اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

انشقاق القوى القومية والبعثية بقيادة عبد السلام// حامد الحمداني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حامد الحمداني

 

عرض صفحة الكاتب

                أحداث في ذاكرتي

انشقاق القوى القومية والبعثية بقيادة عبد السلام

حامد الحمداني

5/6/2019

 

لم تكد تمر سوى أيام قليلة من عمر الثورة التي باركها الشعب بكل قواه السياسية الوطنية حتى ظهرت بوادر الانشقاق في صفوف الحركة الوطنية، فقد كانت خطب عبد السلام عارف وهو يطوف المدن العراقي الواحدة بعد الأخرى، ويقوم بزيارة قطعات الجيش المتواجدة فيها تتناقض كلياً مع توجهات الثورة وأهدافها الآنية في الاهتمام بإجراء التغييرات الضرورية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يخدم حاضر ومستقبل العراق، وتحقيق العيش الكريم للشعب.

 

لقد سببت تلك الخطابات غير المسؤولة بلبلة كبرى في صفوف أبناء الشعب والقوات المسلحة من جهة، وإحراج الحكومة أمام مختلف دول العالم من جهة أخرى، حتى وصل الأمر بوزير الخارجية عبد الجبار الجومرد أن أبدى انزعاجه مراراً وتكراراً مما يرد في خطابات عبد السلام عارف.

 

لقد تبنت القوى القومية والبعثية عبد السلام عارف ودعمته تحت شعار الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، من دون مراعاة لاختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية بين البلدين، ومن دون مراعاة التركيب القومي للمجتمع العراقي، رافضين إتاحة الفرصة لإحداث التغييرات اللازمة في الهياكل السياسة والاقتصادية، والاجتماعية في الوطن.

 

بدأت تلك القوى منذُ الأيام الأولى للثورة تسيّر التظاهرات المطالبة بالوحدة الفورية دون أن تستخلص التجربة من وحدة سوريا مع مصر التي جرت بصورة مستعجلة، وأدت إلى ظهور تناقضات واسعة وعميقة بين البلدين، والتي قادت إلى الانفصال فيما بعد.

 

لقد اتهمت تلك القوى بقية القوى السياسية الوطنية بالشعوبية، والقطرية وغيرها من الاتهامات المشينة لأنها أرادت التريث في الأقدام على خطوة خطيرة كهذه بالنسبة لمصير الشعب والوطن، وإيجاد أفضل الوسائل والسبل الكفيلة بإقامة أوسع الروابط مع الجمهورية العربية المتحدة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وصولاً إلى الوحدة فيما بعد، على أن تكون قائمة على أُسس ديمقراطية حقه، ويقرر الشعب نفسه عبر انتخابات برلمانية حرة ونزيهة.

إن الوحدة العربية أملٌ كبيرٌ وعزيزٌ على كل عربي محب لأمته، غير انه كان من الضروري الأعداد لها بمنتهى التبصر والحكمة وعدم التسرع لتجنب الأخطاء التي وقعت فيها الوحدة السورية المصرية، لكن عبد السلام عارف والسائرين وراءهُ، ومحاولات التدخل من جانب السفارة المصرية لفرض الوحدة، أدت إلى تعمق الانشقاق في صفوف الحركة الوطنية.

ولم يكتف عبد السلام عارف بخطبه الجوفاء تلك، بل سارع إلى إصدار صحيفة [صوت الجماهير] الناطقة باسمه، وترأس تحريرها الدكتور الدكتور [سعدون حمادي] أحد قياديي حزب البعث مخالفاً بذلك قانون الصحافة، ومتجاوزاً كونه الشخص الثاني في حكومة الثورة، وقد أستخدم تلك الصحيفة لإشاعة مفاهيم غير متفق عليها فيما يخص قيام الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، ولعبت تلك الصحيفة دوراً خطيراً في شق الصف الوطني منذُ الأيام الأولى للثورة.

 

لقد حذر الزعيم عبد الكريم قاسم رفيقه في الثورة عبد السلام عارف من مخاطر تلك التصرفات وأثارها السلبية على مصير الثورة والشعب، وأضطر عبد السلام عارف تحت ضغط عبد الكريم قاسم إلى التنازل عن ملكية الصحيفة تلك، لكنه سلمها لحزب البعث لكي تستمر على سياستها الهادفة إلى شق وحدة الشعب وقواه السياسية الوطنية المنضوية تحت راية جبهة الاتحاد الوطني، وخيمة ثورة 14 تموز المجيدة.

