كـتـاب ألموقع

هل الماركسية لا زالت حاضرة في عصرنا؟ (5)// محمد الحنفي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد الحنفي

 

عرض صفحة الكاتب 

هل الماركسية لا زالت حاضرة في عصرنا؟ (5)

محمد الحنفي

المغرب

 

الماركسية هي الأفيد للواقع:

إن جميع التجارب التي عرفتها البشرية، منذ القدم، بما في ذلك تجارب الحكم، التي لا زالت قائمة حتى الآن، من غير التجارب الماركسية الناجحة، والتي لا زالت قائمة حتى يومنا هذا، هي تجارب إقطاعية، أو رأسمالية فاشلة، سواء كانت ملكية، أو جمهورية، أو غير ذلك، مما يمكن القول معه بأن غياب التحرر، والديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق تحقق الاشتراكية، وتجسيد المساواة فيما بين البشر، على جميع المستويات.

 

وبناء على هذه الخلاصة، فإن الحكم العبودي، مهما كان، والحكم الإقطاعي، مهما كان، والحكم الرأسمالي، مهما كان، وسواء كانت أنظمة هذه الأشكال من الحكم، التي لا يمكن وصفها إلا بالتسلط، ملكية، أو جمهورية، بما في ذلك الدولة الدينية، والحكومة القائمة على استغلال الدين، والدولة التي تتسلط فيها البورجوازية الصغرى على الحكم، غير مفيدة للواقع.

 

وإذا كانت الأنظمة الماركسية الناجحة، حتى الآن، هي المفيدة للواقع، في كل زمان، وفي كل مكان، بعد وجود الماركسية كفلسفة، وكعلم، وكمنهج علمي ماركسي؛ لأن تلك الأنظمة، قائمة على أساس التحليل الملموس، للواقع الملموس، كمنطلق لإيجاد النظرية الثورية، التي يعتمدها الحزب الثوري، أو الجبهة الوطنية الثورية، للنضال من أجل التغيير، لتغيير واقع معين، وبأساليب التغيير التي يراها، أو تراها الجبهة، مناسبة للزمان، والمكان، في أفق نفي الحكم العبودي، أو الإقطاعي، أو الرأسمالي، أو البورجوازي الصغير، أو المؤدلج للدين الإسلامي، الذي يعتبر حكما دينيا، سعيا إلى إقامة الحكم الاشتراكي، الذي يشرف على التوزيع العادل للثروة: المادية، والمعنوية، وإلى تمكين جميع أفراد المجتمع، من الحقوق الإنسانية، ومن حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وإلى جعل التحرر، والديمقراطية، بمضمونهما الاشتراكي، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة: المادية، والمعنوية، من سمات المجتمع الاشتراكي، الذي يجب أن يتجذر في الواقع: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تصير الاشتراكية من الهويات، التي تحرص المجتمعات البشرية، على الاتصاف بها، حتى تتخلص من الأنظمة الاستغلالية، التي تنهكها، وتمتص مقدرات المغرب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى لا يستمر الامتصاص عن طريق الاستغلال.

 

وحتى تستمر الماركسية مفيدة للواقع، ومستفيدة منه، فإن على الدولة الاشتراكية، أن تعمل على:

 

1) تحرير الأجيال المتعاقبة، عن طريق التربية على الاشتراكية، وعلى التخلص من العبودية، ومن الاستبداد، ومن الاستغلال، عن طريق التحرر، من كل الدواعي المؤدية إلى إعادة إنتاج العبودية في المجتمع، وعن طريق الالتزام بالديمقراطية، بمضمونها: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يتم قطع الطريق أمام إعادة إنتاج الاستبداد، وعن طريق التوزيع العادل للثروة: المادية، والمعنوية، لقطع الطريق أمام إعادة إنتاج التراكم الرأسمالي، عن طريق استغلال النظام الاشتراكي، بقيام المرضى بعقلية البورجوازية الصغرى، بتحقيق التطلعات الطبقية، المفضية إلى إعادة إنتاج الرأسمالية، كما حصل في كل الدول، التي التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق، بما في ذلك روسيا.

