منوعات عامة

ملف عن فنان الشعب يوسف العاني

 

ملف عن فنان الشعب يوسف العاني

جريدة "طريق الشعب"

 

في الأول من تموز عام 1927 ولد يوسف العاني، وفي العاشر من تشرين الأول من هذا العام توفي بعد مرض عضال. أعوام طويلة حافلة بالعطاء والابداع لـ "يوسف الممثل، ويوسف الكاتب والمعد، ويوسف المخرج، ويوسف الانسان، ويوسف فنان الشعب". نمت شخصيته الفنية وترعرعت بجانب كبار الفنانين العراقيين، وتوجت بالعديد من الأدوار المسرحية والتلفزيونية والسينمائية. من أشهر مؤلفاته المسرحية: "الشريعة والخرابة، اني امك يا شاكر، الخرابة والرهن، نفوس، خيط البريسم، المفتاح" وغيرها. ومن اسهامات يوسف العاني في السينما فيلم سعيد أفندي، كما مثل في فيلم المنعطف، وشارك في فيلم المسألة الكبرى، وفي التلفزيون مثّل في عدة مسلسلات وتمثيليات أبرزها: "عبود يغني وعبود لا يغني وعزف على العود المنفرد وبطاقة يانصيب وغيرها.  ثقافية "طريق الشعب" سألت عددا من الأدباء والكتّاب والفنانين عن قراءتهم ليوسف العاني كحياة وكابداع وكرحيل وأعدت الملف التالي.

 

فنان الشعب يوسف العاني وداعا

ينعى المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي بأسىً عميق الفنان الكبير يوسف العاني، الذي توفي اليوم فى احدى مستشفىات عمان عن 89 سنة.

كان الفقيد رائدا مؤسسا للمسرح والسينما العراقيين، ومبدعا بارزا في ميادينهما وفي التلفزيون من بعد : ممثلا وكاتبا وناقدا، ومنظما ومديرا. وكان في عموم نشاطه الابداعي، انسانا حقيقيا منحازا ابدا الى العراقيين البسطاء الطيبين، حريصا على التعبير بأمانة عن واقع الكادحين والمسحوقين في المجتمع، وعن همومهم وأمانيهم، وعلى تجسيد الاهتمامات والتوجهات النبيلة للحركة الوطنية العراقية، ونضالها المتفاني، لا سيما في المرحلة التي سبقت  ثورة 14 تموز 1958.

وانغمر فناننا الراحل عبر عمله الابداعي ومجمل نشاطه الثقافي، في جهد تنويري وتثقيفي للجماهير الواسعة، اسهم بنصيب كبير في الارتقاء بوعيها وإنماء وإذكاء روحها الوطنية وتعزيز نزعتها التقدمية.

وبفضل انجازه الفريد وعطائه الغزير في ميادين الابداع والثقافة والعمل الوطني، على امتداد ستة عقود من السنين ونيف، حقق يوسف العاني حضوره الفني المتميز عراقيا وعربيا، وغدا عن حق شخصية ثقافية وطنية، واستحق اللقب الذي اطلقه عليه الناس : "فنان الشعب".

لقد فقدنا برحيله، اسوة باوساط فنانينا ومثقفينا وجماهير شعبنا الواسعة، رمزا منيرا من رموز ثقافتنا الوطنية.

ويبقى ان نحفظ ذكراه، ونصون إرثه ونفيد منه ونتعلم.

المواساة الحارة لاسرته الكريمة، ولاصدقائه وزملائه ومحبيه الكثيرين.

10/10/ 2016

 

 

بغداد تودع مبدعها الكبير

ودعت بغداد صباح امس الاول الجمعة، بموكب تشييع كبير، ممثلة بحشد كبير من وجوهها الفنية والثقافية وممثلي الجهات الرسمية، ابنها الوفي المبدع يوسف العاني، الذي توفي قبل يوم من ذلك في عمان.

