اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

حكاية ونَص.. مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ قَتلاهُ بحَقلِ الحِنْطَةِ؟!// محمود حمد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

حكاية ونَص.. مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ قَتلاهُ بحَقلِ الحِنْطَةِ؟!

محمود حمد

 

عندما دخلت (قبائل الغزاة الإفرنج!) أرض العراق عام ثلاثة والفين، بعد أن غلبت (قبائل أهل العراق!) و(اغتنمت) العراق عُنوة بما فيه ومن عليه، وَزَّعَتْ عطاياها من (الفيء) على (أدِلاّئها) الذين لملمتهم وجاءت بهم من هوامش المدن المتناثرة في بقاع المعمورة والمطمورة، وأعطتهم (السلطة) كجزء من (الفيء)، الذي لم تشبع مطامعهم!

ولأنهم احترفوا (النهب)، تنازعوا على الأسلاب لانتزاع ما تبقى من عافية العراق، ولإزهاق أرواح أهله بمفخخاتهم العشوائية، وكواتم الصوتِ الانتقائية، ومغاليق العقلِ الممنهجة، وبـ (فقه الدجل) اللامحدود!

 

أهل العراق الذين نخر الخوف نفوسهم على امتداد عقود، ولَوَّثَ الاستبداد والتضليل عقولهم عبر كل العهود، وأهلك (الحصار الكوني) ضرعهم وزرعهم!

واجتمع (الأدِلاّء) المتباغضون تحت (سقيفة!) شُدَّت حبالها بدبابة أمريكية جاثمة على صدر العراق... لاختيار (مجلس التَحَكُّم!)، وطلعت الشمس عليهم والملايين منشغلة بنبش المقابر الجماعية، فبانت وجوههم كالحة كسيماء الشياطين!

 

صرخت (فاطمة) وهي تكفن أبيها المسجى في بيته المهجور من الصحابة بمكة:

من أعاد إلينا (الأصنام)؟!

ولماذا هؤلاء... وحدهم؟ دون غيرهم؟!

صاح (الحباب بن المنذر الأنصاري الخزاعي!) من بين تلال الجثث المنبوشة في قبر ممتد من أرض (الرضوانية) لحدود الموت بأطراف (حلبجه):

(منا أمير ومنهم أمير)!

فجاءته رصاصة من كاتم صوت كان مخبأ في سروال أخيه (المهاجر القريشي!) ... وأخرسه حتى يوم الدين!

أجابها (قائلهم) بصوت قاطع كالسيف اليماني:

نحن (المتضررون!) من دولة (هُبَل)!

(ومن ينازعنا... إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة)؟!

 

واثر هذا الصتيت الصاخب القادم من أعماق التاريخ... نَهَضْتُ مفزوعاً من فوق سرير المرض مُتَّكِئاً على الجدار الواهن المفضي إلى هاوية التاريخ اقلب أوراق الأزمة المطمورة خلف دخان الحرب وصرخات الأطفال المقبورين حشوداً بمدافن ضاقت فيها الصحراء وجبال الكورد!

يتردد صوت (الصنم!) ...

يؤدي (صدام) القسم رئيساً لعصابة قتل المنكوبين...

قَسَمٌ يتمدد من أفق الزمن اللامحدود لصراخ المغدورين بأقبية التعذيب:  

(بس كل واحد يوكف بوجه الثورة... يصير ألف... يصير ألفين... ثلاثة آلاف... عشرة آلاف... أقص رؤوسهم من دون ما ترجف شعرة واحدة مني أو يرجف قلبي عليه)!

 

قَرأت عند الباب المرصوفة بالأجداث (المجهولة)... قانوناً دموياً يسري كالنار بهشيم يابس:

(يعاقب بالسجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة من أهان بإحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أو مجلس قيادة الثورة أو حزب البعث العربي الاشتراكي أو المجلس الوطني أو الحكومة. وتكون العقوبة الإعدام إذا كانت الإهانة أو التهجم بشكل سافر)!

تهجأت قانوناً في وسط الظلمة صار رديفاً للموت النازل من آلهة الحرب ببغداد:  

منح (صلاحية الحكم بالإعدام الفوري لآمري الفصائل صعودا إلى قادة الفيالق) والتنفيذ (ضد الجبناء والخونة").

