اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الجذور التحتية للقاعدة وداعش// د. ناهدة محمد علي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الجذور التحتية للقاعدة وداعش

الدكتورة / ناهدة محمد علي

 

قد يتساءل البعض منا عن سبب معاناتنا لوجود الحركات الإرهابية والتي هي سلسلة متصلة كفوهات براكين ما أن تخمد إحداها حتى تشتعل الأخرى، والجواب هو حتماً لدى  الباحثين في مجالات الإقتصاد وعلم الإجتماع وعلوم الدين.

قد تتواجد لدى بعض الأمم حركات إرهابية دينية متطرفة أو عنصرية متطرفة كما حدث في أمريكا وبعض الدول الأوربية لكنها لا تجد الأجواء المناخية الملائمة للإرهاب وسرعان ما تخمد، وذلك لرفض الدولة والمجتمع لها وبسبب النمو الإقتصادي السريع والمتوازن والذي يحتوي الكثير من العاطلين وما عدا ذلك فالدولة تقدم المساندة والرعاية الإجتماعية، مع إرتفاع الوعي السياسي والمستوى التعليمي والثقافي ومنح الحرية الكافية للأديان وشعائرها وإحترام الرأي الآخر.

إن إنتشار الفساد الإقتصادي والإداري في الدول العربية، وتدني مستوى الفقر إلى حدود المجاعة في البعض منها رغم غناها بالموارد والمعادن قد أدى إلى إحتباس الغضب الشعبي لدى أفراد المجتمع خاصة الشباب منهم وإلى محاولتهم لإيجاد البديل ولا بديل بسبب إنتشار البطالة إلا باللجوء إلى موارد وطرق غير مشروعة ومنها الإنخراط بفصائل إلإرهاب.

لا تشكو البيئة العربية من قلة المصادر أو الخامات لكنها تُصدَر سريعاً كما هي وبدون أن تمر بجيوب أفراد المجتمع. يدعم هذا الخلل  المستوى التعليمي لأفراد المجتمع العربي ونوعية هذا التعليم، فقد إبتعد التعليم العام في الدول العربية عن الجودة النوعية في مضمون المواد الدراسية ومناهجها وأساليبها حتى يتخرج الشاب العربي وهو حافظ للكثير من المواد والكثير من النظريات التي أصبحت مجرد تأريخ لدى الشعوب المتحضرة. وبالتالي لا يقدم هذا الشاب لمجتمعه شيئاً ولا يؤخر ولا تؤثر فاعلية هؤلاء الشباب في الإقتصاد العربي، ولا تُطور المستوى التكنولوجي في الصناعة المحلية. وتنتشر هنا محدودية الفكر للمجتمع العربي بشكل عام ويظهر في الآفاق ضيق الأفق ويتحول الدين إلى مذاهب وشيع وشيوخ تقسم المذهب الواحد إلى مذاهب متفرعة وتتحول الفرق الدينة إلى أحزاب سياسية كل يبحث عن الحكم بمفرده جاعلاً من نفسه الأفضل والأصلح، وقد يشتشرس البعض منهم فيستحل دم الآخر وتكون النتيجة أن يفقد المجتمع قيمه ويصبح حتى غير المنتمين لهذه الأحزاب هم منتمين لمصاحهم ومع تكسر القيم يصبح كل شيء ممكن وكل شيء جائز، ويصبح الكسب مشروعاً حتى وإن كان غير مشروع، وتنتشر أنواع من التجارة لم يعرفها المجتمع العربي من قبل كتجارة العملة وتجارة السلاح والمخدرات وتجارة الأعضاء وأخيراً تجارة الجسد.

وعلى هذا لا يجب أن نفرح حينما تُهزم إحدى المنظمات الإرهابية لأن جذورها ستلد المزيد، وسيخرج من بين أفواج الشباب العاطلين في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن ولبنان الآلاف من الوحوش الإنسانية التي تعتقد بأنها ستعدل كفة الميزان المعوج وبطريقتهم أي بالتقويض لا البناء إذ أن البناء هو نتيجة حتمية وبوتقة ينصهر فيها العلم والمحبة والإيمان بالمستقبل والعطاء وهذا هو ما ليس في برنامج الإرهاب.

إن النقاط السوداء في إقتصاد الدول العربية وبعض الدول الإسلامية قد أدت إلى إنخفاض حاد في مستوى المعيشة إلى دون مستوى خط الفقر للكثير من أفراد الشعب. ويعتبر الفقر والبطالة مع إنخفاض المستوى التعليمي والوعي المجتمعي من أكثر الموردين للإرهاب.

هناك دلائل إحصائية على تدني المستوى المعيشي في البؤر التي يتواجد فيها الإرهاب. ففي تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عام ٢٠١٥وكتاب (حقائق العالم) الصادر سنوياً عن وكالة الإستخبارات الأمريكية، يتبين بوضوح مستوى الفقر الذي وصلت إليه الدول العربية، مثل الصومال ٧٣٪ من السكان دون مستوى خط الفقر، وفي اليمن ٥٤٪ من السكان دون مستوى خط الفقر، السودان ٤٦٪ ، موريتانيا ٤٢٪ ، سوريا ٣٥،٢٪ ، ليبيا ثلث السكان دون مستوى خط الفقر، لبنان ٢٨،٦٪ ، مصر ٢٥،٢٪ ، العراق أكثر من ٢٥٪ ، الجزائر ٢٣٪ ، المغرب ١٥٪ ، تونس ١٣٪ ، الأردن ١٤،٤٪ ، البحرين ١٢٪.