وانطلق الموكب الذي سار فيه جمع حاشد من وجوه العاصمة الفنية والثقافية وممثلي المؤسسات الرسمية، من مبنى المسرح الوطني في الكرادة نحو ساحة كهرمانة، تتقدمهم عربة حملت جثمان الفقيد في نعش ملفوف بالعلم العراقي، فيما كانت فرقة موسيقى عسكرية تعزف الحانا جنائزية. وتحركت العربة لاحقا من ساحة كهرمانة نحو الاعظمية، حيث ووري جثمان الفنان الراحل الثرى.

 

قيل في رحيل العاني

 

الدكتور فرج ياسين

لم أشاهد الراحل الكبير يوسف العاني سوى في مسرحية واحدة هي "النخلة والجيران"، يوم عرضت في بغداد أول مرّة.  ولمناسبة وفاته في الغربة أمس مفارقاً وحزيناً، قفزتْ من أعماق ذاكرتي جملةٌ واحدةٌ من تلك المسرحية الشهيرة .

"مِن هذا العُراقيين ميخافون من جَهنم".

ومازالوا.. كيف يخافون منها وهم يتقلبون في جحيمها يا طيّب الله ثراك وسقتك شآبيب رحمته.

 

حسن كريم عاتي

يكفينا شرفا انك من العراق الذي نريد ونتمنى.. مجدك بنيته بمحبة الناس لشرف الكلمة والموقف.. لا نبكيك بل نتعظ منك.. اعرف ان نساء بلدي سيلدن الكثير مثلك ، لكن كم حجم المخاض الذي تحتاجه نساؤنا ليلدن يوسف جديد.. لله درك .. لما تتركه من عورة في ذاكرتنا بفقدك.. ارحل فهي مشيئة لابد ان تحدث.. وها هي قد حدثت. فقد اعتدنا الفقدان بمناسبة او من دونها... لا يوازي قامتك الكبيرة الا شرف الانتماء إلى وطنك، فلتكن وسادتك علم بلادك.

 

سناء عبدالرحمن

هناك تاريخ ثري جدا ليوسف العاني من العطاء والإبداع والموقف وتبني الأفكار السامية والحضور الدائم في ترسيخ قيم أخلاقية في الفن والابداع والتأليف والإخراج والتمثيل.. حفر في ذاكرة الشعب وكرس فكرة للفن والوطن، فأصبح رمزا لكل ما قدمه للمشاهد، فالفنان العاني هو الشاهد على عصور وحقب سياسية غنية.

 

الدكتور راسل كاظم

يكاد "العاني" أن يكون متفردا في منجزه الفني عن اقرانه ومن تبعه.. وذلك بما يمتلكه من حرفة مكنته من العمل في التأليف والتمثيل المسرحي والسينمائي والتلفزيوني فضلا عن تأسيسه اهم فرقة مسرحية في العراق وهي فرقة الفن المسرحي الحديث، الفرقة الاهلية الاولى في العراق من حيث التنظيم والنتاج ومعالجة الموضوعات، والفنانين الذين انتسبوا إليها يعدون فنيا  خيرة فناني العراق.. لذا يمكن عد الفنان الراحل أيقونة الفن العراقي.

 

هدى  محمد حمزة

يعتبر الفنان الراحل يوسف العاني فنان الشعب كونه احد الرواد المؤسسين والمساهمين في بناء وتطوير المسرح العراقي وخصوصا من خلال تأسيسه فرقة المسرح الفني الحديث مع الفنان الراحل ابراهيم جلال والفنان سامي عبد الحميد والفنان الراحل شكري العقيدي والتي ساهمت في تطوير الحركة المسرحية ورفدها بمسرحيات عراقية تناولت الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلد.