و(نقل سلطة العقوبة إلى أسفل هرم الجيش، بما يعني أن آمر الفصيل له حرية التصرف بأن يقرر إجراء تحقيق أو أن يمارس تلك الصلاحية المطلقة للإعدام الفوري)!

يمتد بلاء القتل بـ(رصاصة غدر!)، وباءً يتفشى في كل حروب الاستبداد الممتدة من ليلة إعدام (رفاق القائد!) ...لـ(مشاريع الاستشهاد!) المكتوبة قَسراً في أرحام النسوة!

يَدفن العراقيون نصف مليون من شبابهم في عراء الجبهات المجهولة والمقابر المُستحدثة... في حرب فاقت أيام لظاها كل حروب التاريخ الدولية!

 

نادتني من قاع الموت رضيعةٌ من (سدي كان) تنبئ:

إن مئة ألف من أهلها المغدورين برصاص (الغالبين!) مازالت تنهشهم جوارح الله وكواسره في وديان زَرْعِهم التي أحالها أهلُ (الغَلَبَةِ) قبوراً جماعية لهم بعد حرق قراهم... في (الأنفال)!

اتصفح أوراق (حلبجه) المُلقاة على قارعة الدرب إلى مقبرة تحتضن النسوة والأطفال المكتومي الأنفاس بغازات (الغَلَبَةِ)... خمسة آلاف عند الله وديعة، وسبعة آلاف يتشبثون بأذيال الله كي ينجيهم من تجار الموت!

اقرأ أنفاساً مقطوعة في أول صورة طفل ترويها الكاميرة المفجوعة...

يكتب صاحبها الصحفي (كاوه جولستان):

(كأن الحياة تجمدت، أو توقفت تماما. مثل أن تشاهد فيلما وفجأة تتوقف الصورة في إطار واحد. كان نوعًا جديداً من الموت بالنسبة لي، تخيل أن تذهب إلى مطبخ ما وترى جثة امرأة تحمل سكيناً حيث كانت تقطع جزرة!

وما حصل عقب الهجوم كان أسوأ. بعض من الناجين استمروا بالقدوم لنقلهم من مكان الهجوم بالمروحية. كان لدينا 15 أو 16 طفلا جميلا توسلوا لنا كي ننقلهم إلى المستشفى. لذا جلسنا كلنا مع كل الصحفيين هناك، وكل منا يحمل طفلا في يده. ما أن أقلعنا حتى بدأ سائل بالخروج من فم الفتاة الصغيرة التي كانت في ذراعي ولفظت أنفاسها الأخيرة وماتت)!

اتعثر بمئات القتلى المرميين بشوارع (كاظمةَ)... جارتنا المسبية بذئاب قبيلة أهل (الغَلَبة!)، في غفلة أبناء العم!

 

تحتشد جيوش (قبائل الافرنج!) وكتائب (قبائل الاعراب!) للاقتصاص من أهل العراق... ينقطع الدرب عليَّ... تمنعني نيران الآليات المحروقة باليورانيوم... الصارت مقبرة لمئات الآلاف من القتلى من فتيان بلاد النهرين!

ينادي في الأرض منادٍ...

ينتفض الناس المقهورون بيوم زلزل أركان الخوف... وهَزَّ العرش الجاثم فوق جماجم أهل النهرين... فيصحو من غفلتهم مفزوعين جنود الإفرنج... لخوفٍ يُفقِدُهم (ابناً من صلب محافلهم... ضَلَّ عن الدرب لِمَسٍ في عقله!) ... وتطير (أبابيل الافرنج) لتبيد حشود المنتفضين!

وتناخوا:

نصرة (ابن مارق!) طردته الآلهة الإفرنجية من أسوار الجنة...

خيرٌ من (شعب مارق!) يسرق منّا آبار البترول!

تُهيل الجرافات الأرض على أنفاس مئات الآلاف من المنتفضين بمقابر تجمعهم كالأرحام... مازالت قائمة منها، ضائعة دون مكان معلوم رغم وضوح صرير الأزمان! 

ويصير حصاراً... تجويعاً... بؤساً...

صمتاً دولياً... يفْتَح أبواب جهنم...

 

قرارات يطلقها العالم ذو الأنياب (الإنسانية!)، يتلقفها (الابن الضال) بدهاء يعرفه (الآباء)! فتُغْلَق أفواه الرُضَعِ بالجوعِ... ويؤول الصبحُ ظلاماً في أفق الناس المُستلَبين... ويضيق خناق العيش، وتموت الناس المِعْوَزة على قارعة التاريخ المُثْخِن بالعاهات... ويَفُرُ الناس (العاقل فيهم) و(القادر منهم) بحثاً عن (وطن!) أو (لقمة عيش!) ...

