اخر الاخبار:
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أيهما الاقدم الكلدان أم الآشوريين!// نيسان سمو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

أيهما الاقدم الكلدان أم الآشوريين!

نيسان سمو

 

كانت هناك إمرأة تشقى ليلاً نهاراً من اجل إعالة بناتها الثلاثة. ثلاثة فتيات لا دخل ثابت ولا املاك او أب والحال لا يُحسد عليه. كافحت الام ودخلت في متاهات ومصائب وصراعات مريرة مع الجميع لتدبير لُقمة العيش. كلما كانت الفتيات يقتربن ويدخلن مقتبل العمر وبانت ملامح اجسادهن الجميلة اشتدت صراعات الام مع الطامعين واللآهفين لتلك الاجساد الرشيقة. كانت الام تعمل كعطالة (حمالة) في الميناء الصغير المتواجد بجانب القرية على النهر الذي يمر بمحاذات القرية. سُفن صغيرة واشرعة قديمة وصغيرة الحُجم ترسوا بجانب القرية لإنزال او نقل بعض المسافرين او تفريغ او تحميل بعض الامتعة. تهرع الام صوب أي مسافر ينتقل او ينزل من المركب عارضة عليه خدمة الحمل والمساعدة. يستمر هذا الوضع معها منذ الصباح الباكر الى بعد منتصف الليل وبعد رحيل آخر مركب فتهرع وهي في حالة يُرثى لها للإطمئنان على فتياتها الثلاثة.

 

دخلت الام العقد السادس من عمرها وهي تناضل وتناطح وتصارع مع الجميع للبقاء على قيد الحياة ولتأمين لقمة العيش وحماية فتياتها ودخلن الفتيات معها في العقد الثالث. زادات المسؤولة والخوف على الفتيات والام خائفة من الغد قبل اليوم.

 

وصل شراع في إحدى الأمسيات الى الميناء الصغير  وبدأ عليه شراع الميسورين. فقد شاهدت الام مسافرين هذا الشراع وهم يختلفون عن كل الذين مروا على الميناء. اصحاب ملابس انيقة تسريحات غريبة وسترات طويلة فبدأت الام تتفحص الوجوه الى ان شاهدت شخص انيق يقف في مقدمة الشراع يرتدي سترة سوداء طويلة كانت خياطة السترة غير طبيعية. تمعنت الام بالسترة والشخص فخطر مالم يكن بالحسبان (بعدين راح تعرفون لا تستعجلون).

 

سألت الام قائد المركب عن فترة الرساء في الميناء فرد لعدد قليل من الساعات. هرعت الام الى البيت طالبة من بناتها شد الاحزمة واخذ ما يمكن اخذه من الملابس للرحيل فوراً. لا يوجد لدينا الوقت لأسئلتكن هيا بسرعة دون أي تأخير. حملن الفتيات بعض الملابس مسرعين مع الام للصعود الى الشراع. سار المركب والفتيات في دهشة وغرابة والمصير الذي خطرَ بخاطر الام.

 

بعد إبتعاد الشراع عن القرية نادت الام الفتيات وقالت لهم بهدوء: يا بناتي في رأسي لغز وحيرة واتمنى ان تكون ضنوني في محلها وهذه فرصتنا الاخيرة للخروج من الفقر الدامي الذي نحن فيه وما عليكم غير ان تسمعونني جيدا دون أسئلة لأن لا وقت لذلك. رد الفتيات بنعم.

 

أشرت الام الى الرجل الواقف ذو السترة السوداء وطلبت من فتياتها محاولة التقرب منه ومجاملته الى آخر الحدود. اقتربت الام الفقيرة من الشخص وأدت التحية وإعجابها بالشراع الجميل والناس الانيقة الذين على متنه وسمحت لنفسها أن تُقدم فتياتها الثلاثة للتعرف على الشخص الانيق.

 

تقدمن الفتيات والدهشة والذهول دخلت قبعة وجمجمة الانيق من روعة وجمال ورونقة الفتيات الساحر. تَلَصّق الانيق بالأم والفتيات طولة رحلة الشراع عارضاً عليهم كل خدماته. وصل المركب الى المدينة التي كان يقصدها وهي مدينة الانيق فنزل الخمسة سوية فعرض عليهن التبيات في قصره الجميل. رفضت الام معللة بالقال والقيل (يعني حجي الناس والفطاحل) ولكن طلبت منه العون في إيجاد مسكن او دار لتسكن فيه مع فتياتها الى ان تنظر في وضع سكنهم. هرع الأنيق طالباً من الخدم في إيجاد دار قريب من قصره لتأجيره للمرأة وفتياتها. بعد نصف ساعة عاد احد الخدم ومعه مفتاح الدار المؤجر (البيوت كانت في وقتها متوفرة وماكان اكو نازحين ولا مهجرين فالحياة كانت جميلة) . دفع الأنيق إيجار شهر مقدمة للدار الجديد وأوصل الام وفتياتها الى مسكنهن وطلب من الخدم السهر على راحة الام والفتيات.