 

هادي الحسيني

ليس كثيرا على الراحل يوسف العاني لقب فنان الشعب فهو ممثل ومخرج وكاتب في نفس الوقت أي متعدد المواهب وطاقة فنية ظلت تتوهج على مدى عقود طويلة من الزمن ولم يتوقف عطاؤها ومهدت الطريق لأجيال كثيرة . لقد عرفت الفنانة الكبيرة الراحلة "زينب" بلقب فنانة الشعب واليوم جاء دور الراحل الكبير يوسف العاني الذي رافق زينب في مسرحية النخلة والجيران ، المسرحية التي كتبها غائب طعمة فرمان والتي ظلت عالقة في الذاكرة العراقية منذ قرابة خمسة عقود من الزمن.

 

يوسف العاني.. توهج المسرح العراقي

جاسم العايف

أعمال الفنان "يوسف العاني" المسرحية، تؤكد فكره المتوقد، وتعبر بجدارة عن توجهاته الفنية - التجريبية، الغنية، فليس  له عمل مسرحي مكرر (الثيمة) لنتاج سبق وكتبه أو قدمه. النشاط الثقافي - الفني، المتعدد للفنان (يوسف العاني)، المسرحي تخصيصاً، يكشف، في مراحل عدة، القدرات الفنية - التجديدية في المسرح العراقي، من خلال أعمال ورؤى بعض الكتاب والممثلين والفنانين والعاملين في الشأن المسرحي،مهما كانت مساهماتهم، وفي المقدمة منهم (العاني) وجيله المسرحي. فإذا ابتدأنا بعقد الخمسينات، ويعد بمثابة النواة الفعلية،فنياً، للنشاط الثقافي - المسرحي في العراق، تستدعينا، مسرحية (آنه أمك يا شاكر)، التي أدت دور الأم فيها الفنانة الراحلة "زينب" بجدارة وتميز، بثيمتها التي عملت على إبراز دور المرأة العراقية الايجابي، وتجسد ذلك في مواقف (الأم)، إذ نجد التوجه الواضح للصوت النضالي - الشعبي، هو الصوت الأعلى في الساحة المسرحية في تلك المرحلة. يترافق ذلك مع اهتمام خاص بالوضع الحياتي للمواطن البسيط واحباطاته في تعامل السلطات القاهرة معه، وحقوقه المغيبة طوال الأزمان العراقية المتعاقبة، عبر الجهاز الوظيفي المتسم،دائماً، بالتعامل "البيروقراطي" مع المواطنين، كما في مسرحية "المراجع المهتوك"، وعمدنا في سنوات سابقة إلى تقديمها بإمكانات محدودة وفي أماكن متعددة، يفرضها الوضع الذي كنا نخضع إليه، على ما يمكن أن نطلق عليه "مسرح السجون" أو "المواقـف" التي مر بها وخضع إلى قسوتها، عدد لا يحصى من المناضلين، والمواطنين، بداية من 1960 - 1968، وارى من الضروري دراستها من قبل الباحثين، لأهميتها في التاريخ المسرحي العراقي، خاصة من خلال اعتماد التوجه المسرحي، والحرص عليه وإدامة زخمه بين السجناء والموقوفين، الشيوعيين بالذات، والذين جهدوا، في "السجون والمواقف"، لإرساء القيم الثقافية - الفنية،أسبوعياً، وفي المناسبات الوطنية، أو تلك التي لها علاقة بتاريخ الحزب ومؤسسيه، وشهدائه. برحيل "العاني" تنطفئ مرحلة متوهجة من تاريخ المسرح في العراق، فلقد اجتمعت فيه الموهبة الفنية والفكر الإنساني المتنور، المنحاز إلى قيم التقدم والعدالة الاجتماعية- الإنسانية، والانتصار إلى المهمشين في النسيج الاجتماعي.