اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• في الاشتراكية العلمية، لا مجال لتوظيف الدين في الأمور الأيديولوجية، والسياسية - صفحة4

المنطلقات اللا علمية منطلقات تاريخية:

وبعد وقوفنا على المنطلقات اللا علمية، وما يترتب عنها، والمنطلقات العلمية، وما يترتب عنها، ضد مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو لصالحهم، نصل إلى مناقشة كون المنطلقات اللا علمية، منطلقات تاريخية.

فالشيء، أي شيء، وكيفما كان، إما أن يصير في ذمة التاريخ، وإما أن يوجد قائما، ومستمرا في الواقع؛ لأن الواقع متحرك باستمرار.

والأفكار التي يحملها الإنسان، قد تكون أفكارا تاريخية، لم تعد صالحة للاستمرار في الواقع، وإما أن تكون أفكارا واقعية، مستمرة في الواقع.

والمنطلقات المنهجية، كالأشياء، والأفكار قد تكون منطلقات تاريخية، وقد تكون منطلقات واقعية.

والتاريخي، بالنسبة إلينا، كل ما دخل في ذمة التاريخ، ولم يعد صالحا للاستمرار؛ لأنه استنفذ مرحلته. وإذا تمت استعادته، وفرض بالقوة على الواقع، فإنه يصير معرقلا لتطور الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لأنه يتحول إلى جسم غريب عن الواقع، سواء كان شيئا، أو فكرة، أو منطلقا منهجيا.

وكون التاريخي دخل في ذمة التاريخ، لا ينفي ضرورة استحضار العناصر الإيجابية فيه، من أجل الأخذ بها، حتى تساعد على تطوير، وتطور الواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لتصير بذلك جزءا من الواقع، ومكونا من مكوناته. والأخذ بتلك العناصر الإيجابية، كمنطلقات، يصير بمثابة المنطلقات العلمية، التي لا يمكن اعتبارها، أبدا، منطلقات تاريخية.

فالقيم الإنسانية النبيلة، المستمدة من نصوص الدين الإسلامي، تعتبر جزءا من الواقع، ومكونا من مكوناته، والأخذ بها، كمنطلقات، باعتبارها من مكونات الواقع، يدخل في إطار المنطلقات العلمية، لبناء المنهج العلمي، الذي يقود إلى نتائج، من بينها، ضرورة استثمار العناصر الإيجابية، المستمدة من المنطلقات التاريخية.

وما قلناه عن القيم الإنسانية، المستمدة من النص الديني الإسلامي، نقوله، كذلك، عن قيم العقل المثالي، الإيجابية، التي يعتبر الأخذ بها من سمات التطور، الذي تعرفه البشرية، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للدياليكتيك الهيجلي، الذي اعتمده ماركس، وطوره، ليصير دياليكتيكا ماركسيا علميا.

وهكذا، يمكن أن نعتبر كل القيم الإنسانية النبيلة، المستمدة من التراث الإنساني، ومن التراث العربي الإسلامي، جزءا لا يتجزأ من الواقع، ومكونا من مكوناته، حتى تصير منطلقات علمية.

وكون تلك القيم، مستمدة من واقع محكوم بالتصور المثالي: الديني، أو الخرافي، أو العقلي المثالي، لا ينفي عنها صيرورتها واقعا ماديا، يصير منطلقا ماديا علميا.

غير أن القاعدة العلمية، تفرض أن أي منطلق ديني، أو خرافي، أو عقلي مثالي، هو منطلق لا علمي، ولا يمكن أن يصير أساسا لبناء منهج علمي، ولا تصير نتائج المنهج اللا علمي نتائج علمية، ولا يمكن أن تؤسس على تلك النتائج نظرية علمية، ولا يمكن أن تصير النظرية اللا علمية مصدرا للممارسة العلمية، ولا يصير الواقع، بالممارسة اللا علمية، واقعا متطورا.

