اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

الاشتراكية – مراجعة الماضي والتوقعات// ترجمة حازم كويي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ترجمة حازم كويي

 

الاشتراكية – مراجعة الماضي والتوقعات

فرانك ديبه*

ترجمة حازم كويي

 

أنتهت حقبة المنافسة بين نظامي"الثنائي القطب" التي أعقبت الحرب في نقطة تحول تاريخية عالمية في 1989/1991. نظامان تميزا،بأن لكل منهما قوته الرائدة (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي). كلاهما أختلف في ممتلكاتهما ونظامهما الاقتصادي وكذلك في أنظمتهما السياسية: الملكية الخاصة وجني الأرباح مقابل ملكية الدولة، السوق ضد تخطيط الدولة، والديمقراطية البرلمانية ونظام التعددية الحزبية ضد "دكتاتورية البروليتاريا" أو حكم الحزب الواحد.

 

 شكلت المواجهة العسكرية العالمية الدائمة للأنظمة على أساس التسلح التقليدي والنووي، الأساس لمنطق أمني، كان لا بد من أن يؤدي إلى زيادة التسلح والتحديث المستمروالأنفاق عليه. في الوقت نفسه، أندلعت كحرب أيديولوجية بين الرأسمالية والاشتراكية، بين "الحرية" و "الشمولية"، حسب الوعي السائد في الغرب.

 

رأى أنصار الغرب نقطة التحول في 1989/1991 على أنها ساعة أنتصار. لقد فازوا في النزاع. هُزم الخصم الرئيسي، الاتحاد السوفياتي ومعها إدعاءات الأحزاب الشيوعية بالعمل في "حقبة الإنتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية على نطاق عالمي". غالباً ما أعطى مؤيدوا الاشتراكية صورة غير مشجعة.

 

فرح المنتصرون.وأعتبر العالم السياسي الأميركي فرانسيس فوكوياما عام 1989 ذلك ب"نهاية التأريخ"  في ضوء الأزمة الوجودية للدول الاشتراكية. لكن قبل كل شيء، كان أتباع ما يسمى بـ "المدرسة الواقعية" من بين المحافظين الجُدد يدركون بالطبع أن تاريخ دول الغرب تميز:

أـ بتناقضات داخلية هائلة وتناقضات طبقية.

ب- وفي مجال السياسة الدولية، من خلال الصراعات والحروب.

 تم تحديدها من خلال توزيع القوة في النظام العالمي وأن هذه التناقضات ستظهر الآن مرة أخرى في المقدمة.

 

قبل وقت قصير من نقطة التحول الكبرى لعام 1989، قدم المؤرخ البريطاني بول كينيدي "صعود وسقوط القوى العظمى" باعتباره القانون الداخلي لتاريخ العالم منذ عام 1500. وفي مقال نوقش كثيراً صيف عام1990، طرح جون ج. ميرشايمر، عالم السياسة الواقعية الفائقة من الولايات المتحدة الأمريكية، أطروحة مفادها أن السياسة العالمية ستعود إلى حالة من المنافسة الفوضوية وصراع القوى العظمى بعد نهاية القطبية الثنائية في أوروبا، كما حدث عام 1914 قبل أكثر من100 عام.

 

حقيقة أن أنتصار "الليبرالية الجديدة" في الربع الأخير من القرن العشرين أزال في نفس الوقت تلك "القيود" على الرأسمالية التي فُرضت عليها نتيجة لنضالات الحركة العمالية في القرن العشرين. المنافسة النظامية مع الدول الاشتراكية، في سنوات الاضطرابات. ومع ذلك، كانت هناك تحذيرات مبكرة من:

أ) قضية العدالة الاجتماعية.

 ب) التهديد المتزايد بالحرب في قلب فترة جديدة من إنعدام الأمن الاجتماعي والتوترات السياسية في مجال السياسة الدولية، كانت تزيف بسرعة "نهاية التاريخ".

الصحفي المحافظ والمؤرخ المعاصر يواكيم فيست،ومن بين مؤلفاته، السير الذاتية لأدولف هتلر وألبرت سبير، والمحرر لصحيفة فرانكفورترألغماينه تسايتونغ، أعلن بسرعة "نهاية العصر الطوباوي". لقد "دُمّر" "حلم" الاشتراكية في النهاية. لقد أصبح "مادة للمؤرخين". "الماركسية تعود إلى المتحف البريطاني بعد نزهات دامية".

