اخر الاخبار:
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

أنت كالكلب، وإياك أعني// حامد كعيد الجبوري

 

الموقع الفرعي للكاتب

أنت كالكلب، وإياك أعني

حامد كعيد الجبوري

العراق / بابل

 

     دخل علي بن الجهم 188 - 249هـ الشاعر البدوي بملابسه الخشنة الرثة، وشكله المتجهم مدينة بغداد وهي حاضرة الخلافة العباسية، سمع الشاعر الجهم الناس يقولون أن الخليفة المتوكل يغدق على الشعراء والمداحين، فدخل لقصر الخلافة مبتغيا مدح الخليفة لكسب المال، أصغى بن الجهم لشعراء البلاط وهم يمتدحون المال عند خليفتهم فنهض من مكانه وقال يا أمير المؤمنين أسمح لي بالقراءة، وقرأ (أنت كالكلب في حفاظك للود / وكالتيس في مقارعة الخطوب / أنت كالدلو لا عدمناك دلواً / من كبار الدلا كثير الذنوب) ، والدلا هو ما يشبه الصاع الكبير ينتهي بقاع البئر ويربط بحبل لسحب الماء، وكثير الذنوب تعني كثرة ما تحويه من الماء، وبرواية أخرى (من كثير العطايا كريم وهوب) ، والرواية الأولى أدق مصدرا، شاط الخليفة غضبا ولحظ الحراس وسياف القصر ذلك فاستلوا سيوفهم وأحضروا  النطع – فراشٌ من الجلد يوضع لمن يقطع رأسه كي لا يلوث السجاد الدماء -  ورموه أرضا وكُتِّفَ الشاعر بالقيد ليذبح علنا أمام الأشهاد، سأل الخليفة المتوكل العباسي الشاعر وأجاب، بعد الإجابة عرف الخليفة أن الشاعر بدوي، ولا أقرب للبدوي من الكلب والبئر والدلاء فقال أتركوه، وأمر إدخاله الحمام، ومنحه كسوة مناسبة، وبيت على نهر دجلة، وجارية، شرب الشاعر عذب ماء دجلة، وخالط الناس، وشرب المدامة فتغير طبعه ومنطقه، وصح حدس الخليفة بهذا البدوي الشاعر، وما هي إلا شهورا قليلة فكتب (عيون المها  بين الرصافة والجسر / جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري / أعدن لي الشوق القديم ولم أكن / سلوت ولكن زدن جمرا على جمر) ، ولأننا عرَّجنا على الكلب الذي مُثل به المتوكل العباسي فيقال أن للكلب عشر صفات من المؤمنين أوردها الحسن البصري والأصمعي وغيرهم الكثير، وأعطى سبب تحبب الصفة  عند الكلاب، وصفات الكلب كما أوردوها  أولها: ليس له مقدار بين الخلق وهو حال المساكين، وثانيها: أن يكون فقيرا ليس له مال ويكون صفة المجردين، وثالثها: ليس له مأوى معلوم والأرض كلها بساط له وهو من آداب المتوكلين، ورابعها: أكثر أوقاته جائعا وهو من آداب الصالحين، وخامسها: إن ضربه صاحبه لا يترك بابه وهو من علامات المريدين، وسادسها: لا ينام من الليل إلا اليسير وذالك من صفات الخاشعين، وسابعها: أن يطرد ويجفى ثم يدعى فيجيب ولا يحقد وذلك من علامات العاشقين، وثامنها: أكثر عمله السكوت وذلك من علامات المرتاضين، وتاسعها:   يرضى بما يدفع إليه صاحبه وهو حال القانعين، وعاشرها: إذا مات لم يبق له شيء من الميراث وهو من مناقب الزاهدين.