ولذلك، فمنطق الواقع العلمي، يقضي بأن الأخذ بالمنطلقات اللا علمية، سوف يقف وراء:

أولا: إعادة إنتاج نفس الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي القائم، والذي لا يمكن أن يمكن الإنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

ثانيا: المحافظة على تكريس التخلف، في مستوياته المختلفة، المنتجة للإنسان المستلب: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

ثالثا: تكريس الاستبداد القائم، بمظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، أو العمل على تحقيق الاستبداد البديل، الذي يغرق المجتمع في المزيد من الحرمان من كافة الحقوق.

رابعا: استمرار تحكم نفس النظام المخزني المتحالف، مع البورجوازية الخليعة، والمتعفنة، ذات الأصول الإقطاعية، ومع الإقطاع المتخلف.

خامسا: استمرار معاناة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من الحرمان، والقهر، والاستغلال الهمجي.

سادسا: استمرار حرمان الجماهير الشعبية، من حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

سابعا: استمرار الحكم بنفس الدستور الممنوح، اللا ديمقراطي، واللا شعبي، الذي يضمن تكريس الاستبداد القائم، ويمكن الحكام من تكريس السيطرة، من أجل تكريس الاستغلال الهمجي للكادحين.

ثامنا: استمرار الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي تديره، وتشرعنه أجهزة الدولة المخزنية القائمة.

تاسعا: قطع الطريق أمام إمكانية العمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، مقابل القضاء على الاستبداد، والعدالة الاجتماعية، مقابل التخلص من الاستغلال.

عاشرا: استمرار التدهور في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، الذي لا تستفيد منه إلا الطبقة الحاكمة، والرأسمالية التابعة، والمؤسسات المالية الدولية، والشركات العابرة للقارات، والرأسمالية العالمية، ولا يتضرر منه، بالدرجة الأولى، إلا العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والمنطلقات التي تنتج الكوارث في الواقع، هي منطلقات تقتضي التصدي لها، ومحاربة اعتمادها بمناهجها، وبنتائج تلك المناهج، وبالنظريات التي تبنى عليها، وبالممارسات المترتبة عن تلك النظريات، التي لا تدخل البشرية إلا في المزيد من التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

وفي أفق العمل على عدم الأخذ بالمنطلقات اللا علمية، نرى ضرورة إبراز المظاهر المتخلفة، المترتبة عن:

أولا: الأخذ بالمنطلقات الدينية، التي يأخذ بها مؤدلجو الدين الإسلامي، والتي تسعى إلى تطييف المجتمع، وإيجاد صراع ديني / ديني، بدل الصراع الطبقي المشروع، مما يدخل المجتمع في صراعات لا داعي لها، لو لم يتم الأخذ بالمنطلقات الدينية، التي تقود إليها.

ثانيا: الأخذ بالمنطلقات الخرافية / الدينية، التي تعمل على إعادة إنتاج نفس العلاقات الإنتاجية، المتناسبة مع مرحلة تحكم الإقطاع، حتى وإن تم تبرجز الطبقة الإقطاعية، لتستمر نفس الممارسة الإقطاعية، متحكمة في المجتمع.

ثالثا: الأخذ بالمنطلقات العقلية المثالية: البورجوازية، أو البورجوازية ذات الأصول الإقطاعية، نظرا لكونها تعمل على إعادة إنتاج نفس الهياكل البورجوازية، والبورجوازية ذات الأصول الإقطاعية المتخلفة، مما يساهم بشكل كبير، في تكريس التخلف القائم، بمظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وما نشاهده من تحالف بورجوازي / إقطاعي / مخزني، ومع الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، ناتج عن كون المنطلقات المذكورة مثالية، لا علاقة لها أبدا بالعلمية، ولا يمكن أن تنتج إلا مجتمعات متخلفة على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لغلبة سمة إعادة إنتاج الواقع المتخلف، على اعتماد منطلقات متخلفة أصلا.