(هاجر أكثر من 23 ألف باحث وطبيب ومهندس عراقي إثر انخفاض معدلات أجر الفرد إلى أكثر من الربع)!

وآخرون فيهم ينفذ عمرهم فَيَفُرون طرائد يبحثون عن قبر يأويهم في (الوطن القبر!) ... ويبقى عرش الجلاد يبيع نعوش الأطفال بأسواق الإعلام العاهر!

 

ادركنا أن اغتصاب (العراق) وخنقه وقتل أهله ليس عقوبة على فعل قام به حاكم مستبد، بقدر ما هو انتقام من وجوده كشعب وكوطن لأول مهد للحضارة البشرية، (حيث وجدت بصمات بشرية تعود إلى ما قبل 120 ألف سنة) حسب تقرير لجنة حقوق الانسان العربية!

 

تقول السيدة (فيوليت داغر) الأمينة العامة للجنة العربية لحقوق الإنسان:

(أسقطت قوات التحالف ما بين 16 كانون الثاني و27 شباط 1991 م ما زنته أكثر من مئة ألف طن من القنابل العنقودية والنابالم ومتفجرات الوقود/ الهواء وقذائف اليورانيوم الناضب. أي ما يعادل القوة التفجيرية لسبع قنابل ذرية من نوع هيروشيما، وزّعت على العراق برمته قاصفة مواقع كثيرة مرات عدة. فأجهزت العمليات العسكرية على البنى التحتية والهياكل الارتكازية للبلد من جسور وطرقات ومستشفيات وجامعات ومدارس وجوامع وكنائس وأماكن أثرية ومنشآت بريدية وهاتفية ومحطات توليد كهرباء وضخ وتصفية المياه ومصافي وآبار نفط وخطوط وعربات سكك الحديد ومحطات إذاعة وتلفزيون ومنشآت صناعية ومصانع أسمدة ومراكز تجارية ووحدات سكنية وغيره قُدّرت كلفتها بزهاء 190 مليار دولار حسب صندوق النقد العربي.

 

وقد ظهر فيما بعد أن النية من قصف بعض هذه الأهداف وخصوصا في مرحلة متأخرة من الحرب ليس التأثير في سير الصراع، بل إحداث أضرار تضطر بغداد لتعميرها بمساعدة أجنبية. كذلك كان أحد الأهداف هو نفط العراق وتحويل البلد إلى حالة ما قبل الصناعة كما أعلن وزير الخارجية الأمريكية "بيكر" في اجتماعه بنائب رئيس الوزراء العراقي "في النظام السابق " طارق عزيز في 9 كانون الثاني 1991 م: “سنعيدكم إلى العصر قبل الصناعي”)!

 

(ذكرت مجلة غالوي الأسكتلندية في 8/7/1998:

     إن الإصابة بأمراض السرطان المختلفة وبخاصة سرطان الدم "اللوكيميا" لدى الأطفال في العراق قد تضاعفت بنسبة 600 بالمائة منذ عام 1991 م نتيجة استخدام أمريكا وبريطانيا اليورانيوم الناضب. وأشارت إلى أن معظم الإصابات بالسرطان وقعت لأطفال ولدوا بعد انتهاء العمليات العسكرية حيث إن غبار اليورانيوم الناضب قد لوث المياه والحقول والمزارع في العراق. كذلك لوحظ وجود تغيير في الخط الوبائي للإصابة بالأورام السرطانية كما تبين أن هناك تغيّر في الفئات العمرية المتوقعة للإصابة به وشملت فئات عمرية مبكرة منها الفئة ما بين 45 و50 سنة)!

و(الجدير بالملاحظة أن مكتب السكان الأمريكي كان قد قدر في 1992 م أن معدل عمر العراقيين قد هبط 20 سنة للرجال و11 سنة للنساء، والتلوث الإشعاعي أسهم في هذا الوضع)!

و(أبلغ العراق رسميا لجنة "العقوبات" التابعة لمجلس الأمن الدولي بإحصائيات الخسائر البشرية جراء استمرار الحصار المفروض على شعب العراق منذ أكثر من أحد عشر عاما. إن مليونا و614 ألف و303 مواطنا قد توفوا نتيجة استمرار الحصار الجائر منذ عام 1990م وحتى شهر تشرين الثاني 2001 م)!

