مقالات وآراء

نظام الاستثمار بعقود البوت او البووت// سعد السعيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سعد السعيدي

 

نظام الاستثمار بعقود البوت او البووت

سعد السعيدي

 

لدى التهيئة لمقالتنا السابقة حول الربط السككي قد ذكّرتنا نتائج البحث بامر نظام الاستثمار بصيغة البوت وتفرعاته. وهو نظام كنا قد اكتشفنا وجوده في مشاريع اخرى سابقة كان يراد المباشرة بها بمعيته. لذلك قد ارتأينا إفراد مقالة حول هذا النظام السيء والضار للمصلحة الوطنية.

 

نظام او صيغ عقود البووت هو صيغة استثمار من قبل القطاع الخاص بالاتفاق مع الدولة. وهو مختصر الاسم بالانكليزية حيث يعني (بناء، حيازة، تشغيل، نقل الملكية). وهو تفرع من الصيغة الاخرى المشابهة التي هي البوت والتي تعني (بناء، تشغيل، نقل الملكية). كما يرى فهما يختلفان فقط بغياب حيازة المشروع من قبل المستثمر. ولا يعني هذا الفرق واقعا الكثير حيث ان تشغيل المشروع سواء مع حيازته لامد محدد او من دونه سيفرض في كل الاحوال التنازل للمستثمر المشغل عن جزء من موارد المشروع كأجور وارباح. وفي كل الاحوال هو عملية إفقار للبلد ومعها تراجع لمصداقية الدولة لا نفهم ما تكون الحاجة اليهما اصلا.

 

تمثل صيغة البووت خطورة على سيادة البلد. فهي تعني منح اي اجنبي امتياز تملك وادارة وتشغيل المشروع لعشرات السنين ربما مع ارضه. وهذه تعود اصلا لنا كونها ارض بلدنا !! وهذا الامد في احوال الاتفاق السرية والغامضة التي تجري فيها يعني أجلا غير معلوم النهاية. فكل عقود البوت/ بووت التي ابرمت في بلدنا قد جرت من خلف ظهورنا وبعجالة تشبه التكتم. وكان يتوجب وجود قانون مشرع يوضح العمل وفق هذا النظام/ الصيغة للحفاظ على المصلحة العامة. كذلك فهو غير مذكور في اي بند في قانون الاستثمار لعام 2006.

 

ومثل امور السندات الامريكية وبنود الدستور وقوانين البلد التي لم يتجشم احد شرح امرها للعراقيين، جرى التجهيل بامر هذه العقود لدى الاعلان عن تطبيقها في مشاريع الاستثمار. وهو ما اعتادت طغم الحكومات وسياسييها القيام به. ونكون نحن مرة اخرى اول من يقوم بالاعلام عنه خدمة للصالح العام. هذه المشاريع تمثل اصولا تعود للشعب. مثال هذه هي مشاريع انبوب كركوك جيهان النفطي والطاقة الشمسية فضلا عن الربط السككي مع ايران. فهي كلها مشاريع استثمار اجنبي لبنى تحتية ابرمت او يراد ابرامها بصيغة عقود البوت او البووت. وهي ما لوحظ اعلانها في الاخبار المتعلقة بها بشكل عابر سريع ومجتزأ او ربما حتى لم يعلن. وكان يجب ان يكون هناك تشريع يحدد شروط اللجوء الى انظمة هذه العقود بانواعها كما اسلفنا. إذ ان العمل وفق هذه الصيغ بشكلها الغامض المبهم لا يكون إلا استباحة لمصالح البلد وتلاعب مرفوض باصوله. وفي حال غياب المعلومات بشأن هذه المشاريع وبمعية الفساد الذي اجادته الدولة العراقية لا يكون الامر هنا إلا غشا وكذبا ودوسا على مصالح البلد.