 

بالنسبة إلى بيري أندرسون، المؤسس والمحرر لمجلة  New Left Review، أحد أهم مؤرخي ومنظري الماركسية في نهاية القرن العشرين،الذي رأى، من أن الأزمة السياسية للدول والأحزاب الاشتراكية في نهاية القرن كانت مرتبطة أرتباطاً وثيقاً إلى تراجع طويل الأمد في شرعية وجاذبية الأهداف والقيم الاشتراكية، خاصة بين أفراد الطبقات الدنيا. و"المساواة"، التي لعبت على الأقل دوراً بلاغياً في الحياة العامة بعد الحرب العالمية الثانية، حتى لو تم رفضها في الواقع بشكل جذري، تعتبر حالياً غير ممكنة وغير مرغوب فيها. نعم، وفقاً للحس السليم اليوم،التي كانت تشكل إيماناً بالاشتراكية أصبحت الآن كلاباً ميتة. لقد أفسح عصر الإنتاج الضخم الطريق إلى حقبة ما بعد الفوردية. ويُنظر إلى الطبقة العاملة على أنها تذكير يتلاشى بالماضي، والملكية الجماعية على أنها ضمانة للاستبداد وعدم الكفاءة، المساواة الجوهرية باعتبارها غير متوافقة مع الحرية. ولا يوجد في أي من التيارات التي ظهرت لتحدي الرأسمالية في هذا القرن روح قتالية وقاعدة جماهيرية اليوم.

 

أطلق عالم السياسة البريطاني رالف ميليباند - أحد الشخصيات البارزة في اليسار الجديد - عنوان كتابه الأخير، المنشورعام 1994، "الاشتراكية لعصر شكاك". الذي أعرب عن أمله في أن القيم الأساسية للاشتراكية - الديمقراطية والمساواة والتعاون - ستظل "المبادئ المحددة للتنظيم الاجتماعي" في المستقبل.

 

في نهاية عمله المكثف حول "قرن من الاشتراكية في أوروبا الغربية" ، ذكر المؤرخ دونالد ساسون الأزمة العميقة للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والشيوعية. وخلص إلى أن "المصير والمستقبل المحتمل لاشتراكية أوروبا الغربية لا يمكن فصله عن مستقبل الرأسمالية الأوروبية". وأضاف: "المشروع الاشتراكي، مهما كان تعريفه، قد يختفي بينما تستمر الأحزاب الاشتراكية الأبتعاد بشكل واضح عن تقاليدها وبرنامجها" وهو ربما كان يفكر في حزب العمال الناجح في التسعينيات، الذي تخلى عن ذلك تحت قيادة توني بلير بشكل واضح.

 

بعد عشرين عاماً، أظهر جيريمي كوربين وأنصاره أن الهيكل التنظيمي الدائم للحزب - بما في ذلك ناخبيه الأساسيين من الطبقات الدنيا - يمكن ملؤه ببرنامج أشتراكي متجدد ("للكثيرين،لاللقلة "). في الانتخابات العامة لعام 2017،فاز حزب العمال وحصل على ما يقرب من 40 في المائة.

 

نهضة المناظرة الاشتراكية.

بعد ثلاثة عقود من إنتصار الرأسمالية والليبرالية، تمت مناقشة الاشتراكية مرة أخرى بشكل مكثف في الخطاب العام - باعتبارها "خطراً أحمر" من ناحية، وكمشروع سياسي للتغلب على الأزمات وعدم المساواة الاجتماعية في رأسمالية السوق المالي العالمية.

 

تحت عنوان ("الاشتراكية في الألفية الجديدة")، أشارت صحيفة الأعمال الرائدة في العالم الغربي، الإيكونوميست، في 14 فبراير 2019، إلى نهضة الاشتراكية في مراكز الرأسمالية القديمة. بعد أنهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، بدا الأمر وكأن المعركة الأيديولوجية الكبرى في القرن العشرين قد أنتهت. لقد أنتصرت الرأسمالية - وأصبحت الاشتراكية مرادفة للفشل الاقتصادي والقمع السياسي. أستمر في المزاحمة في التجمعات الهامشية، وفي الدول الفاشلة، وفي القداسة الخصبة للحزب الشيوعي الصيني.

