اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• انهيار الشغيلة في مداعبة الخيال

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

عبد الكريم العامري

انهيار الشغيلة في مداعبة الخيال

قصص علي لفتة سعيد/ عبد الكريم العامري

 

تتطلب القراءة من الجهد والتفكير عمليات عقلية مضنية، انتقاء، تراكيب، تحليل، استدلال، لفهم العلاقة الرابطة بين المكتوب والمقول. هذا المظهر ألقرائي يقوم بتحويل خطاب مكتوب الى خطاب منطوق. أن النص ليس له معنى موضوعي جاهز على القارئ الاهتداء إليه واستخراجه. النص، خارج أو داخل الوعي، مادة خام، القراءة الفاعلة هي التي تفجر طاقاته، يتحول القارئ منتج للمعنى، مع بقاء النص منفتحا على قراءات غير منتهية، تبعث فيه الحياة، صفة الديمومة.

يحيل السرد(مداعبة الخيال)2009/القاهرة للقاص علي لفته سعيد، القارئ الى مغريات نص، كائن منجز، وخطاب، المجتمع فيه منشغل اقتصاديا، متفاوت اجتماعيا. إذ لا يمكن تصور مجتمع دون نصوص، تنظم مختلف مؤسساته، تضبط قوانين اشتغالها. حياتنا الاجتماعية تزخر بأنواع مختلفة من النصوص، منها القانوني، الديني، الفلسفي، الفني..

بين أيدينا مدونة أدبية تقدم صراع struqqle الإنسان في ظل أنظمة تعد طبقية باعتقادي، تسحق الفقير.

تتخذ القصة من الغناء بصوت خليف الحمال، الذي يراد من رسالة الشغيلة أن يحمل راية لمحاربة المرتدين، يزاوج أو يتحرر لكنه يتبخر بين طبقتين تتصارع في وسط اجتماعي استطاع أن يستنسخ مسيلمة الكذاب، الأسود العنسي ويؤمن فيهما. الطبقة الاجتماعية social class الأولى؛ لها طبقة صوتية وحضورية هامشية محدودة، مرموزها؛ جبار ونيسة وداخل حسن وناصر حكيم،الثانية؛ لها طبقة صوتية ومستمعية ارستقراطية مرموزها؛ أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم. ترفض المسحوق ان  يستمع الى صوتها ولو عزفها على جراحه، اعتباره خصما عنيدا، مهددا، حيث يتم  تهريب الكاتب لأفكاره خوفا من السياسي حين لا يستطيع القاء المدون في مواجهة السلطة في زمن ما، انها غش الكاتب في بكالوريا السياسة، ومن غشنا فهو منا !.

 الإنسان(الحمال)من طبقة سسيولوجية، تعبر عن معاناتها أحيانا بالغناء، حيث تعتبر الأغنية من منظور سيكولوجي منشور سياسي.أنها رؤيا القاص المبدع علي لفتة، لكنها رؤية يرى رائيها ان الأرجوحة عندما تصل الى النقطة الأدنى في منحنى هبوطها فليس أمامها من سبيل إلا الصعود.

ينظر البعض الى مستقبل البشرية بتردد حيث يبرز التساؤل:هل أن للبشرية مستقبل أم لا ؟.أنهم مترددون في قبول فكرة إيجابية مع أن البشر هم الذين يهددون مستقبلهم بالعدمية. لهذا كان حلم الإنسان  الكيميائي أن يحول المعادن الى ذهب، حلمه الاجتماعي اقامة المدينة الفاضلة، حلمه المادي المغادرة باتجاه الاشتراكية، لكن حلمه الأبدي اطلاق كل الطاقات الكامنة في داخله وصولا الى ما سماه بعض الفلاسفة السوبر مان أو الإنسان الأعلى، الذي سيبدأ بعد الانتهاء من آخر أرصدة المادة لابد أن يفتح حسابا جاريا  للمعاني والقيم والأخلاق.

منهج التجريب أحاطنا بآلاته التي لا نهاية لأعدادها، السؤال هل خفت آلام الإنسان،هل أقترب أكثر من مدينة السعادة المحلوم بها ؟.

