اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

عرض كتاب: مائة يوم ويوم في بغداد// حامد كعيد الجبوري

اقرأ ايضا للكاتب

عرض كتاب:

مائة يوم ويوم في بغداد

حامد كعيد الجبوري

 

       صدر عن المركز الثقافي للطباعة والنشر كتاب (مائة يوم ويوم في بغداد) للكاتبة والصحفية النرويجية (هوسنا زيرشتاد) ، ترجمة الأديب (صلاح مهدي السعيد) ، ويقع الكتاب ب 336 صفحة من الحجم الكبير وبورق أسمر وطباعة أنيقة، وصورة الغلاف مستوحاة من حرب تحرير أو احتلال العراق.

       لا أعرف كيف أصنّف هذا الكتاب، هل هو قصة أو رواية أو مذكرات يومية شخصية أو تسجيل تاريخي أو هو جامع لكل هذا التصنيف بآن واحد، ومن الملفت للانتباه أن الكاتبة على دراية بتاريخ بلاد ما بين النهرين، والتاريخ الإسلامي ورموزه الكبيرة، على النقيض من بعض كتابنا الذين لا يعرفون تاريخ بلدانهم ولا تواريخ العالم الذي يحيط بهم، وبعيدا عن تنظير المؤامرة، ودس السم أجد أن الكاتبة عرضت قناعتها الشخصية مستفيدة من التجارب العراقية القاسية والمريرة، فأتت أفكارها متناغمة مع أراء الكثير من دارسي المجتمع العراقي وتعقيدات تركيبه الأثيني والعرقي، ولصعوبة الحصول على الكتاب في المكتبات العراقية حاليا، ولأهميته ثانيا سوف أسهب بعرض هذا الكتاب، قسمت الكاتبة (Asne Seierstad) كتابها الى ثلاثة أجزاء الجزء الأول (قبل) ، وتعني قبل دخول جيشي الاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق، و(أثناء) ، و(بعد) ، من كانون الثاني وحتى نيسان 2003 م وسقوط الصنم في ساحة الفردوس في بغداد.

     استأجرت الكاتبة سائقا بموافقة وزارة الأعلام، وخصص لها مترجمة ومن المؤكد أن هؤلاء ليسوا بعيدين عن دائرة المخابرات العراقية حينها.

 قبل:

     تتحدث الصحفية والكاتبة (هوسنا) أنها أتت للعراق موفدة من ثلاثة صحف في النرويج، السويد، الدنمارك، معززة برغبة شخصية لمشاهدة معاناة الشعب العراقي بعد فرض الحصار عليه، وكيف سيتهيأ العراق لرد ودحر عدوان أعدته أمريكا لغزو العراق، استطاعت هذه الصحفية أن تقدم الرشى لكثير من موظفي وزارة الأعلام العراقية حينها، وهذه الرشى التي تقدم لتسهيل مهمة تجديد سمة بقائها في العراق، ولقاء مع بعض الأسر العراقية، ومن خلال هذه الرشى وصلت الصحفية الى مدينة (الكاظمية) ومدينة بابل الأثرية، ومدينة كربلاء معقل شيعة العراق كما تسمي، وخلال زيارتها لكربلاء استطاعت أن تلتقي ببعض الأسر التي تزور كربلاء لتتحدث معهم عن انتفاضة آذار الخالدة، الصحافية النرويجية تعرف حجم المعاناة العراقية أكثر من بعض من ساسة البلد الذين وصّفوا تلك الانتفاضة بما يقلل من شأنها ومن دوافعها ومن مردوداتها  ومعطياتها، تقول (ليس فقط الأمام الحسين من ذبح في كربلاء، فبعد حرب الخليج الأولى أنتفض الشيعة ضد النظام ولبضعة أيام في آذار 1991م، انتفضت كل المناطق الشيعية في جنوب العراق، كانوا يتوقعون الدعم من الأمريكان، لقد اعتقدوا أن أهدافهم كانت واحدة لإسقاط صدام حسين، هذه المساعدة فشلت في أن  تصبح حقيقة واقعة، وعلى العكس، فأن جورج بوش الأب سمح لعدوه بتحليق الطائرات المروحية فوق القوات الأمريكية لقمع الثوار، قوات الحرس الجمهوري، وهي نخبة القوات، استعملت ترسانتها الهائلة بضمنها الأسلحة الكيماوية لقمع الانتفاضة) . 

