اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

الداعشيان في واشنطن// د. عبدالخالق حسين

اقرأ ايضا للكاتب

الداعشيان في واشنطن

 د. عبدالخالق حسين

 

لم يتوقع العارفون بمسار التاريخ أن يكون التخلص من النظام البعثي الصدامي في العراق سهلاً، فتراكم الإرث البغيض الثقيل عبر قرون، وعقود من حكم البعث الجائر لا يمكن إزاحته بعصا سحرية حتى ولو كانت حاملة هذه العصا هي الدولة العظمى أميركا، خاصة وقد حصل التحرير في وقت تفشى فيه إرهاب متوحش، تحركه أيديولوجية الوهابية المعادية للحضارة الإنسانية، تدعمه مليارات البترودولار السعودي والقطري. 

 

فقبل سقوط النظام كان الشعب العراقي منقسماً دينياً وطائفياً وأثنياً، وحتى قواه السياسية تأسست وفق هذا الانقسام كما شاهدنا ذلك في مؤتمراته في الخارج، ولكن يحاول البعض إنكار هذه الحقيقة، ويدعي نفاقاً، أن شعبنا لم يعرف الطائفية في تاريخه!!

 

وقد بدى هذا الانقسام واضحاً منذ تشكيل مجلس الحكم الوطني الذي ضم ممثلين عن جميع المكونات، وكان الغرض من ذلك عدم عزل أية مكونة من المشاركة في الحكم ومهما كان حجمها. ولكن هذا المبدأ لم يرض به أولئك الذين احتكروا السلطة وأدمنوا عليها لقرون. فأول رصاصة لغوية بلاغية أطلقوها على الديمقراطية الوليدة هي رصاصة العبارة التسقيطية (حكومة المحاصصة الطائفية).

 

فالاستقطاب السياسي وفق الانقسام المذهبي والأثني هو نتاج تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 على أساس طائفي وعرقي ظالم، والكل يتحملون المسؤولية بمن فيهم القيادات الشيعية عند تحرير العراق من الاستعمار العثماني التركي.

 

وشاءت الظروف أن تكون أيديولوجية الإرهاب القاعدي تتناغم مع أيديولوجية كتلة سياسية وهي كتلة "العراقية" التي معظم أعضائها بعثيون سابقون أو مازالوا بعثيين تمثل المحافظات الغربية، ويدعون العلمانية وهم طائفيون حد النخاع. وهذه المحافظات صارت الحاضنة للإرهابيين الذين راحوا يشنون حرب الإبادة على الشيعة بمختلف مكوناتهم الأثنية (عرباً وكرداً وتركماناً وشبكاً).

 

ويوماً بعد يوم راحت الصورة تتضح أكثر فأكثر، إلى أن أعلنت نسبة كبيرة من نواب العراقية انحيازها الصريح إلى الإرهابيين منذ اليوم الأول من قيام القوات الأمنية المسلحة بمواجهة "داعش" و"القاعدة"، في محافظة الأنبار، حيث أعلن 44 نائباً من كتلة "العراقية"(متحدون) استقالتهم من البرلمان، وكذلك أسامة النجيفي رئيس البرلمان تخلى عن التزامه بوثيقة الشرف.

 

وأخيراً، قام القياديان في كتلة العراقية، أسامة النجيفي وصالح المطلك، بزيارة إلى واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بعدم تسليح الجيش العراقي، "لأن هذا السلاح سيذهب مباشرة إلى إيران"، وأن المالكي هو رجل إيران، وأن ما يجري في الأنبار ليس حرب العراق ضد القاعدة وداعش، وإنما حرب المالكي "الشيعي الصفوي الإيراني" ضد السنة!!.

 

هذا ملخص ما قاله صالح المطلك للأمريكان في لقاءاته مع المسؤولين، وفي مقالاته ومقابلاته في الصحف الأمريكية، ليتبعه زميله النجيفي ويعيد على أسماع الأمريكان نفس الأسطوانة المشروخة التي ملوها ليقول لهم: "أننا نحتاج لإعطاء سلطات أكبر للمحافظات السنية وجعل مقاتلي العشائر السنية جزءا لا يتجزأ من القوة العسكرية العراقية... والحاجة إلى تسليح مجندي العشائر السنية ودمجهم بالقوات المسلحة العراقية بنحو دائم." (1)

 

فالمحافظات السنية لا تنقصها صلاحيات إذ تتمتع بصلاحيات واسعة وكأنها إمارات مستقلة، وليس بإمكان أي شيعي دخولها حتى ولو كان من وحدة ميدان طبية، إذ كما حدث أن استدرجت سيدة اربعة عناصر من الوحدة الطبية وهم من محافظة ميسان، تظاهرت لهم بالحاجة الملحة إلى اسعاف طبي عاجل، فاستجابوا لها وإذا بها نصبت لهم فخاً وليتم ذبحهم من قبل داعش بدم بارد.