الفنان (يوسف العاني) من أوائل المسرحيين الذين تولهوا بحياة وحكايات وآمال بسطاء الناس، وعمل في المسرح على طرح همومهم الحياتية وأحلامهم الإنسانية التي تنحصر في حياة لائقة - عادلة. لقد غاص بشغفٍ في الحياة العراقية، (الشعبية)، بخبرة عميقة، كمنت في وعيه الحاد المنفتح على التناقض الصارخ في الحياة الاجتماعية - العراقية، واستخدمها مادة لأعماله المسرحية، المتسمة بالرؤى الفنية،المنفتحة على احدث التطورات الفنية المسرحية العالمية، وعمد فيها تأريخ مراحل ملتهبة من تاريخ العراق، وبحث في عواملها وفواعلها، معتمداً بوعيه الثاقب، ومجسداً فنياً الرؤى، التي تركت تأثيراتها في تلك المراحل، على تاريخ العراق السياسي، وحياة الشعب العراقي. ((فنان الشعب)) انه استحقاق لا يدانيه أي استحقاق آخر، وهو مكافأة عمره المسرحي - الفني، ومن الفخر، انه قد تمتع به في حياته من قبل الأوساط الشعبية - الثقافية. قام العاني بتأسيس "فرقة الفن المسرحي الحديث" مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين عام 1952، وتمت مواجهة هذه المبادرة، من قبل النظام الملكي بحذر شديد، ثم منعها من العمل، وعاودت نشاطها، بعد 14 تموز 1958، وأغلقت ثانية. بعد 1968 سمح لها بالعمل،ثم توقفت بعد الهجمة الشرسة، على القوى التقدمية منتصف 1978،تلك التوقفات، والانبعاثات، للفرقة التي أسسها "العاني وإبراهيم جلال، برفقة بعض الفنانات والفنانين" يؤكد بأنها الشاهد تاريخياً، على إن الحركة المسرحية ونشاطها الجاد في العراق، ترتبط بنسائم الحرية والتوجه الديمقراطي مهما كان حجمه المتاح. كتب، وأعد، وساهم، وقدم (العاني)، في السبعينات، في مسرحيات رسخت في الوجدان العراقي، ومنها "النخلة والجيران، والشريعة، والخان، والجسر، والخرابة، و نفوس، والخان، والمفتاح، والبيك والسايق..الخ"، وقدم بعضها في الدول العربية، وكشفت للعالم العربي القدرات الفنية التي ينطوي عليها المسرح العراقي، وترأس المركز العراقي للمسرح، التابع للمركز العالمي المرتبط بمنظمة (اليونسكو) الدولية. من المناسب أن نذكر في رحيل الفنان "يوسف العاني"، الدراسة المطولة، للناقد المسرحي "بنيان صالح" التي وثق فيها التجربة المسرحية للفنان العاني، ونشرها أوائل السبعينات في مجلة (الآداب) اللبنانية، لما وصفه بـ "مسرح العاني" وخصائصه  المتفردة التي أطلق عليها "العودة إلى النبع" متتبعاً الإخلاص النادر الذي يميزه مسرحياً. جهد الفنان "يوسف العاني" في الارتباط بالشرائح التي تقبع في القاع الاجتماعي، منطوية على طموحاتها،  في حياة إنسانية - عادلة، إلا أنها مغيبة عنها بفعل عوامل الصراع الاجتماعي. نتيجة لعطاءاته الفنية المتعددة، ورحلته المسرحية التي تتجاوز الـ (75 )عاماً. كرم الفنان "يوسف العاني"، من جهات مسرحية عالمية - عربية - عراقية، وأقيمت فعاليات خاصة به، وخص بقراءة شهادات عن منجزه المسرحي، شارك فيها عدد من أهم المسرحين في مصر، وسوريا، والكويت، والمغرب وتونس، والبحرين، والإمارات، والأردن، والعراق. الـمـوت، الذي هو قدرنا جميعاً، والذي لا مفر منه منذ الأزل، لن يغيب أبداً ساحات الإبداع الفنية المتعددة، التي عمل عليها بجد ومسئولية ومثابرة، وألقٍ متواصلٍ" فنان الشعب - يوسف العاني" طوال مسيرته الإبداعية، وستبقى تجاربه الفنية - المسرحية ضمن أهم  العلامات المضيئة، في سمو ورفعة الثقافة الوطنية العراقية، متعددة الأطياف والرؤى .

