اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

(صالح الكواز) الحلي شاعر السليقة والارتجال// حامد كعيد الجبوري

اقرأ ايضا للكاتب

(صالح الكواز) الحلي شاعر السليقة والارتجال

حامد كعيد الجبوري

 

      قرأت موضوعة عن شاعر الحلة الفيحاء (صالح الكواز الحلي) ووجدت سوقَ معلومة أجدها منافية لما قيل فيها عن الشاعر (الكواز) ، والمعلومة تقول أن (الكواز) ضليع باللغة العربية ونحوها، ولأن (أهل مكة أدرى بشعابها) لذلك نقول ما عرفناه ووثقناه من متداول ورواة شعره، وما عرف عن هذا الشاعر وأخيه الأصغر (حمادي الكواز) ، فلم يكن (الكوازان) على دراية وخبرة بعلوم اللغة ونحوها وصرفها وربما الكتابة فيها، ودليلي لذلك ما تحفظه الذاكرة الحلية عن الشيخ (صالح الكواز) ، وتقول الرواية أن الشاعر (الكواز) كان يرتاد مجلس السادة (القزاونة) ويقرأ شعره عندهم، وكانوا يريدون إيجاد خطأ نحوي بشعره ولم يتمكنوا من ذلك، وفي أحدى القصائد التي كتبها للصديقة الزهراء عليها السلام يقول:

       ما كان ناقة صالحٍ وفصيلها * بالفضلِ عند الله إلا دوني

 

وحين قراءة القصيدة أستوقفه أحدهم قائلا، منذ مدة ونحن نرقب خطأ نحوي بقصائدك وها أنت اليوم وقعت في الخطأ يا شيخنا الجليل؟ ، قال له (الكواز) وما هو الخطأ الذي وقعت فيه، قال المتتبع للقصيدة أنت تقول (ما كان ناقة صالح) ، وبما أن الناقة مؤنثة لذلك وجب عليك أن تؤنث الفعل الماضي الناقص ليكون (ما كانت ناقة صالح) ، ولا علاقة لي باختلال الوزن لأني لست معنيا بذلك؟ ، أجابه (الكواز) قائلا هكذا يقول لساني، قالوا له لنتفحص علماء اللغة فيما أثبتوه وعلنا نجد عذرا لك وتعال لنا صباح الغد، في اليوم الثاني جاء (الكواز) لمجلسهم وقالوا له جميعا (صدق لسانك يا شيخنا الكواز) ، قال أحدهم ذهبنا الى (سيبويه) ووجدنا عنده ما يتلاءم مع قولك، لأن الفعل الماضي الناقص لو دخل على المذكر أو المؤنث العاقل يجب أن يذكر أو يؤنث تبعا لذلك، وأن دخل على المذكر أو المؤنث غير العاقل فمن حقك تأنيث الفعل أو تذكيره وفق ما تريد، ولم يكن الرجل عارفا بما وجدوه له من عذر، وهذا بزعمي دليل على رد من يقول أن (الكواز) على دراية بعلوم اللغة وأسرارها.

    وقبالة ذلك كان (الكواز) على دراية وحفظ ومعرفة لشعراء الجاهلية، وصدر الإسلام، والشعراء الأمويين والعباسيين، ويحفظ الكثير من المراثي لآل البيت الأطهار عليهم السلام . 

      ولد الشاعر أبو المهدي بن الحاج حمزه عام 1233 هـ في مدينة الحلة الفيحاء وهو من أصل عربي من عشيرة (الخضيرات) أحدى قبائل شمر، وتوفي في الحلة الفيحاء عام 1290 هـ  ودفن في النجف الأشرف ونعاه علماء الدين وخطباء المنابر ورثاه الشاعر السيد (حيدر الحلي) بقصيدة يقول في مطلعها :

          كل يوم يسومني الدهر ثكلا * ويريني الخطوب شكلا فشكلا

     ومن طريف شعره هذا البيت الذي أرتجل ويقول فيه :

          ما وشوش الكوز إلا من تألمه * يشكو الى الماء ما لاقى من النار

 

وفي رواية أخرى ما قاسى من النار، وحديث هذا البيت أن (الكواز) كان يعمل بصناعة الفخار (الجرار) ، وما شابهها من صناعات فخارية يدوية، و (الجرة) عبارة عن وعاء فخاري مصنوع من الطين لحفظ الماء وتبريده أيام الصيف القائظ، ويطلق على صاحب هذه الصنعة (الكواز) الذي يصنع (الأكواز) .