ومن تقرير التنمية المستدامة للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ٢٠١٠ - ٢٠١٢ يتبين مستوى الفقر UNDP الذي وصل إليه المجتمع في اليمن والعراق وسوريا، وبعد خمس سنوات من الحرب الأهلية في سوريا أصبح ٨٠٪ من سكان سوريا تحت خط الفقر. وبعد إحتلال العراق بعشر سنوات وحسب إحصاءات البنك الدولي يتبين بأن أكثر من ٢٨٪ من الأسر العراقية تحت خط الفقر بسبب النزوح الجماعي وإنخفاض أسعار النفط وإرتفاع مستوى البطالة. أما إرتفاع مستوى الفقر في اليمن فقد قفز من ٤٢٪ سنة ٢٠٠٩ إلى ٥٤٪ عام ٢٠١٢، وأعلنت حالياً في بعض المناطق من اليمن وخاصة في مناطق القتال المجاعة الحادة حيث تعيش الكثير من الأسر اليمنية على أقل من دولار في اليوم الواحد ويعيش الكثير منها على التسول، ويعاني أكثر من نصف مليون طفل من سوء التغذية وبنسبة ٢٠٠٪ منذ عام ٢٠١٤ الأمر الذي يُنذر بوقوع مجاعة عامة بالبلاد، ويتم تجنيد الأطفال الذكور وتزويج الفتيات الصغيرات قبل بلوغ سن ١٨، وبلغت نسبتهن حوالي الثلثين مقابل ٥٠٪ في مرحلة ما قبل الصراع المسلح. ومما يجدر ذكره  بأن هناك ١٥ مليون يمني بدون رعاية صحية، وقد توقفت المؤسسة التعليمية عن تقديم خدماتها، وأستُخدمت معظم المدارس كمأوى للأسر النازحة. أي أن هناك إنهيار كامل للبنى التحتية والفوقية. وينطبق هذا الوضع في كل بؤر الصراع في العراق وسوريا وليبيا.

 أما مصر فقد زادت نسبة البطالة وإنخفض عدد السياح وإنخفضت إحتياطيات العملات الأجنبية وأصبح الجنيه ضعيفاً وأصبح حوالي ٢٦٪ من ٩٠ مليون نسمة تحت خط الفقر. وتفاقم الفقر في تونس حتى عم سدس سكانها، وتعتبر تونس واحدة من أكبر الدول الموردة للمقاتلين لداعش، وحسب تصريحات القادة التونسيين هناك ترابط أكيد ما بين الفقر والإرهاب. أما في فلسطين فبسبب البطالة يرتفع مستوى الفقر ويضطر بعض العمال للعمل في الأراضي المحتلة، أما في غزة فالوضع أسوأ من الضفة الغربية.

إن من الواضح أن هناك إرتباط حقيقي ما بين مستوى الفقر والبطالة وتهدم البنى التحتية وبين مستوى بؤر الإرهاب، حيث يُصعِد مستوى الفقر مستوى التأزم النفسي والأخلاقي ويرفع من مستوى الغضب الشعبي الذي يُعبَر عنه بأشكال مختلفة قد تكون إيجابية أو سلبية، الإيجابية منها هي تشكيل الأحزاب السياسية الحرة والديمقراطية والصحافة الحرة، والسلبية منها تتشكل بشكل قنوات إرهابية أو عصابات منظمة أو غير منظمة، وقد ينتشر الفساد المالي والإداري ويحاول هنا أعضاء االطاقم الحكومي أن يكسبوا كسباً غير مشروع لرفع مستواهم الإقتصادي على حساب الفرد العادي وهو تخريب آخر للوضع الإقتصادي للمجتمع. ونلاحظ هنا بأن الموارد الإقتصادية لم تعد توظف لصالح أفراد الشعب بل لدوران المنظومة العسكرية لإبقاء السلطات في مواقعها. وهنا يصبح الإرهاب سبب ونتيجة لمستويات الفقر الحالية في الدول العربية، لكن أساس المشكلة وبداياتها هو في سوء إستثمار وتخطيط الوضع الإقتصادي وبناء البنى التحتية وما يتبعها من رفع للمستوى التعليمي والصحي.

لا يجب أن يفرحنا إندحار القاعدة أو داعش لأن جذور الإرهاب وحواضنه لا زالت موجودة وينتظر المجتمع العربي أن يتغير الفكر الإقتصادي والسياسي للسلطات العربية فبدل القمع السياسي يأتي قبول الآخر، وبدل الإضطهاد الديني تأتي الحرية المطلقة بإختيار الدين والمذهب، وأن يختفي من أجندة القادة العرب لصوص المليارات والتي فيها يختفي رغيف الخبز للكثير من العوائل العربية.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.