مقالات وآراء

الدعاوى القضائية ضد الدولة العراقية لتنصلها عن الدستور// سعد السعيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سعد السعيدي

 

الدعاوى القضائية ضد الدولة العراقية لتنصلها عن الدستور

سعد السعيدي

 

وضع المشرع في الدستور العراقي جملة من المواد وظيفتها حماية مختلف الفئات الاجتماعية في البلد وضمان حقوقها والعيش الكريم لها. إلا ان ما نراه منذ بدء العمل بالدستور هو تهرب الدولة عن تطبيق معظم إن لم يكن كل ما ورد فيه من هذه المواد وتنصلها منها. من هذه المواد الدستورية هي ما يلي:

 

المادة (22) من الدستور تقول بان العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة. إلا ان الواقع يظهر ان معظم العراقيين يعانون من البطالة حيث تظاهرات خريجي الجامعات للحصول على عمل مستمرة بلا انقطاع. وحتى ممن حصل على عمل يتظاهر ايضا للحصول على حقوقه في التثبيت. فضلا عن هذا، نرى تساهل الدولة في ادخال العمالة الاجنبية للعمل في المشاريع الحكومية وغير الحكومية. وهي تتركهم يتزايدون في البلد افواجا بلا عقبات ولا تطرد منهم إلا بضعة انفار بحجة مخالفة قوانين الاقامة ! اي ان الدولة تعمل بشكل واضح خلافا لمادة الدستور هذه ومصالح الناس.

 

المادة (34) من الدستور تقول بان التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية. إلا اننا كالجميع نرى سوء احوال التعليم في بلدنا حيث يتكون الانطباع وكأن الدولة تبذل قصارى جهدها لتدمير التعليم بدلا من كفالته كحق. فنقص المدارس واكتظاظها الذي تسبب في ظهور حالات الدوام الثنائي والثلاثي مرورا بخراب المباني ذاتها حيث ان بعضها يحتاج للترميم كونها آيلة للسقوط، حتى انعدام الرحلات والسبورات واللوازم المدرسية مما يعرفه اولياء التلاميذ والطلبة هي ليست إلا نماذج لما يجري العمل عليه من قبل الحكومات العراقية الفاسدة.

 

المادة (29) من الدستور تقول بكفالة الدولة حماية الأمومة والطفولة، ورعايتها النشئ والشباب. كذلك في نفس المادة ترد جملة حظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصوره كافة، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم. إلا اننا في الواقع نرى غياب كل كفالة من الدولة لهذه الفئة، والتنصل التام عنهم. إذ ترينا الاخبار بين فترة واخرى اطفالا يفترشون الارصفة بدلا من ذهابهم الى المدارس، وآخرين يعملون في حرف لا تتناسب مع اعمارهم.

 

المادة (30) من الدستور تقول بكفالة الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للفرد والاسرة. إلا اننا كالجميع لم نرى تحقق اي من هذا الكلام. فقانون الضمان الاجتماعي مشرع منذ العام 2014، لكن تطبيقه يجري ببطء شديد ! والآخر لا ندري إن شرع ام هو التقاعس وجرجرة الارجل هما ما يحصل حول تشريعه. وكان ثمة قانونا للضمان الصحي من زمن النظام السابق. لكن يبدو لنا بانه قد اوقف العمل به لاسباب مجهولة.

 

المادة (31) تقول بحق كل عراقي في الرعاية الصحية، وعناية الدولة بالصحة العامة، وكفالتها وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية. بيد اننا في الواقع لا نرى من هذا اي شيء في بلدنا الذي يعتبر بلدا غنيا. فالمستشفيات متهرئة متهالكة مع اهمال تام لاجراءات السلامة والطواريء فيها. وهو ما ادى الى تكرار اندلاع الحرائق فيها. وهذا ليس بالترجمة العملية لمادة الدستور هذه.

