اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• في الاشتراكية العلمية، لا مجال لتوظيف الدين في الأمور الأيديولوجية، والسياسية - صفحة2

العلاقة بين الاشتراكية والعلمية:

ونحن، عندما نبحث في الأسس التي تقوم عليها الاشتراكية، نجد أن من بين أسسها، أن تكون هناك قراءة علمية للواقع، في تطوره، من أجل إدراك القوانين المتحكمة فيه، والعمل على تعطيل تلك القوانين، لتحل محلها قوانين أخرى، تنقل الواقع الرأسمالي، مثلا، إلى واقع نقيض، تتحول فيه ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية، ليتحول النظام، إلى نظام اشتراكي، وما دامت الاشتراكية تقوم على الأسس العلمية، فإن الاشتراكية، لا يمكن أن تكون إلا علمية.

والعلمية في تحليل الواقع الاجتماعي، لا بد أن تكشف التناقضات القائمة فيه، سواء كانت تلك التناقضات ثانوية، أو رئيسية، ودور تلك التناقضات في تفعيل الصراع الطبقي، في مستواه الديمقراطي، وفي مستواه التناحري، ودور ذلك الصراع في الانتقال من تشكيلة اقتصادية / اجتماعية، إلى تشكيلة اقتصادية / اجتماعية أرقى، كما حصل في الصراع الذي عرفته التشكيلة العبودية، الذي أدى إلى قيام التشكيلة الإقطاعية، وفي الصراع الذي عرفته التشكيلة الإقطاعية، الذي أدى إلى قيام التشكيلة الرأسمالية، وفي الصراع الذي تعرفه التشكيلة الرأسمالية، الذي لا بد أن يؤدي، في مرحلة معينة، إلى قيام التشكيلة الاشتراكية.

ذلك أن فرز التشكيلة الأرقى، يقتضي قيام صراع بين الطبقة التي تمارس الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، وبين الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال.

والعلمية تقتضي، كذلك، انبثاق وعي طبقي، في صفوف الطبقات المتصارعة. وهذا الوعي، يرتبط بالأساس، بالمصالح الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والوعي بالمصلحة الطبقية، المؤدي إلى ضرورة الاقتناع بضرورة ممارسة الصراع، في مستوياته المختلفة، وهو الذي يسمى بالأيديولوجية، أي الوعي الأيديولوجي، وأي تعبير عن ذلك الوعي، يسمى تعبيرا أيديولوجيا.

فالأيديولوجية، إذن، هي التعبير بواسطة الأفكار، عن المصالح الطبقية، لطبقة اجتماعية معينة، حتى يؤدي، ذلك التعبير، إلى توحيد أصحاب المصالح الطبقية، حول أيديولوجية معينة، تؤدي بهم إلى إنشاء حزب معين، أو الانتظام فيه، من أجل أن يدافع، بواسطة التعبير السياسي، عن المصالح الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لطبقة معينة، ومن أجل تسييد تلك المصالح، وجعلها تعبيرا عن المصالح الطبقية للمجتمع برمته، في أفق صيرورة الطبقة، صاحبة المصالح، طبقة حاكمة.

والأيديولوجية، عندما تصير معبرة عن مصالح المتحكمين (الأسياد)، في المجتمع العبودي، صارت أيديولوجية العبيد، وعندما تعبر عن مصالح المتحكمين (الإقطاع)، في المجتمع الإقطاعي، صارت أيديولوجية الإقطاع هي أيديولوجية الأقنان، وعندما تصير الأيديولوجية معبرة عن مصالح المتحكمين (البورجوازية)، صارت معبرة عن مصالح المجتمع الذي تحكمه البورجوازية، وعندما تصير الأيديولوجية معبرة عن مصالح الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال، وفي طليعتها الطبقة العاملة، تصير أيديولوجية الكادحين، التي لا تعبر إلا عن مصالحهم.

ومن الضروري، أن نأخذ بعين الاعتبار، أن الأيديولوجيات المعبرة عن مصالح الطبقات المستغلة (بكسر الغين) هي أيديولوجيات تضليلية، تهدف إلى تضبيع جميع الكادحين، حتى ينساقوا وراء الحكام، من منطلق: أن حلول جميع المشاكل، التي يعاني منها كادحو المجتمع بأيديهم، إلا أيديولوجية الطبقة العاملة العلمية، باعتبارها أيديولوجية الكادحين، التي تقوض التضليل، وتنشر الوعي الطبقي في صفوف الكادحين، وعلى أسس علمية دقيقة.

