مقالات وآراء
قضايا فلسطينية أمام محكمة العدل الدولية- ج1: جدار الفصل العنصري// أسامة خليفة
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 03 أيلول/سبتمبر 2024 19:58
- كتب بواسطة: أسامة خليفة
- الزيارات: 588
أسامة خليفة
قضايا فلسطينية أمام محكمة العدل الدولية
الجزء الأول: جدار الفصل العنصري
أسامة خليفة
كاتب فلسطيني
مقدمة:
سنوات طوال مرت على مظلومية شعب فلسطين، تجاهل خلالها المجتمع الدولي تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وأفلت المعتدون الصهاينة من العقاب على جرائمهم، بفضل الولايات المتحدة ـــــــ حليف إسرائيل ـــــــــ التي استخدمت نفوذها العالمي، وحق النقض لإبطال أو إهمال أو منع تنفيذ القانون الدولي، سواء منه الأممي، أو الصادر عن محكمة العدل الدولية، ولا سيما مشاريع قرارات مقدمة إلى مجلس الأمن تحت البند السابع.
وجود العديد من الهيئات والمؤسسات التي تمثل القانون الدوليّ، وتتبع للأمم المتّحدة، لا يعني قدرتها على تطبيق القانون الدولي، وفض النزاعات، والبت فيها حول العالم. وقضية فلسطين أبرز القضايا المطروحة أمام العدالة الدولية بمختلف مؤسساتها وهيئاتها، والتي استمرت منذ النكبة، وعلى مدى ما يزيد عن ثلاثة أرباع القرن دون حل، وتعجز العدالة الدولية ــــــــ رغم صدور قرارات مهمة عنها والتي تؤكد حقوق شعب فلسطين الثابتة ـــــــــ عن وضع القرارات موضع التنفيذ. هذه القضية التي أودت بالعدالة الدولية، والضمير الإنساني، إلى مآزق ومزالق محرجة للقانون الدولي، أظهرت مدى هشاشة مؤسسات العدالة، في ازدواجية المعايير، وفي إفلات مجرمي الحرب من العقاب، وجور بعض قوانينها، وأولها: وأهمها بالنسبة للقضية الفلسطينية، المادة الثانية من إعلان عصبة الأمم، المتعلقة بصك الانتداب البريطاني على فلسطين، والتي تنص على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية، تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي، تنفيذاً لوعد وزير الخارجية البريطاني «بلفور» الغير شرعي يمثل مأـزقاً قانونياً عن لصوصية في وضح النهار تعطي من لا يملك لمن لا يستحق، وآخرها القضية الحالية حرب الإبادة والتهجير الجماعي في القطاع والضفة والمستمرة على مدى 11 شهراً، مروراً بقضية اللاجئين، وحق العودة، وقرار التقسيم. وكل ما يخص القضية الفلسطينية كقضية عدالة، بدأت تتداول ملفاتها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، منذ فترة قريبة، كانت قضية جدار الفصل العنصري في الضفة الفلسطينية أول قضية تعرض على المحكمة في 8/12/2003، وآخرها حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وقد وصف مسؤول الإغاثة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث الحرب الإسرائيلية في غزة بأنها «خيانة للإنسانية»، ودعا إلى المحاسبة على هذه الخيانة للإنسانية. كما أشار مارتن غريفيث إلى أن شهور الحرب .. لم تحمل لسكان غزة سوى الموت والدمار وإمكان تفشي مجاعة وشيكة.
أــــــــ عن الجدار:
عرف «الجدار» في العالم أنه جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، يبلغ طوله حوالي 713 كيلومتراً، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عام 2022، تسميه إسرائيل «سياج أمني مانع للإرهاب»، شرعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون ببنائه في 23 يونيو/حزيران 2002، خلال الانتفاضة الثانية، بين الضفة الغربية وأراضي العام 1948 على امتداد خط الهدنة لسنة 1949، وأزيح بعمق 6 كيلومترات شرق الخط الأخضر من ناحية الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وأجريت تعرجات أخرى زادت من طول السور، ولا زالت إسرائيل تتحدث عن تغييرات في مسار الجدار، حتى بات من الصعب تحديد الجهة النهائية لهذا الجدار. وبات واضحاً أن الجدار هو عمل سياسي من الطراز الأول، يشكل جزءاً لا يتجزأ من خطة « فك الارتباط»، وأن وظيفته قطع الطريق على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة.
