اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الخاسرون بنكهة الفوز والفائزون بطعم الخسارة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د.عامر صالح

           الخاسرون بنكهة الفوز والفائزون بطعم الخسارة

نحو فهم ميداني لعقلنه نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية 2010

 

" الحسين (ع) علمني أن أكون مظلوما فأنتصر"

                               غاندي

في اقتصاديات السوق يجري الحديث عن آلية العرض والطلب باعتبارهما المؤشرين الرئيسين للتنافس الاقتصادي لأغراض النفوذ والاستحواذ على الزبون أو احتكاره عبر مواصفات البضاعة المعروضة وجودتها العالية في الاستخدام,وهذا يجري في ظروف مصداقية البائعين,إلا إن الدعاية وحجمها تلعب دورا كبيرا في حرف وجهة المستهلك واستمالته,فقد تقدم له عروض مغرية تتجاوز في تأثيرها حدود تأثير جودة البضاعة,كأن تقدم له على سبيل المثال أن يأخذ في سلة التسويق قميصين ويدفع ثمن واحد فقط,أو ثلاث بناطيل ويدفع ثمن اثنين فقط ,وقد يفوز المستهلك مؤقتا بهذا المغري,إلا انه يخسر إلى حين القيمة النوعية للبضاعة المستهلكة بتلك المواصفات,ويكون الأمر أسوء في حالة الاختبار السابق للبائع عندما قدم بضاعته لمرات بنوعيات سيئة.

وينطبق الأمر هذا على الانتخابات عندما أقدم شعبنا في انتخابات 2010 في انتخاب ذات البضاعة,وهو يعرف حقيقة قيمتها ونوعيتها,وقد انتخب الزعماء السابقين الذين لم يلق منهم غير الوعود التي لم تغنى ولم تسمن,والتي عاش  في ظلها التوافقية والمحاصصة والنزعة الطائفية,واستشراء الفساد المالي والإداري والمحسوبية والمنسوبية,ولم يتلقى شيء من الخدمات العامة من كهرباء وماء وصحة وتعليم,ولم ترى  في ظلهم النور أي من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.

من الناحية المنطقية وفي ظروف تجذر الممارسة الديمقراطية في المجتمع فأن حصول المرشح على أصوات الناخبين يتعلق بكفاءة المرشح وقناعة الناخبين أن يعمل المرشح لتحقيق انجازات ومكاسب لناخبيه في حالة فوزه,وتلك هي ثوابت مستقرة في الوعي المعرفي والعقلي للناخب في مجتمعات الديمقراطية العريقة واستنادا إلى الخبرات السابقة مع مختلف المرشحين وأنتمائاتهم السياسية.إذن فلماذا حصل العكس لشعبنا العراقي عندما أقدم على صناديق الاقتراع فمنح أصواته...فأتى بمن أتى وهذا حقه المشروع من الناحية الشكلية في اختيار ممثليه !!!.

أن عهد الديمقراطية في العراق هو وليدا وأن الثقافة الديمقراطية لشعبنا لا تزال قيد التشكيل والاختبار,فلازالت ذهنية الانقضاض على المنافس الآخر وإقصاءه هي الفيصل في السلوك السياسي,بل يرى البعض في الديمقراطية هي الفرصة الذهبية " للفرهود"و للفساد بمختلف مظاهره,ومع هذا فأن شعبنا لا يريد العودة إلى الوراء,بل هناك تجليات للمضي قدما من  اجل إرساء دعائم الديمقراطية.

أن مجتمعنا العراقي هو مجتمعا قبليا وقد كرست فيه القبلية بفعل مختلف السياسات منذ عقود ثم انتهاء بالطائفية والمذهبية لتضفي على ذلك شرعية جغروـ طائفية متحجرة,رغم أن هناك حقبا تنويرية بفعل تأثير قوى اليسار فيها إلا إنها مرت بانحسار بفعل الضربات القاسية التي تعرض لها اليسار والتي كادت تقتلعه من الجذور,وبهذا ترك شعبنا أسيرا في العراء وضحية لمن يتجاذبه,وهكذا أيضا ترك شعبنا ضحية لثقافة الغنيمة والكسب والاستحواذ,مما كرس مفاهيم الشعب ـ الرعية,وأن التعامل معهم ليست ككيانات إنسانية مستقلة وإنما عبر ممثليهم من القبائل والطوائف والمناطق والحارات والأسر مما ترك شعبنا ضحية لمختلف مشاريع الاستمالة والإغراء,أن ذلك لا ينسجم مع صيرورة المجتمع المدني,وأن الخلاص من ذلك يستدعي ترسيخ مفهوم المواطنة والمجتمع المدني,وهذا بالتأكيد يتطلب جهدا ليس بالهين لكي يتخلص شعبنا من هذه الانتماءات الضيقة التي لا صلة لها بالمواطنة وبالخيارات الحرة وبثقافة الانتخاب التي تتطلب مزيدا من الاستقلالية في السلوك.