 

أما الغرض من المطالبة "بتسليح مجندي العشائر السنية ودمجهم بالقوات المسلحة العراقية بنحو دائم." فهذا معناه ضم عناصر "داعش" الذين معظمهم من الحرس الجمهوري البعثي إلى القوات العسكرية المسلحة، أي إطلاق آخر رصاصة على الديمقراطية، وعلى حيادية الجيش، والعودة إلى حكم البعث والانقلابات العسكرية.

 

وهذا يذكرني بمقولة (عسكر محمد العاكول)، فبعد تخرجنا من الجامعة أيام زمان، كان علينا أداء خدمة العلَم، فدخلنا كلية الضباط الاحتياط لأربعة أشهر من التدريب العملي والتثقيف النظري المكثفين. وفي ساحة العرضات كان يدربنا عرفاء ونواب ضباط. فعندما كنا نخطأ في شيء يصرخ علينا العريف متهكماً: (انتم مثل عسكر محمد العاكول)، أي مخربطين غير منضبطين. وعسكر محمد العاكول هذا يبدو أنه كان في زمن ما عسكر عشائري غير منضبط (عسكر جته!) بقيادة شيخ اسمه محمد العاكول.

 

واليوم السيد أسامة النجيفي وزملائه يطالبون الحكومة والأمريكان بتحويل الجيش العراقي إلى عسكر محمد العاكول. وهذه المحاولة جرت في فترة الصحوات الأولى (2006 - 2008) لاختراق الجيش بالبعثيين ومن أتباع القاعدة، وكان عددهم نحو 30 ألف مجند، وطالبوا بدمجهم بالقوات المسلحة ومكان إقامتهم في بغداد!!. وهذا يعني وضع الحكومة الديمقراطية المنتخبة تحت رحمة المجندين العشائر وبينهم ألوف البعثيين الداعشيين، ومن أبناء العشائر المتقلبي الأهواء والولاءلات، فكما نقل لنا الدكتور أحمد كاظم: إن "شيخ الصحوات الحردان صرح بان عشائر الأنبار وشيوخها معنا في النهار و مع داعش في الليل، وهذا دليل صريح وصادق، لأن الشيخ من الأنبار، وشهد شاهد من اهلها. العشائر التي شعارها العزة والكرامة والشرف لا تحتضن ارهابيين من بقاع الارض شعارهم جهاد النكاح ونكاح الجهاد واغتصاب البنات والفتيان."(2)

 

في الحقيقة يتصرف الداعشيان، النجيفي والمطلك بأسلوب بعثي في زمن غير بعثي مع الأمريكان الذين هم دربوا البعثيين في الزمن الغابر لضرب الحركات الوطنية التحررية في فترة الحرب الباردة. واليوم أنتهى مفعول هذا الدواء. أجل، ذهب االثنائي ليخاطبا إدارة الدولة العظمى باكين ناحبين أن السنة مهمشون من قبل "الدكتاتور المالكي"!. فكيف يريدان إقناع الأمريكان بالتهميش وهما يحتلان المناصب العالية في الدولة، أحدهما رئيس البرلمان، والآخر نائب رئيس الوزراء، ولكتلتهما سبعة وزراء، وعشرات النواب في البرلمان؟ وكيف لجيش أن يسيطر عليه الشيعة ووزير الدفاع ورئيس أركانه وقادة عدة فرق عسكرية وقائد القوة الجوية هم من السنة؟ نسي الداعشيان أن المرحلة تغيرت وأن الأهم في نظر الأمريكان والعالم اليوم هو القضاء على الإرهاب وتحت أي مسمى كان، داعش، أو القاعدة، أو جبهة النصرة أو النقشبندية...وغيرها.

 

قال النجيفي، للمسؤولين الاميركيين "إن المالكي هو سبب العنف والتشدد المتزايد في البلاد". والنجيفي يتجنب وصف ما يجري في العراق بالإرهاب، فيكتفي بكلمة "عنف". وهذا يعني أنه لولا المالكي لما حصل الإرهاب في البلاد!! والكل يعرف أن الإرهاب بدأ منذ اليوم الأول من إسقاط حكم البعث وقبل أن نسمع باسم المالكي. وهل المالكي هو المسؤول عن العنف في سوريا ومصر وليبيا والصومال وغيرها من المناطق المبتلية بالإرهاب وليس فيها شيعة، ولا شيعي واحد في جيوشها؟

 

والأنكى من كل ذلك أن قال النجيفي: "ولكن السكان يكرهون الجيش العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة، ... ويعدون تنظيم القاعدة كما لو انه أهون الشرين. إنهم يكرهونه، لكنهم ليسوا على استعداد لمحاربته". فهل هذا مجرد زلة لسان، أم تذاكي أم غباء أم ماذا؟ يعني أنه يقول للأمريكان أن أبناء المكونة التي ينطق النجيفي باسمها غير مستعدين لمحاربة القاعدة كرهاً للمالكي والشيعة! فالعذر هنا أقبح من الفعل.