 

2) إعداد الأجيال المتعاقبة، على التربية على التحرر، والديمقراطية، بمفهومها الاشتراكي، وعلى العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة: المادية، والمعنوية، بين جميع أفراد المجتمع، الذين تتم المساواة فيما بينهم، على جميع المستويات، لا فرق في ذلك بين الرجال، والنساء، حتى تنشأ تلك الأجيال على التحرر، وعلى الديمقراطية، وعلى الاشتراكية، ومن أجل أن تتمسك بها، وأن تعمل على حماية الدولة الاشتراكية، ودعمها، وتقويتها، من أجل أن تقوم بدورها كاملا، في مواجهة الرأسمالية التبعية، والرأسمالية المركزية العالمية، ومن أجل الوقوف في وجه ما صار يسمى بالدولة الدينية، التي تدعم الرأسمالية، وتعادي الدولة الاشتراكية عداء مطلقا، وأن تعمل على محاصرة أدلجة الدين الإسلامي، بصفة خاصة.

 

3) جعل العلمانية، من سمات النظام الديمقراطي الاشتراكي العادل، والتعامل مع جميع المعتقدات القائمة في المجتمع، أي مجتمع، على أساس المساواة فيما بينها، على أساس الفصل بين أي معتقد، مهما كان، وبين السياسة، بما في ذلك الدين الإسلامي، وديانة موسى، وديانة عيسى، والديانة البوذية، وغيرها من الديانات الأخرى، من منطلق: أن الاعتقاد شأن فردي، وأنه لا يمكن أن يتحول إلى شأن عام، أو سياسي، وأن المؤسسات الدينية، بما فيها المساجد، والكنائس، والبيع، وغيرها من المؤسسات الدينية، إنما هي أمكنة، يتم الحرص على نظافتها (طهارتها)، من أجل ممارسة الطقوس الدينية، بشكل جماعي، وليست من أجل العودة بالمجتمعات البشرية إلى الوراء.

 

فممارسة طقس معين، شأن فردي، ولا علاقة له بالشأن الجماعي، أو العام.

 

وممارسة السياسة باسم دين معين، تجب مواجهتها أيديولوجيا ـ فكريا، وسياسيا، واستئصالها من المجتمع الاشتراكي، نظرا لدورها في تخريب الاشتراكية، وفي خدمة النظام الرأسمالي / التبعي، والرأسمالي / المركزي / الصهيوني / الرجعي، كما برهنت ورشة صفقة القرن، التي انعقدت في البحرين.

 

وبناء على ما رأينا، فعلمانية الواقع، تساعد على التطور، بأوجهه المختلفة، نظرا لأن العلمانية، تحرر المعتقدات من التوظيف الأيدييولوجي، والسياسي، وتحرر السياسة من التديين، وتحرر الواقع من سيطرة المعتقدات الخاطئة.

 

وكل معتقد يقبل بالتوظيف الأيديولوجي، والسياسي، هو معتقد خاطئ، يجب أن تتصدى له العلمانية، التي يجب أن تسود في الواقع، حماية له من التخلف المرحلي.

 

4) اعتبار حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، والشغلية، كما هي في الاشتراكية، من المسائل التي لا تناقش في المجتمع الاشتراكي، وفي إطار قيام الدولة الاشتراكية.

 

فحقوق الإنسان، كما يتصورها الاشتراكيون، ومن خلال الأدبيات الاشتراكية العلمية، ومن خلال الوقوف على مختلف التجارب الاشتراكية، سنجد أن سبب الحرمان من الحقوق الإنسانية، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ليس هو الاشتراكية، إلا إذا كانت تحريفية، يتحكم البيروقراطيون، الذين يستغلون الأنظمة الاشتراكية، الواقعة تحت سيطرتهم، لنهب المزيد من ثروات الشعب، وتهريبها، إلى الأبناك في البلدان الرأسمالية، استعدادا لإضعاف الدولة الاشتراكية، وانهيارها، حتى يستطيع التحريفيون ارتداء لباس النظام الرأسمالي / التبعي.

 

ولذلك، كان فرض احترام حقوق الإنسان، كما هي في فكر، وفي ممارسة الاشتراكيين، وكما يتصورونها، يصبح، كما هو واجب على كل اشتراكي، في إطار الدولة الاشتراكية، التي يصير من الواجب عليها، احترام حقوق الإنسان، وفرض ذلك الاحترام على أجهزتها المختلفة، وعلى كل المؤسسات، وفي ظل القانون المعمول به في الدولة الاشتراكية، والذي لا يكون إلا متلائما مع مقتضيات حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين الاشتراكية، حتى يصير ذلك الاحترام، عاملا من عوامل التقدم، والتطور، الذي تعرفه الدولة الاشتراكية، في مواجهة الاستغلال الرأسمالي / التبعي، والرأسمالي / المركزي، كما يخطط له صندوق النقد الدوليـ والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، التي تغرق البلدان الرأسمالية / التابعة، والبلدان الرأسمالية / المركزية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بالديون، من الرأس، إلى أخمص القدمين، مما يجعل هذه الدول، الغارقة في الديون كلها، لا تستطيع، في نموها، إلا خدمة الدين، الأمر الذي يترتب عنه: مضاعفة الديون، من أجل أداء فواتير الديون، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، وخاصة، في عهد حكومة العدالة والتنمية.