كم نظر الإنسان الذي اختزل نفسه في نصفه المادي الى كل النصوص، الأدبية، الفنية، الدينية.. التي تتحدث عن نصفه الروحي.

لقد ألهته آلهة التكنولوجيا بما غمرته عن جوهره، لكن جزءا من الطاقة المخبأة في الجيوب السرية للجسد(منحال/11)الذي أهملنا التطلع إليه داخلنا سوف يمنحنا شيئا من بديع ابداعاته. ليس من شطحات الشاعر الشعبي، أو يغني الحمال قفل البوذية(منحال)و(وضيع المفتاح)،انها نفس الوزن النفسي، الذي غادره العقلي مجبرا منذ(1958/18)نحو الحال الاقتصادي الذي استغنى عن عضلات الحمال المفتولة بعضلات الآلة الفولاذية.

هذه النسبة المتواضعة تركز على الجانب المنطقي والرياضي من المخ على حساب اهمالنا لمناطق أخرى مازالت بمثابة صحراء المجهول أو محيط الظلمات داخل جماجمنا، كما هي صحاري جغرافيتنا.

أن الموسيقار محمد عبد الوهاب من طبقة اجتماعية الى الغناء بمختلف الطبقات الصوتية كان يغني برئة واحدة أوصلته الى ما يناهز التسعين عاما..أما خليف بكل أحشائه وجوارحه لكنه في شبابه يهرم، لم يصل الى مجرد مستمع!.

الأغاني ليس لشكلها ضابط لكنها تفتح على مغاليق حياتنا بقياس الانفعال. كان خليف يغني حتى أدنى من نصف طبقة، تحمل أزمة الإنسان العراقي المعاصر، انها أغاني تصف هذا الإنسان المزدوج: (نصي ثلج..نصي نار/لا النار طفتلي الثلج ولا الثلج طفالي النار)لأنه مأزوم بوطن(نيرانه مثل الثلج تلسع وكول اشاه).

اننا لا نحلم بأن نرى العراقي طائرا بين الشرفات مثل القديس سان جوزيف، الرجل العنكبوت..لكننا نحلم بأن ينصت مثل المبدعين المرهفين الملهمين من الفنانين لا الأدعياء الذين يزرعون الوهم في حدائق العقل، نريد الإستمتاع  بلغة الوجود الثرية المفردات. لعل تنظيم مثل هذا الجهد يفضي الى فض شفرة الألم والسعادة في الكائن لإنساني الذي لم يغادر بعد أفق الأسى وأرض العجز.

إن تنمية المواهب الروحية باختصار شديد سوف تكون الهاجس الأساسي للعلم القادم على استحياء، ذلك بعد أن وصل العلم الراهن الى ما يشبه السقف في انجازاته المادية دون أن يدفع بالإنسان بوصة واحدة في اتجاه سعادته الشخصية أو ياردة يتيمة نحو مجتمع انساني أفضل بل على العكس كما يلحظ الجميع ان المجتمع أرتد الآن الى همجية بدائية فجة.