 

رحيل "الزمن الخصب"

علي الحسيني

ربما سيخفف عنا رحيل يوسف العاني لو كان زمنه الخصب - وهو زمن العراق الحديث - ما زال مستمرا، لكن والحال ان العراق فقد بوصلته مع منجزه المدهش في حقول ومجالات شتى، من بينها المسرح، حينها يغدو نعي رائد ومؤسس وقامة مسرحية مثل العاني، ومع غياب جيل المؤسسين للمسرح العراقي، يغدو نعيا لفترة عراقية استثنائية، غنية بالادب والفن والمعرفة والصحافة.

فقدنا برحيله اخر مجسات تلك الفترة الذهبية، وخسرنا شاهدا حيا على تناقض مخيف بين زمنه الذي هو زمن المؤسسين وزمننا الحالي المتخلف، الذي اوجد معه قطيعة عميقة واقصاء متعمدا وتجاهلا قاسيا.

ليس العاني، ممثلا او مسرحيا او كاتبا عاديا، كان ايقونة في ادائه المسرحي والسينمائي وفي كتابته عشرات المسرحيات منذ ان كان طالبا جامعيا.

تدهشك وفرته وحضوره غير الممل، وهو شاب وشيخ. حفر اسمه داخل اعماق محبيه ومتابعيه، عبر اعماله المسرحية والسينمائية، بقدرته الفذة والنادرة على  توظيف مفردات الحياة العراقية وشخصياتها الشعبية المسحوقة، في مشاهد نقدية ساخرة، ما زالت طرية في الذاكرة العراقية.

تبنيه للمنهج الواقعي وايمانه به مبكرا، كان وراء ظهور أحد أهم الأعمال الواقعية في السينما العراقية وهو فيلم "سعيد أفندي" الذي أخرجه كاميران حسني عام 1957.

وهو العام ذاته الذي مثل واخرج فيه مسرحية جحا والحمامة 1957، وهي من نوع المسرح الصامت، وقدمت على مسرح ستانسلافسكي بموسكو ضمن مهرجان الشبيبة في الاتحاد السوفيتي السابق، وحصد من خلالها على درع المسرح الشهير.

وقبل ذلك، كتب العاني مسرحية "مجنون يتحدى القدر" في 1951 واعتبرت هذه المسرحية أول موندراما في العراق.

ارسى العاني من خلال تأسيسه فرقة المسرح الفني الحديث، احدى ابرز الفرق المسرحية في العراق، بالاشتراك مع الفنان الراحل إبراهيم جلال عام 1952، تقاليد وقواعد واعرافا في المسرح والسينما. وبرحيله المفجع، خلف لنا تراثا بصريا غنيا، ومؤلفات مهمة في المسرح والسينما، تنتظر اشباعها بحثا ونقدا، عبر ورش مسرحية وسينمائية جادة، بامكانها المساهمة في اعادة الحياة الى المسرح العراقي الذي يعيش اسوأ ايامه.

 

شخصيات يوسف العاني الحالمة في الذاكرة العراقية

داود سلمان الشويلي

 

في عالم الأدب والفن هناك شخصيات يتركها هذا العالم في ذاكرة الناس الذين يطلعون عليها من خلال القراءة، او مشاهدة المسرحيات او الافلام، إذ تأخذ لها حيزا مكينا في تلك الذاكرة، وتتحصن فيها على طول السنين، مثل شخصية شهرزاد في الليالي،  وشخصية "سي السيد" في ثلاثية نجيب محفوظ،  الرواية او الافلام الثلاثة المقدمة على الشاشة الكبيرة او الصغيرة، وكذلك اغلب شخصيات شكسبير المسرحية.

