• مقبرة الأرقام

باسم خندقجي

مقالات اخرى للكاتب

·        مقبرة الأرقام

 

للتوطئة

تعتبر مقبرة الأرقام من المقابر السرية للجيش الإسرائيلي و التي تحتوي على جثامين المقاومين الفلسطينيين و العرب الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تحرير فلسطين.

 

ولقد تم إكتشاف هذه المقابر بالصدفة من قبل الإخوة في فلسطين المحتلة و من الجديد به أن هذه المقبرة تم إنشائها بعد حرب عام 1967 حين كانت المقاومة تقوم باعمال مميزة ضد الإحتلال الإسرائيلي و تضرب المستعمرات الإسرائيلية بدون هواده وتقوم بإقتحام تلك المستعمرات .

ان الشهيد الذي تم استرداد رفاته اخيراً بعد صراع مرير مع ذلك المحتل كان يقود مجموعة من الابطال المقاومين قاموا بإقتحام إحدى المستعمرات الإسرائيلية الموجودة في غور الأردن وبقي لوحده يقاوم حتى نفاذ ذخيرته من أجل إنسحاب المجموعة التي ترافقه . ومن الجدير باذكر أن الجيش الإسرائيلي يقوم بدفن هذه الجثامين بحفر ليست عميقة مما يمهد للحيوانات المفترسة بنبش القبور و التهام الجثامين .

 

و من هنا تم إنشاء جمعية فلسطينية لحماية جثامين هؤلاء ان هذه المقبرة مازلت موجودة لغاية الآن حيث يتم فيها دفن جثامين أبطال المقاومة  اللبنانية..

 

أرجوكم لا تدفنوا الدموع على هؤلاء الابطال بل اذرفوا الدموع  على حالنا كأمة نسيت تاريخها العريق  المشهود

 

حزن وفرح ومشهور

عند سفح الجبل وأشجار عارورة كانت الأم منذ ربع قرن وأكثر حزناً تنتظر..بع أن قالوا لها :"مشهور طفلك الفدائي المبارك أصبح عريساً .. وبالأمس كان عرسه مفعماً بالدم والرصاص والفداء .. فجودي يا حاجّة بنشيج زغاريدك وباركي له خلوده.."

 

وصَدَحتْ أم مشهور بقلب فخور .. وإن يكن الجرح غائراً وتذوي من شدته عشر زيتونات وأكثر إلاّ أن الأم الفلسطينية هي الإستثناء الخارق للعادة عندما تُكفّن ولدها بثوبها قائلة :"إصعد يا ولدي نجمة تضيء سماء الوطن وخذ معك بعض دمعي وعزّتي بك .. واحمل سلامي لإخوتك من الشهداء والقديسين والأنبياء .. سلام عليهم وعليك آمين.."

 

إلاّ أن الأم الزيتونة صاحبة الجبل لم تشهد طقوس العرس .. ولم تمنح مشهور ورداً وبخوراً ودمعاً تغسل به جسده ..

 

إذ طيلة خمس وثلاثين عاماً كان مشهور رقماً قي قبر مهجور يجاوره أخوة قدّيسون بالتضحيو والفداء .. وقدّيسات ..

 

كان مدفوناً في ذات الأرض المباركة ولكن بلا ضريح ونخيل وزنابق وشاهدة الفاتحة واب وام واخوة يتلون عليه بضع آياتٍ من القرآن ويزورونه دوماً ليبوحوا له بمصير الوطن المقهور وهوْل المرحلة الشرسة التي باتت تُهددنا جميعاً يا مشهور ..

 

كان مجرد رقم في عيون قاتليه وأعدائه الساعين إلى إفناء معنى دمه وقيمة الفداء في روحه وجسده .. وأما في نظر بني وطنه الجميل كان حلماً ولم يزل رفيقاً يُطلق جامَّ ثورته الحمراء من فوّهة بندقيته ويُنشد في ذات المواجهة نشيد الياة وحقنا في الفرح والغناء والحرية ..

 

والآن في آب 2010 .. في أجواء من موسم الحصاد وشهر رمضان المبارك صَدَقتْ النبوءة التي بشرت امه بعودته هو الفارس الاحمر الذي يصرُّ على حقه بالإنبعاث من حالك المصير ليضيء من هالته الثورية الطاهرة درب الإسترداد ودرء الإستلاب عن هويتنا الأصلية ذات الحق والحقيقة وليقول لنا :"كفّوا عن ضيق الغايات وضلال الطريق .. طريق لم يكن أبداً طريقنا وعودوا كما عدت ُ ويعود الشهداء سالمين من الخديعة والإنكسار.."

 

واليوم نعود معه .. إذ هو رمز الانبعاث والعودة .. وتجلّي التمثيلات والمحددات التي باتت تراثية .. الآن بعد أكثر من ربع قرن يعود ببزّته الفدائية المُزيّنة بالنجمة الحمراء .. مشهور إبن الجبال حيث أمه لم تسأم إنتظار عودته كي يشاركها بساعديه السمراويْن موسم الحصاد .. ويشدو برفقتها أغاني الزيتون والأقحوان التي تشحذ الهمم وتبارك الأمل والصمود ..

 

آه يا أم مشهور كم عدنا معه .. مع رفيقنا الخالد وتعالينا على غربتنا الحديدية وأإلال الخذلان .. وكم كنتِ أنتِ حزينة وسعيدة بعودته ..

 

فاهنئي واحتفي به حزناً وفرحاً في أعياد قادمة تُمسّدين بها جسده المعجزة وتُرتلين له بووردك ومائك المقدّس القرآن والوطن ترتيلاً بعد ربع قرن وأكثر قليلاً .. فكم هو ضمير الإنسانية مُشوّه ٌ ومُبعثر ٌ ومدفون يا أُم مشهور !

 

الأسير الصحفي باسم خندقجي

 

سجن جلبوع المركزي