انتفاضة آذار الخالدة مالها وماعليها- ج٣// حامد كعيد الجبوري

حامد كعيد الجبوري 

 

عرض صفحة الكاتب

انتفاضة آذار الخالدة مالها وماعليها- ج٣

حامد كعيد الجبوري

 

انتفاضة محافظة بابل :

قلنا وكما ورد في لقاء إذاعة مونتكارلو، أن القوة الأمريكية المحمولة بطائرات الهليكوبتر، اقتادت الضابط الذي تحرك صوب بغداد أسيرا، وبهذا بدأت الخطوات الأولى لقمع الانتفاضة، ولنصرة صدام حسين وانتشاله من مصير محقق.

ما حدث في محافظة البصرة امتدت شرارته للمحافظات العراقية، وكانت إذاعة البي بي سي البريطانية بقصد أو دونه، تؤجج الجماهير العراقية للانتفاضة، وما حدث في المحافظات العراقية لا يختلف عن ما حدث في البصرة، وربما كربلاء المقدسة، والنجف الأشرف نالت النصيب الأوفر بالقمع من خلال قصف المقدسات الشيعية بالقنابل، وتهديم أضرحة الأئمة إمعانا في عقوبة متبعيهم إسلاميا.

 

محافظة بابل :

لأني من محافظة بابل أعد نفسي شاهدا على ما حدث فترة الانتفاضة الخالدة.

1 آذار كانت بابل ومركزها الحلة تترقب أخبار ما يحدث، وصل لها ما حدث في البصرة، ووصل لها بأن الناصرية والعمارة و واسط والنجف وكربلاء قد سقطت بيد الثوار المنتفضين، بعد يوم أو يومين من سقوط محافظة البصرة ، صباح يوم 3 آذار الحلة تعيش حالة غريبة، تجمعات شبابية ورجال هنا وهناك، بيتي في حي الضباط، الجانب الكبير من الحلة، والذي يقع جنوب الحلة على الشارع المؤدي لمحافظة كربلاء، بيت والدي في الجانب الصغير، والدي العجوز والمريض وأخوتي الأربعة يسكنون في بيت والدي - بيت العائلة الكبير - في حي الخسروية شمال مدينة الحلة، بين بيت أهلي وبيتي بحدود 3كم، علي أن أقطعها وأعبر للجانب الصغير عبر الجسر المسمى الجسر الجديد، حقبت أمتعتي وغادرت بيتي من حي الضباط مع عائلتي وأطفالي صوب بيت والدي، وأنا أغادر بسيارتي الخاصة ومعي زوجتي وأطفالي الخمسة، مرت أمامي زوجة أحد البعثيين الكبار وهي مرعوبة باكية وتقول أن زوجها وأولادها ضباط الشرطة لا تعرف بمصيرهم، أنا أكبر أخوتي وعلي أن أقود عائلتي بهذه اللحظات الحرجة، قبل ظهيرة يوم 3 آذار كان تجمع غير عادي قرب السجن المركزي بمركز قضاء الحلة، اجتمعت قوة من البعثيين مع قوة من الشرطة قبالة ذلك التجمع المريب، وللأمانة سأتجنب ذكر الأسماء من الجانب الحكومي ومن سانده لاعتبارات كثيرة، منها الدقة في النقل، والحرص على أن لا يحملون مسؤولية قانونية أو حتى اجتماعية أو أخلاقية، وربما هذه الأسماء قد ذكرت دون توثيق محقق من هذا الطرف أو ذاك، يوم 2 آذار جهزت قوة من الحزبيين البعثيين وأرسلوا للنجف الأشرف لتعزيز الوضع الأمني هناك، وأغلب هؤلاء من المعلمين والمدرسين، ظهيرة يوم 3 آذار أشيع أن أحد أعضاء قيادة فرع بابل لحزب البعث أطلق رصاصة من مسدسه صوب التجمع الذي ذكرناه، وكانت هذه الاطلاقة بداية لتوجيه وابل من النيران اتجاه مطلق الرصاصة فولوا هاربين ، وبدأ التكبير والانطلاق تجاه المقرات الحزبية والمقرات الأمنية، ما هي إلا سويعات معدودة حتى تهاوت جميع مقرات الحزب والشرطة بيد المنتفضين، في بيت والدي وقفت على جانب الرصيف قرب متنزه الخسروية وكان يقف معي العقيد الركن المتقاعد جعفر هادي وتوت، كان الرجل بدرجة حزبية عضو قيادة فرقة لحزب البعث ، ولا اعرف السبب الذي بموجبه قد فصل من الحزب، وأنا أيضا قد صدر قرار حزبي وتم طي قيدي الحزبي أيضا، وطي القيد فقط يشمل من هم بدرجة مؤيد، ونحن نقف شاهدنا مجموعة من الشباب يحملون بنادق كلاشنكوف بعد احتلالهم قيادة فرع بابل ومقر عضو القيادة القطرية، كان أحدهم صديق لي وأخ لي بالرضاعة أسمه (سليم خميس)، قلت له أين كنت وأين تذهب؟، قال تم إسقاط قيادة الفرع ومكتب عضو القيادة، قلت والى أين تذهب الآن؟، قال أذهب لبيتي وأتناول طعام الغداء ونعود كما اتفقنا لاقتحام مديرية أمن بابل، وجدت الطمأنينة عنده بهذا الجواب المختصر ، ولم أكن مطمئن شخصيا ، قال لي العقيد جعفر وتوت رحمه الله كم جبناء هؤلاء البعثيين الذين هربوا وتركوا مقرهم دون قتال، وأردف قائلا لو كانوا طلبوا العون القيادي مني لوجهتهم بما يحقق عدم إمكانية احتلال مقر الفرع - نأتي لاحقا عن قصة العقيد الركن جعفر هادي وتوت -، لم تمض إلا بعض ساعات حتى نهي لنا أن مديرية أمن بابل قد أخليت دون قتال ، وهرب منها كافة المنتسبين ، ودخل الناس لمقر المديرية علهم يجدون فيه أي سجين سياسي ولكن دون جدوى بعد أن نهبوا كافة أنواع الأسلحة الخفيفة ، عصر يوم 3 آذار وقبل الغروب كانت مدينة الحلة خالية من أي مسئول حزبي أو أمني، وهنا بدأ اللصوص والمنتفعون الاستفادة من هذا الموقف ، وفراغ المقرات الحزبية والأمنية من حراسها، لذا اقتحموها وبدأت عملية السطو على تلك الممتلكات، وأقسم أني شاهدت بأم عيني أحد السراق وهو يحمل على ظهره ودون مساعدة أحد ثلاجة من بابين ، الباب العلوي للتجميد، والباب السفلي للتبريد، عجيب رجل واحد يحمل فوق ظهره ثلاجة 12 قدم، وشاهدت مجموعة من السراق يركبون بسيارة عضو قيادة الفرع نوع سوبر ياباني ، ويدفع السيارة مجموعة أخرى، لم يحسنوا تشغيل السيارة فعمدوا لكسر شئ فوق مقود السيارة ( جعمقة ستيرن ) ، واستخرجوا منه وتد حديدي يقفل المقود، وذاك يحمل طباخ غازي، وذاك مبردة هواء، حتى وصلت السرقات لكراسي الطلاب في المدارس، ونهبت مخازن الدولة بكاملها.

 

يتبع ج الرابع