اما في عالم المسرح العراقي،  والذي مثل فيه الفنان القدير يوسف العاني، فالذاكرة العراقية تحتفظ بشخصيات كثيرة قد احتفظت بها في مكان مكين بذاكرة العراقي من ابناء الشعب، مثل شخصية حماد العربنجي من مسرحية "النخلة والجيران" المعدة من رواية تحمل الاسم نفسه للروائي العراقي الواقعي غائب طعمة فرمان .

والشخصية الثانية التي علقت بشدة في ذاكرة العراقيين واحبوها هي شخصية "دعبول البلام" في مسرحية "الشريعة" 1988، التي كتبها العاني بنفسه.

وفي الشاشة الصغيرة، التلفزيون، قدم تمثيلية "عبود يغني" 1972، عن قصة للكاتب العربي نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار عبد الوهاب الدايني، وفيها شخصية "عبود العربنجي". الذي جسده الفنان القدير يوسف العاني.

وفي السينما قدم شخصية الشاعر "شريف" في فيلم "المنعطف" 1978، المأخوذ عن رواية الكاتب الروائي العراقي غائب طعمة فرمان "خمسة اصوات".

ترك الفنان القدير يوسف العاني بصمة لا تمحى في ذاكرة العراقيين من خلال الشخوص التي قدمها على المسرح او التلفزيون او السينما، وهي شخصيات تحمل صفات ومميزات متفردة في الواقع المعاش، فيما تعيش عالمها الخاص لو خلت بنفسها، انها شخصيات شعبية خرجت من قاع المجتمع لتصدح بصوتها عاليا وهي تقدم نقدا لما في المجتمع الذي تعيش في كنفه من مساوئ، ان كانت تلك المساوئ على المستوى الذاتي او على المستوى الموضوعي العام.

فحماد العربنجي، وعبود العربنجي، ودعبول البلام، والشاعر شريف، شخصيات تعيش على هامش المجتمع الذي استلت منه كممثلة له امام الرأي العام، وهؤلاء غير متزوجين عدا "حماد العربنجي" في "النخلة والجيران"، معوزون ماديا، سكيرون الى الحد الذي ينكشف امام اعينهم وعلى لسانهم ما خبأته ذاكرتهم في لاوعيها من مساوئ الواقع فيتكلمون في سكرهم اكثر منهم في صحوتهم من ذلك السكر، يائسين من الحياة في تقديم نافع لهم،  ان مستقبلهم مظلم مجهول كما يقول "شريف" في فيلم "المنعطف".

فحماد العربنجي،  وكذلك عبود العربنجي،  وهما شخصيتان مستلتان من اعمال ادبية معروفة، رواية عراقية وقصة قصيرة مصرية،  بنيتا مسرحيا وتلفزيونيا بناءً مختلفا، الواحدة عن الاخرى، الا انهما بقيتا كشخصيات مستلة من قاع المجتمع، انهما تعيشان على الهامش.

حمادي العربنجي يعيش وزوجته "رديفة " وهما يحلمان بالمخلص الذي سيأتي اليهما لينتشلهما من هذا القاع الذي وقعا فيه رغما عنهما.

تقول "رديفة " وهي تجلس امام جسد زوجها المريض "حماد العربنجي": "باجر،  لو عكب باجر منشوف الا الباب تندك واصيح منو بالباب؟ اسمع فد واحد يكول اني فارس الفرسان، واشوف جدامي فارس وجهه نوراني راكب على فرس ... اكله شتريد عيني؟ يكلي منو عدكم محتاج ؟ اكله احنه، احنه، عيني احنه، الشايب صارله شهر نايم بالفراش... يكلي كومي، اكله وين عيني ؟ يكلي كومي لمو غراضكم لبيت جديد،  الشايب يكدر يمشي..."الخ، انهما يحلمان بهذا الفارس دون جدوى.

