اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

حبوبة يا نبع الحنان والطيبة// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

حبوبة يا نبع الحنان والطيبة

نبيل يونس دمان

 

أناجي روحَك السمْحَة ... وكِلانا من تلك الدوحَة

     ها قد أطلت الأربعين، وبعدها تمضي السنين، بعد ان هدأت عاصفة تبادل الأحزان بين اقرب مقربيها والناس المنتشرة في مشرق الارض ومغربها، تترحم على عمتي حبوبة التي آن أوان رحيلها، كما كتبنا ذلك لوالدتها المعمرة شمي گُلّا، المتوفاة عام 2001 بعد ان عاشت 96 سنة، وكما يقول الشاعر:

ابنيّتي لا تجزَعـــي ... كلّ الأنامِ الى ذهابِ

أبنيّتي صبراً جميلاً ... للجليلِ من المصابِ

 

     ولدت حبوبة في القوش في 10 تشرين الاول 1933 وتوفيت فيها يوم 26 تشرين الاول من عام، 2022 اي قاربت التسعين ولم تغادر بلدتها او بلدها طوال تلك السنين. ما ان بلغت السابعة من عمرها حتى فجعت بمقتل والدها، واصبحت تحمل أخيها الرضيع كامل الى نساء محلة اودو المرضعات، منهن المرحومة ريجينة جلّو لكي يحظى بحليب دافئ، بعد ان هامت أمّهم على وجهها لتعمل مرضعة اطفال الميسورين في بغداد، ومنهم إنعام ابنة رئيس الديوان الملكي عبد الله بكر، من اجل ان تسد رمق اولادها الخمسة واكبرهم سنّاً كان والدي يونس البالغ من العمر 12 سنة. تلك كانت طفولة حبوبة التي لذلك السبب لم تدخل المدرسة ولم تتعلم، ومع ذلك كانت حافظة للاحداث التي مرت على اسرتها وعلى بلدتها فظلت تشدنا اليها كلما التقينا وغُصنا في بحر الذكريات.

 

حدثتني بألم ظل يعتصرها في مقتل والدها فقالت:

     إهتزت اركان بيتنا في حادث مقتل ايسفا صارا عام 1906 بعد ان كان بيت وجاهة في مركز محلة اودو، فاودع والدي وجدي وعمي سجون الدولة العثمانية الوخمة في الموصل، وصرفنا اموالاً طائلة حتى اطلق سراحهم، بعد ان مكث عمي اسطيفو سنينا طويلة في سجون الموصل دون ذنب.

     احد الاكراد من قرية خلف جبل القوش كان قد قرضنا بعض المال، فطالب بها وكان الجواب انهم لا يقوون على دفع المبلغ في ذلك الوقت من عام 1940، فطلب ان يسجلوا ارض متاخمة للجبل ( قصيلا) بإسمه، فامتنع والدي باعتبار تسجيل املاك باسم غريب خط احمر في اعراف القوش، وعندما اصر على تسجيل تلك الارض قرب مركز شرطة القوش،  وقعت مشادة بينهما فمد والدي يده وضربه في سوق البلدة، فهدده الغريب وقد اضمر عداء عميق في قلبه ناكراً صداقة عائلتينا. وبعد عدة اشهر بينما والدي وابن عم له اسمه صادق هرمز دمان في رحلة تجارية خلف الجبل، جلسوا يتناولون فطورهم عند نبع ماء في وهدة " بسقين" ، داهمهم ذلك الشخص بسلاحه فقتل والدي، وعندما صرخ به صادق: كيف تقتل ابن عمي؟ وخوفا من كشف الجريمة اطلق في الحال رصاصة اخرى نحو صادق فلاقى الاثنان حتفهما، وتيتمنا لنقضي سنينا عجاف في فقر مدقع ( أنتهى كلام عمتي) .

 

     كان مقتل والدها في يوم الجمعة الموافق 26- 4- 1940، وبمرور السنين انفرج الحال تدريجياً فقد تزوجت اختها ودّي من شعيا كوسا، وتزوجت هي من يوسف جهوري بتاريخ 27- 8- 1950 وانجبت اربعة بنين واربع بنات، وكبر اخويها يونس وحبيب واصبحوا اسطوات نجارة في مشاريع ضخمة مثل سد دوكان وسد دربندخان، وتركت الوالدة الخدمة المنزلية وعمل البقلاوة في الموصل، وواصلت رعاية ابنها الصغير كامل في دراسته الاعدادية بالموصل، ليتخرج مع اطلالة ثورة 14 تموز المجيدة 1958 معلماً ويفتح مدرسة جديدة في( مرسيدا) بناحية اتروش، وبحكمة الوالدة وتدبيرها بُنيت ثلاثة بيوت حديثة للابناء في محلة التحتاني مقابل كراج سيارات القوش القديم، اثارت اعجاب الناس بتلك النهضة المدهشة بعد الكبوة المؤلمة.

 

     عودة الى حبوبة التي تخرج اولادها وعملوا بجد واخلاص في اعمالهم،  فيسّر الرب حالها وصارت تشتهر بشيء آخر بعيد عن المال ومشاغله، وتكون استمراراً لوالدتها وبيتها في كسب الصفات الجيدة والنادرة، حيث تفيض حناناً للبعيدين قبل القريبين، واصبح لها صيت واحترام في البلدة وبين الناس، ابسط مثال كان الفقيد البطل صباح توماس يحترمها وينصت لما تقوله وفي احيان طلبت منه التدخل في موضوع يشغلها فلم يتوان عن تلبيته فيما كان صارماً ومختلفا مع الاخرين في امور متشابهة، كان صباح لا يتوسط لاحد في فترة عودته الى بلدته بعد السقوط.

 

     حملت معها حبوبة في رحيلها هذه الصفات النادرة، فكانت مراسِم دفنها رائعة واصبحت على كل لسان، عندما اتصلت بالاقارب القوش اسألهم عن ذلك، كان الجواب ضرباً من المجاز بالقول" لم يبقى حتى الرضيع في المهد لم يشارك في دفنها" يتقدمهم رجال الدين والراهبات وجوق الشمامسة، وهم يبتهلون بأعذب الصلوات والابتهالات ليطيب مثواها وهم يودعوها الى رحاب مملكة الرب السماوي.

 

     إن انسى فلن انسى قدومها الى بيت والدي في مراحل ترميمه قبل حوالي ستة اشهر، وآخر مرة عندما اكتمل جاءت بصحبة ابنتها سناء ودخلت المنزل وهي تعبر عن إعجابها والبسمة تغمر وجهها، دارت في انحاء البيت وفي كل غرفة كانت تدخلها اسمعها تطلق زغرودة بصوت خفيض ..... كانت تلك مباركتها وفرحتها بعودة البيت الى سابق عهده عندما كنا نسكنه، واخيراً سكنه الوالدين لوحدهم، بعد ان فرّقتنا الاقدار.

 

    اذهبي عمتي ام صباح الى المصير الذي سار قبلك في دروبه المجهولة كل قاطني هذا الكوكب، وينتظرك رضا الله الذي اساسه من رضا الناس، وسيكون في استقبالك والديك، واخوانك يونس وحبيب، واختك الكبيرة ودّي، وزوجك يوسف، وعمي متي وخالتنا رَمّانه.

اطلب من الله ان يرحمك

ويجعل الجنة تحت اقدامك

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

California on November 27, 2022

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.