وجميع الأيديولوجيات، المعبرة عن المصالح الطبقية في المجتمع، تؤدي إلى تكتل أصحاب تلك المصالح، في أحزاب سياسية، تقود الصراع في المجتمع، من أجل تسييد تلك المصالح، ومن أجل حمايتها، ومن أجل الوصول إلى السلطة لخدمتها، وتثبيتها، وجعل الطبقات الاجتماعية الأخرى في خدمتها، لتصير بذلك مصالح المجتمع برمته.

والأحزاب السياسية، الساعية إلى حماية المصالح الطبقية المختلفة، تنطلق في تحليلها للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من منطلقات محددة. وهذه المنطلقات، تكون إما مثالية، وإما مادية.

والتحليل المثالي، الذي ينطلق من الخرافة، أو من الدين، أو حتى من العقل المطلق، لا يمكن أبدا أن يصير تحليلا علميا، لا يهدف إلا إلى تقرير اعتماد منهجية معينة، لتثبيت الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل، أو من أجل تقرير شرعية الاستغلال، غير المشروع، للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وشرعية النهب، الذي تمارسه الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال، لثروات الشعب، وشرعية القوانين المكرسة للعبودية، والاستبداد، والاستغلال.

أما التحليل المادين المنطلق من معطيات الواقع المادي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والموظف لقوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، فيهدف إلى إعداد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الحاملين للوعي الطبقي الحقيقي، لخوض الصراع، بقيادة حزبهم، الذي لا يمكن أن يكون إلا حزب الطبقة العاملة، الساعي إلى تحقيق الاشتراكية، التي لا تقوم إلا على أساس انتقال ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية، من أجل وضع حد لاستغلال الإنسان، لأخيه الإنسان، ماديا، ومعنويا، ولتحقيق المجتمع الاشتراكي، الذي يتحكم فيه التحالف الطبقي، بقيادة الطبقة العاملة، في إطار الوصول إلى تحقيق الدولة الاشتراكية، التي لا يمكن أن تكون إلا دولة تقدمية / علمانية / ديمقراطية، ودولة الحق، والقانون، كما هي في المفهوم الاشتراكي، وصولا إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، وخدمة قيمة الإنسان، كما تفهمه الاشتراكية، لقطع الطريق أمام إمكانية انفراز استغلال من نوع جديد، كما حصل في المجتمع الاشتراكي، في الاتحاد السوفياتي السابق، مما أدى إلى عودته إلى النظام الرأسمالي.

والاختلاف بين التحليلين، على مستوى المنطلقات، وعلى مستوى المنهج الموظف، والقوانين المتبعة، وعلى مستوى النتائج المتوصل إليها، يعتبر مسألة موضوعية، نظرا للاختلاف القائم، بين الجهات القائمة بالتحليل، والتي تختلف منطلقاتها، والأهداف التي تؤدي إلى الوصول إلى تحقيقها، ونظرا للاختلاف الجوهري القائم بين المنطلقات المثالية، مهما كانت، وبين المنطلقات المادية، ونظرا للاختلاف القائم بين مناهج التحليل المثالية، وبين منهج التحليل المادي، والمادي التاريخي، ونظرا للاختلاف القائم بين النتائج المتوصل إليها، عن طريق اعتماد المناهج المثالية، والتي لا تكون، كذلك، إلا مثالية، أو عن طريق اعتماد المنهج المادي الجدلي، والمادي التاريخي، والتي لا تكون إلا علمية.

فالمثالية، والمادية، لا يلتقيان أبدا، وعلى جميع المستويات؛ لأن المثالية تغرق في متاهات التضليل، ولأن المادية لا تنتج إلا الوضوح في الفكر، وفي الممارسة، وفي الأهداف، حتى لا يتيه المتلقي، ومن أجل أن يعمل على تغيير واقعه، تغييرا جذريا، حتى يصير في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

ومعلوم أن الأحزاب التي توظف المنهج المثالي (الديني، والخرافي، والفكري)، لا يمكن أن تكون إلا الأحزاب الإقطاعية، والبورجوازية، والبورجوازية الصغرى، والأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، التي من مصلحتها تضليل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل إخضاعهم لكافة أشكال الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يقود إلى الاستفادة الواسعة للمستغلين (بكسر الغين)، وللمستفيدين من الاستغلال، وإلحاق الضرر العميق بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

أما الأحزاب التي توظف المنهج المادي الجدلي، والمادي التاريخي، فهي أحزاب الطبقة العاملة، التي لا تسعى إلا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية، لمجموع أفراد المجتمع، باعتبارهم متساوين في الحقوق، وفي الواجبات، وأمام الدولة الاشتراكية، التي لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية ديمقراطية، علمانية، ودولة للحق، والقانون، كما تتصورها الاشتراكية.