اما "عبود العربنجي" الذي يبقى مختبئا في المرافق الصحية لاحد المشارب كي يسرقه بعد ان يخرج الجميع،  فانه يفاجأ بعدم وجود شيئ ما في "الدخل"،  فيأخذ بالشرب حتى يسكر، كان حلمه ان يسرق ليعيش،  اقصد ليستمر بالشرب لينسى حاله، فيتبدد حلمه خاصة ان في اليوم الثاني وجود "كرصة" عند الناس، ويحتاجون الى العربة التي يعمل عليها لتوصيلهم الى المتنزهات والاماكن العامة، فيما هو سيظل مسجونا في هذا المشرب الى الليل القادم، فيضيع منه ما يحصل عليه من مال من عرق جبينه، وفي النهاية يزج به في السجن.

وهكذا يتبدد حلمه في الحصول على المال لتستمر حياته المليئة بالخمرة .

وفي مسرحية "الشريعة" التي كتبها العاني نفسه بقلمه، يرسم فيها شخصية شعبية يستلها من قاع المدينة حيث الناس المهمشين، انه "دعبول البلام" الشخصية التي تشبه شخوص العاني الباقين، فهو من هامش المجتمع،  غير متزوج، سكير، يتحدث كثيرا عندما يسكر، وعنده حلم وعليه ان يحققه في الواقع، كما عند الاخرين من شخوص العاني، هذا الحلم هو ان يزج به مع الوطنيين في السجن ليحقق امنيته في ان يكون معروفا بين الناس على انه وطني كما في الحياة،  فهو وطني الى النخاع الا ان وطنيته تصطدم ببساطته وبساطة عالم البلامة الذي يعيش فيه، وتصطدم بجدار الحكومة "الشرطة" التي تسجنه مع المجرمين واصحاب السوابق نكاية به.

يتبدد ذلك الحلم في ان يسجن مع السجناء الوطنيين لا مع السجناء المجرمين الا ان الشرطة تعانده فتزج به مع المجرمين واصحاب السوابق.

ويعود العاني الى شخصية اخرى مستلة من عمل ادبي يجسد فيها دور الشاعر شريف في فيلم "المنعطف" وهو شاعر اعزب، لا هم له سوى الشرب، يعمل مصححا في جريدة ويكتب الشعر، انها شخصية مستلة من قاع المجتمع، يعيش على هامشه، لا هدف له سوى اشباع حاجاته الجنسية من مومس يتزوجها في النهاية،  واشباع حاجته الروحية في ان يشرب في كل ليلة مع اصدقائه فيثمل ويظل يندب حظه.

يقول وهو في حالة سكر: "آه ... كلشي يتحرك بس شريف باقي... لا بحر، لا كاع،  لا مره... كلشي ما راح تشوف بحياتك.. لك خراب بخراب".

واذا كان "دعبول البلام" يحلم في ان يسجن مع الوطنيين فان "شريف" وعند عودته من جلسة شراب على الشاطئ مع جماعته، يجد شعارا مخطوطا على الجدار غير مكتمل فيكمله باضافة حروف "عمار" للكلمة غير المكتملة للاستعمار، وفي هذا تبرز الى سطح مطامحه ما في نفسه مخبوءا من وطنية لا يستطيع اظهارها وهو يبحث عن لقمة العيش وكأس شراب .

ان شخوص العاني التي جسدها على المسرح او على الشاشة الصغيرة او الكبيرة هي شخصيات مستلة من قاع المجتمع، تحمل مساوئ ومحاسن الفرد في ذلك القاع، تحلم في ان تصنع شيئا ذا بال لها على المستوى الشخصي والعام، الا ان حلمها هذا تبدده قوى غاشمة اكبر واقوى منها، حيث هي تنوء بثمالة السكر، فلا تقدر على مجابهتها وجها لوجه .

الراحة الابدية للفنان القدير يوسف العاني الذي اضحك وابكى الناس في الوقت نفسه على همومهم فزادهم اصرارا على الثورة وتغير واقعهم.