 

بعد عدد من الايام والزيارات المكوكية، زاد إعجاب الغني بالفتيات لا بل طار عقله. الام تحاول ان تُحضّر له في كل ليلة سهرة منعشة ولكنها غير مكتمة. والرجل يخرج وهو مسطور من شدة تعلقه بالفتيات . طلبت من الفتيات مجاملة الرجل الى ابعد حد بشرط أن لا يتم اي تجاوز.

 

اخذت الام الفيتات معها الى البازار إشترت عدد من الجرات الفخارية الضعيفة القوام وسترة سوداء لا تختلف ابداً عن سترة الأنيق (كل يوم جان اتباوع عليها وتحفظ حتى ألوان الازرار وهي معلقة على الحائط) . طلبت الام من الفتيات بتكسير الجرات ومحاولة عمل قطع صغيره من قوام الجرات على هيئة ليرة موصلية او بهذا الحجم التقريبي (وبلا اسئلة) . عدد من الليالي تم لها المراد. فقامت الام بإدخال تلك الموصليات الفخارية داخل بطانة السترة التي اشترتها وقامت بتطريزها بشكل متسلل كما كانت تراها في سترة الانيق (هي الوحيدة التي شكت او رأت الغير الطبيعي في سترة الانيق).

 

طلبت من الفتيات أن تلبسنَ اجمل مالديهن ويستعدنَ في قضاء سهرة رائعة مع الضيف الذي سيأتي بعد دقائق. جهزوا كل انواع الاطعمة والمشروبات فقدم الضيف وطار نظره من المنظر الجميل. استمرت السهرة اطول هذه المرة واعطيت الام للضيف اكبر ما يمكن شربه من الخمر الى أن ترنح الانيق وبدأ لا يرى اي شيء أمامه غير خيال الملابس الداخلية للفتيات. فيما هو  منبهر ومشدود ومسطور مع الفتيات قامت الام بإستبدال سترته السوداء وعلقت محلها السترة التي اشترتها مع حبات الفخار المكسور. حان وقت الرحيل ولكن الرجل أراد المبيت هذه المرة ولكن الام طلبت منه ان يفعل ذلك في الليلة القادمة لأنه شرب اكثر مما كان يجب فترجته أن يرحل ويؤجل السهر الكبيرة الى الليلة القادمة. ساعدوا الرجل على النهوض ووضعوا سترته على اكتافه واخرجوه الى خارج الدار متأملين ان يتسطيع الوصول الى قصره وهو في هذا الحال من الثمالة.

 

في الصباح الباكر طلبت الام من الفتيات بالهجرة والرحيل فوراً الى ابعد مدينة بحيث لا يستطيع الأنيق حتى تخمينها (بدون اسئلة). اخذوا اول شراع ورحلوا الى نقطة اللآعودة (والى الآن الانيق لا يعلم اي شيء عن تبديل سترته فهي نفسها والدوائر موجودة).

 

وصلت الام الى السكن الجديد بعد أيام وليالي طويلة من السفر. طلبت من الفتيات ان يحفروا لها قبر داخل الحوش الجديد الى ان تعود من البازار. حاولنّ الفتيات الاستفسار عن الطلب الغريب فردت وقالت: لا أسئلة اليوم ايضاً، يجب ان يكون القبر جاهزاً عند المساء. اخذن الفتيات المعاول (في وقتها كل بيت جان بي اربعة او خمسة معاول مو آيبيتات او لابتوبات) فحفرن القبر وعادت الام من البازار ومعها كل انواع الخمر والمؤكولات الشهية مع بعض الامتار من القماش الابيض الذي كان يُكفن به الميت (واللي ميعرف شنو الكفن الابيض يسأل حافري القبور في مقبرة النجف أيام الحرب العراقية الإيراني المقدسة) . صبت الام بعض من الزيد على القماش فتحول لونه الى الاسمر الداكن وطلبت من فتياته بلفها في الكفن ووضعها داخل القبر مع ترك فتحة للتهوئة (لا اسئلة جديدة) فعلن ما طلبت منه الام وطلبت منهن الذهاب الى اماكنهم للنوم. بعد منتصف الليل حضر المراسل (يعني الملاك) الى القبر وبعد أن ادى التحية قال للأم: لقد حضرت الساعة يا سيدتي فأرسلني قائدي لأخذ الأمانة. ردت الام لا يا سيدي فالعنوان خطأ او انت متوهم او قائدك قد أخطأت هذه المرة فأنا ميتة منذ سنوات أفلا ترى الكفن الاصفر من مكاحيلي والقبر فعن أي أمانة جديدة تسأل؟ عود يا ابني وتأكد من العنوان (ليش جم مرة راح تاخذون الامانة)؟ اندهش واستغرب الملاك واقتنع بأنه مخطأ في العنوان فعاد الى قائده قائلاً له: يا رئيسي لقد ارسلتني الى العنوان الخاطيء فالمرأة ميته منذ سنوات وكانت في القبر فلماذا أخطأت هذه المرة؟ قهقهه الزعيم وقال للمراسل: يا غشيم المرأة ضحكت عليك وهي لم تكن ميتة ولكنها خدعتك بذكائها وعليه ساُكافئها بعقدين إضافيين من العمر.