وأوضحت الاحصائية أن من بين تلك الخسائر البشرية هنالك 667 ألف و773 وفاة للأطفال دون سن الخامسة من العمر و946 ألف و530 وفاة لمواطنين فوق سن الخامسة من العمر وجميعهم ضحايا الأمراض والاوبئة التي تعيق لجنة 661 توفير الأدوية والعقاقير الطبية لهم!

وأشارت إلى أن وفيات الأطفال دون سن الخامسة لم تكن قبل الحصار سوى حالات بسيطة سجلت عام 1989 م وفاة ما مجموعه 258 طفلا فقط)!.

خلال حكم صدام حسين) اختفى (أكثر من مائتي ألف عراقي في السجون!

 

وتدوم الظلمة...

"فاطمة" مازالت تبحث عن كفن لأبيها فوق سحاب الغيب... و"انا انهض من كبوتي... لأكتم نباح (القوّالين! (... لصوص الطوائف... الذين جاء بهم المحتل... الذين يَدّعون حقهم في حكم العراق وامتلاكه كغنيمة و) دِيَّةٍ!) عن (شهدائهم! (، وكأن دماء ملايين الشهداء العراقيين الآخرين لا (دِيَّةَ) لها!!!

فكتبت:

مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ قَتلاهُ بحَقلِ الحِنْطَةِ؟!

خَطوٌ أهيفٌ يَتوارى بين صليلِ البردِ القارصِ ...

وصريرِ الخَوفِ الغامضِ في أنفاسِ المُدُنِ المسلوبةِ ...

ورفيفٌ راعشٌ يسري ...

من أجسادِ الأطفالِ المَخنوقينَ على قارعةِ الطرقاتِ المَفجوعةِ في أحشاءِ “حلبجة" (1) ...

يُرْعدُ رَفضاً في مَدَياتِ العَدَمِ المُتشَبِّثِ بالأنفاسِ الأزليةِ ...

يَتفاقمُ موتاً في زفراتِ الأرضِ المرعوبةِ ...

****

نايٌ قرويٌ من قصبٍ ...

يَشدو عُشقاً في أحداقِ الصَخْرِ الشامخِ ...

يوقظُ في الأرضِ خصوبة!

وعيوناً دامعةً حرّى ...

ثائرةً...

تَبعثُ في النفسِ عذوبة!

هذا عصرُ الطوفانُ المُرِّ ...

أزيزُ الكلماتِ المَمنوعةِ ...

صعودُ الأصنامِ بأكفانِ الموتى لعروشِ السُلطَةِ!

****

مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ قَتلاهُ بحقلِ الحُنطةِ؟!

أو...

يُلْقي شِعراً في أعماقِ التنورِ الخامدِ كَيْ يَتأجَج؟!

****

يا نوحُ انهض باسم الخَشَبِ المُهْمَلِ ...

واصنَعْ للشعبِ سفينة ...

فـ"الثورة" (2) صارت مَسْفاةٌ للريحِ الوحشيةِ ...

هدفاً ...

للدباباتِ المحتلةِ ...

وسياراتِ (الاخوانِ) المتخومةِ بالموتِ ...

بحرَ دماءٍ يُغْرِقُ كُلَّ رضيعٍ ...

أصداءَ حنينٍ تتلاشى خلف صراخ الأبوابِ المنكوبة ...

وعَصْف الأزمنةِ الملغومةِ!

محرقةً لرغيفِ الخُبزِ الجائعِ ...

ودخاناً من (بترولٍ مُؤمِنٍ!) ...

يَكتُمُ أنفاسَ الخُدَّجِ في قَمراءِ بلادي!

 

(1)  حلبجه: مدينة عراقية كوردية تعرضت لهجوم كيمائي في الأيام الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية (من 16-17 مارس 1988)، حيث قصفت القوات العراقية البلدة بالغاز الكيميائي، مما أدى إلى مقتل أكثر من 5500 من سكانها المدنيين. وأصيب 7000-10000 منهم، ومات آلاف آخرون في السنة التي اعقبت الهجوم نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخَلْقية!

(2)  الثورة: مدينة الفقراء في بغداد، وهدف متكرر لفرق الموت الجوّالة!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.