مقالات وآراء
من اي غباء يخرج الضمير المتكلم "أنا"؟// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 09 تموز/يوليو 2024 22:08
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 1101
خديجة جعفر
من اي غباء يخرج الضمير المتكلم "أنا"؟
خديجة جعفر
ما قد يكون المعنى من العرض المضاعف في سرد التحركات التي يؤديها الضمير المتكلم " انا"؟ مضاعفا ربما ....لأنه لا بد أن يؤدي تكراراً من نوع ما مرة حين نتصرف الفعل، وأخرى عبر السرد الإخباري الذي ينقله الضمير " انا " مباشرة وهو يصف لنا ما يتم القيام به، وهو يفرض نفسه على الآخرين مرتين
بحيث إنك كمتكلم حاضرا،ما يحمل ضمنا، رؤيتك ذهنيا في حالة استبعاد عن الآخر المستمع، امتلاكه للحواس بالشكل الكافي لملاحظتك ومتابعتك فتنبهه لما تقوم بأداء في هذه اللحظة، او ربما تريد فعالية أكبر لجهة التركيز وعدم التشتت عن أداءك، وأفعالك فتقوم بتكرار " انا" لتفرضها فرضا في عملية سرد الحكايات التي تخصك من خلال لسان الضمير " انا"..
لم يعد خافيا تضمين هذا الضمير المنفصل بصيغة اللحظة من الحاضر كم ال " الفرض السلطوي" الذي يصل حد إلغاء الآخر رغم ضرورة حضوره. فهذا الضمير " انا " يفقد معناه والبعد الإخباري منه في غياب الآخر لأنه لن يحقق ذاته مع ذاته ، " انا"، هو ضمير منفصل لكنه يريد حضورا مهيبا، مقصودا، يتوجه اليه بالإخبار .. انه يُلزم من الحضور، حضورا صامتا، مستمعا، متلقيا دون امكانية التفاعل والتبادل ،فإن طلب" انا " آخرا، فسوف يكون آخراً متلقيا بالكامل .ليصبح ضمير ال " انا " مستحضراً للاخر بهدف اقصاءه والغاءه فتنتهي مهمة الطرفين.
" أنا"....هذا الضمير المُحيّر يملكه كل البشر ،هو ثابت في معايير الملكية، متغير بالمعنى الفلسفي ، فديكارت الذي اعتبره مفتاح للوجود المفكر، فيما يعتبره كانط مرتكزا تأسيسيا للإعلان والشعور بالذات وحضورها، ليلغي ماركس أهمية ( انا فردي ) لصالح الوعي الجمعي لتحقيق مصلحة عامة فيما ذهب نيتشة نحو " انا " المسيطر ،فيما يبين فرويد
الانا نتيجة توازن صراعات بين طبقات اللاشعور ..
وعلى الرغم من أن الأنا لم تكن محمودة عند العرب قديما، فقالوا ( أعوذ بالله من قولة أنا) ،إلا أنها كانت منطلقا للضمائر لغويا ، دلالة على اهمية الانا الفرد، فنظموا الشعر في ذواتهم حد جنون العظمة :" فقال الحجاج:
أنا ابن من دانت الرقاب له ما بين مخزومها وهاشمها / تأتي إليه الرقاب صاغرة يأخذ من مالها ومن دمها..
اما المتنبي الذي اشاد بنفسه:
انا من نظر الاعمى الى ادبي واسمعت قصائدي من به صمم..
ان تنبه علم النفس لسطوة ال " انا"... فضمنها بعدا ذاتيا تكوينيا أكثر منه إخباريا، أحالها نحو البعد التأملي والتكويني الذي يمتص الأحداث الخارجية بصمت الأخذ، ليؤلف نماذح ومسارات سلوكية وفكرية متميزة أكثر تفاعلية من دور التلقي والاستماع، لتصبح ذاتا ابعد من الاستعراض دورا، الا حينما تضخم هذه الانا الى مستوى إلغاء الآخر في توصيفات الامراض النفسية كالنرجسية مثلا التي تتخطى حدود السرد الإخباري نحو الزام الطاعة من خلال تمجيد الانا السلطوي والعنيف والحاضر دوما مع ال " انا " في الحوار والحضور.
فمن وجهة نظر علم النفس، يرى في مفهوم
" الذات" تخليا عن ضميرية " الانا " و دورها الإخباري، والاكتفاء بالبعد التأملي والتوليفي لأثراء المعنى والهدف السليم تفاعليا.
فأي إخبار مجدي في قول :" انا اكل تفاحة ؟ على سبيل المثال، خارج كونها اخبار جاذب لحواس الآخر انتباها وطاعة ،بالتالي،أين الذكاء في لفت انتباه آخر لا يريد ان ينتبه او يهتم ؟
يُلحظ من هذا الضمير المتكلم بصيغتة الحاضره، محمولات النقص والخلل النفسي الذي يتم تعويضه بتردد الافعال الاخبارية لاثبات وجود، فحينما تكون حركتك وافعالك تحمل من المعنى اخبارا ما ، على الذات اضعاف الممكن من بروز الضمير في " انا" نحو الاصغاء من " الذات".
