اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

فوز كوربين زلزال سياسي في بريطانيا// د. عبدالخالق حسين

 

الموقع الفرعي للكاتب

فوز كوربين زلزال سياسي في بريطانيا

د. عبدالخالق حسين

 

 

كان يوم السبت المصادف 12 أيلول/سبتمبر الجاري، يوماً تاريخياً في بريطانيا، إذ أحدث السياسي اليساري البريطاني جيريمي كوربين مفاجأة للجميع، بمثابة زلزال سياسي بفوزه في انتخابات زعامة حزب العمال، لأن معظم المراقبين اعتبروه مرشحا هامشيا في المنافسة، على المرشحين الثلاث الآخرين: أندي بيرنام، وأيفيت كوبر وليز كندال. وحصل كوربين على 251,417  صوتا، أي بنسبة 59.5 في المئة، متقدما بنسبة 40 في المئة على أقرب منافسيه بيرنام الذي حصل على 19 في المئة.

والسيد كوربين، الذي قضى نحو 32 سنة في البرلمان، معروف بمواقفه اليسارية، ومناهضته، ليس لحكومة حزب المحافظين فحسب، بل وحتى لحزبه عندما كان في السلطة، حيث صوت ضد قرارات الحزب أكثر من 500 مرة. ولذلك يعتبر مناهضاً حتى للمؤسسة البريطانية(Anti-establishment).

جاء ترشيح السيد كوربين لزعامة الحزب مع ثلاثة مرشحين آخرين، بعد استقالة الزعيم السابق إد مليباند، إثر خسارة الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أيار من هذا العام. فالتقليد الجاري في أوربا، أنه إذا فشل زعيم أي حزب كبير في الانتخابات فيستقيل ليفسح المجال لشخص آخر ربما ينجح في قيادة الحزب للفوز في الانتخابات اللاحقة.

والجدير بالذكر أن ترشيح كوربين جاء من قبل نواب على شكل مزحة، ولم يكونوا جادين، لأنهم كانوا يعتقدون باستحالة فوزه، وإنما رشحوه، وكما صرحت السيدة مارغريت بكيت، القيادية البارزة في الحزب، ليمثل الجناح اليساري في المنافسة، وإضفاء الحيوية والنشاط على الجدال الدائر في قضية تتعلق بمستقبل الحزب والبلاد، وأنها ندمت على تأييدها لترشيحه بعد أن تأكدت أنه الأكثر حظاً للفوز على حساب المرشحين الآخرين المعروفين بالوسطية والاعتدال.

ولكن ما حصل بعد الترشيح لم يدر بخلد أحد، وكان بدون سابقة. فمنذ بروز اسم كوربين اليساري كمرشح لزعامة الحزب، تقدمت مئات الألوف من المواطنين بطلب الانتماء للحزب من أجل التصويت له. فالانتماء هنا لأي حزب، وحق التصويت في قراراته سهل جداً، فكلما مطلوب من طالب الانتماء هو أن يدفع 3 جنيهات للحزب. ولذلك خلال ثلاثة أشهر الماضية قفزت عضوية الحزب من حوالي 200 ألف عضو إلى 600 ألف، مما فسره كثيرون أن معظم هؤلاء جاؤوا من حزب المحافظين الحاكم، وأحزاب أخرى من أجل التصويت لجرمي كوربين بغية تحويل الحزب إلى حزب احتجاجي معارض دائم غير قابل للفوز بالانتخابات القادمة، لأن غالبية الناخبين البريطانيين لا يصوتون للحزب الذي يبتعد عن الوسطية، سواءً إلى اليسار أو اليمين.