     ومما رويّ لي عن عزة النفس والكبر وحفظ الود عن الكلاب من بعض الأصدقاء ثلاثة حالات استوقفتني كثيرا تختزنها ذاكرتي، 1 : أحد التجار المترفين يسكن في بيت منيف كبير في كرخ بغداد، وكان له كلب يحرس داره، ومن عادات التجار تعطيل محلات تجارتهم أيام الجمع، وعصر كل جمعة يخرج التاجر من بيته وبيده مسبحة ثمينة ليجلس مع أصدقائه في مقهى لا تبعد كثيرا عن بيته وتطل على دجلة الخير، حين يخرج يتبعه الكلب ويقرفص قبالة المقهى التي يؤمها صاحبه، ويعود مع صاحبه، هرم الكلب وأصبحت ساعات نومه أكثر من ساعات يقظته، طرده صاحبه من البيت ورماه للشارع وأغلق باب داره، لم يبرح الكلب بيت التاجر وكان يذهب ليجد قوته في المزابل القريبة ويعود الى حيث دار صاحبه، ولم يترك مرافقة صاحبه وهو يجلس أيام الجمع مع أصدقائه، الظاهر أن أحد اللصوص كان يخطط لسرقة المسبحة الثمينة من يد التاجر، وفعلا ركب اللص دراجة هوائية وخطف المسبحة من يد التاجر وهرب مسرعا، صرخ التاجر بأعلى صوته (حرامي – حرامي) ولم يستطع اللحاق باللص لبدانة التاجر، ركض الكلب خلف دراجة اللص، وعضه من رجله، وأسقطه أرضا وهم بالهجوم على اللص، واللص يعرف أن هذا الكلب يملكه التاجر، وخاف من وصول التاجر له، وربما يمسك ويسلم للشرطة، فما كان من اللص إلا أن يرمي المسبحة، ألتقط الكلب المسبحة وعاد لصاحبه وبين أسنانه المسبحة وأخذها التاجر من فم الكلب، لم يذهب التاجر بعد الحادثة الى المقهى وعاد لبيته، حين وصل لباب الدار مع الكلب الوفي، وفتح الباب وقال لكلبه تعال وعد لمنزلك، نظر الكلب للتاجر نظرة احتقار واشمئزاز وهز بذيله وغادر المكان ولم يعد للجلوس أمام باب الدار ثانية ولم يعد نهائيا.

     الحالة 2 : صديق شيخ عشيرة يقول كان عندي كلب شجاع وأمين وذكي جدا، يقول كنت أميز نباحه ولماذا ينبح، أن كان ينبح لضيف أو للص أو لخطر يدهم القرية، يقول صديقي شاخ الكلب عندنا وأصبح كثير النوم، والأكثر أن أولاد الكلب وذريته كانوا يقسون على الكلب الكبير ويحرمونه حتى من الطعام، وكنت أنهره وربما أفرد له طعامه فيسرقونه منه أيضا، يقول بعد أيام افتقدت وجوده وسألت عنه أولادي وقالوا لا ندري، اختفى الكلب يوم، يومين، أسبوع، شهر، فقلت لنفسي ربما مات بمكان ما، يقول كان بستان أختي المتزوجة يبعد بحدود 2كم عن بيتنا، قلت اليوم سأزور أختي وأتناول طعام العشاء معها، حين وصلت لدار أختي فاجئني كلبنا الهرم عندها، ولاعبته وقلت له سألت عنك كثيرا حتى ظننتك مت، والكلب المسكين يرمي بنفسه على أقدام صديقي الشيخ ويعبث بأطراف إزاره ويحمحم له ويهز ذيله فرحا لرؤية مربيه، يقول بعد تناول طعام العشاء عدت ماشيا لبيتي، ورافقني الكلب بمسيري، وكنت فرحا بعودته، قبل خمسين مترا عن بيتي وقف الكلب عن المسير، قلت له تعال لا تخف فسأفرد لك مكانا خاصا لا يصل فيه إليك بقية الكلاب، لم يتحرك من مكانه، وأعدت عليه الحديث ولم يستجيب، ضربته بعصاي ضربات خفيفة على ظهره ولم يستجيب، يقول قلت للكلب (أذهب فإنك لا تستحي وتترك بيتك، وتخاف من ولدك، والأكثر تذهب دخيلا لبيت غريب لا تعرفه) ، يقول عدت لبيتي ونمت ليلتي، وخرجت لقضاء أعمالي ونسيت الكلب، بعد أيام تذكر الشيخ كلبه وقال ابحثوا عنه ولم يجدوا، طلب من أحد أولاده الذهاب لبيت عمته ليسأل عن الكلب وعاد وقال لوالده لم أجد الكلب عند عمتي، يقول خرجت للمكان الذي توقف عنده الكلب ورفض الدخول معي للبيت فلم أجده، يقول شممت رائحة كريهة فتوجهت نحوها، ووجدت الكلب مختفيا بين فسائل نخلة وهو ميت، يقول عدت للدار حزينا لأني لم أتفقده أو أذهب له بطعام.