     كلما ازدادت نبرات التهديد لصدام ونظامه، كان يدعو (من جانبه دعا صدام حسين الى حرب شاملة في المساجد خلال خطبة الجمعة، أخذوا يعلّون من شأن الشهادة في الموت، وخلال بث خطابه عبر التلفزيون الرسمي قبض صدام على سيف علي، الإمام الشجاع، لحث الناس على القتال ومقاومة الغزاة)، تقول (هوسنا) معلقة عما تراه يفعله صدام وهو يحمل سيف علي، (لم أسمع قبلا بأن الإمام كان محاربا بمزاجه) .

     بعد دخول صدام حسين الى دولة الكويت غازيا، وفرض عقوبات دولية على الشعب العراقي الذي عانى من النظام والعقوبات على حد سواء، تستطيع (هوسنا) الوصول الى أحدى مقابر بغداد، وهناك في مقبرة الأطفال ترى الكثير بلا شاهدة قبر، الآباء يودعون أبنائهم التراب ولا يعودون، (على مبعدة منا كان هناك رجل يجلس على حافة قبر يمسح رخامته، كانت الرخامة مزينة برسومات لأزهار بنفسجية كبيرة على جانب واحد، وعبارات من القرآن على الجانب الآخر ، شهد – 1- 7- 1995 – 3- 2 - 1999 ، اللوكيميا قال الأب) .

   تقول الكاتبة أحاول أن ألتقي بأي شخص يمنحني الحقيقة، ذهبت لمدينة صدام والتي كانت تسمى الثورة كما تقول، دخلت الأسواق وحاورت الناس ولكنها برفقة ممثل لحزب البعث وآخر من وزارة الإعلام فمن يتبرع برقبته ليدلي بحديث لهذه الصحفية النكرة بالنسبة له، ولأن الصحفية تريد الحقائق لتنقلها بموضوعية ومهنية أخلاقية فقد دخلت الى شارع المتنبي، تعرفت على بائع كتب كردي يتحدث الانكليزية، وعرف ما تريده (النظام يسحقنا قالها بتأن، هل تعرفين تاريخنا؟ ، هل تعرفين ما حدث لهذا البلد؟ ، أنه أسوأ من الدكتاتورية، أسوأ بكثير) ، قالها جلال بائع الكتب الكردي وهو يؤشر بيده صوب حنجرته التي يتوقع قطعها لو عرفت السلطة بحديثه معها.

         دخلت الكاتبة مقهى (الشابندر) ، تتلصص من هذا لذاك وقادتها الصدفة لناقد عراقي أسمه (عصام) كما تقول، وعصام جاء من فلسطين وأستوطن العراق، همس بأذن الصحفية قائلا (نحن جميعا نحب رئيسنا ومستعدون للموت دونه، سأكون مجنونا لو رميت بهذا القناع جانبا لقول الحقيقة) ، وتقول (هوسنا) دهشت حين وافق عصام على لقائي خلسة في فندقها في اليوم التالي، (لأنني مجنون، العراق هو مملكة الخوف، لا أحد يقول الحقيقة وأنت مع المرافقين أو أي عراقي آخر لا تعرفينه، القليلون سوف يتحدثون أليك لوحدك، فبمجرد كلمة مشئومة واحدة تقولها لأجنبي تجعلنا نختفي سوية، البلد كله عبارة عن حفرة هائلة ملعونة، ونحتاج لمساعدة لكي نلقي حجرا في الحفرة) .