 

اليوم، بعد 30 عاماً، عادت الاشتراكية إلى الموضة. ...لأنها تصوغ نقداً ذكياً لما حدث من خطأ في المجتمعات الغربية. في حين أن السياسيين اليمينيين، غالباً ما تخلوا عن معركة الأفكار وتراجعوا إلى الشوفينية والحنين إلى الماضي، يركز اليسار على عدم المساواة الاجتماعية والبيئة وكيف يمكن إستعادة السلطة للمواطنين من النخب. على الرغم من أن اليسار المولود مرة أخرى يصحح بعض الأمور، إلا أن تشاؤمهم بشأن العالم الحديث يذهب بعيداً جداً. سياساتهم تعاني من السذاجة تجاه الميزانيات الحكومية والبيروقراطيات وعالم الأعمال.

 

وحسب صحيفة ( Neue Züricher Zeitung ) السويسرية، أصاب الجهاز المركزي لرأسمالية السوق المالية ومقره سويسرا، في 20 يوليو 2019 غضبهُ بشأن "الحماس الجديد للاشتراكية". على الرغم من فشل الاشتراكية "بشكل هائل" في القرن العشرين، فقد مارست فجأة قوة جذب هائلة مرة أخرى - خاصة بين الشباب. دوغمائيوا اليسار- كوربين وساندرز، وكذلك الاشتراكيين الديموقراطيين السويسريين - "يستمتعون بالتعاطف مرة أخرى في الانتخابات".

 

في إستطلاعات الرأي، يؤكد الكثير من الناس - وخاصة الشباب - على أن "المُثل الاشتراكية ذات قيمة كبيرة  للمجتمع".

وفقاً لمؤسسة غالوب، فإن 51 بالمائة من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عاماً لديهم رأي إيجابي حول "الاشتراكية". كما يتم الحديث عن الصراع الطبقي وحرب النظام في البرامج التلفزيونية. إن "إحباط" الشباب "فيما يتعلق بالرأسمالية (هو) مفهوم تماماً، لا سيما في أعقاب الأزمة المالية" – كون مديروها هناك أيضاً "غير لائقين".

 

مع ذلك الاشتراكية - التي يمكن للمرء أن يقرأ عنها عند فريدريش أوجست فون هايك (وفقا للصحيفة السويسرية) - هي على أي حال، الإجابة الخاطئة والخطيرة في الأساس. لذلك من الضروري مقاومة إغراءات الأيديولوجية الاشتراكية!

إن عودة الاشتراكية تتناسب مع إنتعاش عالمي لحركات الاحتجاج الاجتماعي والسياسي.

 

صحيفة زود دويتشه تسايتونج (28/29 ديسمبر 2019 ، ص 6/7)الألمانية، ترى "العالم في حالة إضطراب" وأدرجت قائمة طويلة من المدن والولايات التي خرج فيها مئات الآلاف إلى الشوارع عام 2019 للاحتجاج "على النخب الفاسدة. و" عدم المساواة الاجتماعية ".

 

 في بعض البلدان ظهرت حركات جديدة من الشباب - "جيل الألفية" - في طليعة الأضرابات وهي تهز منظمات اليسار القديم القائمة (الأحزاب والنقابات). وفي الوقت نفسه، يزداد المستبدون الشعبويون اليمينيون المتطرفون في العديد من البلدان، مستغلين أستياء قطاعات عريضة من السكان وأحياناً فشل الحكومات اليسارية. الاحتجاجات تغذيها خيبات أمل طويلة الأمد من السياسات السائدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك خوف من التدهور الاجتماعي.

 

تعتبر حركات الاحتجاج العالمية لعام 2019 غير متجانسة بشكل غير عادي، وتشكلت من خلال سياقها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني والسياسي المحدد. إن صعود الحركات الشعبوية اليمينية وأنتصارات السياسيين القوميين والعنصريين من اليمين السياسي (من ترامب إلى بولسونارو، ومن أوربان إلى كاتشينسكي) تعالج العجز والغضب الذي تعبر عنه هذه الحركات.

 

من ناحية أخرى، فإن السياسيين الاشتراكيين، الذين يجمعون بين أنتقادهم للظروف السائدة وأنتقاد الرأسمالية، يناشدون الطبقات التابعة لإنهاء حكم النخب والأوليغارشية ("واحد بالمائة").حيث يعكس هذا "الافتقار الجديد إلى الوضوح" أيضاً "التغييرات الأساسية في العالم" منذ الأزمة الكبرى لعام 2008. دخلت دورة الهيمنة النيوليبرالية، التي مرت بمرحلة صعودها في سبعينيات القرن الماضي وذروتها في التسعينيات، مرحلة من الانهيار منذ مطلع القرن وأنتهت بعد عام 2008  بشكل أساسي نتيجة لإستراتيجيات أدارة الأزمات المتزايدة في الغرب،الأجتماعية والأقتصادية والبيئية والسياسية. 

