اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مشروع القانون الجعفري وُلِدَ ميتاً// عبدالخالق حسين

اقرأ ايضا للكاتب

مشروع القانون الجعفري وُلِدَ ميتاً

عبدالخالق حسين

 

استلمت رسائل من عدد من الأصدقاء، مشكورين، يعاتبونني على "صمتي" ازاء ما يسمى بـ: (مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري والقضاء الجعفري). وكذلك علق قارئ، على مقالة لي، اتهمني بتأييد القانون أو السكوت عنه لأسباب طائفية! نسي الأخوة سامحهم الله، أني كنت من أوائل الذين انتقدوا هذا المشروع المشبوه، وبشدة، وفي الأيام الأولى من نشره في أواخر العام الماضي، وكان عنوان مقالي: (قوانين لتكريس الصراعات الطائفية)(1). كما وقد أجاد عدد كبير من الكتاب الأفاضل في نقدهم له بما فيه الكفاية ولم يبقوا لي شيئاً أضيفه في هذا الصدد، إذ لا فائدة من التكرار وإعادة ما قيل.

 

على أية حال، في العراق إذا وجهت لك تهمة أو إشاعة مسيئة وتسكت عنها فهذا يعني أن التهمة أو الإشاعة صحيحة!!، لأن ذهنية المجتمع العراقي مهيأة لتصديق الإشاعات. ولذلك رأيت من الضروري العودة إلى الموضوع لتوضيح ما استجد عنه، وكذلك لأطمئن الحريصين على حماية المجتمع من القوانين الرجعية، وبأني لست مؤيداً لهذا القانون الرجعي الطائفي!!

في البدء، أُطمئِن الأخوة أن هذا "القانون" ولد ميتاً وهو مازال مسودة، أو لائحة، أو ما يسمى بمشروع قانون. وإن الذي كتب مسودته واقترحه على مجلس الوزراء، (السيد حسن حلبوص الشمري) وزير العدل، له أغراض شيطانية ونوايا مشبوهة متعكزاً تارة على الدين، وتارة على الدستور، وبذلك فقد فضح جهله، وأساء إلى سمعته، وسمعة الحزب الذي ينتمي إليه (حزب الفضيلة)، وحتى إلى الدين والمذهب الذي ينتمي إليهما أكثر مما أساء إلى النظام العراقي الجديد. فلو كان هذا الوزير حقاً حريصاً على العدالة، ووحدة وسلامة الشعب العراقي (المتمزق أصلاً)، لما أصدر مثل هذا المشروع المتخلف المثير للجدل، وللمزيد من التفرقة، وكأن الشعب العراقي تنقصه أسباب التفرقة والتشرذم. ففي رأيي أن غرض الوزير من تقديم هذا المشروع هو فتح أبواب الجحيم على النظام العراقي الجديد، وتحديداً على رئيس الوزراء السيد نوري المالكي. فهو يعرف أن خصوم المالكي معبئين بمناسبة ودونها، لشن حرب عليه وإلصاق كل سيئات الدنيا ومشاكل العراق به، وإن لم يجدوا سيئة عليه فيختلقون الكثير منها وإلصاقها به. وإذا ما نصحنا بعدم التصديق بهذه الافتراءات احتراماً لعقولنا وعقول القراء، اعتبرونا من مثقفي السلطة، ومدافعين عن المالكي و بأجر مدفوع !!!

كما وعلمتُ أنه لما قدم الوزير المشروع لأول مرة إلى مجلس الوزراء، رفضه رئيس الوزراء، ويبدو أنه أخيراً وافق لتقديمه إلى البرلمان لاعتقاده أن البرلمان سيرفضه، وهذا في رأيي من المؤكد، وربما ليفضح عقلية الذين فُرضوا عليه من قبل حلفائه في السلطة للعمل معهم. فمشروع هكذا قانون أثار كل هذا الجدل من شأنه تكريس انقسام المجتمع على أسس طائفية، ومنح أعداء الديمقراطية ذخيرة حية للهجوم على عراق ما بعد صدام، وإظهار حكم صدام بالتقدمي ...الخ، لذلك فلا بد وأن يُرفض هذا المشروع ويُلقى به في حاوية القمامة. 