      تتحدث الكاتبة عن الدروع البشرية التي قدمت للعراق، صحفيون بعد أن توقفت أغلب المساعي لثني أمريكا عن غزو العراق، بدأ هؤلاء ولأسباب إنسانية وغيرها القدوم للعراق كدروع بشرية، وألقى صدام خطابا ترحابا بهؤلاء، منهم من بدأ الخوف يتسلل لنفسه إذا ما سوف يستخدمهم صدام حسين كدروع بشرية حقيقة، ويقعون فريسة بين نيران الغزاة أو بين نيران الدفاعات العراقية، وصرح لهوسنا الكثير منهم لأنها تعرفهم وهم أبناء مهنة واحدة، واستطاعت هوسنا زيارة أحدى العائلات العراقية برفقة درع بشري فرنسي تعرفه وهناك وبخلوة عن عيون المخابرات العراقية سمعت تلك العائلة تقول، (أوقفوا هذا الهراء، نحن نريد الحرب، نريد القنابل، حتى نتخلص من هذا الدكتاتور على الأقل) .

      بسبب هذا النشاط غير الاعتيادي لصحفية أجنبية لذلك قررت وزارة الإعلام طردها خارج الحدود، والعودة من حيث أتت، تصل الصحفية عمان عاصمة مملكة الأردن وهناك تبدأ رحلتها الجديدة للعودة الى العراق، متخذة من المال وسيلة سهلة لأغراء الكثير، وأخيرا تستطيع العودة ثانية لبغداد، وهذه المرة لفندق فلسطين .

خلال :

      لم تفكر الصحفية بالخوف ولم تكن شجاعة كما تقول لتبرر عودتها ثانية للعراق وتأخذ سمة دخولها وبالمناوبة المسائية من السفارة العراقية بعمان، خزّنت الغذاء والماء كما يفعل العراقيون، وشهدت أولى قذيفة تسقط على بغداد، وشاهدت ما فعله طيران الحلفاء بوزارات الحكومة العراقية مستثناة وزارة النفط من تلك الغارات، وتنقل لنا الصور المؤلمة لتلك الحرب الشرسة، أم (كانت تنوح محمد أصيب في قلبه، عباس في صدره، وحسين في جبهته – أنهم فتية صغار لازالوا في المدرسة، أرضعتهم من صدري، أغسل لهم، ألبسهم أعلمهم الكلام، أرسلهم الى المدرسة، مالذي سأفعله الآن، بوش دمر حياتي، لماذا يقتل العوائل؟ لماذا؟ ) .

     أعلن الصحاف وزير الإعلام العراقي شامخا بأنفه كما تقول الكاتبة (Asne Seierstad) باستخدام أسلحة غير تقليدية، فكرنا جميعا الصحفيون أذن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل التي أقضت مضاجع الكثير، (في ذلك المساء نفسه فجّر أول انتحاري عراقي نفسه، قاد علي النواني سيارته التاكسي في طريق مغلق خاص بالأمريكان خارج النجف وفجّر السيارة ونفسه معا، قتل أربعة من الأمريكان، في اليوم التالي تم أخبارنا هذا هو السلاح غير التقليدي العراقي: قنابل الانتحاريين) .

     تقول الصحفية بأننا في فندق فلسطين أصبحنا بإنذار مذ علمنا أن مكتب تجنيد الانتحاريين بفندقنا، ورأينا الكثير يتوافدون لذلك المكتب، لم يكونوا عراقيون فقط، بل من جنسيات عربية وإسلامية، وأوردت صحيفة الثورة العراقية، (أياد وفادي السوريين قتلا العديد من الكفار قبل أن يستشهدا، الآن هما في الجنة منذ 24 ساعة من بداية غارتهما على العدو، وكانت الحصيلة 23 جندي، مع خمس وثلاثين دبابة وست حاملات جنود، وطائرة هيلكوبتر دمرت في هذا الهجوم من قبل هؤلاء المجاهدين)  .