 

يلاحظ بان كل مشاريع البوت/ بووت في العراق تفيد المستثمر اكثر مما تفيدنا. وهي تنازل غير مقبول من الدولة مع رعايتها لاحوال الانفلات والفساد. فتعاريف صيغ الاستثمار هذه على الانترنت تثير الضحك من كثر حرصها الواضح حد البلاهة في الدعاية لنظام الاستثمار المنفلت هذا مع امتيازاته للمستثمر. ومع هذه العقود تعلو مصالح المستثمر على حساب مصالح البلد بحجة افتقار الاخير للمال. وكله تحت عنوان خدمة الدولة الموكول اليها ادارة تلك البنية التحتية. ان هذا هو ليس إلا نظام خصخصة سرية غير معلنة للبنى التحتية. وعلى الرغم من عدم ذكر عقود البوت في قانون الاستثمار العراقي، إلا انها مع ذلك تطبق في بعض الاستثمارات الآنفة مع ذكر عابر وسريع في الاخبار يشبه التكتم. إن اللجوء الى الاستثمار بهذا النظام في بلدنا يشير الى كونه ذو اهداف سياسية. لذلك يتوجب طرح الامر للنقاش الشعبي. إذ لا يمكن الاستمرار باشكال النهب هذه.

 

نضرب مثالا لاحد المشاريع المراد طرحها للاستثمار بصيغة البوت (او ربما الآخر البووت) مما ذكرناه اعلاه وهو انبوب كركوك جيهان الاتحادي. فقصة هذا الانبوب معروفة. فالانبوب الاصلي الذي بُني في ثمانينات القرن الماضي قد جرى تدمير جزئه المار في العراق على يد الارهابيين منذ العام 2014. ويجري تصدير النفط حاليا بطريق انبوب النفط العائد للاكراد. ولاعادة بناء او تأهيل هذا الانبوب قد اعلن في فترة حكومة العبادي عن نية طرحه للاستثمار. ومع الطريقة العابرة والغامضة في الاعلان عن صيغة الاستثمار الآنفة هنا سيكون المستثمر هو مالك الانبوب، لا نحن وعن طريق الدولة المؤتمنة على ادارة اموال الشعب. نقول وحرصا على المصلحة العامة باننا لا نوافق على إحالته للاستثمار. فهذا الانبوب هو بنية تحتية استراتيجية تعود لنا ولا يجوز تركها بيد الآخرين. ونشك في حالة هذه الاحالة بالذات إن حصلت بانها ستكون لارضاء جهات دولية. فلن يكون معروفا لنا مثلا الارتباطات الخارجية لهذه الجهات التي ستتملك هذه البنية. وهو ما لا نستبعد وجود اجندات للدول المتحكمة بتلك الجهات. وهي اجندات ستتقاطع مع مصالحنا. وتملّك انبوب للنفط (او اية بنية تحتية على اراضينا) سيضعها في موقع قوة خصوصا مع الاوضاع العامة التي يشهدها البلد. فهل سنكون بوارد التفاوض معها لينقلوا نفطنا على اراضينا ؟ قطعا لا وهو امر لا يجوز. إن بنانا التحتية ليست اية بضاعة يمكن ان تنقّل بين الارادات. لذلك فبقاء هذه البنى بايدينا هو الاحسن لكونها مالا عاما واصولا تعود لنا.

 

كذلك فإن احالة الانبوب للاستثمار الخاص لن يأتي بالحماية اللازمة من الهجمات الارهابية. بل سيعرضنا الى مشاكل نحن في غنى عنها مثل وجوب حماية استثمار الجهة المستثمرة، غير ربما مشاكل ادارية واخرى سياسية كما اعلاه. ولا توجد طريقة سهلة وقليلة التكاليف لضمان سلامة الانبوب. إذ ان احسن من يحافظ على البنى التحتية هو المالك الاصلي الذي هو نحن.

 

في الختام نعود ونؤكد بان الاستثمار بصيغ مبهمة وسرية هو ليس مما سيفيدنا على العكس. ونشدد على طرحه على النقاش العلني لمعرفة مصلحتنا فيه من عدمها.