 

نقطة التحول في أزمة عام 2008.

كانت أزمة عام 2008 نقطة تحول. أصبحت العولمة أنعكاسية. إن التناقضات والأزمات التي تنتجها وتعيد إنتاجها من قبل رأسمالية الأسواق المالية العالمية تتراجع بشكل متزايد في عواصم رأس المال التي أنبثقت منها العولمة. على المستوى الأيديولوجي، تخلق هذه الأزمة "المتعددة" إطاراً لكل من الدعاية الشعبوية اليمينية، والحركات السياسية والاجتماعية التي تتعلق بالأهداف الاشتراكية وتحظى بقبول جيد. يركز بانيتش وجيندين،  على هذا الارتباط بين أزمات الرأسمالية العالمية والسياسة النيوليبرالية من ناحية و "التحدي الاشتراكي" الجديد: " نزع الشرعية عن النيوليبرالية له علاقة بالقضية الراديكالية للاشتراكية،الذي أستعاد مصداقيته مرة أخرى".

 

التغلب على الرأسمالية ضروري لتحقيق تطلعات الإنسانية الجماعية والديمقراطية والمساواة وكذلك البيئية. في العقد الأول من الألفية، كانت العولمة الرأسمالية في قلب حركات المعارضة. تم أفتتاح العقد الثاني من قبل حركة"احتلوا" ثم تم تحديده من قبل الحركات المناهضة للتقشف في اليونان وإسبانيا.

 

 سلط هذا الضوء بطريقة دراماتيكية على التفاوت الكبير بين الطبقات في الرأسمالية. ومع ذلك، فإن حركات الاحتجاج التي تفوح منها رائحة التمرد،دون آثار ثورية، كشفت بسرعة عن حدود السياسة التي تظل دائماً خارج الدولة ".

 

بعد عشر سنوات من الانهيار الكبير لعام 2008، هزت جائحة كورونا النظام الرأسمالي العالمي. منذ فبراير 2020 حتى يونيو 2021، تم تسجيل 4 ملايين حالة وفاة.أنهارت التجارة والإنتاج مرة أخرى نتيجة لإجراءات الإغلاق. خاصة في قطاع الخدمات الخاصة - من السياحة إلى المطاعم إلى الثقافة – وأرتفعت مُعدلات حالات الإفلاس والبطالة بشكل مذهل.وأزداد التفاوت بين الأغنياء والفقراء، بين ولايات الشمال والجنوب، وقبل كل شئ، العجز في نظام الرعاية الصحية، الذي تضرر بشدة من تدابير الخصخصة النيوليبرالية في العقود الماضية،والمطالبة :

 أ) بتوسيع الخدمات الشاملة ذات المصلحة العامة من قبل الدولة. 

ب) ومع توسيع ضخم من الإنفاق الحكومي بهدف الحد من البطالة وكذلك مكافحة تغير المناخ وفي نفس الوقت المضي قدماً في إعادة هيكلة الاقتصاد التي تُعزز القطاع العام والبنية التحتية، لضمان المصالح الاجتماعية،التي لها الأسبقية على مصالح الربح الخاصة للشركات الكبرى والقطاع المالي.

 

بالنسبة للقوى الاشتراكية، يؤكد الوباء الحاجة إلى إصلاحات هيكلية مناهضة للرأسمالية.

أضطر السياسيون والأيديولوجيون في الكتلة الحاكمة (مثل بوريس جونسون في بريطانيا العظمى، وجو بايدن في الولايات المتحدة، وأنغيلا ميركل في ألمانيا، وأورسولا فون دير لاين في الاتحاد الأوروبي) إلى الانفصال عن العقائد النيوليبرالية الخاصة بالتقشف وسياسة المنافسة تحت ضغط عواقب الأزمة. والأمر لايزال مفتوحاً تماماً، كيف سيتم حل هذه التناقضات - جنباً إلى جنب مع الغضب المكبوت لإجزاء كبيرة من السكان - بعد النهاية الرسمية للوباء،هل سيستمر تعافي الاقتصاد الوطني والعالمي. في الساحة السياسية.

 

فقدان السيطرة والارتباك الجديد.