إذ يرى ماسلو ( ماسلو1916-1972 عالم نفس أمريكي له سمعة كبيرة في مجال علم النفس الانساني )، وقد اهتم في دراساته بالافراد الذين يعملون في مجالات حياتيه مختلفة ويعانون من مشكلات نتيجة لهذا العمل، أن الشخص الذي يحقق ذاته هو الشخص الذي لديه دافعية للابداع واستخدام جميع إمكانياته في عمله أو مهنته أو
وظيفته، ويتفق بذالك مع كارل روجرز، الذي يرى أن الانسان لديه دافع فطري لتحقيق ذاته، وان الفشل أو الاحباطات التي تعترض طريق تحقيق ذاته هو الذي يؤدي إلى ظهور الأعراض أو المشكلات المرضية لديه في انا متضخمة.
لذا، كان لا بد من طرح السؤال حول الموقف اللغوي من هذا الضمير ، هل يعقل الا تتنبه اللغة لسذاجة الاستخدام من هذا الضمير ؟
فالضمير انا في اللغة العربية ،دلالة على وجود متكلم، يواجه مخاطب ،حضور للذات بحدود الفعل نفسه دون روافد،فحين مقولة"انا اكل تفاحة " لا يمكن لمستمع ان يتحضر لابعد من ذلك،" يأكل محاوري تفاحته" وانتهى فماذا بعد ؟
مما يدفع بالمتكلم لتكرار السرد الاخباري وذكر انا اخرى واخرى واخرى بينما المستمع يذوب ويتلاشى في مشهدية يصنعها " انا " المتكلم ويحد او يمنع من كون المستمع حَكَما، انه فقط في موقع التلقي دورا ليتعاظم حجم الالغاء للاخر الواجب حضوره سمعا وطاعة دون امكانية التجاوب او الاعتراض او ابداء الرأي ...
لو دخلنا في مقاربة هذا الضمير المنفصل " انا " إخباريا بين حالة الماضي بعداً زمانيا، والحاضر ،نجد المعنى التفاعلي الانساني مقتصر على حالة الماضي منه دون الحاضر . ففي الاخبارات السردية من الزمن الماضي احتمالية تفاعلية تسمح بالرأي والنقاش والانتقال العابر لحدود الفعل منه والمختزن في زمن انقضى.فمثلا : عندما نقول :( انا اكتب رسالة) يفترض بك كمستمع التلقي دون اي رد فعل لأنني أخبرك بفعل يُؤَدى في الوقت الذي تشاهد وتسمع وتعرف ذلك وانا ايضا كمتكلم أعرف ذلك ...
بينما بصيغة الماضي :" كتبت رسالة " فهو استدعاء صريح ومباشر لإبداء رأي وإمكانية تخطي حدود الفعل نحو أبعاد مشهدية إضافية لاستكمال تبادل الحديث وإفادة الذات الماصة للمعلومة المكتسبة ، المتوقعة والواقعية، القائمة والمحتملة، كمستمع، متفاعل اكثر منه متلقي. فعلى رغم استخدام "الانا" في صيغة الماضي الا انه يحتمل الكثير من الحضور.
غالبا، تتوجه اللغة نحو حدين من حضور الضمير المتكلم انا :
فأما يراد بها تضخيما قصديا لهذا الحضور وهو أمر عرفه وتقصده العرب قديما ليظهر جليا في اللغة بما يتناسب مع نمط العيش والعادات التي تلزم أبناء الصحاري والقبائل الطاعة والولاء للفرد في مراكز حساسة و عليا بالتالي يصبح مفهوما هذا الحضور الاخباري السلطوي " للانا"والذي يمجد "الانا" القائد ، و"الانا" الحاكم، و"الانا" الكريم و"الانا" المهاجم من انماط العيش والتفكير ..
وإما ان تتجه" الأنا" نحو ترميز مختصر للجماعة ككل لتصبح ممثلة بالانا المتكلم،
فمن بعض الدراسات العلمية حول ال" انا "
الضمير المتكلّم بين إثبات هويّة الذات ومواجهة الآخر في ديوان محمود درويش: «لماذا تركتَ الحصان وحيداً»
للمؤلفون: محمد جواد عابد، سيد حيدر شيرازي واحمد حيدي...
عن جامعة خليج فارس قسم اللغة العربية.
خلصت الى ان " للضمائر هويّة دلاليّة، تجسّد مشاعراً قبل توظيفها في النصّ،كما وأنّ سياق النصّ يضفي عليها فاعليّة. والشاعر المعاصر درويش سعى لتفجير طاقتها الكامنة. والضمائر،كوحدة جزئيّة في النصّ، تغذّي حركة المعنى وتحرّك مشاعر المتلقّي. ووظّفها محمود درويش باعتبارها "انا" تتخطى المفرد مجازا نحو هوية الشعب الفلسطيني بأجمعه ...
في الختام لا بد من المقارنة بين الضمير "انا" ومفهوم "الذات" من" الانا" ،والصراع القائم بينهما، لنشهد من تعاظم الضمير المتكلم المفرد "انا" بصيغة الحاضر سحبا متقصدا للبساط من تحت اقدام " الأنا " الذات في علاقة عكسية تذهب لتمجيد الحضور والسرد الإخباري السلطوي على حساب البناء التكوين للذات، بالتالي فان كل تمجيد مُعَمَم للضمير المتكلم " انا" سوف يضاعف فرضيات التبعية والانصياع والولاء والالغاء من قيم المجتمع إضافة الى انتشار نرجسيه قائمة على البطولات و الخوارق على حساب مقتضيات التوليف والتجميع المعلوماتي التفاعلي في "الذات" لبناء مجتمع كفوء بتكامل جهود جماعاته اكثر من أفراده.
خديجة جعفر
9 /7 /2024.