ولذلك، فالعلاقة القائمة بين الاشتراكية، والعلمية، هي علاقة جدلية، وعلاقة عضوية، وعلاقة تطابقية.

فالعلاقة الجدلية، تجسد التفاعل القائم بين الاشتراكية، كملكية جماعية لوسائل الإنتاج، وكتوزيع عادل للثروة، وكنظام اشتراكي محكوم بالدولة الاشتراكية، كدولة ديمقراطية، تقدمية، علمانية، وكدولة للحق، والقانون، حسب المفهوم الاشتراكي، وكدولة تعد المجتمع الاشتراكي إلى المرحلة الأرقى، بعد التخلص من النظام الرأسمالي، على المستوى العالمي، وبين قوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، المتطورة باستمرار، بصيرورة الاشتراكية، مساهمة في تطور، وتطوير القوانين المادية، والتاريخية، التي تعمل بدورها على تطور، وتطوير الاشتراكية، في الاتجاه الأرقى، وهو ما يترتب عنه التطور المستمر للاشتراكية، وللعلمية، في إطار التفاعل المستمر بين الاشتراكية، والعلمية.

والعلاقة العضوية بين الاشتراكية، والعلمية، ناجمة عن كون الاشتراكية، هي نتيجة للتطور العلمي، الذي عرفته البشرية، حتى جاء ماركس، واكتشف المادية الجدلية، بعد أن درس جدلية هيجل المثالية، وأعاد النظر في منطلقاتها المثالية، لتصير منطلقات مادية، مساعدة على ضبط القوانين العلمية، التي مكنت من قراءة الواقع الاقتصادي، والاجتماعين والثقافي، والسياسي، ومعرفة ما يجب عمله، من أجل القيام بالتغيير اللازم، لصالح الطبقات المقهورة في المجتمع، بالإضافة إلى قراءة التاريخ قراءة مادية، للوقوف على التشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية، التي عرفها في مراحله المختلفة، وصولا إلى ضرورة تحقيق التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية الاشتراكية، إذا نضجت شروط قيامها، لنصل إلى أن العلمية، هي الارتقاء بالمجتمع إلى تحقيق الاشتراكية، وفي نفس الوقت، فإن حاجة البشرية إلى تحقيق الاشتراكية، هي التي وقفت وراء اكتشاف القوانين العلمية، من منطلق مادي، كما وقفت وراء تفعيل تلك القوانين، من أجل الوصول إلى تحقيق الاشتراكية، لتصير العلمية، بمعناها المادي، هي الاشتراكية، والاشتراكية هي العلمية، مما يجعل العلاقة العضوية قائمة بينهما.

والعلاقة التطابقية بين الاشتراكية، والعلمية، هي التي تجمعها عبارة "الاشتراكية العلمية"، التي اعتبرها الشهيد عمر بنجلون، في تقديم التقرير الأيديولوجي، وسيلة، وهدفا، في نفس الوقت؛ لأننا عندما نقبل على دراسة واقع معين، من أجل الوصول إلى معرفة ما يجب عمله، لتحقيق الاشتراكية، فإننا نحتاج إلى منهج الاشتراكية العلمية، المحكوم باعتماد قوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، حتى نمتلك نظرية صحيحة، عن ذلك الواقع، نعتمدها من أجل العمل على تحقيق الاشتراكية، التي تتحقق باعتماد قوانين الاشتراكية العلمية، التي لا يمكن أن تكون إلا اشتراكية علمية.

ولذلك فالتطابق قائم بين الاشتراكية، والعلمية؛ لأن أية اشتراكية، لا تكون علمية، فهي مجرد تضليل للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بهدف صيرورتهم في خدمة البورجوازية، أو البورجوازية الصغرى، أو التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.

وسواء كانت العلاقة بين الاشتراكية، والعلمية، جدلية، أو عضوية، أو تطابقية، فإن الاشتراكية لا يمكن أن تكون إلا واحدة، وهي الاشتراكية العلمية.

المنطلقات العلمية، واللا علمية، في علاقة الفكر بالواقع:

ونحن، عندما نعتمد أي منهج، لا بد أن نجد له منطلقات معينة، ينطلق منها في عملية البناء المنهجي، الذي يصير ضروريا لبناء فكر معين، أو لإجراء بحث معين.

والمنطلقات المعتمدة في مختلف المناهج، تكون إما علمية، أو غير علمية. وهذا الاختلاف في المنطلقات، هو الذي يحدد طبيعة المنهج المعتمد: هل هو منهج علمي، أو غير علمي، وهل يؤدي إلى استنتاج نتائج علمية، أو غير علمية.

