اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

العراق: حالة اعاقة دائمة! -//- عارف معروف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

العراق: حالة اعاقة دائمة!

عارف معروف

يبدو تاريخ العراق الحديث ، كما لو كان تراكما ،لا نهائيا ، من المشاكل التي تركت دون حلول . مشاكل تنفتح على  ، اخرى ، اكثر تعقيدا او  تفضي الى عواقب اوخم .  و مشاكل تحل بالهروب، منها الى الامام . بافتعال مشاكل اخرى ،  والانغماس فيها او العكوف على حلّ وهمّي لها ، بغية اهدار الوقت واستنزاف الجهد !   يحّف بهذا  ويواكبه ، انبثاق مستمر لمشاكل وتحديات ، اخرى جديدة  . وفي خضّم ذلك ، وبسببه ، يبدو العراق ، بالرغم من كل امكاناته ، فقيرا وبائسا وملعونا  بالاضطراب واللا استقرار  ، بالنسبة لمعظم جيرانه ، سواء من البلدان والشعوب التي تعاني من شّحة بل وندرة الموارد ، او تلك التي كانت ، حتى الامس القريب قطعة ،خالصة، من بداوة غابرة . انه بلد ، بالاحرى، شعب ، يعاني من اعاقة دائمة !

ان التحديات الاولى ، التي واجهت الدولة العراقية الحديثة منذ انشاءها ، ما تزال كما هي ، دون تسّوية او حل ، بل ان بعضها تفاقم ليتخذ شكلا او تحديا خرافيا ، فالمدينه  والحاضرة ، مثلا، والتي اعتمدت اساسا للتحديث والتمدن ، اندحرت ،  في مواجهة الريف ، واصبحت لدينا مدن  وحواضر تتّريف على وجه السرعة وتتغنى بالعودة الى البداوة . والعشيرة ، التي اريد لها ان تنصهر في اطار الهوية الوطنية ، ابتلعت وتمثلت هذه الهوية التي تتشبث ،الان ،بالبقاء ،متوسلة، العشيرة،  !!  التي تقف اليوم ،  بعد قرن من الزمان ، تقريبا ، بنفس الندّية والضراوة التي واجهت بها الدولة الحديثة ، في  بواكيرها . والمرارة التي تكلم بها "فيصل الاول " عن دولة ليس لها من القدرات العسكرية  ما للعشائر ، التي تميل ، ابدا ، الى الفوضى والتمّرد على الدولة ، يعاد انتاجها الان ، في ظل ظرف مختلف تماما ، اذ كان الزمان ، يومذاك ، زمان صعود وتألق الدولة ، اما اليوم فهو زمن صعود وتألق ، الجماعة الثانوية الصغيرة ، او يراد له ان يكون كذلك ، وهي ارادة جبّارة لايمكن الاستهانة بها ، ابدا !

لماذا كانت مسألة ، التقدم والبناء من جهة ، والفشل والنكوص ، من الجهة الاخرى ،لدينا ، دورية ، بهذا الشكل ، بحيث لانكاد نسير خببا حتى نعود الى نقطة البداية ، وما نكاد نهّم بالتحليق حتى نسقط مهيضي الجناح ؟  لماذا كان العراق ، ومازال ، جحيما لمواطنيه ، وكنزا يسيل له اللعّاب للباحثين عن الكنوز  من الاجانب ؟! لماذا  اقترن ويقترن حب العراق ، بالنسبة للغالبية الساحقة من العراقيين ، بالدم والموت  والسجن والمنفى وزنزانة الاعدام والتعذيب والشقاء والدموع ، ويكون ارض الفرص ، والكرم ، والسماحة ، والاريحية ،بالنسبة للغرباء ؟! لماذا اتّسم تاريخه الحديث ، ناهيك عن القديم والغابر ،  بكل هذا الالغاء القسري والعنف الاهوج والهمجية المنفلته ، رغم انه   من اكثر بلدان المنطقة او شعوبها التي تستند الى تاريخ  حافل و حضارة عريقة ؟ ماض ، علّم الانسانية ، بالفعل ، الحرف والفن والقانون ؟ هل ان عراقيي الحاضر هم  قوم اخرون لا صلة لهم بحضارة وادي الرافدين  البائدة ، موجة بشرية اخرى ، حلّت بارض يباب كانت حضارتها قد افلت و اندرسّت  منذ قرون ، وتتمسك بادعاءات لاتعنيها ومنجزات لاتعود اليها ؟

يذكر الفيلسوف الاسباني، خوسيه غاز يت ، في مقدمة كتابه المّهم " تمّرد الجماهير " ،   قصة ، يقول انها شائعه ، من غير الحاح على مدى واقعيتها ، على حد تعبيره ، انما يعنيه من امرها ، ويعنينا ، اشارتها  ذات الدلالة الواضحة ، يقول ، انه  حينما احتفل بعيد ميلاد  ، الشاعر  الفرنسي  العظيم  فكتور هيغو ، اقيمت حفلة عظيمة في قصر الاليزيه ، حضرها ممثلو الامم ، كلهم ، مقدمين تهانيهم ، كان الشاعر الكبير يقف في قاعة الاستقبال الكبرى بجلال تمثال ،  مستندا الى ركن مدفأة جدارية ، وكان ممثلو الامم، يتقدمون، امام اعين الجمهور ليقّدموا تهانيهم ، يسبقهم صوت جهوري لحاجب يعلن عنهم :

( السيد ممثل انكلترا ....)  وكان فيكتور هيغو ، يقول بصوت درامي مرتعش وعيناه في الفراغ " انكلترا ، آه شكسبير !".