 

5) اعتبار التكوين الأيديولوجي، والسياسي، من المميزات التي تميز المجتمع الاشتراكي، حتى يحرص هذا المجتمع، على حماية هويته الاشتراكية، التي ترفع قيمتها، في مواجهة النظام الرأسمالي / التبعي، والنظام الرأسمالي / المركزي / العالمي، باعتبار التكوين الأيديولوجي، والسياسي، سلاحين ضرورين، في هذه المواجهة الشرسة، التي تأتي على الأخضر، واليابس، ومنذ بداية هذا الصراع الشرس، قبل تحقيق الثورة الاشتراكية الكبرى، المتمثلة في مهام الدولة الاشتراكية الأولى، التي صارت تحمل، فيما بعد اسم الاتحاد السوفياتي السابق، الذي انهار بفعل التحريف، والديكتاتورية، وانعدام الديمقراطية، بمفهومها الاشتراكي، وقيام خيانات في أجهزة الدولة العليا، الذين استغلوا ديكتاتورية القيادات البروليتارية، ليحولوها إلى ديكتاتورية القيادات الحزبية / التحريفية، ووقفت وراء وجود بورجوازية انتهازية، استطاعت أن تنسج علاقات مع الغرب، وأن تقف وراء انهيار التجربة الاشتراكية الأولى، وقيام ما صار يسمى بالدول المستقلة، التي صارت تسير وراء النظام الرأسمالي / المركزي / العالمي، وتحولت روسيا، التي عاصمتها موسكو، التي كانت عاصمة للدولة الاشتراكية العظمى، إلى دولة رأسمالية وطنية محتشمة، لتثبت الأيام، بعد ذلك، وخاصة بعد الأزمة المالية، التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية، والأزمات المتوالية، التي عرفتها البلدان الغربية المختلفة، بعد ذلك، تبينت أهمية ما جاء به ماركس وأهمية اليسار وأهمية المنهج الاشتراكي / العلمي، الماركسي، الذي يمكن الاستنجاد به، لمواجهة اليمين المتطرف، على المستوى العالمي، ولإيجاد الحلول للأزمات المالية الدولية، التي لا يمكن أن تكون تلك الحلول، إلا بالتوظيف العلمي للقوانين العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، من أجل إيجاد نظريات قائمة على أساس التحليل الملموس، للواقع الملموس، ولكن كل هذا، لا يتأتى إلا بقيام أحزاب سياسية، يسارية، ثورية، تسعى إلى التغيير الضروري، لإيجاد الدول الاشتراكية، التي تقوم مقام الدول الرأسمالية، كبديل للأزمات الرأسمالية، التي أخذت تتراجع هيبتها الرأسمالية، التي قد تتحول، أمام جبروت الصين الاقتصادي، وأمام وطنية الرأسمال الروسي، إلى دول رأسمالية، لا تقوى على الاستمرار في القوة، والجبروت، اللذين عرف بهما النظام الرأسمالي / المركزي / العالمي.

 

وانطلاقا مما رأينا، فإن اعتبار الماركسية، والأحزاب الماركسية، وبناء الدول، أو الدولة الاشتراكية، وتفعيل المنهج الاشتراكي العلمي، هو الأفيد للواقع، الذي لم يأت هكذا، بل إن التجارب التي عرفتها البشرية، وخاصة خلال القرن العشرين، هي التي تبين، وبكامل الوضوح: أن الاشتراكية العلمية، باعتبارها إنتاجا ماركسيا خالصا، والتي تتطور، بفعل تفاعلها مع الواقع المتطور، وخاصة في العلوم الطبيعية، والفيزيائية، والكيميائية، والتقنيات، والتقنيات الحديثة، وبفعل تطور الفلسفة، والآداب، ونظرا لصلاحيتها للتعامل مع مختلف الخصوصيات، فإنها تبقى، هي الصالحة للواقع، في الزمان، وفي المكان.

 

أما النظام الرأسمالي، فقد أصبح نظاما للأزمات، التي لا تنتهي، إلا بحلول الاشتراكية، محل الرأسمالية، على المستوى العالمي.