المنطلقات العلمية واقعية:

وبعد مناقشتنا للا علمية المنطلقات الدينية، والخرافية / الدينية، والعقلية المثالية، وما يترتب عن اعتمادها من مناهج مثالية، تقود إلى نتائج مثالية / لا علمية، وانعكاس كل ذلك على إعادة إنتاج تخلف الواقع، على جميع المستويات، ننتقل إلى مناقشة المنطلقات العلمية / الواقعية.

فنحن عندما نقبل على دراسة موضوع فزيائي، أو طبيعي، أو حتى اجتماعي، لا بد لنا من منطلقات ننطلق منها في تلك الدراسة. وهذه المنطلقات، لا بد أن تكون مادية أولا، وملموسة ثانيا، ومناسبة، أو متناسبة مع موضوع الدراسة، حتى نستطيع أن نؤسس عليها منهجا فيزيائيا، أو طبيعيا، أو اجتماعيا؛ لأن مواضيع، من هذا النوع، لا تكون منطلقاتها إلا مادية ملموسة، وإلا، فلن يكون هناك علم بالمعنى الفيزيائي، أو الطبيعي، أو الاجتماعي.

ولذلك، قلنا في الفقرات السابقة: أن الاشتراكية العلمية، لا يمكن أن تكون إلا علمية.

ومنطلق الاشتراكية العلمية الأساسي، هو الواقع المادي / الاجتماعي، الذي يعتبر، في نظر الاشتراكية العلمية، هو الأصل في الوجود، وليس نتيجة لوجود آخر.

وهذا المنطلق المادي / الاجتماعي، هو الذي أنزل قوانين الجدل الهيجلي، من السماء، إلى الأرض، على يدي ماركس، وأنجلز، مما أحدث ثورة عظمى في التاريخ العلمي / البشري، وحول العلم الاجتماعي / المثالي، إلى علم، بمنطلقات اجتماعية، وبمنهج علمي قائم على إعمال قوانين الديالكتيك الماركسي، يؤدي تفعيلها إلى نتائج علمية / اجتماعية، يتم اعتمادها لبناء نظرية علمية عن الواقع، يمكن تفعيلها لتغيير الواقع في تجلياته المختلفة، من أجل وضع حد لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، والرأسمالية التبعية، وإقامة علاقات إنتاج اشتراكية، بعد تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، وبعد تغيير ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج، التي تؤول إلى الأفراد العينيين، أو المعنويين، إلى الملكية الاشتراكية، التي تؤول إلى المجتمع، الذي يصير، بذلك، شعبا عاملا، ومنتجا للخيرات المادية، والمعنوية، ومتمتعا بتلك الخيرات، التي توزع توزيع عادلا على جميع أفراد المجتمع، وصولا إلى تحقيق مبدأ: "لكل حسب حاجته، وعلى كل حسب قدرته"، حتى لا تصير المؤهلات وسيلة لإحداث تفاوت طبقي، بين جميع أفراد المجتمع الاشتراكي، المرشح للانتقال إلى التشكيلة الأعلى، عندما تتحقق الاشتراكية في جميع البلدان المعروفة، بكونها أنظمة رأسمالية، أو أنظمة رأسمالية تابعة.

والمنطلقات العلمية، هي منطلقات واقعية ملموسة، وهي جزء من الواقع القائم، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ولا يمكن فصلها عنه، وإلا، فإنها لن تصلح لأن تصير منطلقات علمية.

والمنطلقات العلمية / الواقعية، تتناقض تناقضا مطلقا، مع المنطلقات الدينية، والخرافية / الدينية، والعقلية / المثالية، على مستوى التأسيس المنهجي، وعلى مستوى النتائج، وعلى مستوى النظرية، وعلى مستوى الممارسة، وعلى مستوى الرؤيا السياسية، للمجتمع، مما يجعل العلاقة بين المنطلقات العلمية / الواقعية، والمنطلقات المثالية المتعددة الأوجه، علاقة صراعية، تعمل على نفي كل منهما للأخرى، على جميع المستويات.

