اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

تاريخ المراسيم العاشورائية في مدينة الديوانية// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب 

تاريخ المراسيم العاشورائية في مدينة الديوانية

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

      تعتبر الظواهر الدينية والممارسات الطقوسية انعكاس لعقيدة المجتمع, وهي سلوكيات تبحث عن طريقة جلد الذات وفق مفهوم التدين الشعبوي, والفهم الاجتماعي للتدين وفق نمط الطقوس العاشورائية التي تحدث في الأيام العشرة الأولى من محرَّم, والتي أثرَّت هذه المشاهد على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمناطق الفرات الأوسط والجنوب العراقي عامة ومدينة الديوانية خاصة, والسبب هو الثقافة الشعبوية في تلك الطقوس من خلال تجديدها وتفاعل المجتمع المحلي مع الرموز المظلومة التي سفكت دمائها لقسوة الحكام في العهد الأموي, وقد انتقلت هذه الطقوس لاشعورياً من جيل إلى آخر وفق مفهوم قدسية الدين والتدين الشعبوي المقدس.

 

    وموضوع مقالنا هو موكب عزاء السوق في مدينة الديوانية مطلع القرن الماضي وأواسط السبعينيات منهُ، وهي من مدن مناطق الفرات الأوسط، قبل حلول شهر محرم بأيام تتشح الدينة بالسواد، تنتصب الرايات السود لترفرف على سطوح المنازل وأبواب محلات السوق التجارية، ويرتدي عامة ابناء المدينة اللون الأسود، وتعلق نشرات القناديل لتملأ الشوارع ومحلات المدينة منها (الجديدة، الفاضلية، العتيجة، السراي، صوب الشامية).

 

    ويعتبر موكب عزاء السوق من أقدم المواكب وأول موكب حسيني في محلة السوق في تاريخ الديوانية، تأسس حوالي عام 1854م، في محلة (العتيجة)، وكانت تسكن هذه المحلة أقدم عوائل المدينة. وكان المرحوم الحاج محمد صادق وأولادة كل من: (الحاج عبد الحسين والحاج عباس) وهم من أوائل دعائم الشعائر الحسينية في المدينة، وبعدهم جاءوا اولادهم كلٍ من: (الحاج جعفر والحاج عبد الحميد  والحاج عبود)، والأخير رفع السلاح بوجه القوات الانكليزية فقتل في أحداث ثورة 1920م.

 

    في الليلة الخامسة من عاشوراء تخص مقتل مسلم بن عقيل وهو ابن عم الحسين ورسوله إلى أهالي الكوفة، وقد استشهد قبل المعركة، وليلة اليوم السادس تخص مقتل حبيب بن مظاهر وهو من صحابة الحسين، والليلة السابعة تخص العباس بن علي أخا الحسين من أبيه، وليلة الثامن تخصص للقاسم بن الحسن، والحسن هو الأخ الأكبر للحسين، والليلة التاسعة تخصص لعلي الأكبر ابن الحسين، وأما الليلة العاشرة فتخصص للأمام الحسين، أما الأيام الأربعة الأولى المخصصة لعزاء الامام الحسين، هي بداية للمواكب في المدينة التي يتزعمها القراء الحسينيون الذين يقدمون فيها قراءة مبسطة لقصة المقتل ومدح آل بيته.

 

