النمو نتيجة الديون الكبيرة التي أثقلت بها البلاد، ومع أنخفاض "متعمد من بلدان الخليج" في أسعار النفط. فأن النظام البعثي غامر بشعبنا ووطننا بأحتلاله للكويت. هذا الأحتلال الذي أنتهى بكارثة الحصار الذي أذّل شعبنا ووطننا وكان بداية لهزيمة كبيرة أدّت بالنهاية الى أحتلال بلدنا في التاسع من نيسان 2003 ، من خلال حرب خاطفة حوّلت فيها التكنولوجيا العسكرية المتقدمة بلدنا الى حطام.

 

أنّ القسوة البالغة للنظام البعثي في قمعها لأنتفاضة شعبنا الآذارية والتي أدت الى قتل عشرات الآلاف وتهجير مئات الآلاف من الشيعة والكورد، ومع صمت المحافظات "السنية" التي أعتبرت بيضاء أدّت الى شرخ في النسيج الأجتماعي العراقي والذي ستظهر آثاره لاحقا. وكان مؤتمر لندن بداية لنظام طائفي قومي "جاء بعد الأحتلال" لترسيخ ذلك الشرخ بعد أن أتّفق الموقعون على بيانه الختامي على جملة من التوصيات كان أكثرها ضررا وهذا ما أثبتته سنوات ما بعد الأحتلال هو، إشراك المكونات القومية والدينية والطائفية في السلطة دون الألتفات الى برامجها السياسية، ما سمح للبعث أن يعود الى الواجهة السياسية من خلال المكوّن "السني" علاوة على دوره التخريبي ورعايته للأرهاب.

 

أنتهى زواج المتعة الشيعي الكوردي خلال السنوات الأولى التي أعقبت الأحتلال، وقد أصبحت العديد من التوصيات والقرارات التي خرجوا بها من مؤتمر لندن حبرا على ورق عدا تلك التي تؤمن مصالحهم. فتصفية السياسات الطائفية للنظام البعثي مثلا كرّستها الأحزاب الشيعية بشكل أكثر بشاعة من البعث نفسه ، فالقانون الجعفري مثلا هو ملزم للشيعة فقط وهذا يعني فتح المجال للسنة لتشريع قانونهم الخاص بهم وكذلك بقية الأديان والطوائف، وهذا بحد ذاته هو تكريس للطائفية بأبشع صورها والعتبة الأساسية لتمزيق المجتمع على أساس الهويات الفرعية وعلى حساب الهوية الوطنية. كما أننا لم نرى البعث يوما ولا أية سلطة منذ تأسيس الدولة العراقية حتى التاسع من نيسان تحول مؤسسات الدولة الى منابر دينية تثير الأحقاد بين الطوائف العراقية كما سلطة اليوم، حتّى وصل الأمر بتحويل الطائرات المدنية العراقية الى أقطاعيات طائفية!!!!

 

ومن خلال تناولهم الأوضاع الأقتصادية وتصفية آثار حربين مدمرتين عن طريق تحميلهم النظام البعثي "المنهار" مسؤولية "التدهور الاقتصادي والمعاشي والأمني والاجتماعي الذي يعيشه العراق بتدمير وتهجير الملايين من أبنائه من مناطق سكناهم إلى الخارج ويحيي الدول الشقيقة والصديقة على استضافتهم وتقديم الملاجئ والتسهيلات لهم". فأننا نرى هذه الأحزاب لم تكتفي بتعميق التدهور الأقتصادي والمعاشي والأمني والأقتصادي فقط ، ولا إزدياد عدد المهجّرين والمهاجرين منه عهدهم الذي فاق أعداد أقرانهم عهد البعث المجرم، بل شمل تدهورها شكل الحياة بالبلد فتصّحرت بسبب سياساتهم اللصوصية وفسادهم ، الأخلاق والروح الوطنية، والتي بغيابهما يبقى التغيير والتخلص من أوضاع البلد الشاذّة حلما يصعب تحقيقه.

 

أن التاسع من نيسان 2003 هو أكبر من إحتلال وأكبر من كارثة حلّت بالعراق وشعبه، فالولايات المتحدة "أزالت" البعث من السلطة لتأتي لنا بأكثر من بعث. فالعراق كبلد اليوم ونتيجة سياسة قوى المحاصصة أشبه بمريض ميّت سريريا وينتظر فصل أجهزة العناية عنه ليدفن، لكن بعد أن يتمزق جسده بحراب أبناءه.

 

أنّ الدمار الذي يعاني منه البلد لا حدود جغرافية له داخل الوطن، فالفساد مثلا ليس شيعيا فقط ولا سنيّا فقط بل هو كوردي أيضا، وأمراض المركز هي نفسها أمراض كوردستان مع فارق وحيد مهم وهو أستتباب الأمن فيها ليس الّا. فالمحاصصة هناك هي وسيلة للحكم كما المركز وقمع الصحفيين هو كما القمع بالمركز، والبطالة وعدم دفع رواتب الموظفين والعمال هو كما المركز، وإثراء القيادات السياسية هو إثراء كما ساسة المركز.

 

لو توخينا الدقّة في قراءة المشهد العراقي البائس فأن البعث الذي أوصل بلدنا الى حافّة الهاوية ليس الوحيد في طريق دمار وطننا وشعبنا، فالقوى السياسية العراقية سواء تلك التي في السلطة أو تلك التي في "المعارضة" هي شريكة البعث في هذا الدمار. ففترة أربعة عشر عاما مع مداخيل نفطية تجاوزت ما دخل ميزانية العراق منذ تأسيسه لليوم كانت كافية لبناء وطن غير وطننا اليوم، ومجتمع غير مجتمعنا اليوم. أنّ "العملية السياسية" التي أركانها "شيعة – سنة – كورد" هي جريمة والبقاء فيها وعدم تغييرها هي مساهمة في هذه الجريمة.

 

هل حسابات حقل التاسع من نيسان 2003 هي نفس حسابات بيدره؟ .... سؤال مطروح لأصحاب المصلحة الحقيقية، أي أبناء شعبنا وممثليه الحقيقيين التوّاقين لغد أفضل لوطننا وأجيالنا القادمة.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.