إلا أن هذه العلاقة الصراعية، لا تنفي قيام المنطلقات العلمية / الواقعية، باعتبار الدين، والخرافة، والعقل، جزءا لا يتجزأ من الواقع، ومن المكونات المادية / الثقافية، في ذلك الواقع الاجتماعي، حتى يمكن أن تصير، هي بدورها، مستهدفة بالدراسة العلمية، من أجل معرفة خصوصية المجتمع. فوجود الدين، أو الخرافة، أو العقل المثالي، في مجتمع معين، لا يتناقض مع المنطلقات العلمية / الواقعية، باعتبارها منطلقات مادية. ومعرفة خصوصية مجتمع معين، معرفة علمية دقيقة، يمهد الطريق أمام تفعيل النظرية العلمية، التي تستهدف المجتمع بالتغيير.

ولكن عندما يتحول الدين إلى مصدر للمنطلقات، التي يعتمدها مؤدلجو الدين الإسلامي، مثلا، فإن تلك المنطلقات، تدخل في تناقض مع المنطلقات العلمية / الواقعية؛ لأن الدين، هنا، كمنطلقات يصير موظفا أيديولوجيا، وسياسيا، وهو ما يرفضه الموقف العلمي من الدين، أيا كان هذا الدين. ومن الدين الإسلامي، إن صار هذا الدين الإسلامي مجرد منطلقات، يعتمدها مؤدلجو الدين الإسلامي، ليؤسسوا عليها مناهجهم، التي يسمونها مناهج إسلامية، للتعامل مع الواقع، الذي يسمونه تعاملا إسلاميا، للوصول إلى نتائج يسمونها نتائج إسلامية، لبناء نظرية يسمونها نظرية إسلامية، يعتمدونه في القيام بممارسة تهدف إلى الوصول إلى العمل على تأبيد الاستبداد القائم، أو لفرض استبداد بديل، يسمونها ممارسة إسلامية.

وعندما يتحول الفكر الخرافي / الديني، إلى منطلقات إقطاعية، فإنها تصير متناقضة مع المنطلقات العلمية / الواقعية، لكونها تفقد اعتبارها جزءا من الواقع المادي، ومكونا من مكوناته الثقافية، وتتحول إلى منطلقات نقيضة للمنطلقات العلمية / الواقعية، يعتمدها الإقطاع لبناء مناهجه، التي يعتمدها في التعامل مع الواقع، للوصول إلى نتائج، يعتمدها لبناء نظرياته عن واقع معين، لتصير تلك النظرية / الإقطاعية، مصدرا للممارسات الساعية، إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، لا يمكن وصفه إلا بالاستبداد الإقطاعي، الذي يتناقض تناقضا مطلقا مع ما يتم السعي إلى تحقيقه في الواقع، باعتماد المنطلقات العلمية / الواقعية.

أما عندما يتحول العقل المثالي، باعتباره جزءا من الواقع المادي، ومكونا من مكوناته الثقافية، إلى منطلقات عقلية / مثالية، تعتمدها البورجوازية في إيجاد مناهج مثالية، تعتمد في التعامل مع الواقع المادي، للوصول إلى نتائج مثالية، تعتمد لبناء نظرية مثالية عن الواقع المادي، يتم نقلها إلى ممارسة بورجوازية، تسعى إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو تعمل على فرض استبداد بديل، لتدخل في تناقض مطلق مع المنطلقات العلمية / الواقعية؟

وهكذا، يتبين أن المنطلقات الدينية، لا يمكن أن تكون إلا مثالية، والمنطلقات الخرافية / الدينية، هي منطلقات مثالية. والمنطلقات العقلية / المثالية، هي بطبيعتها مثالية، بخلاف المنطلقات العلمية، التي لا تكون إلا واقعية.

ومعتمدو المنطلقات المثالية المختلفة، يستهدفون تأبيد الاستبداد القائم، المكرس للاستعباد، والاستغلال، أو يسعون إلى فرض استبداد بديل، يكرس الاستعباد، والاستغلال.