     وقفت امرأة جميلة على دكان (الكواز) طالبة منه بيع (جرة) لها، واتفقا على السعر وأخذت (جرتها) وذهبت لبيتها، في اليوم التالي عادت الحسناء قائلة له حين وضعت الماء في الجرة أصدرت صوتا غريبا يشبه الوشوشة، وبدأ الماء ينساب من مسامات الجرة، قال لها خروج الماء بقطرات قليلة شئ طبيعي وسنعالجه وسينقطع انسياب الماء شيئا فشيئا، وأما الصوت الذي سمع فتلك شكوى من الجرة الى الماء، بقدر ما لاقت من النار عند فخارها، وفي حديث الكواز تورية واضحة، وحقيقة الصوت هو دخول الماء الى مسامات الجرة وطرد الهواء من تلك المسامات مطلقا تلك الوشوشة التي ذكرها (الكواز) في بيته الشعري .

     وطريفة أخرى تناقلها شيوخ الحلة عن شاعرهم (الكواز) ، ومفادها ان الشاعر (الكواز) كان على علاقة مع أحد وجهاء مدينة (الكاظمية) المقدسة ومن وجهاء (آل كبه) ، وكان الوجيه ينزل بدار (الكواز) في الحلة أثناء مروره الى النجف الأشرف لزيارة أمير المؤمنين علي (ع) ، أو لزيارة كربلاء المقدسة، وكثيرا ما كان يوجه الدعوة لصديقه (الكواز) لزيارة الإمامين الكاظمين (ع) ، وربما تستغرق السفرة أكثر من نصف شهر ذهابا وإيابا بسبب عدم وجود وسائط النقل الحديثة آنذاك، وكانت سفراتهم على شكل مجاميع يستخدمون فيها الحيوانات للتنقل، في أيام رمضان كان (الكواز) ضيفا على صديقه الكاظمي، وصادف أن وجَهَ الشاعر المعروف (عبد الباقي العمري) دعوة أيام رمضان لحضور مجلسه الثقافي لذلك الوجيه البغدادي، وألح البغدادي الكاظمي على (الكواز) لحضور ذلك المجلس الذي يعقده (العمري) بمدينة الأعظمية، لم يقتنع (الكواز) بالذهاب لمجلس العمري لأنه لا يعرفه أولا، ولم تقدم له الدعوة مباشرة ثانيا، وثالثا وهي الأهم أن (الكواز) كان قد ندد بشعر (العمري) وشاعر آخر هو (عبد الغفار الأخرس) ببيت شعر ذكرهما سوية يقول فيه

         أخرستُ أخرس بغداد وناطقها * وما بقيت لباقي الشعر من باقي

 

والتورية واضحة في البيت، وأخيرا أجبر (الكواز) على الذهاب لديوان ومجلس الشاعر عبد الباقي العمري، ومعلوم أن ديوان العمري يؤمه وجهاء البلد من ساسة وتجار ومثقفين، و(الكواز) رجل فقير الحال لا يملك من دنياه إلا ساعده الذي يعيل به عائلته، نظر الشاعر عبد الباقي العمري للقادم الجديد مع مجمل المدعوين، وربما لم تعجبه ملابس الشاعر (الكواز) المتواضعة، و(الكواز) يرتدي العباءة العربية والعقال والكوفية (اليشماغ) ، وربما سمع (الكواز) أطراف حديث الشاعر عبد الباقي العمري مع مضيّف الكواز الكاظمي واستهجان قدومه وملابسه البسيطة، فقال (الكواز) قاطعا حديثهما بهذا البيت من الشعر :

     لو كان ثوبي قدر شعري لأصبحت * تحاك ثيابي من جناح الملائك

 

 

نهض الشاعر عبد الباقي العمري من مكان جلوسه مسرعا نحو جلوس قائل البيت وصاح به صوتا يسمعه الجميع والله أنك ( صالح الكواز الحلي ) .    

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.