 

فالمشروع رجعي ومتخلف ومعارض لمسار التاريخ، ومعادي لأبسط حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وبالأخص الطفولة البريئة، إذ يسمح بالاغتصاب الجنسي للأطفال بذريعة الزواج، أي يروج لمرض البيدوفايل (Paedophile) في المجتمع العراقي المصاب أصلاً بألف علة وعلة اجتماعية. وإذا كان عذر الوزير بحق الزواج من طفلة في التاسعة من العمر أنه أراد الاقتداء بالنبي محمد الذي تقول عنه الروايات أنه تزوج من السيدة عائشة وهي في الرابعة من العمر، وبنا بها وهي في التاسعة، فهذه الحجة باطلة ومرفوضة اليوم ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين. وهذه الحجة مرفوضة أيضاً حتى دينياً لأن كثيراً من الأمور كان مسموح بها للرسول، وغير مسموح بها لغيره من المسلمين في نفس العصر وإلى الآن، ومنها على سبيل المثال، كانت للرسول نحو 12 زوجة في آن واحد، بينما لا يجوز للمسلم الزواج من أكثر من أربع نساء، وبشروط تعجيزية، أهمها توافر العدالة والتي هي مستحيلة إذ كما جاء في الآية: (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم). كذلك لم يجز القرآن لزوجات النبي بالزواج بعد وفاته، وهذا الشرط لا يُطبق على مطلقات وأرامل المسلمين. ويمكن تطبيق هذا المنع على الزواج من الطفلة قبل سن البلوغ أي 18 سنة. فالخليفة عمر بن الخطاب اجتهد و قام بتغيير نحو أربعين مادة كان معمولاً بها في عهد الرسول وأبي بكر، واجتهد حتى في النص القرآني حيث حرَّم زواج المتعة، وحقوق المؤلفة قلوبهم. وكذلك أوقفت إيران الإسلامية، وتركية التي يحكمها حزب إسلامي، عقوبة الرجم بالحجارة للزاني والزانية. وهذا يعني أنه يجوز إيقاف العمل بالكثير من قوانين الشريعة الإسلامية التي تخالف حقوق الإنسان ومتطلبات العصر.

 

كما واستند وزير العدل في كتابة مشروع قانونه إلى المادة الثانية من الدستور:

 

"أ- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام."

 

ولكنه أهمل الفقرتين الأخريين من المادة نفسها وهما:

 

ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

 

ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور."

فمشروع القانون المطروح للتصويت يتعارض مع هاتين الفقرتين.

 

ولعل مصدر آخر استند أليه السيد الوزير في جواز الزواج من الطفلة، وهو ما جاء في كتاب (تحرير الوسيلة) لأية الله السيد روح الله خميني، ما نصه: "مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى مع الرضيعة، ...." (الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج2، ص216، دار المنتظر، بيروت- لبنان، ط2، 1405هـ ، 1985م).

وقبل سنوات كتبتُ رداً على هذه الفتوى الخمينية بمقال عنوانه (الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ) (2)، الذي أثار جدلاً مفيداً وبناءً لتنبيه المجتمع وتحذيره من هذا الوباء، فكتب أحدهم دفاعاً عن فتوى الخميني، قائلاً أن هناك اتفاق بالإجماع بين جميع المذاهب الإسلامية (سنة وشيعة) حول جواز الزواج من الطفلة في التاسعة.

 

والجدير بالذكر أن السيدة مريم الريِّس، المستشارة القانونية للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي، شنت هجوماً عنيفاً على وزير العدل، لتقديمه مشروع هذا القانون سيئ الصيت إذ قالت فيه: "لا يسعني إلا ان اقول بأنك قد أهنت المرأة التي ولدتك وبأن العقد النفسية التي تربيت ونشأت عليها لن تبني بها بلداً... فبموجب هذا المشروع تقوم النفقة وتنعدم مع وجود الاستمتاع... فالمرأة المريضة والكبيرة والعاجزة لا تستحق النفقة!!!!" وتساءلتْ: " أي عدالة هذه يا وزير العدل...؟ ولا يسعني هنا الا أن اعود واسأل هل لك أن تزوج أبنتك وهي في عمر التسع سنين؟؟ لا بل تسقط النفقة عنها اذا لم يستمتع بها زوجها ...؟"

وهناك سؤال مهم نوجهه للسيد الوزير وهو: هل العراق بحاجة إلى هذا القانون الطائفي، إذ لدينا قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 الذي أصدره الزعيم عبدالكريم قاسم، وهو خلاصة ما توصل إليه المتضلعون في القوانين، آخذين بنظر الاعتبار التعددية الدينية والمذهبية في العراق الذي كان بحاجة إلى قانون مدني موحِد لمختلف مكونات الشعب العراقي، وليس إلى قانون طائفي مفرق لا يقل خطورة وتدميراُ عن تفجيرات الإرهابيين. إضافة إلى أن القانون رقم 188 يسمح لأي فرد إجراء عقد الزاج والطلاق أمام رجل الدين من مذهبه، إضافة إلى أمام القاضي المدني.

 

وعليه فمشروع القانون هذا جائر وخطير على السلم الاجتماعي، ويتعارض مع الدستور، وضد حقوق الإنسان والمرأة والطفولة، لذلك فهو باطل، ولا بد للبرلمان القادم من إلغائه وإلقائه في حاوية القمامة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.