على أنه ليس كل المنتمين الجدد هم من المحافظين، بل هناك الكثير من العمال النقابيين، والشيوعيين واليساريين وغيرهم من الذين ابتعدوا عن حزب العمال، اعتبروا ترشيح كوربين فرصة لإعادة الحزب إلى عهد ما قبل زعامة توني بلير الذي غير سياسة الحزب من اليسار إلى الوسط، وأطلق عليه (حزب العمال الجديد)، وهو صاحب نظرية الطريق الثالث (Third way)، فاستطاع أن يحقق الفوز للحزب في ثلاثة انتخابات برلمانية، وهذا غير مسبوق في تاريخ الحزب. إلا إن ما خيب أمل الناخبين بتوني بلير هو مشاركته في الحرب مع أمريكا في العراق، وما حصل من مضاعفات وتداعيات، وعمليات إرهابية حسبوها عليه. ومما يجدر ذكره أن جرمي كوربين صوت ضد مشاركة بريطانيا في تلك الحرب، وشارك في التظاهرات المناهضة لها، وهو معروف بعدائه الشديد لتوني بلير.

أدعى اليساريون أن الحزب خسر في الانتخابات الأخيرة لأنه لم يكن يسارياً بما فيه الكفاية، وهذا يجافي الحقيقة، فلو كانت هذه الحجة صحيحة لانتخب الشعب البريطاني الحزب الشيوعي، بينما الواقع يؤكد أن هذا الحزب لم يفز ولا بمقعد واحد في تاريخه إلا مرة واحدة بعد الحرب العالمية الثانية حيث فاز بمقعد واحد للمرة الأولى والأخيرة.

وفي كلمته بعد فوزه، تعهد كوربين بالنضال من أجل بريطانيا أكثر تسامحا وأكثر تقبلا للتنوع الثقافي، وبمعالجة "الفوارق الاجتماعية الفاضحة". وأضاف أن "الناخبين عبروا عن رفضهم للفوارق الاجتماعية والظلم والفقر غير المبرر". ودعى الشباب إلى العودة إلى الحزب، "فالحزب بيتهم ومكانهم الصحيح"...

وأبدى زعيم حزب العمال السابق، إيد ميليباند، عن دعمه للزعيم الجديد، لكنه قال إنه يأمل منه "أن يمد يده إلى جميع تيارات الحزب".

ولكن الملاحظ من الأرقام أن النسبة المئوية (60%) التي صوتت لكوربين، تتناسب مع الزيادة في عضوية الحزب من الذين غزو الحزب بعد إعلان ترشيحه. مما يجعلنا نعتقد أن الـ 40% الذين صوتوا للمرشحين الثلاثة الآخرين هم الأعضاء الحقيقيون لحزب العمال أي ما قبل حملة انتخابات زعامة الحزب. ولذلك يمكن القول، أنه تم اختطاف حزب العمال من قبل ناس هم من خارجه، انضموا إليه بغية انتخاب جيرمي كوربين، لجعل الحزب غير قابل للانتخاب من قبل غالبية الشعب البريطاني الذين يمقتون التطرف سواءً إلى اليسار أو إلى اليمين. وهذه مأساة بحق حزب العمال والشعب البريطاني.

لا شك أن الشعارات والمبادئ التي رفعها وناضل من أجلها جيرمي كوربين، هي إنسانية ونبيلة، ولصالح الفقراء والمعدمين، ولكن هذه السياسة غير قابلة للتنفيذ، لأنها تواجه معارضة شرسة من قبل أرباب المال، والمهيمنين على الإعلام والأحزاب الأخرى. ويعتبرونها سياسة متطرفة، لذلك تبنى المعتدلون من قادة حزب العمال سياسة وسطية لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من عدالة للطبقات الفقيرة، والشعب البريطاني بصورة عامة، ورأوا أن هذه السياسة أفضل من سياسة التطرف (كل شيء أو لا شيء)، التي دائماً تنتهي بلا شيء. فتحقيق العدالة لا يتم دفعة واحدة بل بالتدريج ، إقبل بالممكن وناضل من أجل المزيد.

ولذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سينجح كوربين في إقناع الناخبين البريطانيين، وخاصة الطبقة الوسطى التي تشكل الغالبية العظمى من الشعب، أن ينتخبوا حزب العمال بقيادته لتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر دفعة واحدة كما يريد؟

لا أعتقد ذلك، لأن هذه الشعارات رفعها الزعيم السابق إد مليباند، المعروف بيساريته، (وهو بالمناسبة ابن عالم الاجتماع الماركسي المعروف الراحل رالف مليباند)، ولكنه فشل في الانتخابات، إذ شن عليه قادة الشركات العملاقة والمؤسسات الاقتصادية والإعلامية حملة ضارية، وادعوا أن سياساته ستدمر اقتصاد البلد، وتضر حتى بالفقراء، وأن معظم الرساميل ستهجر بريطانيا إذا فاز، رغم أن إد مليباند لم يعتبر متطرفاً في يساريته. فكيف يفوز حزب العمال بقياد كوربين وهو يريد إخراج بريطانيا من حلف الـ(NATO)، ونزع السلاح النووي من طرف واحد، والتخلي عن الترايدنت، ويريد زيادة الضرائب على الشركات والأغنياء..الخ. وفي هذه الحالة يجعل بريطانيا في مواجهة مع أمريكا وهذا غير ممكن لأن قوة بريطانيا مرتبطة بعلاقتها الحميمة مع أمريكا، وتعتبر التوأم لها منذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن. ولأمريكا الفضل الكبير على بريطانيا في دحر ألمانيا النازية، ودعمها اقتصادياً بعد الحرب. لذلك بدأت حملة المحافظين على كوربين من الآن، إذ صرح وزير الدفاع أن سياسات كوربين ستعرض الأمن القومي إلى الخطر.

لا شك أن السياسة فن الممكن. وفي هذا الخصوص قال هارولد ويلسون، رئيس الوزراء الأسبق في حكومة العمال في السبعينات، في رده على اليساريين المعارضين له في الحزب آنذاك: "من حق الرفاق أن يطالبوا بالنقاء الأيديولوجي للحزب، ولكن في هذه الحالة يجب أن يعرفوا أنهم سيحيلون الحزب إلى منتدى ثقافي، وليس حزباً قابلاً للانتخاب ليقود السلطة".

لذلك فبقيادة كوربين يمكن أن يتحول الحزب إلى معارض صلب وعنيد في البرلمان، وتنظيم احتجاجي فقط، لكنه لا يستطيع أن يحقق ولو جزءً ضئيلاً من أهدافه المعلنة في خدمة الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية بالمعارضة، ولا بالإضرابات وقيادة التظاهرات، بل باستلامه للسلطة.

 

المبادئ والشعارات التي رفعها السيد كوربين قد أقنعت نحو 60% من أعضاء الحزب الذين صوتوا له وأغلبهم من الأعضاء الجدد المشكوك بأغراضهم، ولكن ليس بإمكانه أن ينال قبول غالبية الناخبين من الشعب البريطاني من خارج الحزب، وخاصة في دعوته لإخراج بريطانيا من حلف الشمال الأطلسي، و نزع السلاح النووي من طرف واحد. كذلك هناك نسبة كبيرة من البرلمانيين من حزبه وقفوا ضده، فبعد فوزه مباشرة أعلن سبعة من وزراء حكومة الظل استقالتهم، رافضين العمل بقيادته. وإذا كان الأمر كذلك في داخل حزبه، فكيف يستطيع إقناع الناخبين من خارج الحزب؟

ولهذا السبب، فإني أعتقد، وكما يرى غالبية المحللين السياسيين أن فوز كوربين بزعامة الحزب كان بمثابة هدية من السماء للمحافظين، وانتصاراً لهم، وضمان بقائهم في السلطة في الانتخابات القادمة التي ستجرى عام 2020، وتحويل الحزب إلى مجرد حزب احتجاجي ليس غير.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.