ثم يتابع الحاجب ( السيد ممثل اسبانيا ....) وفيكتور هوغو يقول " اسبانيا ، آه سرفانتس !" . ثم يتابع الحاجب ( السيد ممثل المانيا ....) فيقول فيكتور هيغو " ألمانيا ، آه غوته !" .....

ولكن ،  لمّا جاء دور سّيد بسيط ، ربع القامة ، ضخم الجثة ، ومتعثر المشية ، صاح الحاجب ( السيد ممثل مابين النهرين !)....

تلجلج هيغو ، الذي ظلّ ، حتى تلك اللحظة ، رابط الجأش وواثقا بنفسه ، ودارّت عيناه ،في محجريهما ،قلقتان وكأنه يبحث،  في الكون ،  عن شيء مناسب ،  ثم عاد  اليه الاحساس، بالثقة،  بعد ان وجده ، فرّد على تحّية السيد الضخم بلهجة مؤثرة : " مابين النهرين ! .....آه الانسانية !"

مالذي جعل ما بين نهرين ... الانسانية ،صورة من صور ، الفشل الانساني ؟!.... عند تفحص معظم الوقائع المؤثرة ، منذ عشرينات القرن العشرين حتى اليوم ، نكاد نلمس خيطا ناظما  اوحد..، خطا اسودا مميزا يخترق الصورة منذ  تلك البدايات ، حتى اليوم ، انه عدم النجاح في تحقيق توافق وطني حقيقي ، لحمة يغلّب فيها الجميع ، عراقيتهم بالاقرار المتبادل والمتساوي لكل منهم على اساس الحق والواجب ، والامثلة ، في الوقائع ،كثيرة .وتكمن في خلفيتها كل ما عشناه  ونعيشه من ا زمات، ظاهرة وباطنة  .

لقد تجاذب العراق ،واستقراره ، ولحمته ، مؤثران اساسيان ، يعود اليهما ونتج وينتج ، عنهما ، معظم ما شهده ويشهده من صراع ومآس ، هما : اولا التنافر الداخلي وعدم تسوية مشكلة الهوية الوطنية العراقية  تسوية حاسمة ومقنعة وعادله تحقق التلاحم والاندماج الوطني ، وثانيا ، المؤثر الاقليمي الذي حاول ويحاول ، دائما ، صياغة الوضع الداخلي والتأثير فيه وفقا لما يراه ويحقق مصالحه ويجد في قوى  الداخل استجابة وامتثال . ان حل تاثير هذين العاملين ،ايجابيا،  ولصالح العراق ومستقبله يقوم على اساس ديمقراطية "محتوى "حقيقية تتصدى لمشكلاته واولوياته،الفعلية ، لا المتخيلة  ،  بنفس جاد ومثابرة مخلصة ، لا ديمقراطية "شكل" او وسائل ، كالتي نعيش ، تعّقد الوضع اكثر وتفاقم مشاكله وتنتج المزيد من التحديات الشائكة بدلا من تقديم الحلول .ان  توزيع  القوّ’ة وتعدد مراكز القرار ، مثلا ، والذي اريد له ان يكون صمام امان ، ضد تمركز وتركز السلطة وتكرر الديكتاتورية ، انتج ، في ظروفنا ، الضعف والانقسام والاعاقة ، والمزيد من التشظي لدى مراكز القوة الثانوية التي تجد بقائها وديمومتها وتوسعها ، في الاعاقة الدائمة للتوّحد والانسجام وبناء القّوة او الارادة الوطنية  الجادة . ان ديمقراطية " الشكل " دون المضمون الفعلي هذه ، اصبحت مشكلة ، بدلا من ان تكون حلا او تصبح وسيلة للحل ، وبين ايدينا المثال الاخير  ، لكل ما تقدم من قول :  ارتفعت  وتفاقمت مطالب الناس المشروعة في سبيل  تلبية الحاجات الاساسية للحياة الحرة، الامنة، و الكريمة التي يعّقدها ويفرغها من محتواها وامكانية تلبيتها الفساد والجهل والبيروقراطية والاستغلال   ، لكن الجهات  المعنية بالاستجابة والحل ، رأت في هذا الامر اجندة سياسية  ولجأت الى التسويف والالتفاف . وجدت اجندات ومصالح ، عديدة ، داخلية واقليمية ، بالفعل ، في هذه الحالة فرصتها للدخول على الخط ، والضغط باتجاه ماتريد ، فاصبح الوضع ، حقا يشتمل على ماهو جاد ومشروع  وعراقي من جهة ومغرض ومبطن من جهة اخرى ،  لكن الحالة تركت تتفاقم ، تحت سمع وبصر المعنيين بالاستجابة ، وعلى مدى اشهر ، وكأن التفاقم هو المطلوب والتعقيد هو المبتغى ، واصبحت التظاهرة اعتصاما ثم عصيانا،  ثم انفجر الوضع الذي اصبح محل فعل يومي دؤوب وتصعيد مستمر لقوى العملية السياسية ذاتها ومصالحها المتناقضة وامسى الشعب والمطالب الشعبية ، مثلما كانت دائما ،وسيلة يمتطيها السياسيون واجنداتهم الى تحقيق مكاسب ذاتيه ومصالح حزبية ، ولم تجد السلطة  في افقها من حل للاشكال ، الذي تركته يتفاقم ويتفاعل وياخذ ابعادا تكاد تخرج عن السيطرة ، الا القوّة ومحاولة اثبات الهيبة ، في وقت متاخر جدا ، نجم عنه ماكان لابد ان ينجم عن الوسيلة الخطأ في الوقت الخطأ  مع الناس الخطأ ، وبدلا من تظاهر سلمي مشروع والاستجابة لمطالب شعبية عادلة ، نجد انفسنا، الان ، على ابواب اقتتال وشيك وافق احتراب ، مرعب !

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.