ب ـــــــ ذرائع بناء الجدار
يستند مشروع الجدار إلى جذور عميقة في الوعي السياسي الإسرائيلي، حيث وجدت مبرراتها وذرائعها في أساس المشروع الصهيوني القائم على اغتصاب أرض الآخرين، وفي ادعاءات توراتية ترى أن الضفة الفلسطينية هي «أرض إسرائيلية» كما وجدت ذرائعها في الاتفاقيات ـــــــ أوسلو وأخواتهاــــــ التي وقعت مع الجانب الفلسطيني المفاوض، حين وافق على اعتبار أراضي الضفة الفلسطينية وقطاع غزة « أرض متنازع عليها» وليست أرضاً تحتلها إسرائيل منذ عدوان حزيران/ يونو 67، وأن المصير النهائي لهذه الأرض يتم الاتفاق عليه في مفاوضات «الحل الدائم».
كما يجد «الجدار» جذوره في ادعاء إسرائيل بحقها في حدود «آمنة»، وقد وجدت هذه الذريعة الإسرائيلية صداها في قرار مجلس الأمن الرقم 242 الذي اعترف هو الآخر بحقها في «الحدود الآمنة»، كذلك يجد هذا الجدار جذوره في الإسناد الأميركي لسياسة العدوان الإسرائيلية ضد الدول العربية المجاورة، والاعتراف غير المشروط لحق إسرائيل في «حدود آمنة» أو «يمكن الدفاع عنها».
وبذريعة ضمان الأمن تقوم إسرائيل ببناء «الجدار» لتقضي سلطات الاحتلال على كل مظاهر الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشعب الفلسطيني، تبين الوقائع اليومية والممارسة الميدانية لسلطات الاحتلال أن من أهداف الجدار تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق، مما يدفعهم إلى أحضان اليأس والإحباط والاستسلام للإرادة الاسرائيلية، أو إلى مغادرة أراضيهم، بحثاً عن وضع معيشي أفضل نسبياً.
ج ـــــــــ آثار الجدار على حياة الفلسطينيين
يؤثر الجدار سلباً على حياة المواطنين الفلسطينيين الذين يقيمون في منطقة الجدار وسواها من المدن والقرى، والتي تحولت إلى معازل تمنع المواطنين عن الاتصال بذويهم على الطرف الآخر من الجدار، أو الوصول إلى أراضيهم الزراعية، أو الوصول إلى المستشفيات والجامعات والمدارس، ومن صور تأثير الجدار على حياة الفلسطينيين: الاستيلاء على مياه الضفة، الاستيلاء على الأرض، تدمير اقتصاد الضفة وقراها، توسيع المستوطنات، الاستيلاء على الغابات وتدمير البيئة، سرقة الآثار الفلسطينية.
د ــــــــ الجدار في منطقة القدس:
يبلغ طول الجدار في محافظة القدس حوالي 168 كم، منها 5 كم تسير على الخط الأخضر، والبقية مبنية داخل عمق الضفة الغربية، وقد تسارعت أعمال بناء الجدار في القدس عامي 2006 و2007 بشكل كبير، وتم فصل تجمعات سكانية فلسطينية عن القدس، وهذه التجمعات مكتظة بالسكان مثل مخيم شعفاط وسميراميس وكفرعقب، ما يقارب 30 ألف نسمة من حملة الهوية المقدسية.(1)
يستهدف الجدار العنصري في مدينة القدس، عزل القدس عن محيطها الفلسطيني، بحيث اختلطت الرؤية العنصرية بالسياسية والأمنية، إذ تهدف إسرائيل إلى إقامة منطقة القدس الكبرى، وعزل أبو ديس والعيزرية، وتحويلها إلى كانتونات فلسطينية مشلولة الحركة. كما تسعى إسرائيل إلى ضم المستوطنات، بالإضافة إلى فك الارتباط بين القدس وبقية المنطقة الفلسطينية المحيطة، وربط القدس الشرقية بالغربية، بعد تحييد ما أمكن من سكانها، وتعزيز ذلك بالاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت.