يثير الجدل العالمي حول عودة الاشتراكية العديد من الأسئلة بطبيعة الحال. بادئ ذي بدء، يجب دائماً اختبارها تجريبياً ما إذا كانت أطروحة "الموجة الثالثة" للاشتراكية (Brie 2016) - بعد الموجة الأولى من "ميلادها" وصعودها في "القرن التاسع عشر الطويل" (1789 - 1914) والموجة الثانية، التي تتميز بظهور وسقوط الاشتراكية الحقيقية في الأبعاد العالمية (1917 - 1989/91) - يمكن في الواقع الحفاظ عليها. يجب التحقق مما إذا كانت الموجتان الأوليان تعكسان تاريخ الاشتراكية بشكل كافٍ: بعد كل شئ، كان لكل موجة حركاتها الخاصة بها، والتي غالبأ ما تضمنت قرارات مهمة.

 

قد يكون مصطلح "دورة" أكثر ملاءمة لوصف التاريخ الدرامي والمتناقض للغاية للاشتراكية. إن الحركة الدورية لتراكم رأس المال وعمليات الأزمة ("الأمواج الطويلة") وكذلك الصراعات الطبقية وتوازن القوى بين الطبقات تشكل البنية الأساسية لهذا التاريخ، إذا جاز التعبير.وهذا يتضمن أيضاً مسألة كيفية فهم تأريخ الاشتراكية في الدورات المختلفة كسلسلة من عمليات التعلم.

 

من ناحية، تصبح هذه ضرورية دوماً بسبب الظروف المتغيرة للعمل والنضال في الصراع الطبقي - في سياق تطور الرأسمالية، ومن ناحية أخرى، فإن عمليات التعلم هذه في تاريخ الاشتراكية تشمل أيضاً التعامل مع الهزائم والأخطاء. وهذا يشمل أيضاً التعلم من المحاولات العملية الفاشلة لتشكيل الاقتصاد والمجتمع والدولة والثقافة بما يتجاوز الملكية الخاصة وإنتاج الربح والعمل المأجور والاستغلال وما وراء الشكل التنظيمي للدولة الذي يعمل على تأمين هذا النظام من الحكم الطبقي، من المجتمعات "الشيوعية" في أمريكا في أوائل القرن التاسع عشر إلى القوى العالمية في الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية، وكان لابد من إستخلاص النتائج بأستمرارمن التجربة العملية - من النجاحات والتناقضات وأنهيارات الأنظمة الاشتراكية .

 

يشير الحزب الشيوعي الصيني، على سبيل المثال، دائماً إلى أن النجاحات التي حققتها البلاد منذ بدء الإصلاحات في عام 1978 والناتجة أيضاً عن تحليل شامل لما يلي:

في القرن العشرين، لا يمكن فصل الموجات التي أكدت فيها الاشتراكية على مطالبها بتشكيل المستقبل عن الأزمات والحروب والكوارث التي هزت المجتمع الرأسمالي البرجوازي على نطاق عالمي. أدت الكوارث البشرية التي خلفتها الحربان العالميتان، في الفترة ما بين الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى وآخرها الفاشية، التي رأت نفسها على أنها تنقذ النظام البرجوازي من البلشفية، إلى إطلاق "موجات" أشتراكية جديدة في نهاية كل من الحربين العالميتين 1917 / 18 و 1944/45 - مقترنةً بآمال الكثيرين من الناس في عالم خالٍ من الفاشية والحرب. في القرن الحادي والعشرين - بعد نهاية تنافس النظام و"الاشتراكية الحقيقية" - لم يزداد خطر الحرب فقط، فهي تشير أحتمالية أزمة رأسمالية الأسواق المالية العالمية وزيادة إحتمالية المخاطر البيئية إلى آفاق كارثة جديدة تماماً.

 

بالنسبة لمؤيدي علاقات القوة القائمة، تظهر الاشتراكية المنبعثة من جديد كخطر، لأنهم يشعرون بعدم السيطرة عليها من خلال الآليات الوظيفية لنمط الإنتاج الرأسمالي وآليات السوق الخاصة به. ينتج عن هذا حالة من عدم اليقين التي لاحظها الصحفيون، على سبيل المثال في القمة الاقتصادية العالمية في دافوس، لبعض الوقت. مع تزايد الوعي بالمخاطر العالمية، يتزايد كذلك إدراك أن الكتلة الحاكمة غير قادرة على إيجاد إستجابات مناسبة لحل هذه المخاطر بشكل إنساني ومنصف.