 

خرجت الام من القبر بعد أن نادت الفتيات على لمساعدتها وقالت لهن: يا بناتي لقد ركضنا وشقينا وعملنا اكثر ولكننا نسينا ساعة الصفر. هذه الساعة التي ينساها كل واحد منا معتقداً بأنه باقي للأبد. الكل ينسى أو يعتقد بأن الموت غائب، ولكن لا يعلمون بأن الموت اسرع حتى من عمرنا. لهذا كنتُ اعلم بأنه سيأتي ويأخذ امانته بعد أن تيقنتُ من إنني اقترب من تحقيق حلمي فلم يكن لي حيلة غير خداعه للعيش معكم ومع المفاجئة الجميلة لعقود اخرى من الزمن. وطلبت من الفتيات الحضور والاحتفال بالعمر الجديد والمفاجئة السعيدة.  بدأت الام بشق سترة الانيق فبدأت الليرات الذهبية الموصلية تتساقط من بطانة السترة على شكل حبات الخردل. ومن هناك بدأت حياة جديدة للأم والفتيات.

 

لقد ذكرتُ هذه القصة (الطويلة نوعاً ما ولكنها لم تكن مملة) لأخبر الجميع بأننا نُضيع اغلب وقتنا في مهاترات لا قيمة حقيقة لها في حياتنا وحياة الإنسان. ضاع اكثر من نصف عمرنا ولقسم الاخر اكثر من ذلك في القال والقيل والبحث الفارغ وامور لا قيمة حياتيه لها على ارض الواقع. لقد رحل منا الكثيرون ويوم أمس كانوا كُتاب كِبار وقراء رائعيين ولكنهم ودعونا ونحن على الابواب ولكننا نتناسى ذلك.  فالحياة قصيرة ولا تحتاج الى كل هذه المراوغات والتعقيدات والتنافرات والمضاربات العقيمة، لقد اضعنا جراء ذلك التيهان الغير المجدي كل القيم الإنسانية وروح التآخي وخسرنا المحبة والتواصل الإجتماعي، لا بل فقدتم حتى قيمة القوميات التي تنادون بها وحتى فتتنا وقسمّنا الاحزاب القليلة التي كنتُم تفتخرون بها الى حُزيبيات هزيلة وهشة لا قيمة لها غير الإتكال والإنبطاح تحت الهاشمي،  ابتعدنا وابتعدت عنكم كنائسكم. والاهم من كل هذا وذلك اضعتم بهذا النهج التالف حتى حقوقكم التاريخية وقضيتم على تاريخكم الذي كُنتُم تفتخرون به والذي أضحى ورقة او كارت محروق لا قيمة تاريخية له للآخرين. الحق الوحيد الباقي لكم وتحلمون به ويحلم به رئيسكم الذي نائم على ظهوركم هو: الحصول على كرسي في البرلمان الإيراني ليجلس عليه (مثل الغريب الكاعد في خيمة عزاء)  معتقداً بأنه قد أتى بكلدو وآشور الى الساحة من جديد وسيقطع الحقوق من البرلمان الصدري (اي مو السني لا ينام إلا من كثرة التفكير فيكم وفي تاريخكم)!. لا تنسوا ساعة الصفر فهي على ابواب الجميع! . بعيد عنكم الكفن.

 

ولِمن يرى او يقول عكس ذلك ويرغب في الإستمرارية فله عنوان حلقة اليوم، لينبش بها ويلعب عليها كما يرغب، وليبحث فيها كما يشاء، أو ليتسلى لعقود اخرى في تلك المتاهات! بس لا تنسى وأنت راجع من المتاهة أن تجلب معك الكفن!.

 

لا يمكن للشعوب المتخلفة أن تتقدم دون البدأ من نقطة الصفر !

 

نيسان سمو 07/02/2018

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.