ه ـــــــ الجدار في الأغوار:
يمتد بناء الجدار على طول الحدود الأردنية لعزل الضفة الغربية عن الأردن، كما يهدف في منطقة غور الأردن:
ـــــــ إلى تحويل الأغوار إلى منطقة أمنية عسكرية إسرائيلية.
ــــــ وإلى حرمان الفلسطينيين أصحاب الأرض من منطقة زراعية هامة تشكل سلة غذاء لهم في الضفة الغربية وفلسطين.
ـــــــ السيطرة على ثالث أكبر خزان للمياه الجوفية في الضفة الغربية.
و ــــــ الجدار في رحاب القانون الدولي
تقدمت السلطة الفلسطينية عبر المجموعة العربية في الأمم المتحدة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، تبنته كل من الباكستان وسوريا وغينيا وماليزيا، يدين تشييد «جدار» الفصل العنصري في الضفة الغربية، وعند التصويت على المشروع في 14/10/2003 استخدمت الولايات حق النقض (الفيتو) ليفشل بذلك مشروع القرار، وكان قد حظي بتأييد عشر من الدول الـ«15» الأعضاء في مجلس الأمن، منها فرنسا وإسبانيا والصين وروسيا، بينما امتنعت أربع دول عن التصويت من بينها ألمانيا وبريطانيا، استأنفت المجموعة العربية النظر في مشروع القرار في الجمعية العمومية، وفي دورتها 17/10/ 2003 صوتت 90 دولة لصالح القرار مقابل معارضة 8 وامتناع 74 عن التصويت. يطلب القرار الأممي من إسرائيل وقف وإلغاء تشييد الجدار في الأرض الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها، والذي يعد إخلالاً بخط الهدنة عام 1949. وفي 8/12/2003، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بإحالة ملف الجدار إلى محكمة العدل الدولية، للحصول على رأي استشاري بشأن «العواقب القانونية الناشئة عن بناء الجدار الذي تبنيه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، كانت هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها إحدى القضايا الفلسطينية على محكمة العدل الدولية رغم مرور 55 عاماً منذ النكبة.
عارضت واشنطن إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، معتبرة أنها قضية سياسية وليست قانونية. وسارعت الولايات المتحدة إلى تقديم مذكرة للمحكمة تعارض إصدار أي رأي قد يعقّد عملية السلام.
وقادت كل من إسرائيل والولايات المتحدة حملة سياسية وإعلامية واسعة ضد تبني الجمعية للقرار، في محاولة للادعاء بعدم صلاحية محكمة العدل الدولية للنظر في موضوع الجدار، وفي 9/7/2004 حسمت المحكمة مداولاتها في الأمر، وقررت اختصاصها في النظر في الموضوع المحال إليها.
وقدمت عدة دول مرافعات في المحكمة الدولية منتقدة الجدار، منها كوبا وماليزيا وإندونيسيا، إضافة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حالياً) وجامعة الدول العربية. وألقى الأردن مرافعة أثارت حفيظة إسرائيل، وبرر موقفه بأن الأردن المتضرر الثاني من الجدار. وأبدى رئيس وزرائه آنذاك فيصل الفايز أكثر من مرة مخاوف بلاده من حدوث موجات نزوح فلسطينية إلى المملكة الأردنية بسبب الجدار.
وقال الفلسطينيون: إن الجدار محاولة لإعاقة حياتهم، وضم أراض من الضفة الغربية إلى إسرائيل. إذ تطلق عليه الحكومة الفلسطينية «جدار الضم والتوسع»، توسع الجدار امتداداً إلى مستوطنات بيت لحم، مع بناء جدار عازل يمتد من جنوب القدس، ويمر ببيت لحم، ويفصل جزءاً منها عن تجمعاتها السكنية المجاورة ويعزلها، حتى يصل جنوب محافظة الخليل.