لقد طالبت قوى اليسار مرارا باحترام أخلاقيات العمل الديمقراطي واحترام الآخر المنافس لأن في ذلك احترام للمبادئ العامة للعمل الديمقراطي بل ولجوهر المصالحة الوطنية,كما أكدت على ضرورة تكافؤ الفرص باعتباره احد معايير نزاهة وشفافية الانتخابات وأي إخلال بهذا المعيار هو إخلالا بشرعيتها,وقد أكدت تجربة الانتخابات أن هناك أحزابا وقوى سياسية امتلكت وسائل تأثير فعالة مثل القنوات الفضائية ومحطات إذاعية وأكثر من صحيفة وغيرها,وقد استغل فيها المال العام للدعاية الانتخابية في ظل عدم تشريع قانون للأحزاب السياسية الذي يحدد مصادر التمويل لهذه الأحزاب,بما فيه التمويل الخارجي الذي بلغ المليارات من الدولارات,وكل ذلك لعب دورا في منح الأصوات الانتخابية لمن لا يستحق !!!!,مما جعل من الكتل السياسية الصغيرة ضعيفة من حيث قدراتها على التعبئة والمنافسة للكتل" المتمكنة ",رغم كبر الكتل الصغيرة في أعين الجماهير...إنها اللعبة الانتخابية,أن التأسيس لدولة عصرية لن يجري بهذا الأسلوب مطلقا ,إنها عملية زحف لبسط الهيمنة والاستئثار بالعمل السياسي,وعليه يجب قراءة دلالات نتائج الانتخابات بعناية فائقة انطلاقا من مصلحة شعبنا.

أن إلزام المواطن في التصويت فقط لمحافظته انه يعني ما يعنيه حصر المواطن في التوققع داخل نطاقه الجغرافي ـ الطائفي والمذهبي والاثني وبالتالي دفعة للتصويت على أساس الهوية الطائفية والعرقية والعشائرية وحتى العائلية متأثرا بدائرة الضغوط المحيطة به,ويعني كذلك حرمانه من التصرف بحرية لمنح صوته لمن يشاء في العراق كله,وهو إلغاء ضمني لحرية الانتخاب !!!!.

أن قانون الانتخابات الذي أجاز بمنح أصوات القوائم الخاسرة لتضاف إلى رصيد القوائم الكبيرة الفائزة يعني ضمنا تكريس لهيمنة القوائم الحيتانية,وهي أشبه بعملية سرقة لأموال يتامى أو التصرف بأموال أناس قصر,انه مال سحت إذا كان هناك خوف من الدين فعلا,وقد قدرت أصوات القوائم الخاسرة بأكثر من مليون,وبعملية حسابية بسيطة لو قسم هذا المليون الخاسر على عدد قوائمه لفازت القوائم الخاسرة بأكثر من مقعدين...فأين الديمقراطية الحق !!!.

أن طموحات شرائح واسعة من مجتمعنا بان يأخذ اليسار العراقي مكانه الحقيقي في العملية الديمقراطية استنادا إلى تأريخه المشرف وتضحياته الجسام,وهو حق مشروع يستند أيضا إلى سعة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي يروم اليسار إلى تحقيقه,إلا إن إلقاء اللوم بنفس الوقت على قوى اليسار في الخسارة الانتخابية بغض النظر عن الدخول في ملابسات ذلك وتعقيدات الوضع السياسي في العراق هو جزء من عدم تقبل مبدأ الربح والخسارة في الانتخابات,وأنها ثقافة ضربت بجذورها في مجتمعنا,فيجب النظر إلى ذلك في ظل ظروف تغيرات آليات العمل السياسي جذريا وتحولها صوب صناديق الاقتراع,وإذا كان الهدف حقا تمثيل مصالح الجماهير فأنه لا يوجد رابح أو خاسر في الانتخابات إلا بقدر الاستجابة لطموحات الشعب في السلم والعيش الكريم,ويكفينا مسلسل الانقلابات والصراعات المسلحة على كرسي السياسة,وعلينا الاستعداد بقدرات مضاعفة عبر وحدة الصف للانتخابات البرلمانية القادمة في ظل النضال من اجل قانون انتخابي عادل وقانون للأحزاب يضعها تحت المسائلة.

وتبقى" خسارة " اليسار اليوم هي بنكهة الفائز انطلاقا من نزاهته وتأريخه وقدراته الحالية في بناء مجتمع الرفاه,وفوز الآخرين بطعم الخسارة انطلاقا من صراعاتهم من اجل الاستحواذ والهيمنة واستغلال المال العام والاتكاء على المال الخارجي...ولعلهم يقومون بشيء لخدمة شعبنا فعندها نباركهم ونقول لهم: انتم الفائزون حقا !!!!.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.