• تاريخ الماضي الجديد..

بقلم الأسير باسم الخندقجي

تاريخ الماضي الجديد..

 

     لم اجد انسب من هذا العنوان لهذه الكلمات التي اتكئ في كتابتها على كتاب تاريخ اورشليم للباحث والمفكر "فراس السواح"..والذي قراته ثلاث مرات لأخرج كل مرة بحيرة جديدة لاحول مضمون الكتاب بل حولي وشعبي الذي لم يزل حتى بعد هذه اللحظة الحرجة يتلقى بنمطية خانقة تاريخ هذه الارض التي ضاقت بنا جميعاً..إذ هذا الكتاب يستند على معلومات وحقائق تاريخية واثارية بدأت تتكشف على ايدي علماء اثار – يعملون في حقل علم الاثار التوراتي – الراديكاليين منهم والمحافظين الذين لايملك احد ادنى غبار على مصداقيتهم وعلميتهم؟

 

كما ان المؤلف السواح ينطلق في تعامله مع التاريخ من نظرية مفتوحة على الدحض والاثبات والنفي وكافة الاحتمالات على ارض الواقع...ولا يُصّر مفكرنا على ابراز وجهة نظر او مفهوم محدد متأثر بمرجعيات فكرية وغيبية ايضاً .. وفي ظل هذه الهجمة التي لا مثيل لها حتى في الفترة ذات الحروب الصليبية المبكرة اجدني اتوسل الكلمات كي تصرخ في وجه شعبي وامتي حتى يدركون الان واكثر من اي وقت مضى مدى الحاجة الى معرفة يمتلكونها في طريق بحثهم عن الهوية بكافة اشكالها وتجلياتها .

 

إن ثمة مأزق يحاصرنا نحن الفلسطينيون في درب امالنا اليوم الا وهو المنطقية التي تحصرنا اثناء تجلي الحاجة من التغيير والتقدم .. إذ إن ما يدركه الشعب على مستوى المناهج التعليمية والاكاديمية وحتى المستوى الشعبي الجماهيري هي مجموعة تليمات تاريخية منطقية تختزل بفهم خاطئ تاريخ هذه الارض الطيبة حيث كنعان من كنع وفلسطين من بلست ونحن قبل اليهود على هذه الارض واقصانا لا هيكلهم .. ان كل هذه التصورات ليست سوى ؟ انعكاسات مشوه لدراسات تاريخية متوحشة - ان جاز التعبير كفلت قيادتنا نحو مأزق الخوف من التاريخ وفي ذات السياق لايتداول المعلومات والاكتشافات التاريخة الاثارية اليوم في ارضنا المقدسة سوى مجموعة من النخبة الفكرية والثقافية دون ادنى مقدرة على انقاذ هذه المعلومات التاريخة على الميتوى الشعبي والعالمي عموماً .. وهذا ليس من باب التحريض الاعمى والتطرف اللامرغوب فيه .. بل في سبيل خلق الامكانية والقدرة على فهم التاريخ تتجلى المعرفة القادرة بدورها على كسب الصراع في كافة الفضاءات والمجلات بدءاً من الماضي وانتهاءاً بالمستقبل او بأخرى كما ادوارد سعيد "صراع على الماضي لكسب الحاضر"..

 

إن المعرفة الفلسطينية الخالصة في هذه المرحلة التاريخية الاصعب في واقع مسألتنا باتت مطلب ملح في ظل حملات البناء المتبادل والهدم والحفر والاساطير من جانب واحد..علينا ان نبني معرفة قادرة على الاجابة عن مسائل واشكاليات عديدة ومن اهمها نحن كتاريخ وكيف نبلور ونشكل هويتنا التاريخية اللامتناقضة مع الحاضر بل هي استمراريته وسر نجاحنا وتقدمنا فيه.. في نفس الوقت وكما هو الحراك السياسي الفلسطيني في كافة المستويات يتمتع بمستوى من الاحترافية يجب ان يكون حراكنا التاريخي على غراره من خلال طلب العون والمساعدة اللجوء الى مراكز بحثية تاريخية وعلماء اثارة توراتيين مشهود لهم بالدقة والشفافية وتشجيع اجراء الدراسات البحثية ذات الصلة بالموضوع فنحن لا نبني قصتنا وحصتنا من تاريخ الاساطير وميثيولوجيا ما فوق خيالية بل على حقائق تاريخية نبني من مادتها بنائنا التاريخي الشامخ لنطل بكل الحب على العالم .. فالمرحلة القادمة من هذا المستقبل العتيد العاتي لاتاريخ فيها سوى للتكثيف اللحظي ودقة العمل التقني في الممارسة العملية الذ يتجاوز في الية عمل واحدة مئات المراحل .. ومن هنا ماهي الحاجة الى التاريخ الا اذا كانت الرغبة في التسلية والاستجمام يليها العالم الحر من خلال قرائته ومشاهدته للحكايات المسرحيات الدرامية والميلودرامية التي تجري احداثها في مسرح العالم الثالث المؤثث بالدمار والخراب والمجاعات والحروب .

 

ان التعمق في كتاب فراس السواح تاريخ اورشليم يؤدي بنا الى المراجع التي اعتمد عليها صاحبنا في كتابة بحثه .. إذ الاستناد الى علماء اثار وتاريخ من امثال كاثلين كنيون..وتومبسون و فنكلشتاين وغيرهم من المشهود لهم بالمصداقية والموضوعية العلمية يؤكد ثورية الطرح التاريخي الجديد الذي قوّض الكثير من النظريات التاريخية الكلاسيكية ونفاها لدرجة ان احد علماء الاثار التوراتيين من اليمين المحافظ قال في ندوة علمية حول مملكة سليمان الالف ليلة وليلة:"ارجوا ان يعذرني الملك سليمان لأنني لم أجد مملكته ولم اثبت على ارض الواقع حكايته التوراتية"..ولذلك فإن هذا البحث التاريخي الاثاري المهم وغيره من الابحاث الجديدة قد يكون التوطئة المطلوبة للبحث العلمي الدقيق الذي تكتبة الايدي الفلسطينية .. اذاً وبعد هذه الحيرة كيف تتعامل انت الفلسطيني والفلسطينية اليوم مع بعض هذه المعطيات التاريخية الجديدة التالية:1 - السردية التاريخية التوراتية على هذه الارض ليست سوى حكاية ادبية ميثيولوجية مشبعة بالغيبات والاساطير السومرية والبابلية والفرعونية والكنعانية لان كافة اللقى الاثرية في المواقع الاركيولوجية المنقية الى القرن العاشر قبل الميلاد والتي تم تنقيبها على ايدي علماء اثار يهود وغيرهم لاتساعد ولا تخدم السياق التوراتي 2-  لم يكن هناك في القدس سوى يبوس كنعنية صغيرة وهادئة يُزينها معبد كنعاني متواضع للإله بعل وزوجته عشيرة دون ادنى صله بداود وسليمان التوراتيين 3- يبوس المسكينة لاتتسع كرقعة ارض صغيرة لانشاءات سليمان العمرانية من قصور ومقار ادارية واسوار وهيكل..4- ان ارض كنعان بمن فيها وعليها من بني الانسان في العهود القديمة لم يهجرها احد ولم يفد اليها احد يحمل عقيدة معينة ليحتكر الدين والمعبد.فمن نحن اذاً ومن هم .. وهل هويتنا التاريخية تتشكل على نقيض من "هم"..؟

 

بقلم الأسير الصحفي  باسم الخندقجي

 

سجن جلبوع المركزي