أما معتمدو المنطلقات العلمية، / الواقعية، فإنهم يسعون إلى تحرير الإنسان، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتحقيق الاشتراكية، التي تضمن التوزيع العادل للثروة، بين جميع أفراد المجتمع.

الدين والتوظيف الأيديولوجي والسياسي:

ونحن في مناقشتنا للمنطلقات العلمية، التي لا تكون إلا مادية / واقعية، وجدنا أنها تعتبر الدين جزءا لا يتجزأ من الواقع المادي، ومكونا من مكوناته الثقافية؛ لأن المومنين، بأي دين، هم جزء من الواقع، ولأن ما يومنون به، يساهم في إنتاج القيم الثقافية. والقيم الثقافية، هي كل ما يساهم في بلورة الشخصية الفردية، والجماعية، انطلاقا من واقع معين، محكوم بالشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، المنسجمة مع مستوى تطور الواقع، المعني بتلك الشروط. إلا أن الدين، عندما يصير مؤدلجا، يصير كذلك منطلقا لبناء منهج ديني معين، للوصول إلى نتائج دينية معينة، تصير منطلقا لبناء نظرية دينية، تقف وراء قيام ممارسة دينية، تهدف إلى إعادة صياغة الوقع، كما هو متصور في النظرية الدينية، لتصير، بذلك، المنطلقات الدينية، نقيضة للمنطلقات العلمية / الواقعية.

فالأصل في الدين، كمعتقد، أو كمعتقدات مختلفة، أن يبقى بعيدا عن كل أشكال الاستغلال. والأصل فيه، كذلك، أن يصير ملجأ للمقهورين، والمظلومين، والبؤساء الذين يعملون على التحلي بقيم الدين، أي دين، للتعويض عن الحرمان من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ليصير بذلك قوة مادية، توحد بين المقهورين، على مستوى الإيمان بدين معين، وعلى مستوى التحلي بالقيم الإنسانية المستمدة من النص الديني، بقطع النظر عن انتماءاتهم الطبقية، وعن لغاتهم، وعن عاداتهم، وتقاليدهم، وأعرافهم.

والأصل في الدين، كذلك، أن يجعل الإنسان المتدين متحررا من عبودية البشر، مهما كانوا، وأن يتمسكوا بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وأن يعملوا على التحرر من الممارسات، التي تتناقض تناقضا مطلقا مع كرامة الإنسان، حتى لا يصير المومنون بدين معين، مصدرا للحط من كرامة المومنين به. وأن يحرصوا على أن تكون المساواة بين البشر، وبين الرجال، والنساء، هي السائدة في الواقع، وأن يصير التعامل بالعدل بين جميع البشر، سواء كانوا متدينين، أو غير متدينين، حتى يصير الدين، كشأن فردي، مصدرا للقيم الإنسانية النبيلة، التي يجب أن تسود في المجتمع.

والأصل في الدين، كذلك، أي دين، أن يصير شأنا فرديا؛ لأن الإيمان بأي دين، وكيفما كان هذا الدين، هو شأن فردي، وما هو شأن فردي، يجب أن لا يصير جماعيا، يعطي للآخر الحق في مراقبته، وتتبعه، وتقديم تقرير إلى الجماعة؛ لأن الإيمان بدين معين، هو ما وقر في القلب، ليصير منطلقا لتشبع الأفراد المومنين بهذا الدين، أو ذاك، بالقيم الإنسانية النبيلة، التي يبقى التشبع بها شأنا فرديا، لا علاقة له بما هو مشترك، إلا على مستوى السيادة في المجتمع.