فالمنطلقات، أو المسلمات العلمية، هي التي تؤدي إلى بناء منهج علمي، يعتمد في التحليل الملموس، للواقع الملموس، والمنطلقات العلمية، لا يمكن أن تكون إلا مادية ملموسة، تدرك حدودها، وأبعادها، وتاريخها، وتطورها، إدراكا علميا دقيقا، حتى تصير صالحة للانطلاق منها، في بناء المنهج العلمي الدقيق، الذي نعتمده في دراسة الواقع العلمي، دراسة عينية دقيقة، من أجل الوصول إلى نتائج علمية دقيقة، تعتمد في بناء نظرية علمية عن الواقع، في تجلياته، وأبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل اعتماد تلك النظرية في التعامل مع الواقع المدروس، من أجل العمل على تطويره / تغييره إلى الأحسن، انطلاقا من تلك النظرية القابلة للتحول، إلى ممارسة عينية في الواقع المدروس.

فطبيعة المنهج المعتمد على منطلقات علمية، لا يكون إلا منهجا علميا، والدراسة بواسطة المنهج العلمي، لا تكون إلا علمية. والنتائج المتوصل إليها، لا تكون إلا علمية، واعتماد تلك النتائج في التعامل مع الواقع المدروس، من أجل تطويره ـ تغييره، لا يكون إلا تعاملا علميا. والأدوات المعتمدة في عملية التطوير ـ التغيير، لا تكون إلا أدوات علمية.

وعندما تختلف المنطلقات العلمية، يختلف المنهج العلمي، وتختلف النتائج، ويختلف التطوير ـ التغيير، وتختلف الأدوات.

كما أن الواقع المدروس، عندما يختلف، تختلف المنطلقات، ويختلف المنهج، وتختلف النتائج، ويختلف التطوير ـ التغيير.

فنحن أمام إمكانيات علمية، ومنهج علمي، ونتائج علمية، وأدوات علمية، وتطوير ـ تغيير علمي، لا يمكن أن يصير مضللا، بقدر ما يبسط الوضوح في الواقع، وفي النظرية، وفي الممارسة، لبناء مجتمع على أساس من الوضوح، في كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير في خدمة الجميع، وفي إطار مجتمع متحرر، وديمقراطي، واشتراكي متطور، ومتحول باستمرار، في اتجاه الأرقى.

أما المنطلقات غير العلمية، فهي منطلقات، لا يمكن أن تكون إلا مثالية. والمنطلقات المثالية، يمكن أن تكون منطلقات دينية، أو خرافية، أو في إطار ما عرف في الفلسفة القديمة بالعقل المطلق، وغير ذلك من المثاليات، التي لا حدود لها.

واعتماد المنطلقات المثالية، لا ينتج إلا منهجا مثاليا، والمنهج المثالي، لا يوظف إلا في الدراسة المثالية، والنتائج المتوصل إليها لا تكون إلا مثالية، والنظرية التي تبنى على تلك النتائج، لا تكون إلا نظرية مثالية، واعتماد تلك النظرية في التعامل مع الواقع، لا يمكن أن يؤثر في الواقع إلا تأثيرا يقضي بتأبيده كما هو، أو بإعادة إنتاجه، أو برجوعه إلى الوراء.

وعدم علمية المنطلقات المثالية، ينتج عدم علمية المنهج المثالي، وعدم علمية المنهج المثالي، ينتج عدم علمية النتائج المتوصل إليها، التي تقف وراء عدم علمية النظرية المثالية، المعتمدة في التعامل مع الواقع، لتنتج لنا عدم علمية الممارسة، التي لا تكرس إلا ما هو قائم، أو تعيد إنتاجه، أو تفرض عليه مخلفات الماضي.

وكما تختلف المنطلقات العلمية، تختلف كذلك المنطلقات المثالية، لتتعدد مناهجها المثالية، وتتعدد النتائج المثالية المترتبة عن تفعيل المناهج المثالية، لتختلف بذلك النظريات المثالية، المبنية على أساس تلك النتائج، ليختلف بذلك الواقع المستهدف، بكل نظرية مثالية على حدة، لإنتاج ممارسة مثالية مختلفة.

فالمنطلقات المثالية الدينية، تختلف باختلاف الأديان، لإيجاد مناهج دينية مختلفة، يقود تفعيلها إلى الوصول إلى نتائج مثالية دينية مختلفة.