       أثناء شدة القصف والغارات الجوية ترك قسم من الصحفيين عملهم، وآخرون أجبروا على مغادرة العراق لعدم رغبة المخابرات العراقية ووزارة الإعلام العراقية ببقائهم لذلك وجدت الصحفية (هوسنا) نفسها ممثلة ومراسلة لتسع قنوات إعلامية وصحفية ومنها راديو (لندن) ، وطلب منها مسئولها مغادرة العراق ولكنها أصرت على البقاء تنفيذا لرغبتها الشخصية لتغطية مجريات حرب الخليج وإسقاط صدام حسين.

      وصلت القطعات الأمريكية لمشارف بغداد ودخلت مطار صدام الدولي والصحاف يتوعد ويكذب الأخبار، شاهدت من شرفة غرفتها الدبابات تدخل محيط القصر الجمهوري والصحاف يكذب الأخبار، وفي هذه الليلة أبلغت من السلطات الأمنية بوجوب مغادرة العراق ولا سبيل للبقاء، في صباح ذلك اليوم وصلت الدبابات الأمريكية الى ساحة الفردوس، وبدأت عملية إسقاط تمثال صدام حسين، (أرتفع التمثال في الثامن والعشرين من نيسان عام 2002 م للاحتفال بعيد ميلاد صدام الخامس والستين) ، أذن سقط النظام وسأغادر العراق حين أقرر أنا لا كما أبلغ من مخابرات دولة سقطت.

بعد :

     (في هذا الوجود الجديد المسبب للدوار، الكلمات التي تلفظ والتي يمكن مرة أن تقودك للسجن، كلمات يمكن أن تريك العذاب، كلمات كان يمكن أن تضع طلقة في عنقك، كلمات كان يمكن أن تسلبك كل شئ) .

     (واحدة من الكلمات هي تحرير، الأخرى الحرية، كلمة واحدة هي، غزو، الأخرى احتلال، كراهية، انتقام، دكتاتورية، صدام، شيطان) .

     كان في سالف العصر والأوان اثنان من الأصدقاء كانا يعيشان تحت حكم صدام، كانا يطلقان على نفسيهما أخوان، كانا يغمغمان عندما يتحدثان، الدكتاتورية تسود في بغداد، الخوف يحكم ثم جاءت الحرب، كان الصديقان يجلسان جنبا الى جنب عندما سقط الصنم كلاهما بكى، خد أحدهما كان مبللا بالحزن، الآخر ذرف دموع الفرح، ثم تتابعت الكلمات أحدهما أصّر على أن الوطن تعرض للغزو، الآخر أطلق عليه تحريرا، كان عامر سني وهو يصّر على أسنانه نحن لا نستحق هذا الإذلال، أجابه عباس الشيعي بفرح هذا أسعد يوم في حياتي) .

     كانت الصحفية (هوسنا) موفقة جدا بسرد أحداث ما رأت، ولم تبدي رأيا شخصيا بما دار ويدور وسيدور في العراق، ومن خلال بعض السطور تجد أن آراءها تتطابق مع بعض من أراء الساسة العراقيون وغيرهم، ولم تأشر أو تشير على وجود تعاون مسبق بين نظام صدام حسين وتنظيمات القاعدة، وقد رأت بعينيها وجود مجموعة وصلت الى فندق فلسطين والفنادق الأخرى، والغريب أن هؤلاء المجاميع لم تغادر الفنادق اليوم الأول والثاني والثالث لسقوط الصنم في ساحة الفردوس، ثم لم تعد تراهم ولم تعرف الى اين ذهبوا، وربما من يقرأ ما بين السطور يخلص الى أنه تريد عكس ما ذهبت أليه بخصوص تعاون النظام والقاعدة .

    بعد أيام من سقوط صنم الفردوس جاءت لتدخل فندقها وغرفتها في الطابق السابع إلا أنها فوجئت بمنعها من الدخول من قبل القوات الأمريكية التي دخلت الى الفندق، ساكن جديد يمنع عنوة ساكن قبله، وهكذا اضطرت لمغادرة لعراق  مع مجموعة من الصحفيين وبحماية القوات الأمريكية الى عمان.

 

    شكرا للصديق المترجم الأديب صلاح مهدي السعيد هذا الجهد الرائع وهذه الترجمة والسرد الفني الحرفي الجميل . 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.