وانطلاقا من كون الدين شأنا فرديا، فإن العلاقة بين الأفراد في المجتمع المغربي، وفي جميع أرجاء الأرض، يجب أن تستهدف السؤال، أو معرفة الدين، الذي يومن به كل شخص، ولا عن الطقوس التي يمارسها كل شخص، مومن بدين معين، ولا أين يمارس تلك الطقوس، ومع من، وكيف يمارسها؛ لأن كل ذلك تدخل في شأن الأفراد. والتدخل في شؤون الأفراد، يتناقض تناقضا مطلقا مع الحريات، التي يتمتع بها الأفراد في معتقداتهم، وفي التحلي بقيم تلك المعتقدات، وفي أداء طقوسها، وفي الأماكن التي يؤدون فيها تلك الطقوس، وفي كيفية أدائها، مادامت بعيدة عن العلاقة فيما بين الأفراد، ومع المجتمع، ومع الإطارات الجماهيرية، ومع أجهزة الدولة، التي من واجبها حماية حرية الأفراد في معتقداتهم.

وعندما يصير الدين مؤدلجا، فإنه يصير شيئا آخر، لا علاقة له بالدين، بصيرورته موظفا أيديولوجيا، وسياسيا، لخدمة مصالح مؤدلجيه، التي تكمن في السعي المستمر إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو إلى فرض استبداد بديل.

والعلاقة بين الدين، وادلجة الدين هي:

أولا: علاقة تناقض صارخ، بين الدين الذي يظهر، ليصير مصدرا للقيم الإنسانية النبيلة، وبين أدلجة الدين، التي تصير مصدرا لنشر قيم الفرقة، والتكفير، والطائفية، والإقدام على الاغتيالات، التي يعاني من تهديداتها الموسومون بالكفر، والإلحاد، والعلمانية، وكل المستهدفين من قبل مؤدلجي الدين، أي دين، الذين يسعون إلى إعادة صياغة المجتمعات البشرية، ومجتمعات المسلمين بالخصوص، على مقاس أدلجتهم للدين، لضمان أن تصير، تلك الأدلجة، في خدمة مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى يصير مؤدلجو الدين الإسلامي أسيادا في المجتمع، والباقي يصير مستعبدا من قبلهم.

ثانيا: أن الدين شأن فردي، من منطلق أن الفرد هو المعني بالاقتناع بدين معين، وبالإيمان به، وبممارسة طقوسه، وباختيار المكان الذي يمارس فيه تلك الطقوس، وبكيفية ممارستها، دون أن يخضع لأية مراقبة، كيفما كانت هذه المراقبة، إلا إيمانه بالدين، وفي علاقة ذلك الإيمان بموضوع الدين، في الوقت الذي يبني فيه المتدين علاقاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، دون أن تصير تلك العلاقات مطبوعة بالطابع الديني، في الوقت الذي نجد، فيه، أن أدلجة الدين، تعتبر أن الدين شأن جماعي، يخضع الأفراد للمراقبة الدينية / العينية، من قبل الأفراد، والجماعة، ولمحاسبة مؤدلجي الدين، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من منطلق أنها بمصدر ديني، وأن الدين يتحكم فيها، كما أنها تعتبر أي دين، هو مصدر الدولة القائمة، وأن المؤدلجين، باعتبارهم أوصياء على الدين، يفرضون أن تصير الدولة دينية. ودينية الدولة، تعبير عن دينية المجتمع، ليصير المؤدلجون متمكنين في الدولة، وفي المجتمع، من أجل أن تصير الدولة في خدمتهم، وأن يصير المجتمع المتدين، في خدمة الدولة، وفي خدمتهم.

ثالثا: أن جميع التشريعات، التي تحكم المجتمع، يجب أن لا يدخل فيها الدين، من منطلق اعتباره شأنا فرديا، ومن منطلق اعتبار أن التشريعات، جاءت لتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع، الذين قد يومنون بنفس الدين، وقد تكون دياناتهم مختلفة، يخضعون في المجتمع، الذي يعيشون فيه، لنفس التشريعات؛ لأن الدين، أي دين، كشأن فردي، لا يتدخل في صياغة التشريعات، حتى وإن اعتبر مصدرا من مصادرها، على خلاف أدلجة الدين، التي يعتمدها مؤدلجو الدين، لفرض جعله مصدرا وحيدا، لجميع التشريعات، التي تنظم العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بين الأفراد، باعتبارهم مومنين بنفس الدين، وفي علاقة الأفراد بأجهزة الدولة، التي لا تكون إلا دينية، حتى تصير التشريعات الدينية، حسب فهم مؤدلجي الدين، في خدمة مؤدلجي الدين، أي دين، لضمان صياغة مسلكيات الأفراد، والجماعات، على مقاس التشريعات الدينية، حتى يتم إعدادهم، لخدمة مصالح الدولة الدينية، التي يتحكم فيها مؤدلجو الدين، وفي خدمة مصالح مؤدلجي الدين. وهو ما يكرس علاقة التناقض الصارخ، والقائم بين الدين، وأدلجة الدين.