 

يعكس تراجع الديمقراطية في الدول الرأسمالية في الغرب الى إنعدام الأمن لدى النخب باعتباره فقداناً للسيطرة. على الحافة اليمنى للكتلة الحاكمة، تكتسب تلك القوى، التي تريد القضاء على الاشتراكية بالقوة منذ بدايتها. كما شن دونالد ترامب حملته ضد "الاشتراكية".

 

إن الدرب الدموي لمناهضة الاشتراكية والشيوعية لا يقتصر بأي حال من الأحوال على تلك الفترات التي أندلعت فيها الثورات البروليتارية في نهاية الحروب في القرن العشرين.

في ألمانيا على وجه الخصوص، كان أعضاء الجهاز التنفيذي للدولة (الجيش والشرطة والقضاء) هم الذين شاركوا في القمع العنيف ضد ثورة نوفمبر عام 1918، وضد الجمهوريات السوفيتية، وأخيراً في التجاوزات العنيفة التي أرتكبها الفاشيون الألمان ضد أعضاء الحركات العمالية الاشتراكية والشيوعية ،الذين أطلقوا العنان لكراهيتهم للاشتراكية.

 

التعلم من التجربة والتركيز على الجديد.

أنعكست "الموجة الثالثة" بالفعل في بعض التحذيرات الحماسية حول "الخطر الأحمر" وكذلك في "البنية الفوقية" العلمية والثقافية. ومع ذلك، في سياق توازن القوى السياسي والاجتماعي الحقيقي للطبقات، الذي هو في مرحلة مبكرة، جنينية. لهذا، فإن التعامل مع هذه "المرحلة" لم يدفع للاحتفال بـ "ولادة جديدة" لـ "الاشتراكية" بأسلوب البيان أو العمل على التنبؤ بالانتصارات المستقبلية. بدلاً من ذلك، رجعت مرة أخرى إلى تاريخ الاشتراكية الحديثة منذ أوائل القرن التاسع عشر، لرؤية العلاقة بين تأريخ أزمة المجتمع البرجوازي الرأسمالي وتأريخ الاشتراكية الحديثة من ناحية، ومن ناحية أخرى الأمواج والدورات، صعود وهبوط المسارات المختلفة ومراعاة التجارب في هذه القصة. التاريخ مليء بالضرورة بالتناقضات - وهذا هو السبب في أنه يدحض دائماً كل من المفاهيم التاريخية الخطية لصعود الاشتراكية الذي لا يمكن إيقافه تقريباً وجميع المحاولات لتقليص تنوع هذه المسارات إلى "نموذج" صالح عالمياً.

 

منذ البداية، تم التمييز بين الأفكار الاشتراكية وتطبيقها العملي بعدة طرق - وفي كل حقبة تأريخية يتم إعادة تشكيل القوى والبرامج والأستراتيجيات في النضال من أجل الاشتراكية.

يجب أن يكون واضحاً،أن الاشتراكية بأشكالها المختلفة، أن تلعب دائماً دور "المعارضة الأساسية" في مجتمع ذي نمط إنتاج رأسمالي. من ناحية أخرى، تؤدي العلاقة بين النقد النظري والتطبيق العملي في المجتمع والسياسة إلى مجموعة واسعة من التناقضات، التي يتوجب التعرف عليها، من الفاعلين في السياسة الأشتراكية  والتعامل معها بهدف القضاء أو التغلب عليها.

يُعلّم تقييم تجارب القرن العشرين لـ "المتطرفين" (هوبسباوم) على الأقل أن معالجة مثل هذه التناقضات في مجال

أ) الاستيلاء على سلطة الدولة،

ب) و"عودة سلطة الدولة إلى المجتمع"

 

(إنجلز) الذي يذهب دائماً الى أبعد من ذلك ويقرر ما إذا كان المسار "دولة- حزبية" (وهو ليس اختراعاً نظرياً ولكنه محدد مسبقاً بشكل موضوعي من خلال بنية المجتمع الرأسمالي ونظامه السياسي) ينتهي بمأزق تأريخي أو يساهم في العلاقات التي يتم فيها دمج الحقوق والحريات الديمقراطية مع العدالة الاجتماعية من جهة، والعدالة على حماية البيئة والطبيعة وأشكال الحكم الذاتي المتطورة من جهة أخرى.

 

* فرانك ديبه: عالم ومفكرماركسي ومؤلف عدة كتب.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.