    وكان الموكب الحسيني يخرج من دار الحاج حميد الكعبي في شارع العلاوى، وكانت تخرج السرايا أولاً وتحمل الرايات الخضراء والسوداء، و الهوادج الملونة والدمام والنقارة (التى كان متخصص فيها المرحوم جابر مشروطة)، وفى الفترة الاخيرة من عام 1968 كانت تتصدر الموكب راية كتب عليها كلمة يا حسين، والراية كبير جداً مرصعة بالذهب، وفي اعلى الراية رمانة تحمل كف العباس،  يحملها المرحوم رزاق الأخرس، وهي نذر من قبل المرحومة ملة بدرية، لتحمل كل عام، وبعد الراية تلتحق التشابيه والتي تخرج من بيت المرحم عبود المغفى، وهناك عزاء للتشابيه يخرج من دار السيد علي السيد راضي، وكذلك يخرج عزاء التطبير من بيت الحاج قربن الحاج عباس وآخر من بيت منديل الغنام، وكان عزاء الزنجيل يخرج من دار صاحب عكموش، ويدار الموكب من قبل عوائل الديوانية وبالخصوص المرحوم ابو حنتوش والمرحوم الحاج عبد الحسين المضمد وبيت الوحاش، وبعد خروج عزاء الزنجيل تخرج كورسات اللطم التي تمثل كل شباب الديوانية في ذلك الوقت، والتي كانت تحمل القصائد السياسية وكل كورس يتكون بين 100-150 شاب، فضلاً عن خروج عزاء الكورسات من مكتبة الحكيم الدينية، وكان (الرادود) السيد حياوى السيد هادى ينهي العزاء بقصيدة قرب دار السيد الشرع بعد مرور موكب العزاء بشارع السراي وبناية المحافظة القديمة، وكان الراحل اسماعيل النداف يقوم بدور زين العابدين (السجاد)، ويقوم بدور شمر بن ذي الجوشن غازي الخزعلي، وبعض الأحيان يقوم بهذا الدور هادى البو محيسن أو أحد ابناء السادة الفؤاديين.

 

    كان التجار هم من ينفقون الأموال على مراسيم عاشوراء، فالطباخون يعدون الطعام ليقدم مجاناً في الساحات العامة في المدينة، وخاصة ليلة اليوم العاشر، حيث يوجد رجال متخصصون لإعداد طعام يكفي جماهير كبيرة من الناس، وهذه مسرة للعوائل الفقيرة لأنها لا تحتاج إلى الطعام طوال أيام عاشوراء، ما دام الطعام يوزع مجاناً. فيسهر الناس في هذه الليلة الحزينة حتى صباح اليوم التالي وتسمى (الحجة).

 

    هذه هي أكثر أيام السنة التي يلتزم فيها عامة الناس بفرائض الدين الإسلامي، فيتخلى أغلب الشباب عن ارتكاب المعاصي من تناول الخمور ولعب القمار الخ. حتى المجرمون واللصوص يمتثلون لحب الحسين في هذه الأيام، فنراهم يرتدون الملابس السوداء، وتتبدل هيئتهم ويتصرفون كباقي الناس، بل أنهم يبالغون في مشاركتهم ويظهرون حماساً كبيراً في المواكب الحسينية، وفي هذه الأيام يتنافس التجار في إعداد المواكب لأنها مكلفة مادياً، ومن منهم سيحصل على احسن قارئ، فالشيخ القارئ لا يأتي مجاناً، وإنما له سعره، حسب حب الناس له، ومستوى شهرته، كما لو كان نجماً في السينما العصرية. وقد اصبحت هذه المواكب كمجالس التعزية رمزاً للوجاهة، فالرجل الذي يترأس موكباً أو يمشي أمامه أو ينوح فيه، يشعر بشيء من الشموخ والأبهة من جراء ما يحيط به من جماهير تنظر إليه، وتزداد الأبهة لدية أضعافاً عندما تكون النساء في صفوف المتفرجين، فإن صراخهن يجعل الرجل المشارك في المواكب كأنه فاتح يقود جيشاً عظيماً.

 

    وكانت تجرى مجالس التعزية الحسينية يوميا في دار الحاج حميد الكعبي في العشرة الأولى من شهر محرم؛ بعد ان تكسوا جدران الدار بالقماش الأسود، وتوضع الجداريات الاثرية عل الجدران، والتي عمرها وقتذاك اكثر من 200  عام، وهي تمثل ثورة المختار الثقفي على قتلة الحسين بن علي، وكان يقيم مجلس حسيني للمرحوم الشيخ عباس الليباوى والمرحوم الشيخ عزيز الشيخ كاظم.

 

    واستمر ابناء الحاج محمد صادق في طريق الخير والتقوى في بناء الحسينيات وخاصة حسينية أهالي الديوانية في محافظة كربلاء، وبناء المساجد؛ وخاصة المسجد الكبير في سوق التجار، وتعمير مرقد الامام ابو الفضل، والتبرع بمساحة أرض كبيرة لبناء مستشفى الديوانية العام.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.