رابعا: أن الدين لا يهتم، بعد الإيمان به، إلا بتحرير الإنسان من التبعية للبشر، وإخلاص العبادة لموضوع الإيمان، من أجل أن يصير الإنسان، كفرد، عندما يعتقد بدين معين، يتحرر من استعباد البشر له، سواء كان حاكما، أو مشغلا، أو معلما، أو غير ذلك، لضمان تكريس الأفراد لحرياتهم، في العلاقة بالبشر، وفي علاقتهم، كذلك بموضوع الإيمان، الذي لا يكرههم على ممارسة تبعية معينة، لأية جهة كانت، ما دامت العلاقة بالسماء قد انقطعت، وما دام إيجاد أية علاقة بالسماء، صارت من باب المستحيل، نظرا لهذا التطور الذي صارت تعرفه البشرية، على مستوى المعارف العلمية، والتاريخية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. إلا أن مؤدلجي الدين، ونظرا لفرض وصايتهم على الدين، أي دين، يجعلون الدين وسيلة لاستبعاد الإنسان للإنسان، والاستبداد بمصيره، والمبالغة في استغلاله، بعد فرض كل أشكال الحرمان الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ليصير ذلك الاستغلال أكثر همجية؛ لأن الهدف من أدلجة الدين، هو تضليل المومنين، وجعلهم يعتبرون كل ما يجري في الواقع من الدين، وما عليهم إلا أن يقبلوا به، وأن يعتبروه قدرا دينيا، والقدر الديني، لا يقاوم، ولا يناقش، حتى وإن كانت الشروط الموضوعية، توضح أن ما يقوم به البشر، في حق البشر، من استعباد، واستبداد، واستغلال، وتضليل، بواسطة أدلجة الدين، هو من البشر، وليس من غيره، وما يقوم به البشر، في حق البشر، تمكن مقاومته، ومن بينها، قيام المؤدلجين بأدلجة الدين، التي يجب اعتبارها، ودون خوف، تحريفا للدين، بجعل الشأن الفردي، شأنا جماعيا، لإيجاد مبرر لاستغلاله، أيديولوجيا وسياسيا واعتبار المؤدلجين متطاولين على الدين بأدلجته، وتحريفه، واستغلاله أيديولوجيا، وسياسيا، والعمل على محاسبتهم، باعتبارهم مرتكبين للخروقات الجسيمة، في حق المومنين بدين معين.

وهكذا يتبين أن العلاقة بين الدين، وأدلجة الدين، هي علاقة تناقض مطلق، وأن الدين، أي دين، شأن فردي، وليس شأنا جماعيا، وأن التشريعات المعمول بها، يعتمد في إيجاد مصادر متعددة، وليس المصدر الديني وحده، وكون الدين، أي دين، لا يهتم إلا بتحرير الإنسان، وليس باستعباده، كما يقول مؤدلجو الدين، ليصير الدين متخذا طابع الحياد، وأدلجة الدين، تتخذ طابع الانحياز إلى المستغلين، المتحكمين في أجهزة الدولة، التي يعتمدونها، في قمع المومنين بدين معين، حتى يتحول الإيمان إلى إيمان بأدلجة الدين، ويتم القبول بما يمارس عليهم، على أنه قدر ديني، لا مفر منه.

للمتابعة على الصفحة الخامسة / انقر التالي ادناه

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.