 

المادة (33) تقول بان لكل فرد الحق في العيش في ظروف بيئية سليمة مع كفالة الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليهما. لكن واقع الحال يعطينا صورة مغايرة تماما. إذ تتصاعد اعمدة الدخان من حرق الغازات المسببة للتلوث البيئي في حقول النفط والتي يشير اليها الاعلام بين وقت وآخر متسببة بحالات اختناق لقاطني تلك المناطق. وهذه تحدث في محافظة البصرة وفي القيارة شمال صلاح الدين.

 

وفي بغداد لا يبدو على امانتها اعارة الاهتمام اللازم لكل ما يتعلق بامور المحافظة على نظافة المدينة. إذ ترتفع شكاوى السكان من تحول كل ارض فارغة فيها الى مكب للنفايات حيث ينتشر فيها الذباب دون اية استجابة من امانتها للمناشدات لرفعها ونقلها بعيدا. وإن رفعتها الامانة فستنقلها الى مناطق في اطراف المدينة مثل معسكر الرشيد جنوبها ومناطق التاجي والحسينية شمالها. ثم تقوم بحرقها هناك بدلا من طمرها بشكل يحافظ على البيئة وصحة اهالي تلك المناطق. إذ يعانون من دخان هذه الحرائق واستنشاقهم لسمومها. هنا ايضا لا من استجابة للسلطات لمطالبات سكان تلك المناطق بنقل عمليات الحرق بعيدا عن مساكنهم. غير هذا هناك جهات حكومية اخرى تقوم برمي مياه الصرف الصحي كما هي بلا معالجة في مياه الانهر. وهناك مخلفات المعامل الصناعية سواء كانت حكومية ام اهلية ترمى هي ايضا في الانهر.

 

ولا تجري الامور بصورة احسن في حالة التعامل مع المخلفات الطبية. إذ لا تقوم وزارتا الصحة والبيئة بايجاد طرق للتخلص من النفايات الطبية بطريقة تحفظ البيئة وتحافظ على صحة الناس بدلا من الحرق العشوائي. وكانت بغداد وبمناسبة اليوم العالمي للبيئة والذي يحتفل به في 5 حزيران من كل عام قد تم تصنيفها في العام 2019 في ذيل العواصم الآمنة او في مقدمة المدن التي يختنق مواطنيها من دخّان حرق النفايات، وإنها في مراحل خطيرة جدًا من التلوث البيئي. فيما اعتبر دخان النفايات احد اهم اسباب حدوث هذا التلوّث. ولا نعرف كيف تجري الامور في باقي مدن العراق مع هذا الامر. تجري كل هذه التجاوزات والاهمال الحكومي بحق السكان بهذا الشكل منذ عقدين. إن هذه الوقائع هي ليست الترجمة لمادة الدستور الآنفة، بل هو العكس تماما. ولا يبدو على الدولة اهتمامها إلا بالنظر الى الجهة الاخرى لدى مطالبتها بقيامها بواجبها الذي رسمه لها الدستور.

 

المادة (38) تقول بكفالة الدولة حرية التعبير عن الرأي منه التظاهر السلمي. هنا قد رأى الجميع كيف يجري التعامل مع المتظاهرين مثال حكومة الكاظمي السابقة. إذ انها دائما ما كانت تقوم بعرقلة وصولهم على الطرق الخارجية الى اماكن التظاهر في العاصمة. وإن وصلوا فالقمع والتفريق إن لم يكن الاعتقال في انتظارهم. ولا حاجة لتكرار ما يعرفه الجميع حول هذا الملف.

 

لا بد من اطلاق الدعاوى القضائية ضد الدولة العراقية لتعمد تهربها وتنصلها من تطبيق الدستور. فعلى الدولة الالتزام بتطبيق مواد الدستور مع تعويض المتضررين. ولا يكون هذا التهرب إلا حنثا باليمين الدستورية. ويمكن لمنظمات المجتمع المدني التهيئة لاطلاق هذه الدعاوى مع محامين اكفاء.