ان عدم القدرة على قراءة أفكار الآخرين سوف تكون أمية من نوع آخر. ليس عدم تمكنه من استخدام الكمبيوتر الذي حل محل القلم وورقة البردي والقصب أجمعين.أن تنمية القدرة الكامنة والخاصة بقراءة أفكار الآخر سوف تخلص الإنسان العراقي من نزعة(بكل عزه لطام) مما لم يخلصه منه الكمبيوتر، يخلصه منه أبو معيشي. سوف تخلصه من قيم لا أخلاقية عريقة تتمثل في رهانه على ديمومة الخداع. سيصبح العراقي دفترا مفتوح الصفحات أمام الآخرين. يكون عليه وال (منحال)كذلك أن يختار بين التزام الصدق الكامل أو اعتزال المجتمع والتزام البيت وليس البيت الأبيض، الذي جاء بديمقراطية لم نختر ونفهم منها سوى(دي/10) دي ياحمار!حسب أشارة القاص اللماحة. مجتمع يحرص أفراده على تنمية مواهبهم يكون بالتأكيد هو مجتمع المدينة الفاضلة مدينة سوق الشيوخ لا مجلس الشيوخ التي حلم بها الفلاسفة، انسانها الذي استوطنته المهانة ونام على(الوسادة الخالية/14)لكنها مملوءة بالنفط على صهيل خيل ملحمة كلكامش، مدينة، مسكن الشعر والغناء رمز الانعتاق لا و(هل رأى الحب سكارى مثلنا15). انسان زمن الناصرية القادم ليس نتاج زواج الأذكياء بالجميلات كما أشار الى ذلك برنارد شو لأن الذرية قد تكون في غباء مارلين مونرو ودمامة شو. لكن دارون العراقي سوف يكون ناتج الزيجة الواعدة والحمال، الشغيلة أبناء(يمه يايمه/15)حيث يولد الإنسان المسالم المتفوق لا العنيف..سوف يروض عضلات الجسد المفتونة بفتوتها فتنصاع انصياع الخراف الضالة التي تأوي أخيرا الى حظيرة العدالة، لا تهرب مثل الحمير وتعاد ب(دي).

إن الانتماء الى جماعة سوق الشيوخ حاجة من الحاجات الإنسانية الأساسية للنمو النفسي، الاجتماعي، اللغوي، العشائري.. للحاجة الى التقدير والتقبل. فلسفة الانتماء تعني البحث عن الرغبة في أن يكون الإنسان شيئا مذكورا. التصاق الإنسان بالقيم الإنسانية، من أجل أن يخلقوا عنده  مبدأ يرغب به، ليس فقط مبدأ المعرفة والفكر، بل شيئا ينجذب نحوه ويستطيع أن يحدد للإنسان هدفا أعلى غير الأهداف المادية. من هنا الاعتماد على القيم الإنسانية، الشيء الذي سميت به الإنسانية بهذا الأسم، هذه القيم لم تعتبر بلا قيمة.

ان مستقبل الإنسان، كيف سيكون؟ هل نقول مثل ما قالته الملائكة عنه أنه ذو طبيعة منحطة، أن نيأس من هذا المستقبل الى المخدرات؟ أم ننتظر المعجزة تأتينا عن طريق الأيديولوجيا التي تحمل صفة غير طبقية، مع وجود الإشكالات عند أدلجة الإنسان ومغادرته نحو الاشتراكية!.

من الإشكالات أن المفاهيم التي تقدس انسانية الإنسان تقول:إن الحركة ناتجة عن التناقض، لولا التناقض لما كانت الحركة، إذا وصلنا الى المجتمع الذي ينعدم فيه التناقض فهذا يعني أننا وصلنا الى المجتمع العديم الحركة والعديم الهدف، الى المجتمع الساكن، الميت. فهل غاية ومنتهى تكامل الإنسان في الشعر، الفلسفة، الرواية، اللوحة، العمل..هو أن يصل الى محطة التوقف والسكون الأبدي؟

إن الإنسان بعد أن يحل مشكلة التناقض التي تلوح أمام عينيه، فإنه ساعي في الوقت نفسه الى أن  يصل و يقضي في مساعيه على التفاوت الطبقي الذي تطرحه قصص المجموعة بشكل أو بآخر، فإنه يكون قد وصل توا الى مرحلة سد النواقص في نفسه ومحيطه. هذا أول طريق الشعب، ابتداء سيره الصعودي حيث يجب أن يذهب.. السير لا نهاية له، فمهما صعد الى الأعلى هناك في الوجود ما يمكنه الصعود أكثر وإلا ما هي علاقة ناصر حكيم بعبد الحليم؟.

هذا هو المجتمع الإنساني النموذجي الذي يكون هادفا، متفوقا، منتصرا على الإنسان النفعي الباحث عن المصلحة الخاصة. إن التفوق، نصر للعدالة واصلاح إحدى وجوه العملة الإنسانية على الوجه الآخر.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.