 

وبعد عشرة أيام من قيام الثورة زار العراق مؤسس حزب البعث [ميشيل عفلق]، والتقى برفاقه في حزب البعث العراقي مشدداً عليهم ضرورة العمل الجدي من أجل تحقيق الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة.

 

وفي 19 تموز سافر وفد عراقي برئاسة عبد السلام عارف وعضوية عدد من الوزراء إلى دمشق، والتقى الوفد بالرئيس [جمال عبد الناصر]، وجرت مباحثات بين الطرفين انتهت بالتوقيع على اتفاقية للتعاون تضمنت خمس نقاط هي:

  1ـ التأكيد على الروابط بين البلدين، وعلى المواثيق والعهود كميثاق الجامعة العربية، وميثاق الدفاع العربي المشترك.

  2ـ التأكيد على تنسيق المواقف بين البلدين فيما يخص الموقف الدولي، وتصميم الطرفين على التعاون والتنسيق ضد أي عدوان محتمل.

  3ـ التعاون بين الطرفين في مجال العلاقات الدولية، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة ودعم السلم العالمي.

 5 ـ التشاور والتعاون بين البلدين في كل ما يخص الشؤون المشتركة.

وخلال تواجد الوفد العراقي في دمشق أجتمع عبد السلام عارف مع الرئيس عبد الناصر بصورة منفردة، حيث دار بين الجانبين نقاش حول ضرورة إقامة الوحدة الفورية بين البلدين، وعاد الوفد إلى العراق، وعاد عبد السلام عارف يصعّد من حملته الرامية إلى الوحدة الفورية، ومُحدثاً شرخاً كبيراً في صفوف الثورة، والحركة الوطنية للشعب العراقي.

 

واستغلت الإمبريالية وعملائها من قوى الإقطاعيين والرجعيين الذين تضررت مصالحهم من قيام ثورة 14 تموز وإنجازاتها حيث وجدت ضالتها المنشودة في تمزيق وحدة الشعب وقواه السياسية، وبدأت تصب الزيت على النار مستغلة الشعارات التي رفعتها تلك القوى لا حباً بالوحدة ولا رغبة فيها، وهي التي سعت دوماً إلى تمزيق الصف العربي، بل لتمزيق وحدة الشعب العراقي وقواه الوطنية المنضوية تحت راية الثورة، لكي يسهل عليها تمرير مؤامراتها الهادفة إلى إسقاطها، وتصفية كل منجزاتها.

 

كان على الطرف الآخر من المعادلة، وأعني به كل القوى الديمقراطية والشيوعية التصدي لذلك الشعار غير المدروس، والذي رُفع في غير أوانه، حيث بادرت تلك القوى إلى رفع شعار [الاتحاد الفدرالي] مع الجمهورية العربية المتحدة، مع السعي لرفع تلك العلاقة إلى مستوى الوحدة الكاملة عندما تتوفر الشروط الموضوعية لها في المستقبل، وفي ظل جو من الحرية والديمقراطية.

 

وبدأ الصراع يتصاعد في الشارع العراقي، مظاهرات بعثية وقومية تهتف بالوحدة الفورية، وأخرى شيوعية وديمقراطية تهتف بالديمقراطية والاتحاد الفيدرالي، وأخذ الصراع يتنامى في الشارع العراقي ويزداد تعمقاً يوماً بعد يوم، ويتحول شيئا فشيئاً نحو العداء السياسي والخصومة الدموية بين البعثيين والقوميين من جهة، وبين الشيوعيين والديمقراطيين من جهة أخرى، وجرت احتكاكات بين المتظاهرين من كلا الجانبين، وتوسعت تلك الاحتكاكات لتصبح حالة من الصدام الشرس بين الطرفين حلفاء الأمس، وللحقيقة والتاريخ أقول أن الشيوعيين والديمقراطيين كانوا قد بذلوا أقصى الجهود من أجل إعادة اللحمة لجبهة الاتحاد الوطني، والسير معاً لتحقيق آمال وأحلام الشعب العراقي الذي قاسى عقوداً من الزمن من ذلك النظام القمعي الذي أمتهن حقوق الشعب وحرياته، والذي بدد ثروات البلاد في أمور لا تخدم مصالح الشعب المنهك، مما أبقاه في تخلف وجهل، وفقر مدقع.

