• ازمة اخلاق ..يوم الجمعة

باسم خندقجي

مقالات اخرى للكاتب

          ازمة اخلاق ..يوم الجمعة

 

عادةً لا امارس الكتابة والقراءة في يوم الجمعة الذي لطالما كان يوماً لإعادة ترتيب الاحلام وزرع المزيد من الامل في حديقة التحدي والانتظار .. ولكن هو الاستثناء التي عكسته اسباب كثيرة تدعوني الى تجاوز الى اي شيء هام في لحظة واحدة ..ومن اهم هذه الاسباب هو انني ومثل كل الناس في مثل هذا الوقت من السنة .. قمت بإعداد ملابسي واغطيتي الشتائية استعداداً لإستقبال فصل الشتاء وامطاره وبرده .. لا برد هذه الغربة الحديدية ..

 

قمت بتحضير كل شيء .. وضعت غطائي الناعم الثقيل المفضل لدي بجانبي على السرير .. ثم انتظرت في كل ليلة من ليالي نوفيمبر فلم يأتي الشتاء ولم يسعفني المطر بأيةِ قصيدة وجاء ديسمبر الذي يذكرني للوهلة الاولى برجل الثلج فالرسوم المتحركة وشجرة الميلاد التي كنت اطالب ابي بمثلها في بيتنا الجميل جدا في اخر السنة .. دون ادنى قطرة مطر ..

 

انتظرت بلا غطاء وحميمية متقلباً في السرير اراقب الغطاء الساكن وفجأة ضحكت .. ضحكت بحرارة ومرارة كممثل مسرحي في فصل مليئٍ في الكوميديا السوداء .. آه .. تذكرتْ .. هذا زمن الاحتباس الاخلاقي وليس الحراري ومن اهم الاسباب التي دعتني الى تجاوز عادة الجمعة هي موسم الحج .. وهنا بالتحديد أحمُدُ الله ان ابي قام بأداء فريضة الحج المقدسة قبل 28 عاماً .. وقت ذاك لم يكن هناك في الغربة الحديدية اسرى قدامى ولا وزارات ومكاتب .. ولكن الذين يقبعون الآن منذ اكثر من 20 و30 عاماً وراء القضبان لم يتبّقى لهم سوى الله وبعض امهاتهم وابائهم .. هم قرابين هذا الوطن قرباننا الاكبر يبتغون بعد كل هذه الخسارات والآلام مرضاة ربهم وأهلهم .. هاهم قد خُذِلوا .. ولم تذهب ام الاسير سامر المحروم الذي يقبع خلق القضبان منذ ربع قرن تقريباً الى مكة المكرمة والمدينة المنورة .. وآخرين ايضاً مثل سمير النعنيس ابومحمد لأسباب غير معلومة على الارجح .. وفي يوم الجمعة أعتقد ان الام التي تصبر على الم الفقدان وشوقها الى ابنها المحرومة منه منذعقود تستحق ان تكون .. قدّيسة وليست حاجة فقط ..

 

ثمة سبب اخر يا يوم الجمعة .. أصبر عليّ ففي وطننا .. اقصد فيما يشبه الوطن اصبح لدينا قطاع اقتصادي يتمتع بحرية السوق والتنافس والايدي الخفية ودعهُ يعمل دعهُ يمرّ .. دعني يا يومي من الاهتمام بكً اليوم لأن الحياة حيث اهلي واهلنا لم تعد تطاق في زمن الاصوات الحرّة التي تعكس ذاتها على الثقافة والمجتمع والاخلاق .. إذ هي ازمة اخلاق بالفعل ..عندما لا ندرك حاجتنا من التغيير والتحرر من هذا الوهم والواهن الذي اصبح واقعاً لا فكاك منه سوى بالهدم والصراخ الجماعييْن حيث لا احد يدرك احد فليرحم الله الشهداء والاحبة .. وآخر الاسباب في هذه الورقة على الاقل يا أيها اليوم العزيز هي ان المرأة التي لم أعلم حتى هذه اللحظة هل هي التي هجرتني ام انا الذي هجرتها .. المرأة التي احب .. والتي تمنحني في كل لحظة كلمة وفي كل برد حديدي شعاع دفء .. باتت اماً لطفلٍ جميل لا اعلم ما أسمه ..ولا اعلم ايضا لماذا ارسلت لي صورته بأسلوبها الغامض وللمباشر دوماً .. ولكن لا ضيْر من سُهاد ونباريح وذاكرة للقصيدة القادمة ..

 

ولآن يا ايها الساكنون الخاوون على هذا الكوكب .. نحن نعيش في عالم يعاني من ازمة اخلاقية ..

 

نحن جميعاً متواطئون بشكل او بآخر في تعقيد هذه الازمة وفداحتها ..

 

ما العمل اذاً في زمن الابراج والابنية التي تعتقد انها صلبة الاسس ومتينة البناء ...

 

ماذا نفعل يا يوم الجمعة  ؟ !

 

 الأسير باسم خندقجي

سجن شطة المركزي