كشفت الوقائع أن مشروع الجدار في الضفة الفلسطينية سيشكل حال استكملت إسرائيل تشييده عاملاً حاسماً في تقرير مصير مفاوضات الحل النهائي، وسيقطع الطريق على قيام الدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ومتصلة إقليمياً وقابلة للحياة، فضلاً عن كونه سيعزل القدس عن الضفة الفلسطينية.
وفي 2004 خلص رأي استشاري للمحكمة إلى أن تشييد هذا الجدار سيُعطل ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، وعلى إسرائيل الالتزام بالاعتراف بهذا الحق، وعليها أن توقف فوراً أعمال تشييد الجدار في الأرض الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية، والقيام فوراً بإزالة كل أجزاء البناء الواقعة داخل الأرض الفلسطينية، وعليها جبر الضرر الذي لحق بالفلسطينيين من جراء الجدار، وإعادة الممتلكات المنهوبة من أرض وبساتين وغيرها إلى أصحابها.
وأشارت المحكمة في رأيها الاستشاري الخاص بالجدار إلى أن من شأن اتجاه سير الجدار أن يمس الأوضاع المعيشية للفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المتأثرة به، فضلاً عن أنه يهدد وجودهم. وحقهم في الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، كما أنه ينطوي على خطر إحداث تغييرات في الوضع السكاني للأراضي الفلسطينية المحتلة، من ترحيل وتهجير للفلسطينيين من بعض مناطق الضفة الغربية.
وأعلنت المحكمة بوضوح أن من شأن الإجراءات والتدابير الإسرائيلية أن تعرقل ممارسة الفلسطينيين لحقهم في حرية التنقل المنصوص عليه في المادة 12 الفقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، بالإضافة إلى كونها تحول دون ممارستهم حقهم في مجالات العمل والصحة والتعليم والمستوى اللائق من العيش الواردة كلها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، وفي اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989. وكما هو معلوم فإن الاتفاقيات الثلاث المذكورة لا ترتب على الدول الأطراف التزامات مطلقة بصورة عامة. وقد حرصت المحكمة على القول إن حالات الاستثناء أو التعطيل الجائزة قانوناً بصدد الحقوق التي خرقتها إسرائيل ليست متحققة في حالة الجدار. (2)
فالوضع الناجم عن بناء الجدار ينطوي على خرق من جانب الكيان الصهيوني لالتزاماته الناشئة عن الاتفاقيات الدولية للقانون الإنساني الدولي، ولاتفاقيات حقوق الإنسان. فقد لاحظت المحكمة أن الجدار سيؤدي إلى تدمير أملاك الفلسطينيين والاستيلاء عليها، وهو أمر لا يتفق مع الأحكام المنصوص عليها في المادتين 46 و 52 من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907، ومع أحكام المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة. وأكدت أن الاستثناء الوارد في هذه المادة الأخيرة، الذي يجيز الاستيلاء على الأملاك والأموال لضرورة عسكرية، لا ينطبق على هذه الحالة، والانتهاكات الناشئة عن ذلك المسار لا يمكن تبريرها بالضرورات العسكرية أو بدواعي الأمن القومي أو النظام العام، فإن تشييد جدار من هذا القبيل يشكل إخلالاً من جانب إسرائيل بالتزامات شتى واجبة عليها بمقتضى القانون الإنساني الدولي. (3)
أكدت المحكمة أن الأراضي الفلسطينية المحتلة، تخضع بحكم القانون لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949. ومجرد انطباق هذه الاتفاقية، يصبح التمسك بالدفاع عن النفس غير وارد من ناحية القانون الإنساني الدولي، الذي يلزم سلطة الاحتلال بأن تكفل قدر الإمكان النظام والحياة العامة. فالقوة المحتلة تفقد حقها في الدفاع عن النفس في مواجهة أي هجوم مسلح يرتكب ضدها داخل الأراضي التي تحتلها، والأراضي الفلسطينية المحتلة بصريح عبارة المحكمة ليست ملحقة أو مضمومة إلى الكيان الصهيوني. (4)
التطهير العرقي أيضاً، نجم عن بناء الجدار، حيث أجبر الاستيلاء على الأرض عدداً كبيراً من الفلسطينيين على ترك مناطقهم، واقترن بناء الجدار وملحقاته بإنشاء مستعمرات، بهدف تعديل التكوين السكاني للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر يخالف أحكام المادة 49 الفقرة 6 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
لاحظت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الخاص بالجدار أن الكيان الصهيوني هو المسيطر على الأراضي المحتلة، ولهذا السبب فإن الوضع المطروح أمامها مختلف تماماً عن ذلك الذي تعامل معه مجلس الأمن في قراري مجلس الأمن 1368 و 1373 اللذين صدرا في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية من أجل محاربة «الإرهاب». وقد شددت المحكمة، في رأيها المذكور، على حقيقة أن ليس في استطاعة الكيان الصهيوني في أية لحظة التذرع بهذين القرارين بغية تبرير بناء الجدار وملحقاته، ولدعم حجته المستندة إلى الدفاع عن النفس.