 

كان الشعب العراقي يخوض خلال تلك الحقبة نضالاً متواصلاً من أجل حريته، وامتلاك ناصية أمره، لكن كل تلك الجهود التي بذلت في هذا السبيل ذهبت أدراج الرياح، فقد كان الطرف المنشق قد عقد العزم على السير حتى النهاية في هذا الطريق، وهكذا تنافر القطبان اللذان كانا بالأمس القريب يعملان يداً بيد  من أجل انتصار الثورة ونجاحها، وتحقيق الأهداف التي ناضل شعبنا من أجلها.

 

ومما زاد في الطين بله دخول الجمهورية العربية المتحدة حلبة الصراع واضعةً كل ثقلها السياسي إلي جانب تلك القوى ضاربةً عرض الحائط بأهم ركن من أركان حركة التحرر العربي، ولم يكن الرئيس عبد الناصر يدري آنذاك أن أولئك الذين رفعوا تلك الشعارات لم يكونوا جادين في أقوالهم، بل أرادوا أن يكون التصاقهم به سلماً يصعدون بواسطته إلى قمة السلطة واغتصابها لا غير. لقد أثبتت الأحداث بعد اغتيال ثورة 14 تموز، على أيدي نفس تلك الرموز في انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963عدم صدقيتهم وإيمانهم بالوحدة، فما أن تسلم البعثيون السلطة أثر نجاح انقلابهم المشؤوم حتى تنكروا لكل شعاراتهم، واستطابوا السلطة واضعين تلك الشعارات على الرف.

كذلك فعل عبد السلام عارف الذي أطاح بحكم البعث في انقلاب 18 تشرين الأول من نفس العام وأستحوذ على السلطة بصورة كاملة، فقد تنكر لكل أقواله وشعاراته حول الوحدة وحبه لعبد الناصر، تلك هي الحقيقة التي لا مراء فيها، فقد كانوا غير وحدويين إطلاقاً، وإنما استخدموا رصيد الرئيس عبد الناصر السياسي والوطني من أجل وثوبهم على السلطة.

 

 هكذا إذاً تعمقت الخلافات بين القوى السياسية، وأشتد التنافر بين القطبين الذين قادا ثورة الرابع عشر من تموز، عبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف، وحدث شرخ كبير بين تلك القوى التي سعت قبل الثورة لأحداث التغيير المنشود، أمل الشعب، الذي ناضل وضحى من أجله خلال عدة عقود، ولم تفد جميع المحاولات لرأب الصدع والرجوع عن الخطأ.

 

لقد وقفت القوى الديمقراطية والشيوعية بكل ثقلها إلى جانب الزعيم عبد الكريم قاسم من أجل الحفاظ على الثورة ومكاسبها وفي خضم ذلك الصراع تم رفع شعار[الزعيم الأوحد]، ذلك الشعار الذي ترتبت عليه أضرار كبيرة على مجمل الحركة الوطنية، وعلى مستقبل العراق السياسي فيما بعد، حيث شجع عبد الكريم قاسم الذي استهواه ذلك الشعار على التوجه نحو الحكم الفردي، بعيداً عن أمال الشعب في قيام حكم ديمقراطي سليم، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة للمجلس التأسيسي، وسن دستور دائم للبلاد، وإطلاق الحريات العامة، حرية التنظيم الحزبي والنقابي، وحرية تأسيس المنظمات المدنية الجماهيرية والمهنية، وتداول السلطة بشكل ديمقراطي سليم .

 

 لكن الحزب الشيوعي انجر هو وجماهيره وراء ذلك الشعار من أجل تغليب كفة عبد الكريم قاسم، والحيلولة دون اغتيال  الثورة وآمال الشعب التي عقدها عليها، وكان لذلك الموقف جانبه السلبي الخطير على مجمل مسيرة الثورة، حيث أخذ عبد الكريم قاسم يتحول شيئًا فشيئاً نحو الحكم الفردي، والاستئثار بالسلطة، وتحجيم بل وضرب تلك القوى التي كان لها الدور الفاعل والرئيسي في رجحان كفته في ذلك الصراع مع القوى البعثية والقومية، وإتباعه لسياسة التوازن بين القوى المدافعة عن الثورة والمتآمرة عليها،وإطلاق يد الجهاز القمعي الذي أنشأه النظام السابق ضد الشيوعيين والديمقراطيين مما أدى إلى انعزاله عن الشعب وقواه الوطنية الديمقراطية، وسهل الأمر للإمبرياليين تنفيذ ونجاح مؤامراتهم الدنيئة يوم الثامن من شباط عام1963، واغتيال ثورة 14 تموز، والآمال التي عقدها الشعب عليها في تحقيق الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.