• اللبان ووهم العروض والأوزان !!!

حامد كعيد الجبوري

 

اللبان ووهم العروض والأوزان !!!

( اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية ) ، معرفتي بالصديق الشاعر صلاح اللبان تمتد لبداية عقد السبعينات من القرن المنصرم ، له هم يحمله منذ بداية كتابته للقصيدة الكلاسيكية ، فهو مهتم أيما اهتمام بوزن قصيدته التي نادرا ما يخطئ بعروضها ، وهذا الاهتمام متأتي من كونه قد زامل أعلام القصيدة الكلاسيكية الحلية العراقية أمثال المرحوم عبد الصاحب عبيد الحلي ، المرحوم محمد علي المله ، المرحوم عبد الأمير الجبوري ، المرحوم محمد الرشادي ، المرحوم حسان الحلاق ، المرحوم سليم شاكر العزاوي ، المرحوم شاكر نصيف ، عبد الكريم النور ، وغيرهم ومثلهم الكثير ، وهذا الاحتكاك والتلازم صقل موهبته النظمية مضافا لها كتاباته المبكرة للقصيدة العامية الكلاسيكية ، حتى عد شعره نظما لاهتمامه المفرط ببناء القصيدة وزنيا ، ومعلوم أن القصيدة لا تحاكم وزنيا فقط ، بل تحاكم وتنقد موضوعا ، وصورةً شعرية ً ، وسباكة ً ، ووحدة موضوع ، وما الى ذلك من أسباب النقد الأدبي العلمي البناء ، والغريب أن الشاعر اللبان حينما ينظر لنتاج غيره لا يذهب إلا لمسألة الوزن والعروض فقط ، ومحاولة إيجاد الثغرات في قصائد الشعراء ، ويقول اللبان بموضوعة كتبها لصفحة الأدب الشعبي في جريدة الفيحاء أنه يجد نفسه في حلبة ملاكمة ويتصيد الفرصة للإيقاع بخصمه وكأنه في معركة وليس بموضوعة نقدية تقويمية لنتاج الشعراء ، ومن يتذكر أنه أنبرى لشاعر العراق الكبير عريان السيد خلف محاورا إياه بوزن قصائده فقط بأمسية أقيمت له قبل سقوط النظام السابق وعلى قاعة نقابة الفنانين ، دون نقد تلك القصائد وما لها من إيقاع على نفوس المتلقين ، وعريان معروف للجميع شاعرٌ وشاعر كبير أثبت حضورا واقعيا وعمليا بساحة الشعر الشعبي العراقي ، وكذلك حين يتناول الشاعر الكبير الراحل كاظم إسماعيل الكاطع يتحدث عنه بمثل ما يتحدث عن أي شاعر يخطو خطواته الأولى صوب النجاح والوجود مع عمالقة كبار ، وما يقال عن هذين العمودين الشعريين البارزين – عريان وكاظم - اللذين يشكلان أضلاع مثلث شعري كبير ومدرسة حديثة ، قاعدته الرمز العراقي الكبير مظفر النواب ، والذي يسخر اللبان ويقول عن النواب الكبير ، ( خطيه ميضبط الوزن ) ، علما بأن النواب الرمز لا يعير أهمية للشطحات العروضية المتعمدة منه لأنه ضليع في التفاعيل والأوزان لأنه أستاذ للغة العربية ، كل هذه المقدمة بسبب موضوع أثاره الصديق اللبان ونحن بمعرض حديث نقدي دراسي كتبته عن قصيدة ( موت وجنازه وكبر ) للشاعر المبدع ماجد كزار ، ولا أخفي إعجابي وتعجبي من شيئين ، إعجابي بقصيدة الشاعر ماجد كزار التي نشرت بأهم موقع عراقي عربي للشعر الشعبي ، وهو موقع ( الجيران ) لصاحبه الشاعر الكبير زهير الدجيلي ، وموقع الجيران لا ينشر الغث من الشعر ولأي كان ، فهو موقع مميز يتبنى نشر القصائد التي تتناغم مع الذائقة العراقية السليمة ، ولم أجد قصيدة في هذا الموقع منشورة لفلان أو فلان من شعراء حلتنا الفيحاء بما فيهم اللبان ، وأتمنى عليه إرسال أي قصيدة من نتاجه لهذا الموقع الرصين وسنرى تنشر أم تهمل ، وقصيدة الشاعر كزار لها مدلولاتها الإنسانية ، والاجتماعية ، والنفسية ، التي لم يشر لها الصديق اللبان من بعيد أو قريب ، وبخصوص هذه القصيدة _ موت وجنازه وكبر - أتصل بي الصديق الراحل ( كاظم أسماعيل الكاطع ) يهنئني بهذه القراءة لها ، متمنيا علي نقل إعجابه للشاعر ماجد كزار ، وهذا ما حصل من ستة أشهر و قبل وفاته رحمه الله ، وعجبي أن الصديق اللبان لا يريد أن يخرج من جلباب جده القديم كما يزعم ، لأن من يلاحظ اللبان يجده قد خرج عن هذا الجلباب كما أراه ويراه الناس ، فجده ووالده رحمهما الله يرتديان الملابس العربية وهو يرتدي غير هذه الملابس ، بمعنى أنه خرج للحداثة ونتاجها الجميل ، ويريد اللبان أن يبقى الوحيد الذي يغرد خارج سربه ، يريد أن لا يقعّد – يجعل له قاعدة تحكمه - الشعر العامي بحجة واهية لا تصمد أمام العلم اللغوي الحديث ، وهي عدم حركة نهاية حروف الكلمات ، ويريد أن يبقى الشاعر الشعبي على تخلفه