وبذلك، نجد أن منطلقات ديانة موسى، ليست هي منطلقات ديانة عيسى، وليست هي منطلقات الدين الإسلامي، وليست هي منطلقات الديانة البوذية، أو الوثنية؛ لأن الاختلاف في المنطلقات من دين، إلى دين آخر، يؤدي إلى اختلاف المنهج من دين، إلى دين آخر، كما يؤدي إلى اختلاف النتائج من دين، إلى دين آخر، لتختلف النظرية الدينية، كذلك، من دين، إلى دين آخر. وهو ما يؤدي إلى اختلاف الممارسة من دين، إلى دين آخر.

وما قلناه عن الأديان، نقوله كذلك عن المذاهب الدينية، التي تختلف منطلقاتها، في إطار الدين الواحد، لتختلف مناهجها، تبعا لذلك، مرورا بالنتائج، والنظريات المذهبية، التي تنتج ممارسات مختلفة، إلى درجة التناقض، في إطار الدين الواحد.

والمنطلقات الخرافية، تختلف باختلاف الخرافة، وباختلاف الموظفين لتلك الخرافة، ومصادرها، واختلاف المجال الذي أنتجها، ليختلف بذلك المنهج الخرافي، لتختلف النتائج الخرافية، التي تبنى على أساسها نظرية خرافية، تنتج ممارسة خرافية، في واقع لا يكون قائما، إلا على أساس الإنتاج الخرافي.

وما قلناه عن المنطلقات الدينية / المثالية، والمنطلقات الخرافية / المثالية، ينسحب على منطلقات العقل، أو العقول المثالية، التي تختلف باختلاف الأشخاص القائلين بها، أو العاملين على ترسيخها في الفكر، وفي الممارسة، والتي تتأسس على مناهج تختلف باختلاف منطلقات العقول المثالية، لتختلف بذلك النتائج المتوصل إليها، التي تقوم على أساسها نظريات مثالية، تنتج لنا ممارسات مثالية، في مجتمعات محكومة بالعقول المطلقة، والتي لا رأي فيها للمجتمع المستهدف بالحكم.

والمنطلقات المثالية، سواء كانت دينية، أو خرافية، أو عقول مطلقة، هي منطلقات:

1) لا علمية، لمثاليتها، ولا يمكن أبدا أن تعتمد لإنتاج المعرفة العلمية بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

2) مكرسة للإطلاقية، على مستوى المنهج، والنتائج، والنظريات، والممارسات المبنية عليها.

3) تعمل باستمرار، على إدخال الواقع في قوالبها الجاهزة، مما يجعل الواقع مشوها باستمرار، فكأن الواقع، وجد ليصير كما تريده كل ديانة، أو كما تصوغه الخرافات، أو كما تتصوره العقول المطلقة.

4) تجعل الإنسان في الواقع، يكتسب قيمته، من خلال قبوله بالتشكل، وفق ما تقتضيه القوالب الجاهزة: الدينية، أو الخرافية، أو العقلية المطلقة.

5) تعادي العلم، والمعرفة العلمية، والمنهج العلمي، لكونها تكشف عجز المنطلقات الدينية، والخرافية، والعقلية المطلقة، عن أن تكون أساسا، ومنطلقا للتفاعل مع الواقع.

وإذا كانت المنطلقات المثالية لا علمية، ومكرسة للإطلاقية، وتعمل على إدخال الواقع في قوالبها الجاهزة، وتجعل الإنسان يكتسب قيمته من خلال قبوله بالتشكل، وفق ما تقتضيه القوالب الجاهزة، وتعادي العلم، والمعرفة العلمية، والمنهج العلمي، فإنها تتناقض تناقضا مطلقا، مع المنطلقات العلمية، التي تعتبر، في حد ذاتها، قوة قاهرة، للمثالية التي تصير، مع مرور الأيام، عاجزة عن الصمود أمام المادية، خاصة في ظل التحولات، التي يعرفها العالم الرأسمالي بالخصوص، والتي لا بد أن تنعكس سلبا، أو إيجابا على الأنظمة الرأسمالية التابعة. تلك التحولات، التي لا يمكن فهمها، إلا باعتماد المنطلقات العلمية، لبناء منهج علمي، لدراسة واقع الأزمات الرأسمالية، من أجل الوصول إلى نتائج، تعتمد لبناء نظرية علمية، حول ما يجري في إطار النظام الرأسمالي، والعمل على نقل النظرية إلى الممارسة، من أجل تغيير واقع النظام الرأسمالي، وتحويله إلى نظام اشتركي، لضمان صيرورة الخيرات المادية، والمعنوية، في خدمة إنسانية الإنسان.

للمتابعة على الصفحة الثالثة / انقر التالي ادناه

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.