     الحالة 3 : صديق  يسكن بأطراف المدينة ويخشى من الأطفال أو اللصوص تسلق سياج الدار لسرقة أي شئ من حاجيات المنزل، وصديقي من المربين لطيور الزينة، جلب كلب صغير وضعه بشرفة الدار المطلة على الحديقة، كبر الكلب وأصبح وسيلة تنبيه للرجل، وفعلا كان الرجل يميز نباح الكلب أن كان لمن يمر عابر سبيل، أو لمن يحاول تسلق سياج الدار، أحد أصدقاء الرجل قال له أن كلبك ليس من فصيلة جيدة وسأعطيك كلبا من عندي وهو كلب يسمى (Wolf dog) ، وقبل أن يجلب الكلب الجديد أخذ الكلب القديم بسيارته ورماه بمكان بعيد جدا عن بيته، عاد الرجل لبيته فوجد الكلب القديم قد وصل للبيت قبله، فقال لنفسه ليبقى خارج الشارع، وكان الكلب مرابطا بباب الدار ويأكل مما يرميه له أصحاب الدار، جلب صديقي الكلب الجديد ووضعه بنفس الشرفة فأنتبه الكلب القديم أن كلبا جديدا حل مكانه، رمق لصديقي بعينيه ورفع رأسه للشرفة وغادر المرابطة بباب الدار ولم يعد لها وليومنا هذا.

 

     بعد التغيير وسقوط صنم الدكتاتورية البغيضة كتبت بيتين من الشعر الشعبي تلخص ما أريد قوله في هذه الموضوعة، (عجيبه عالجلاب التنبح بهل اليوم / نزع ثوب الجلاب وصاير بريكي/ ربيت الجلب يحرسني .. ملخني! / وبثوبه يهز لو شاف أمريكي) ، - بريكي ملابس شبابية يمتاز بلبسها بعض الشباب عديمي الذوق والأخلاق– ، وبنفس إطار هذه الموضوعة (غزالة) زوجة شبيب الخارجي أحد كبار الخارجين على بني أمية، وأستحل الكوفة أيام إمارة الحجاج الثقفي،  وهو (شبيب بن يَزيد بن نعيم بن قيس الشيباني)  ، وكانت زوجته (غزالة) قد نذرت لو مكن الله لزوجها الكوفة فستصلي ركعتي شكر لله في مسجد الكوفة، ووفت غزالة نذرها وصلت ركعتين قرأت في الأولى سورة البقرة كاملة، والركعة الثانية سورة آل عمران، فهزأ شعراء الكوفة من جبن أميرهم الحجاج الثقفي وكتبوا شعراً، (أسد علي وفي الحروف نعـامة / فتخاء تنفر من صفير الصافـر / هلا برزت إلى غزالة في الوغى / بل كان قلبك في جناحي طـائر) ، وموضوعنا له علاقة والعاقل.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.