كيف لرئيس برلمان أن يعتبر جيش بلاده أخطر من القاعدة؟ وهل بإمكان أي مسؤول في دولة أخرى أن ينحاز إلى الإرهاب ضد بلاده وشعبه وجيشه وبهذه الصفاقة والصراحة والغباء وبدون أية مساءلة ما لم يتهم بالخيانة العظمى؟

 

ثم يتذاكى السيد أسامة النجيفي أكثر، فيحاول استدراج الأمريكان "المغفلين" للضغط على المالكي لإطلاق سراح المعتقلين بتهمة الإرهاب فيقول: "من بين الطرق التي يمكن للمالكي بناء الثقة معهم إطلاق سراح المعتقلين السنة غير المرتبطين بتنظيم القاعدة الذين تم سجنهم لحملهم السلاح في الماضي". يا سلام !! هكذا الشطارة وإلا فلا.

وهذا يعني اطلاق سراح جميع الذين ارتكبوا جرائم التفجيرات وزرع المفخخات وقتل عشرات الألوف من الأبرياء في الأسواق المزدحمة والمطاعم وساحات مساطر العمال الفقراء، وتدمير البنى التحتية والركائز الاقتصادية لأن الإرهابيين ليسوا من القاعدة، وبذلك يمكن للمالكي كسب ثقة النجيفي والمطلك و44 نائباً من كتلته الذين استقالوا تضامناً مع الإرهابي أحمد العلواني واحتجاجاً على شن الحرب على داعش والقاعدة.

 

فماذا كانت نتيجة زيارة الداعشيَن إلى واشنطن؟

لقد فوَّت السيدان النجيفي والمطلك وزملاؤهما فرصة ذهبية في إنقاذ البلاد من شرور الانقسامات الطائفية، فلو كانوا حقاً غير طائفيين لكان عليهم استثمار هذه الفترة العصيبة التي يتعرض فيها الشعب والوطن إلى الإرهاب، بإبداء النوايا الحسنة بنبذهم للطائفية حرصاً منهم على أمن واستقرار البلاد، ويعلنوا وقفوهم مع الحكومة في وحدة وطنية متراصة لمواجهة الإرهاب، وإدانتهم لداعش والقاعدة، وبذلك كانوا يكسبون شعبية واسعة بين السنة والشيعة، وجميع المكونات، وأثبتوا أنهم وطنيون حقاً ويشعرون بالمسؤولية ازاء الشعب والوطن.

ولكن للأسف الشديد، ونتيجة لقصر نظرهم، وتفضيل مصالحهم الشخصية على المصالح الوطنية، اختاروا العكس، فوقفوا بملء إرادتهم مع داعش والقاعدة، وبذلك خسروا مصداقيتهم ومكانتهم، ليس لدى الشعب العراقي فحسب، بل وحتى لدى الأمريكان وقادة العالم، فجاءت نتائج زيارتهم تماماً على الضد مما أراد الداعشيون، إذ حصل المالكي على المزيد من التأييد الأمريكي في حربه على الإرهاب، ومطالبة الإدارة الأمريكية والكونغرس ومجلس الشيوخ بالإسراع في تسليح الجيش العراقي، وإرسال مدربين لرفع قدرات منتسبي القوات المسلحة على حرب الإرهاب.

تفيد الحكمة: "يتعلم العاقل من أخطائه، والأعقل من أخطاء غيره".

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات علاقة بالمقال

1- النجيفي: سكّان الأنبار يعدّون القاعدة أهون الشرّين! يكرهون الجيش العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة.

http://alakhbaar.org/home/2014/1/161735.html

2- احمد كاظم: صحوة امريكا لمكافحة الارهاب الوهابي لم تدم طويلا

http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=151849#axzz2rLDrfcXo

 

3- سالم مشكور: حائط المبكى "الواشنطني"!

http://alakhbaar.org/home/2014/1/161764.html

4- كشف النقاب عن الساسة الذين طالبوا الاسد إدخال (جهاديين) للعراقhttp://akhbaar.org/home/2014/1/161817.html

 

 كشفت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان لمراسل "كل الاخبار" في دمشق بأن السياسيين الذين طلبوا من الاسد فتح الحدود على من اسموهم بـ (المجاهدين) وضرب العملية السياسية في العراق هم من القائمة العراقية. وقالت شعبان بان 3 وفود رفيعة المستوى وصلت دمشق بعد تفجير الخارجية العراقية بايام طالبين من الاسد فتح الحدود امام (المجاهدين). واكدت شعبان ان الوفد الاول كان برئاسة طارق الهاشمي، والثاني برئاسة العيساوي، والثالث خليط من مكونات القائمة العراقية والتحق بهم آنذاك حارث الضاري وعدنان الدليمي وسليم الجبوري وسلمان الجميلي ورشيد العزاوي وان اللقاء تم تسجيله بالصورة والصوت. 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.