(5).
فندت المحكمة ادعاءات إسرائيل حول الجدار أن بناءه ضروري لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحريتهم وتكون متماشية مع الحقوق الأُخرى المعترف بها في هذا العهد. فالشروط المشار إليها في هذا النص ليست متحققة – في رأي المحكمة – في حالة الجدار والنظام الملحق به. كذلك أضافت المحكمة أنه لا يكفي توجيه القيود الجائز فرضها لتحقيق الغايات المحددة في النص، وإنما يتعين أن تكون هذه القيود ضرورية لتحقيق تلك الغايات. وأشارت المحكمة، في هذا الصدد، إلى تعليق اللجنة المعنية بحقوق الإنسان رقم 27 الخاص بالمادة 12 (حرية التنقل)، وهو التعليق العام الذي أصدرته اللجنة المذكورة في سنة 1999، وأكدت فيه أنه لا يكفي توجيه تلك القيود إلى الأغراض المسموح بها؛ بل ينبغي أيضاً أن يستلزمها تحقيق تلك الأغراض. والأهم من هذا كله ما شددت عليه المحكمة من أقوال اللجنة المذكورة في هذا المجال، وهو أنه يجب أن تكون القيود المسموح بها أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق الغاية المنشودة. (6)
زـــــــ فرض الأمر الواقع:
لا يخفى على أحد أن إسرائيل تريد فرض الأمر الواقع على الوضع في الضفة الغربية، وتمارس الكذب والخداع في تأكيداتها إلى المحكمة من أن الجدار وملحقاته لا يرتقيان إلى الضم والإلحاق، وأنهما ينطويان على حالة موقتة لا دائمة، وقد عبرت المحكمة عن مخاوفها من أن إنشاء الجدار والنظام المرتبط به يخلقان أمراً واقعاً على الأرض، يمكن أن يصبح دائماً وهو ما يعد من قبيل الضم.
طالبت المحكمة دول العالم بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار، ودعت الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى النظر في أية إجراءات أخرى لإنهاء الوضع غير القانوني للجدار.
ورغم أن محكمة العدل الدولية اعتبرت أن الجدار يتم بناؤه بشكل غير قانوني. لكن الرأي كان غير ملزم، وبالتالي لم يكن له تأثير يُذكر على أرض الواقع، فاستمر البناء.