معتمدا على أذنه السمعية ، والسمع يخون السامع كثيرا ، واللبان كما أراه لا يقر بما أنجزه الكثير من الباحثين لتقعيد الشعر العامي أمثال الشيخ جلال الحنفي ، الدكتور صفاء خلوصي ، السيد أحمد الهاشمي ، ناهيك عن عشرات الباحثين في هذا المضمار أمثال ربيع الشمري في كتابه ( العروض في الشعر الشعبي العراقي ) ، ود كريم جبر الزبيدي وكتابه ( استقراء في أوزان الشعر الشعبي العراقي ) ، وأخص من الحليين المرحوم السيد حمزه الحسيني في كتابه ( جذور الشعر الشعبي ) ، والدكتور السيد مضر السيد سليمان الحلي الذي حاضر في جمعية الرواد الثقافية المستقلة التي يرأسها الصديق اللبان ، بحضور جمع من المختصين والباحثين من النجف الأشرف بموضوعة كتاب السيد الحلي الموسوم ( أطوار الشعر الشعبي ) ، كل هذا ولا يزل اللبان محافظا لرأيه بعدم جدوى وقبول ما أثبته الباحثون ، وهذا رأي أراه خارج حدود التنظير العلمي البلاغي العروضي للقصيدة الشعبية العامية ، ويخطئني الصديق اللبان بأني قلت أن قصيدة الشاعر ماجد كزار هي من بحر الهزج ، وتفاعيل قصائد الهزج الأساسية هي ( مفاعيلن و فعولن وفعولان ) ، ويدخل في هذا البحر أو الطور كما يسميه الباحث الدكتور مضر سليمان كل من ( التجليبه و البحر الطويل والنصاري و العتابة والأبوذية ) ، ويختلف الباحثون بموضوعة الأبوذية فمنهم من عدها هزجا ومنهم من عدها غير ذلك ، والأصح عند عامة الباحثون أن الأبوذية من بحر الهزج ، وقد أحصى الصديق اللبان عدد أشطر قصيدة موت وجنازة وكبر فوجدها ( 60 ) شطرا ، ( 37 ) شطرا من التجليبة وهذا اعترافه ، والأخرى تتنقل بين البحر الطويل وتخريجاته ، والغريب أيضا أنه يقول ( أن وعد الله حق ) وهي آية قرآنية يكتبها الناس حين وفاة أحدهم ، وقد أخضعها اللبان للعروض وعدها عجزا لوزن الهجري أنقصه كما يحب هو حرفا ليصبح من وزن ( الشبكها ) ، والغريب أيضا أنه يحاسب الشاعر أنها جاءت خلافا لميزان القصيدة التي كتبها الشاعر ، ولا يعير أهمية للأقواس التي وضعها الشاعر تضمينا لنصه ، ودلالة الأقواس أن المقوس لا علاقة له بوزن القصيدة ولا بمنشئها ، والغريب أيضا من اللبان الذي أقفل أذنه عن سماع البحوث التي أنجزها الشعراء لتطوير وترشيق القصائد العامية ، فاللبان لا يزل يعيش في حقبة الستينات التي أنتجت لنا القصيدة الحديثة ( قصيدة التفعيلة ) التي يشترط على شاعرها أن تكون من بحر واحد كما فعل الشاعر ماجد كزار الذي لم يخرج بقصيدته الحديثة عن وزن ( الهزج ) متنقلا بين تفاعيل هذا الوزن الراقص الجميل ، ولو افترضنا أنه كتبها على بحر الرمل والذي نسميه نحن الشعبيون ( الموشح ) وتفعيلته ( فاعلاتن ) وبدائلها ، ولو افترضنا أن الشاعر كتب قصيدته على هذا البحر متنقلا بين ( الموشح أو الهجري أو الشيعتي أو ساعدوني وغيرها ) فلا يعد خروجا وزنيا لأنه بنى كل قصيدته الحديثة على تفعيلة بحر الرمل ، وقد أبدع الشعراء المحدثون أذ طوروا نتاجهم الشعري العامي ليبتكروا نوعا جديدا يضاف الى القصيدة الكلاسيكية ، وقصيدة التفعيلة والتي تسمى الحديثة ، وهو النص المفتوح الذي يبنى على أوزان متعددة متجانسة لكي لا تثير خدش الأسماع بموسيقاها العذبة الجميلة ، وماذا سيقول اللبان لشعراء قصيدة النثر الشعبية والتي لا تقيم للوزن اعتبارا ، بل تجد أن كل أشطر هذه القصائد غير موزونة بالكامل كقصيدة ( طشة ملبس ) للنواب الكبير ،وتبنى مدرستها شعراء ورموز في ساحة الشعر الشعبي العراقي أمثال رياض النعماني ، علي الشباني ، جمعه الحلفي ، ريسان الخزعلي وغيرهم ، وماذا سيقول الشاعر اللبان بخصوص القصائد الرقمية التي تعتمد على مخارج الحروف وتناسقها ، فمثلا حرف السين يتناغم لفظيا مع حرف الشين ، وكذا حرف الغين وحرف العين ، ختاما أقول للصديق اللبان ما تقول في هكذا نتاج أدبي أخذ حيزه الكبير بين أوساط الشعراء الشباب ، أخيرا أتمنى على الصديق اللبان أن يضيف ويوظف خبرته للأخذ بيد الشعراء الشباب وغيرهم ، وأتمنى أن أسمع منه كلمة ثناء واحدة على قصيدة يسمعها أو نسمعها سوية ، أم لا يزل رأيه أن لا شاعر يستحق الثناء إلا أصحاب القصائد الكلاسيكية التي لا يجد شاعرا لها برأيه المستغرب الآن .