ح ــــــــ ما بعد صدور الفتوى
بعد يومين من صدور قرار محكمة لاهاي وتحديداً في 11/7/ 2004 شهدت رام الله اجتماعاً موسعاً لهيئات السلطة برئاسة ياسر عرفات، ضم مجلس الأمن القومي، ومجلس الوزراء، وعدداً من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، خرج بقرار بعدم التوجه إلى مجلس الأمن لتنفيذ قرار المحكمة، وقد فسر أصحاب القرار موقفهم هذا، بالضبط الأميركي المكلف، على الجانب الفلسطيني. وبالمقابل فقد دعا الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الجانب الفلسطيني المفاوض جنباً إلى جنب مع الدول العربية، والأصدقاء في العالم، إلى التوجه إلى مجلس الأمن الدولي فوراً، ودون تأخير، وطرح مشروع قرار جديد لتنفيذ قرار المحكمة بتفكيك «الجدار»، تحت طائلة العقوبة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مؤكداً في السياق ضرورة اغتنام «هذه الفرصة الاستثنائية». (7)
في 11/7/2004 عقدت اللجنة التنفيذية اجتماعاً لها بحضور ممثلي الفصائل، لبحث الموقف من قرار محكمة لاهاي، وزّعت فيه ورقة بعنوان «عناصر الخطة الفلسطينية لتفعيل قرار لاهاي» .. قام بصياغتها ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، دعت الورقة إلى « توفير الإمكانية أن يشكل قرار المحكمة الدولية منطلقاً لاستعادة المبادرة على الصعيد الدولي»، ورأت ضرورة التحرك بسرعة، للحفاظ على الزخم الذي ولده قرار لاهاي، والبناء عليه بخطوات متتابعة وبلا تردد... غير أن سلسلة من التطورات اللاحقة أغرقت الهيئات القيادية الفلسطينية بانشغالات شكلت مبرراً، ثم عاملاً ضاغطا ًلتأجيل النظر في المسألة برمتها. منها: الأحداث الأمنية الصاخبة التي شهدها قطاع غزة في النصف الثاني من شهر تموز يوليو 2004، وامتدت إلى الضفة الغربية، واتخذت طابع التظاهرات المسلحة، وإحراق مراكز السلطة الفلسطينية، واحتلال بعضها الآخر.. على خلفية قرار رئيس السلطة، بإجراء تعيينات جديدة على رأس بعض الأجهزة الأمنية. (8)
ومنها أيضاً، أزمة حكومة أحمد قريع، وصراعه مع عرفات على الصلاحيات والنفوذ، خطة فك الارتباط مع غزة، العدوان الإسرائيلي على غزة، وما ألحقه من كوارث بالسكان المدنيين، تدهور صحة الرئيس الفلسطيني، وانتقاله إلى باريس للعلاج.
اكتفت السلطة الفلسطينية بقرار الجمعية العامة في 20/7/2004 الذي طالب إسرائيل بهدم الجدار. ولم تواصل السلطة الفلسطينية خطواتها، بحيث تعيد القرار إلى مجلس الأمن، ليصادق عليه ويصبح ملزماً لإسرائيل.
يكتسب قرار الأمم المتحدة أهمية استثنائية لأكثر من سبب، من بينها إلى جانب تأييد 150 دولة له، واعتراض 6 فقط، عن دول الاتحاد الأوروبي قد ساهمت في صياغته ووافقت عليه بالإجماع ، كما أن القرار نفسه أقر أن إسرائيل ملزمة قانونياً بهدم الجدار، ودفع تعويضات عن الأضرار التي نشأت خلال بنائه.... ويبقى قرار محكمة لاهاي انتصاراً للقضية الفلسطينية وسلاحاً بيد الحركة الوطنية الفلسطينية، يفترض اللجوء إليه سريعاً لتفعيله. (9)
الهوامش:
1- د. جبالي، صقر، «جدار الفصل العنصري: حقائق وأرقام إعداد»، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ـــــــ وفا.
2- الموسى، محمد خليل، «رأي محكمة العدل الدولية في الجدار الفاصل: الأبعاد القانونية»، ص5/ مجلة الدراسات
الفلسطينية، المجلد 18 ، العدد 69 .
3-المصدر السابق ص6
4- المصدر السابق ص8
5- المصدر السابق ص9
6ـــــــ المصدر السابق ص11
7- المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف» «خطة فك الارتباط» الكتاب الـ«13» من سلسلة الطريق إلى
الاستقلال ص 203
8- المصدر السابق، ص 204.
9- المصدر السابق ، ص 206.